صفحة 1 من 1

أصل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين

مرسل: الأربعاء يونيو 08, 2011 10:10 am
بواسطة مساعد ال سعود380.344
أصل العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين

من الظواهر التي يلاحظها المتابعون للأحداث السياسية والفكرية في حياتنا المعاصرة: كثرة الندوات والمؤتمرات الوطنية والإقليمية والدولية التي يشارك فيها المسلمون وغير المسلمين، أو ينفرد بعقدها أحد الطرفين دون الآخر. ولن نقف هنا لنبدي رأياً في مثل هذه المؤتمرات والدوافع الكامنة وراءها والفائدة المترتبة عليها. وإنما نشير إشارة عابرة إلى المنهج الذي ينهجه المؤتمرون والمتحدِّثون؛ ففي مثل هذه الندوات والحوارات كثيراً ما يقف المتحدث موقف المدافع عن الإسلام، فيلجأ إلى التسويغ أمام بعض الهجمات المغرضة على الإسلام والمسلمين، وقد يدفعه ذلك إلى شيء من التكلّف والتمحُّل في تفسير النصوص وتعليل الحوادث والوقائع، أو تبنِّي بعض الآراء التي قد لا تتفق مع ما هو مقرر في الأحوال العادية أو مع ما يمكن قوله فيها. ولو أردت أن أضرب بعض الأمثلة على ذلك لوجدتها في هذا الاهتمام الكبير بالحوار، في الوقت الذي يقوم فيه الطرف الآخر بالهجوم علينا من كل جهة ومحاربتنا بكل وسيلة مع التظاهر بالدعوة إلى الحوار والتسامح والانفتاح... ومن الأمثلة أيضاً: ما ذهب إليه بعض الأساتذة والباحثين في تقرير الأصل في العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، وتقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الحرب، والكلام على دار العهد وطبيعتها.

ونعرض في هذه المقالة قضيةً واحدة من هذه القضايا التي انتشر القول فيها يميناً ويساراً، حسب المنهج والدوافع، وهي: القاعدة العامة أو الأصل العام في علاقة دار الإسلام بدار الحرب (الدولة الإسلامية بالدولة غير المسلمة). فالبحث محصور في هذا الجانب دون الجوانب الأخرى كالعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين الذين يعيشون على أرض الدولة الإسلامية. ونبيّن أولاً معنى كلمة الأصل ليتحرَّر البحث، ثم نتبع ذلك بفقرات موجزة لبيان المسألة والآراء فيها، لنصل إلى ما نراه صواباً موافقاً للأدلة الشرعية، بغض النظر عن حال الضعف التي تسيطر على الأمة الإسلامية، فتجعل القول الصواب وكأنه خطأ أو محض خيال. والله المستعان، وبه التوفيق.

*أولاً: معنى كلمة الأصل:
تطلق كلمة «الأصل» في اللغة العربية على معنيين:
(أحدهما): أساس الشيء الذي يبنى عليه غيره، من حيث أنه يبتنى عليه، بناء حسيّاً أو معنوياً.
(والثاني): منشأ الشي، أو ما أُخذ منه الشيء مثل: القطن أصل المنسوجات؛ لأنها تنشأ منه وتؤخذ. ثمَّ كثر استعماله حتى قيل: أصلُ كلِّ شيء: ما يستند ذلك الشيء إليه؛ فالأب أصل للولد، والنهر أصل للجدول. كما يطلق أيضاً على ما يتوقف عليه الشيء، وعلى المبدأ في الزمان، أو على العلة في الوجود[1].

ثمَّ نقل علماء الشريعة كلمة «الأصل» إلى معانٍ أُخَر، مشتركاً اصطلاحياً، فأصبح يطلق بإطلاقات متعددة وهي:
أ - الأصل بمعنى الدليل. وهذا ما تعارف عليه الفقهاء والأصوليون؛ حيث يقولون: الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنة. أي: دليلها.
ب - الأصل بمعنى الراجح، أي: الأَوْلى والأحرى من الأمور. مثل قولهم: الأصل في الكلام الحقيقة». أي: الراجح عند السامع هو المعنى الحقيقي دون المعنى المجازي، وقولهم: الكتاب أصل بالنسبة إلى القياس. أي: راجح.
ج - الأصل بمعنى المقيس عليه الذي يقابل الفرع في القياس، كما في قولهم: الخمر أصل النبيذ، بمعنى أن الخمر مقيس عليها والنبيذ مقيس.
د - الأصل بمعنى القانون والقاعدة الكلية التي تُرَدُّ إليها الضوابط والاستثناءات، وتتفرع عنها الأحكام.
هـ ـ الأصل بمعنى المستصحَب، فيقال لمن كان متيقناً من الطهارة ويشك في طروء الحدث: الأصل الطهارة. أي: تستصحَب الطهارة حتى يثبت حدوث نقيضها؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
و - الأصل بمعنى القاعدة المستمرة. ومن الأمثلة على هذا المعنى قولهم: أكل الميتة على خلاف الأصل. أي: خلاف الحالة المستمرة والقاعدة العامة[2]. ولا ينافي هذه الأصالة أن يتخلف الأصل في موضع أو موضعين.
فهذه المعاني لكلمة الأصل معانٍ اصطلاحية تناسب المعنى اللغوي؛ فإن المدلول له نوع ابتناء على الدليل، وفروع القاعدة مبنيَّة عليها، وكذا المرجوح كالمجاز مثلاً له نوع ابتناء على الراجح، وكذا الطارئ بالقياس إلى المستصحب.
والذي نريده في هذا المقام هو المعنى الأخير لكلمة «الأصل» وهو القاعدة المستمرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كلمة «الأصل» بإطلاقاتها ومعانيها لا تعني حكماً تكليفياً من الوجوب والحرمة... فإذا قلنا: الأصل في العلاقة بين المسلمين والحربيين هو الحرب أو السلم أو الدعوة، فإن هذا لا يعني أننا نصدر حكماً تكليفيّاً على هذه العلاقة بأنه واجب أو حرام مثلاً. وإنما نبيِّن فقط القاعدةَ العامة التي تحكم هذا العلاقة والصِّلات بين المسلمين وغيرهم من الأمم والدول غير المسلمة.

*ثانياً: أصل العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين:
ونبدأ بذكر نبذة مما جاء في كتاب «السِّير الكبير» للإمام محمد بن الحسن الشَّيْبَاني ـ وهو أول من أفرد للعلاقات الدولية كتاباً قائماً برأسه، وهو أبو القانون الدولي في العالم ـ لنستخلص منها موقفه من هذه المسألة ورأيه فيها لنقارنه بآراء أخرى. قال ـ رحمه الله ـ: «وإذا لقي المسلمون المشركين؛ فإن كانوا قوماً لم يبلغهم الإسلام، فليس ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم، وإن كان قد بلغهم الإسلام ـ ولكن لا يدرون أنّا نقبل منهم الجزية، فينبغي ألاّ نقاتلهم حتى ندعوَهم إلى إعطاء الجزية. به أَمر رسولُ الله أمراء الجيوش، وهو آخر ما ينتهي به القتال. قال الله ـ تعالى ـ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْـجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29]، إلا أن يكونوا قوماً لا تُقبل منهم الجزية ـ كالمرتدين وعبدة الأوثان من العرب ـ فإنه لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف. فإذا أَبَوا الإسلام قوتلوا من غير أن يعرض عليهم إعطاء الجزية