- الاثنين سبتمبر 19, 2011 9:55 pm
#39129
بسم الله الرحمن الرحيم
ربما لم يكن مقصودا تماما أن ينتهي عرض كتاب عبد الإله بلقزيز (الإسلام والسياسة) بمؤشرات العودة إلى الإصلاحية وسؤال مفتوح عن جدية هذه العودة ومدى صحتها بالفعل، والكتاب التالي الذي نعرضه عن أحد أهم رواد "الإصلاحية" الشيخ رشيد رضا، وقد أعد هذه الدراسة شاب في مقتبل العمر هو محمد أبو رمان (28 سنة) وهي عبارة عن أطروحة جامعية تقدم بها أبو رمان لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة آل البيت في الأردن. وكأن في ذلك ردا بالإيجاب على سؤال بلقزيز
[/size]مفهوم السلطة السياسية
تحاول الدراسة أن تجيب على سؤال رئيس هو محور الكتاب: ما هي طبيعة مفهوم السلطة السياسية وأبعاده في فكر محمد رشيد رضا. ويجد الكاتب أن مفهوم السلطة السياسية مفهوم كلي يتشكل ويتكون من خلال مجموعة مفاهيم رئيسية في فكر رشيد رضا تشكل رابطة سياسية تنطلق من سلطة الأمة ثم أهل الحل والعقد ممثلي الأمة والحاكم المنتخب من قبلهم.
والسلطة السياسية في فكر رشيد رضا تتميز بخصائص منبثقة من الرؤية المعرفية والإطار الحضاري الإسلامي. وترتبط شرعية السلطة السياسية بشروط واضحة محددة، وهناك ضوابط متعددة تشكل إطارا ينبغي أن تسير فيه السلطة وألا تخالفه، ومن أهمها: الالتزام بالقيم السياسية الإسلامية، وبالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وفهم السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة للوجود الإنساني والتجمع البشري.
وقد اعتمد رشيد رضا في تعريفه لمفهوم السياسة على الجمع بين التراث السياسي الإسلامي وتعريفات غربية حديثة مستفيدا من مبدأ فصل السلطات، فاعتبر أهل الحل والعقد بمثابة السلطة التشريعية (أخذا بعين الاعتبار الفروقات المعرفية والحضارية) واعتبر الإمام بمثابة رئيس السلطة التنفيذية، وقارن بين مبدأ العقد والبيعة في الفكر الإسلامي، وبين مبدأ الانتخاب والنيابة في الفكر السياسي الغربي.
ويربط رشيد رضا شرعية السلطة السياسية برضا الأمة وقبولها، فأهل الحل والعقد تنتخبهم الأمة، والإمام ينتخبه ممثلو الأمة (أهل الحل والعقد). ويرفض حكم التغلب في كل الحالات.
ممارسة السلطة السياسية:-
وفي ممارسة السلطة السياسية يعتقد رشيد رضا أنها يجب أن تلتزم بالأصول العقيدية والضوابط الشرعية، فعلى مستوى القيم السياسية الإسلامية والتي تتأسس وترتكز على القيمة العليا وهي التوحيد والعدل، وفي ذلك يختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الليبرالي الذي يجعل الحرية قيمة عليا، وعن الفكر الاشتراكي الذي يجعل المساواة قيمة عليا.
وعلى مستوى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية فإن "المصالح" هي محور السياسة الشرعية، وترتبط الممارسة التشريعية للسلطة السياسية بالنص والمصلحة، وهو هنا يقدم المصالح المرسلة على النص مخالفا جمهور أهل السنة. وعلى مستوى السنن الحاكمة للاجتماع البشري والوجود الإنساني فهي عند رشيد رضا أساس تقدم الأمة وتأخرها
وقد تأثر رشيد رضا في مسألة سقوط السلطة وعزلها بما ذكره الفقهاء والعلماء المسلمون سابقا، إلا أنه تجاوز مجموعة كبيرة من علماء السنة واتجاهات رئيسية في الفكر السياسي السني وقدم آراء وأفكارا تتسق مع التراكم الفكري والمعرفي في الثقافة السياسية الغربية الديمقراطية
الإمامة الشرعية وغير الشرعية:-
ويميز رشيد رضا بين الإمامة الشرعية المستوفية للشروط والتي جاءت عن طريق الاختيار الحر والإرادة الشعبية وبين الإمامة التي جاءت عن طريق القوة والتغلب، فموجبات سقوط الثانية والخروج عليها قائمة أصلا. ولأهل الحل والعقد عزل الإمام سلميا أو بالقوة إن هو رفض قرار العزل، وتلك مسألة تقدر بالمصالح والمفاسد والظروف السياسية. وتشمل وظيفة السلطة السياسية شؤون الدين والأخلاق والشرائع والشعائر، وتشمل أيضا مصالح الناس وحاجاتهم.
ويجد أبو رمان أن رشيد رضا قدم آراء وأفكارا جديدة في مفهوم السلطة السياسية منها: ضرورة التأصيل المعرفي والربط بين مصادر التنظير السياسي الإسلامي وبين آراء المفكر السياسي الاجتهادية، ودور الدين وما ينبثق عنه من خصائص ومبادئ وقيم وأخلاق في موضوع السلطة السياسية وضوابط ممارستها. وأهمية شرعية السلطة السياسة، وأن السلطة السياسية في الإسلام مدنية وسلطة مؤسسات منطقها الحريات وحقوق الإنسان وأن الحاكم موظف لدى الشعب، وحيوية الأمة وثقافتها رافد رئيس ومهم في توجيه الحياة السياسية وضبط إيقاع السلطة بما لا يتناقض مع مصالح الأمة وثوابتها العامة.
وتعد سلطة الأمة الركيزة الأولى في الرابطة السياسية الإسلامية، وذلك يعني تمتع أفراد الشعب أو الأمة بكافة الحقوق السيادية والتي يفوضون جزءا منها إلى السلطة السياسية، وتشمل الجنسية السياسية للأمة الإسلامية الأقليات الأخرى في حدود الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية
اختيار أهل الحل والعقد:-
والأمة تختار أهل الحل والعقد الذين تثق بهم (من العلماء وقادة الجيش والمصالح العامة ورؤساء العمل والأحزاب ... ) ليمثلوها بالوظيفة السياسية نيابة عنها، وقد يكون اختيارهم بالانتخاب (العبرة بأن تثق الأمة وترضى بهم) ويختار نواب الأمة هؤلاء رئيس الدولة (الخليفة) لتنفيذ الشريعة، ويؤيدونه بالرأي والعمل، ويكون منهم أهل الشورى والوزراء والقضاة، فأهل الحل والعقد يعتبرون السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو مفهوم للسلطة قريب من نظام (الجمعية) الذي يجعل السلطة التشريعية هي الأساس في النظام السياسي وتمتلك صلاحيات تشريعية ورقابية ويختار منها أعضاء السلطة التنفيذية والقضائية.
والإمام الذي يختاره أهل الحل والعقد هو رئيس السلطة التنفيذية وهو رئيس الحكومة، وتقتصر صلاحياته على الشؤون التنفيذية دون التشريعية، ويقيدها الدستور والتشريعات.
والإمامة واجبة فيقول: "أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن تولية إمام على الأمة واجب على المسلمين شرعا لا عقلا فقط كما قال بعض المعتزلة".
والسلطة في فكر رشيد رضا وسطية تجمع بين مصالح الدين والدنيا، ومدنية وليست دينية، ومقيدة ومحكومة بمبدأ الشورى، وتعبر عن الواقع الحضاري للأمة.
ولا يرى مانعا في حالة ضعف الأمة وعدم أهليتها في أن يتسلم السلطة قائد عادل مصلح ومستبد يسوق الناس إلى النهضة سوقا لكونه يحكم أمة خاملة ورعية جاهلة فيحملها بالقهر والإلزام على ما يطلب ويرام".
يوافق رشيد رضا علماء السلف في شروط الولاية لأهل الاختيار (الحل والعقد) والإمام دون تحديد ملزم لآليات ومرجعيات تحديد هذه الشروط وقبولها أو رفضها ويقدر هذه الرؤية بأنها تتجاوز تقديس الزعامات وتبتعد أيضا عن الديمقراطية المتطرفة والمساواة المتطرفة، ويراها مساواة إسلامية معتدلة.
الأمة والسلطة:-
يعرف رشيد رضا الإمامة بأنها عقد يتم عن طريق الاختيار والشورى، فالأمة هي مصدر السلطات، وبغير البيعة (العقد بين الأمة والحاكم) فإن السلطة تعتبر غير شرعية. وهو يرفض مبدأ الوراثة والاستخلاف غير المستند إلى موافقة أهل الحل والعقد وقبولهم (يعني أنه يمكن أن يقبل به).
ويقترب رشيد رضا في تفكيره حول اختيار السلطة السياسية من النظم السياسية الغربية التي ينتخب فيها الرئيس على مرحلتين: الأولى اختيار أهل الحل والعقد من قبل الأمة بأسرها، والثانية اختيار الحاكم من قبل أهل الحل والعقد، وهو نظام الجمعية النيابي. وهنا يتقدم رشيد رضا خطوة على مفكري وعلماء الإسلام السابقين في تحديد آلية منضبطة لتحديد أهل الحل والعقد واختيارهم. وأن تناط شرعية الحاكم بالبيعة التي تعتبر عقدا بين الأمة والحاكم
ولاية العهد والاستخلاف:-
يضع رشيد رضا شروطا للاستخلاف والعهد وهي: أن تتوافر الشروط الكاملة للخلافة في المستخلف، وأن يكون الاستخلاف توصية لأهل الاختيار وليس إلزاما، وأن ينال البيعة.
وينتقد فكرة الاستخلاف المفروض جبرا والتي سادت بعد الخلفاء الراشدين، ويستوي في هذا أن يكون المستخلف ابن أو أخا الحاكم أو قريبه أو نائبه من غير أهله.
ويرفض رشيد رضا الحكم القهري الذي يفرض على الناس دون إرادتهم وموافقتهم، ويعتبر هذا النوع من السلطة غير شرعية، ويقول: "لا يجوز أن توطن الأنفس على دوامها ولا أن تجعل الإمامة كالكرة بين المتغلبين يتقاذفونها ويتلقونها"
سقوط السلطة السياسية:-
يميز رشيد رضا بين نوعين من السلطة: الشرعية والقهرية، ولكل واحدة منهما محددات للعزل، ففي النوع الأول من السلطة تعزل إذا حدثت أمور أو استحدثت أحداث تغير من شرعيتها، مثل تقصير الحاكم في واجباته ومسؤولياته وخرقه البيعة والجور والطغيان. وأما حكم القهر والغلبة فإن بقاءه مرتبط بالضرورات لأن الأصل رفضه وعدم وجوده.
القيم السياسية للسلطة:-
يستخلص رشيد رضا مجموعة من المبادئ التي تعد أساسا لفلسفة الحكم في الإسلام وهي: التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام ويتنافى معه التسلط والقهر والحكم المطلق وينبثق عن التوحيد العدل الذي يمثل القيمة الثانية للحكم، فهو شرط تولي السلطة والذي يضيف الشرعية إلى السلطة أو ينزعها منها، وينقل ما يقوله ابن القيم "أينما وجد العدل فثم شرع الله" والعدل يتفق مع الوسطية الميزة الرئيسية للإسلام والأمة الإسلامية، ويرفض الاستبداد الذي اعتبره "شرط امتناع" متى وجد غابت العدالة.
وأعطى رشيد رضا أبعادا كبيرة للحرية باعتبارها قيمة أساسية للحكم كحرية التنظيم والتجمع، وحرية التعبير والرأي والنشر، وحرية الاعتقاد والعبادة، والمشاركة في الحكم وصناعة القرار السياسي، ويراها تطلق الإبداع والثقة بالنفس، وهي تتفق مع العدالة وتساندها.
لقد حشد الكاتب قدرا كبيرا من النصوص والقراءات، فقد استخدم أكثر من مائتي مرجع وما لا يقل عن خمسة آلاف اقتباس، وبرغم الجهد الكبير والمهم في ذلك فقد كان الكتاب مرهقا في صياغته وتنظيمه وعرض أفكاره ومعالجة النصوص والاقتباسات ودمجها في السياق العام للكتاب والخاص بالكاتب، وكان العرض غير متدفق والأسلوب يجعل القارئ يشعر بالتيه والضياع وعدم القدرة على المتابعة، ويبدو أنه استغنى بالكمبيوتر عن إعادة الكتابة والصياغة وصار هذا الأسلوب من عموم أخطاء الكتابة، وهو يحرم الكاتب من إعادة صياغة أفكاره وتنظيمها واستيعابها في سياق واحد تظهر فيه شخصية الكاتب.
ولكن الكتاب إضافة مهمة وضروية لاستعادة الفكر الإصلاحي السياسي بعدما طغت عليه موجة الممارسات الآنية. ويمثل الكتاب أيضا استجابة لضرورات واقتناعات صارت مؤكدة ومقبولة حول إعادة تكييف العمل الإسلامي ليتفق مع مرحلة مجتمعية وليخرج من احتكار تنظيم أو مجموعة محددة لتمارسه وتمتلكه المجتمعات والأمة كلها، ولتأهيل المجتمع ليتحمل مسؤولياته في الفكر والممارسة.
[/size][/size]
ربما لم يكن مقصودا تماما أن ينتهي عرض كتاب عبد الإله بلقزيز (الإسلام والسياسة) بمؤشرات العودة إلى الإصلاحية وسؤال مفتوح عن جدية هذه العودة ومدى صحتها بالفعل، والكتاب التالي الذي نعرضه عن أحد أهم رواد "الإصلاحية" الشيخ رشيد رضا، وقد أعد هذه الدراسة شاب في مقتبل العمر هو محمد أبو رمان (28 سنة) وهي عبارة عن أطروحة جامعية تقدم بها أبو رمان لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة آل البيت في الأردن. وكأن في ذلك ردا بالإيجاب على سؤال بلقزيز
[/size]مفهوم السلطة السياسية
تحاول الدراسة أن تجيب على سؤال رئيس هو محور الكتاب: ما هي طبيعة مفهوم السلطة السياسية وأبعاده في فكر محمد رشيد رضا. ويجد الكاتب أن مفهوم السلطة السياسية مفهوم كلي يتشكل ويتكون من خلال مجموعة مفاهيم رئيسية في فكر رشيد رضا تشكل رابطة سياسية تنطلق من سلطة الأمة ثم أهل الحل والعقد ممثلي الأمة والحاكم المنتخب من قبلهم.
والسلطة السياسية في فكر رشيد رضا تتميز بخصائص منبثقة من الرؤية المعرفية والإطار الحضاري الإسلامي. وترتبط شرعية السلطة السياسية بشروط واضحة محددة، وهناك ضوابط متعددة تشكل إطارا ينبغي أن تسير فيه السلطة وألا تخالفه، ومن أهمها: الالتزام بالقيم السياسية الإسلامية، وبالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وفهم السنن الكونية والاجتماعية الحاكمة للوجود الإنساني والتجمع البشري.
وقد اعتمد رشيد رضا في تعريفه لمفهوم السياسة على الجمع بين التراث السياسي الإسلامي وتعريفات غربية حديثة مستفيدا من مبدأ فصل السلطات، فاعتبر أهل الحل والعقد بمثابة السلطة التشريعية (أخذا بعين الاعتبار الفروقات المعرفية والحضارية) واعتبر الإمام بمثابة رئيس السلطة التنفيذية، وقارن بين مبدأ العقد والبيعة في الفكر الإسلامي، وبين مبدأ الانتخاب والنيابة في الفكر السياسي الغربي.
ويربط رشيد رضا شرعية السلطة السياسية برضا الأمة وقبولها، فأهل الحل والعقد تنتخبهم الأمة، والإمام ينتخبه ممثلو الأمة (أهل الحل والعقد). ويرفض حكم التغلب في كل الحالات.
ممارسة السلطة السياسية:-
وفي ممارسة السلطة السياسية يعتقد رشيد رضا أنها يجب أن تلتزم بالأصول العقيدية والضوابط الشرعية، فعلى مستوى القيم السياسية الإسلامية والتي تتأسس وترتكز على القيمة العليا وهي التوحيد والعدل، وفي ذلك يختلف الفكر الإسلامي عن الفكر الليبرالي الذي يجعل الحرية قيمة عليا، وعن الفكر الاشتراكي الذي يجعل المساواة قيمة عليا.
وعلى مستوى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية فإن "المصالح" هي محور السياسة الشرعية، وترتبط الممارسة التشريعية للسلطة السياسية بالنص والمصلحة، وهو هنا يقدم المصالح المرسلة على النص مخالفا جمهور أهل السنة. وعلى مستوى السنن الحاكمة للاجتماع البشري والوجود الإنساني فهي عند رشيد رضا أساس تقدم الأمة وتأخرها
وقد تأثر رشيد رضا في مسألة سقوط السلطة وعزلها بما ذكره الفقهاء والعلماء المسلمون سابقا، إلا أنه تجاوز مجموعة كبيرة من علماء السنة واتجاهات رئيسية في الفكر السياسي السني وقدم آراء وأفكارا تتسق مع التراكم الفكري والمعرفي في الثقافة السياسية الغربية الديمقراطية
الإمامة الشرعية وغير الشرعية:-
ويميز رشيد رضا بين الإمامة الشرعية المستوفية للشروط والتي جاءت عن طريق الاختيار الحر والإرادة الشعبية وبين الإمامة التي جاءت عن طريق القوة والتغلب، فموجبات سقوط الثانية والخروج عليها قائمة أصلا. ولأهل الحل والعقد عزل الإمام سلميا أو بالقوة إن هو رفض قرار العزل، وتلك مسألة تقدر بالمصالح والمفاسد والظروف السياسية. وتشمل وظيفة السلطة السياسية شؤون الدين والأخلاق والشرائع والشعائر، وتشمل أيضا مصالح الناس وحاجاتهم.
ويجد أبو رمان أن رشيد رضا قدم آراء وأفكارا جديدة في مفهوم السلطة السياسية منها: ضرورة التأصيل المعرفي والربط بين مصادر التنظير السياسي الإسلامي وبين آراء المفكر السياسي الاجتهادية، ودور الدين وما ينبثق عنه من خصائص ومبادئ وقيم وأخلاق في موضوع السلطة السياسية وضوابط ممارستها. وأهمية شرعية السلطة السياسة، وأن السلطة السياسية في الإسلام مدنية وسلطة مؤسسات منطقها الحريات وحقوق الإنسان وأن الحاكم موظف لدى الشعب، وحيوية الأمة وثقافتها رافد رئيس ومهم في توجيه الحياة السياسية وضبط إيقاع السلطة بما لا يتناقض مع مصالح الأمة وثوابتها العامة.
وتعد سلطة الأمة الركيزة الأولى في الرابطة السياسية الإسلامية، وذلك يعني تمتع أفراد الشعب أو الأمة بكافة الحقوق السيادية والتي يفوضون جزءا منها إلى السلطة السياسية، وتشمل الجنسية السياسية للأمة الإسلامية الأقليات الأخرى في حدود الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية
اختيار أهل الحل والعقد:-
والأمة تختار أهل الحل والعقد الذين تثق بهم (من العلماء وقادة الجيش والمصالح العامة ورؤساء العمل والأحزاب ... ) ليمثلوها بالوظيفة السياسية نيابة عنها، وقد يكون اختيارهم بالانتخاب (العبرة بأن تثق الأمة وترضى بهم) ويختار نواب الأمة هؤلاء رئيس الدولة (الخليفة) لتنفيذ الشريعة، ويؤيدونه بالرأي والعمل، ويكون منهم أهل الشورى والوزراء والقضاة، فأهل الحل والعقد يعتبرون السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو مفهوم للسلطة قريب من نظام (الجمعية) الذي يجعل السلطة التشريعية هي الأساس في النظام السياسي وتمتلك صلاحيات تشريعية ورقابية ويختار منها أعضاء السلطة التنفيذية والقضائية.
والإمام الذي يختاره أهل الحل والعقد هو رئيس السلطة التنفيذية وهو رئيس الحكومة، وتقتصر صلاحياته على الشؤون التنفيذية دون التشريعية، ويقيدها الدستور والتشريعات.
والإمامة واجبة فيقول: "أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن تولية إمام على الأمة واجب على المسلمين شرعا لا عقلا فقط كما قال بعض المعتزلة".
والسلطة في فكر رشيد رضا وسطية تجمع بين مصالح الدين والدنيا، ومدنية وليست دينية، ومقيدة ومحكومة بمبدأ الشورى، وتعبر عن الواقع الحضاري للأمة.
ولا يرى مانعا في حالة ضعف الأمة وعدم أهليتها في أن يتسلم السلطة قائد عادل مصلح ومستبد يسوق الناس إلى النهضة سوقا لكونه يحكم أمة خاملة ورعية جاهلة فيحملها بالقهر والإلزام على ما يطلب ويرام".
يوافق رشيد رضا علماء السلف في شروط الولاية لأهل الاختيار (الحل والعقد) والإمام دون تحديد ملزم لآليات ومرجعيات تحديد هذه الشروط وقبولها أو رفضها ويقدر هذه الرؤية بأنها تتجاوز تقديس الزعامات وتبتعد أيضا عن الديمقراطية المتطرفة والمساواة المتطرفة، ويراها مساواة إسلامية معتدلة.
الأمة والسلطة:-
يعرف رشيد رضا الإمامة بأنها عقد يتم عن طريق الاختيار والشورى، فالأمة هي مصدر السلطات، وبغير البيعة (العقد بين الأمة والحاكم) فإن السلطة تعتبر غير شرعية. وهو يرفض مبدأ الوراثة والاستخلاف غير المستند إلى موافقة أهل الحل والعقد وقبولهم (يعني أنه يمكن أن يقبل به).
ويقترب رشيد رضا في تفكيره حول اختيار السلطة السياسية من النظم السياسية الغربية التي ينتخب فيها الرئيس على مرحلتين: الأولى اختيار أهل الحل والعقد من قبل الأمة بأسرها، والثانية اختيار الحاكم من قبل أهل الحل والعقد، وهو نظام الجمعية النيابي. وهنا يتقدم رشيد رضا خطوة على مفكري وعلماء الإسلام السابقين في تحديد آلية منضبطة لتحديد أهل الحل والعقد واختيارهم. وأن تناط شرعية الحاكم بالبيعة التي تعتبر عقدا بين الأمة والحاكم
ولاية العهد والاستخلاف:-
يضع رشيد رضا شروطا للاستخلاف والعهد وهي: أن تتوافر الشروط الكاملة للخلافة في المستخلف، وأن يكون الاستخلاف توصية لأهل الاختيار وليس إلزاما، وأن ينال البيعة.
وينتقد فكرة الاستخلاف المفروض جبرا والتي سادت بعد الخلفاء الراشدين، ويستوي في هذا أن يكون المستخلف ابن أو أخا الحاكم أو قريبه أو نائبه من غير أهله.
ويرفض رشيد رضا الحكم القهري الذي يفرض على الناس دون إرادتهم وموافقتهم، ويعتبر هذا النوع من السلطة غير شرعية، ويقول: "لا يجوز أن توطن الأنفس على دوامها ولا أن تجعل الإمامة كالكرة بين المتغلبين يتقاذفونها ويتلقونها"
سقوط السلطة السياسية:-
يميز رشيد رضا بين نوعين من السلطة: الشرعية والقهرية، ولكل واحدة منهما محددات للعزل، ففي النوع الأول من السلطة تعزل إذا حدثت أمور أو استحدثت أحداث تغير من شرعيتها، مثل تقصير الحاكم في واجباته ومسؤولياته وخرقه البيعة والجور والطغيان. وأما حكم القهر والغلبة فإن بقاءه مرتبط بالضرورات لأن الأصل رفضه وعدم وجوده.
القيم السياسية للسلطة:-
يستخلص رشيد رضا مجموعة من المبادئ التي تعد أساسا لفلسفة الحكم في الإسلام وهي: التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام ويتنافى معه التسلط والقهر والحكم المطلق وينبثق عن التوحيد العدل الذي يمثل القيمة الثانية للحكم، فهو شرط تولي السلطة والذي يضيف الشرعية إلى السلطة أو ينزعها منها، وينقل ما يقوله ابن القيم "أينما وجد العدل فثم شرع الله" والعدل يتفق مع الوسطية الميزة الرئيسية للإسلام والأمة الإسلامية، ويرفض الاستبداد الذي اعتبره "شرط امتناع" متى وجد غابت العدالة.
وأعطى رشيد رضا أبعادا كبيرة للحرية باعتبارها قيمة أساسية للحكم كحرية التنظيم والتجمع، وحرية التعبير والرأي والنشر، وحرية الاعتقاد والعبادة، والمشاركة في الحكم وصناعة القرار السياسي، ويراها تطلق الإبداع والثقة بالنفس، وهي تتفق مع العدالة وتساندها.
لقد حشد الكاتب قدرا كبيرا من النصوص والقراءات، فقد استخدم أكثر من مائتي مرجع وما لا يقل عن خمسة آلاف اقتباس، وبرغم الجهد الكبير والمهم في ذلك فقد كان الكتاب مرهقا في صياغته وتنظيمه وعرض أفكاره ومعالجة النصوص والاقتباسات ودمجها في السياق العام للكتاب والخاص بالكاتب، وكان العرض غير متدفق والأسلوب يجعل القارئ يشعر بالتيه والضياع وعدم القدرة على المتابعة، ويبدو أنه استغنى بالكمبيوتر عن إعادة الكتابة والصياغة وصار هذا الأسلوب من عموم أخطاء الكتابة، وهو يحرم الكاتب من إعادة صياغة أفكاره وتنظيمها واستيعابها في سياق واحد تظهر فيه شخصية الكاتب.
ولكن الكتاب إضافة مهمة وضروية لاستعادة الفكر الإصلاحي السياسي بعدما طغت عليه موجة الممارسات الآنية. ويمثل الكتاب أيضا استجابة لضرورات واقتناعات صارت مؤكدة ومقبولة حول إعادة تكييف العمل الإسلامي ليتفق مع مرحلة مجتمعية وليخرج من احتكار تنظيم أو مجموعة محددة لتمارسه وتمتلكه المجتمعات والأمة كلها، ولتأهيل المجتمع ليتحمل مسؤولياته في الفكر والممارسة.
[/size][/size]