كيف سيتعامل أوباما مع ايران
هل انتهت الانتخابات الرئاسية الاميركية منذ الان، قبل ايام من موعدها وباتت نتيجتها معروفة؟ ثمة حاجة الى معجزة كي يكون هناك ولو امل ضئيل، بل شعاع امل، كي ينتصر المرشح الجمهوري جون ماكين على باراك اوباما مرشح الحزب الديموقراطي. مع ذلك، لا بدّ من التريث قليلا قبل اعلان فوز مرشح المرشح الاسود. فاز اوباما ام لم يفز، والارجح انه سيفوز، يمكن القول من الان، انه كتب صفحات من التاريخ الحديث لاميركا ودخله من ابوابه الواسعة. حتى لو لم يفز، سيكون الاسود الاوّل الذي ينافس على الرئاسة في دولة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم... الى اشعار اخر.
ما الذي جعل اوباما على باب قوسين او ادنى من البيت الابيض؟ لا شك ان عوامل عدة لعبت دورا في ذلك. في مقدم العوامل الازمة الاقتصادية التي غرقت فيها الولايات المتحدة والتي كانت لها تداعيات على اقتصاد العالم كله. انها ازمة لا سابق لها في التاريخ الاميركي الحديث. يجب العودة الى العام 1929 من القرن الماضي كي يكون في الامكان اجراء مقارنة مع حدث مماثل. ولكن من المفارقات هذه المرة ان الازمة الاقتصادية الاميركية انسحبت على العالم بدليل الانهيارات التي تشهدها اسواق المال في اوروبا وحتى في دول غنية في منطقة الخليج.
سئم الاميركيون من جورج بوش الابن وبات اسمه مرتبطا بالازمة التي اذت الغالبية العظمى من المواطنين. لم يحسن جون ماكين رسم خط فاصل بينه وبين الرئيس الاميركي الحالي. في الوقت ذاته ركز منافسه على الربط بينه وبين بوش الابن ونجح في ذلك الى حد كبير، خصوصا عندما قال ان ماكين ايد في مجلس الشيوخ الذي يحتل فيه مقعدا منذ ستة وعشرين عاما نسبة تسعين في المئة من المواقف التي اتخذها الرئيس الاميركي المنتهية ولايته. علق هذا الرقم في ذهن الناس ولم يستطع ماكين الخروج بحجج تدحضه.
ارتبط اسم ماكين بجورج بوش الابن. ارتبط بالحزب الجمهوري الذي سيطر عليه المحافظون الجدد الذين ارتكبوا كل الاخطاء الممكن ارتكابها في السنوات الثماني الاخيرة بما في ذلك الفشل في الحرب على الارهاب والسقوط في الفخ العراقي لاسباب ليست مفهومة باستثناء ان بوش الابن اتخذ قرارا بتقديم العراق على صحن من فضة الى النظام الايراني. تبين بعد ما يزيد على خمس سنوات على اسقاط الولايات المتحدة النظام العائلي ـ البعثي لصدّام حسين ان هناك منتصرا واحدا وحيدا في الحرب الاميركية على العراق. اسم المنتصر هو ايران، القوة الاقليمية الوحيدة، الى جانب اسرائيل التي شجعت ادارة بوش الابن على المغامرة العراقية.
ترك الرئيس الاميركي الحالي لخليفته حربين غير منتهيتين. في افغانستان والعراق فضلا عن قنبلة موقوتة هي باكستان. من لديه ادنى شك في ان ايران كانت المنتصر الوحيد في الحرب الاميركية على العراق، يستطيع الاكتفاء بسؤال واحد: لماذا لا تتجرّأ الحكومة العراقية التي هي من صنع اميركي على توقيع الاتفاق الامني مع الولايات المتحدة؟ هل من سبب اخر غير ان معظم القياديين في الاحزاب الشيعية الكبيرة كحزب"الدعوة" و"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" واقعون تحت النفوذ الايراني، فيما لا يتقن معظم القياديين السنة سوى لغة المزايدة متناسين ان النظام السابق لم يسقط الا بفضل التدخل الاميركي المباشر؟
كم هو ثقيل ارث بوش الابن سياسيا واقتصاديا. انه يفسر الى حد كبير الرغبة الكامنة لدى معظم الاميركيين في التغيير حتى عن طريق رجل اسود عرف حتى الان كيف يكسب ثقة كثيرين منهم. في النهاية، بات مرجحا ان يكون على رأس القوة العظمى الوحيدة في العالم رجل مختلف امتلك ما يكفي من الشجاعة لمعارضة حرب العراق في العام 2003.
من يستمع الى مستشاري اوباما يكتشف انه رجل عملي الى حدّ كبير، خلافا لماكين الذي لم يترك هفوة الا وأرتكبها بما في ذلك اختيار ساره بايلن لتكون الى جانبه مرشحة لمنصب نائب الرئيس. وقد تبين ان بايلن لعبت دورا اساسيا في تراجع شعبيته. عند اوباما، يبدو كل شيء مدروسا، بما في ذلك كيفية التعاطي مع إيران. سيدخل في حوار معها ولكن من دون التساهل في موضوع السلاح النووي الذي تسعى الى امتلاكه. سيركز في الوقت ذاته على افغانستان وباكستان. يقول احد مستشاريه: ما دمنا نحاور كوريا الشمالية، لماذا لا نحاور ايران؟ يضيف هذا المستشار الذي لعب دورا مهما في عهد الرئيس كلينتون: اننا ندفع حاليا ثمن الخطأ الذي ارتكبناه عندما ذهبنا الى العراق قبل استكمال المهمة في افغانستان وباكستان. يمتلك مستشار اوباما جرأة كافية للقول ان العراق اخرج السياسة الاميركية عن السكة وأن مشاكل الشرق الاوسط زادت بسبب بوش الابن ونائبه ديك تشيني.
إننا، على الارجح، امام مشروع رئيس اميركي بارد يقيم حساباته بدقة. الاكيد انه سيدخل في حوار مع ايران. لكن ما هو اكيد ايضا انه سيكون اكثر تشددا من الجمهوريين معها. لماذا هذا الجزم؟ لسبب في غاية البساطة عائد الى انه يعترف بأنها كانت المستفيد الاول من حرب العراق وأنه لا بد من وضع حد لنفوذها باعتماد الحسنى في البداية...