صفحة 1 من 1

لقمة العيش اشد خطرا من تهديدات ايران

مرسل: الثلاثاء سبتمبر 20, 2011 9:23 pm
بواسطة سالم علي القحطاني

"لقمة العيش" أشد خطراً من تهديدات إيران

الدول الخليجية في أمس الحاجة إلى أهداف استراتيجية على مستوى القمة الخليجية لمواجهة تحدياتها الرئيسية في شح المياه وتناقص الغذاء. بل نحن في أمس الحاجة إلى إعادة تنظيم أولوياتنا الملحّة لمواجهة هذه التحديات



رعونة إيران وتهديدات تجار الحرب فيها لا ترتقي إلى مستوى خطورة التحديات المزمنة لشحّ المياه وتناقص الغذاء في الدول الخليجية.
نحن اليوم نمتلك 44% من مخزون النفط العالمي و24% من مخزون الغاز الطبيعي، التي تساوي 60 ضعف قيمة التجارة العالمية السنوية، ولكننا ما زلنا نعتمد على الغذاء المستورد ومحطات التحلية المستوردة وقطع غيارها الأجنبية وتقنياتها المتقدمة.
نحن اليوم نستهلك 88 مليار متر مكعب من المياه العذبة سنوياً من خلال اعتمادنا على محطات تحلية المياه بنسبة لا تقل عن 65%، والمياه الجوفية الناضبة بنسبة لا تزيد عن 35%، لنصبح من أكثر شعوب العالم إسرافاً في استخدام المياه بالنسبة لعدد السكان.
نحن اليوم نستورد 83% من احتياجاتنا الغذائية من 126 دولة، لنحتل المرتبة 18 بين دول العالم في قيمة هذه الواردات، ونتربع قائمة أكبر القوى الشرائية للمواد الغذائية الأساسية في العالم بالنسبة لعدد السكان.
خلال العقدين الماضيين تفاقمت الفجوة الغذائية في الدول الخليجة نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي من 3% إلى 1,5% سنوياً، وصاحب ذلك نمواً في استهلاك الشعوب الخليجية بمعدل يزيد عن 15% سنوياً.
منظومتنا الخليجية تعتبر اليوم من أكثر مناطق العالم اعتماداً على الواردات الغذائية، حيث فاقت في العام الماضي ما قيمته 27 مليار دولار، لتشكل 16% من قيمة كافة الواردات، مما يؤكد سوء وضع الأمن الغذائي الخليجي. أصبحنا اليوم نعاني من فجوة غذائية مزمنة تفوق نسبة 76% في القمح، و92% في الذرة، و86% في الشعير، و100% في الأرز، و34% في اللحوم والألبان.
إنشاء المخزون الاستراتيجي للمياه لا يجب أن يبقى حلماً نجهل تحقيقه، أو هدفاً نلهث وراء تحديده. نحن اليوم في أمس الحاجة لتكوين بنك المعلومات المائية وتحديد مصادرها الطبيعية وتأمين مكامنها الجوفية.
علماً بأننا نستقبل كل عام من الأمطار أربعة أضعاف احتياجاتنا من المياه سنوياً، إلا أن الدول الخليجية لا تستفيد منها، لأن شعابها الرملية وتربتها الأسفنجية تمتص معظم الأمطار لتنتهي في المكامن الجوفية غير الآمنة، بينما يذهب بعضها إلى البحر أو تختفي في الأودية وخلف السدود، ليتبخر أكثرها في الهواء.
بناء المخزون الآمن للمياه يحقق الاستفادة الفصوى من مياه الأمطار ويعمل على تخفيض كميات النفط المستخدم لتشغيل محطات التحلية بأبخس الأسعار، التي من المتوقع أن تتضاعف في عام 2020.
المخزون الاستراتيجي للغذاء، وليس الاستثمار الزراعي الخارجي، لا يقل أهمية عن المياه، بل هو الهدف الأساس لتحقيق الأمن الغذائي الخليجي. على عكس قواعد الاستثمار الخارجي في الصناعة، فإن الاستثمار الزراعي الخارجي يخضع لاتفاقات دولية بالغة التعقيد، لكونها تمنح كافة الدول الحق في حظر تصدير منتجاتها الغذائية خارج أراضيها وحصر بيعها في أسواقها المحلية فقط، إذا وجدت أن ذلك في مصلحة شعوبها واقتصادياتها.
هذا يعني أن المنتجات الزراعية في الدول تذهب أولاً لاحتياجات سكان الدولة التي تم الاستثمار في زراعة أراضيها، وتخضع أحكام إنتاجها وتصديرها لاتفاقيات دولية بالغة التعقيد، تشبه تلك التي تحكم إنتاج وتصدير ثروات الأرض النفطية والمعدنية.
هذه الاتفاقيات تعتبر المنتجات الزراعية ملكاً حصرياً للدول المنتجة لها في أراضيها، وذلك طبقاً لما نصت عليه المادة (11- 2- أ) من اتفاقية (الجات) في منظمة التجارة العالمية، التي منحت كافة الدول: "الحق في فرض الحظر على الصادرات الزراعية بقصد منع أو التخفيف من وطأة أوجه النقص الحرج أو الحاد في المواد الغذائية أو المنتجات الأخرى التي تعد ضرورية لمواطنيها ولا غنى عنها".
إضافة لذلك فإن المستثمرين في الزراعة الخارجية ملتزمون لدى تصدير منتجاتهم بمبدأ حق الدولة الأولى بالرعاية، دون التمييز في أسعار بيعها على الغير. فلا يحق للمستثمر الخليجي تخفيضها أو رفعها لدى تصديرها لبلاده، حتى إذا كانت هذه الاستثمارات الخارجية ومنتجاتها مملوكة له بنسبة 100%. وفي حال عدم الالتزام بهذه القاعدة فإن الدول التي فتحت أراضيها للاستثمار الزراعي الخارجي سوف تواجه قضايا عدم الالتزام بالمادة (1) من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات)، التي تنص على أن: "التفضيلات والامتيازات والإعفاءات والحصانات الممنوحة من أي دولة لأي منتج منشأة أو جهته أي دولة أخرى، يجب أن تمنح مباشرة ودونما قيد أو شرط للمنتج المماثل الذي منشؤه أو جهته أراضي كافة الدول الأخرى".
من خلال هذه النصوص القانونية المتفق عليها بين كافة الدول الأعضاء في النظام التجاري العالمي، فرضت روسيا الحظر على تصدير القمح بسبب الحرائق التي داهمت إنتاجه، وفرضت كل من الهند وتايلند والصين ومصر الحظر على تصدير الأرز في عام 2008 بسبب انخفاض مستوى مخزونه، وفرضت أستراليا الحظر على تصدير الشعير قبل خمسة أعوام بسبب موجة الجفاف التي أصابت مزارعه، كما فرضت الفليبين وإندونيسيا وماليزيا الحظر على تصدير زيوت النخيل قبل عشرة أعوام لإجبار المزارعين لديها على تخفيض أسعار هذه السلع في أسواقها المحلية.
الدول الخليجية في أمس الحاجة إلى أهداف استراتيجية على مستوى القمة الخليجية لمواجهة تحدياتها الرئيسية في شح المياه وتناقص الغذاء. بل نحن في أمس الحاجة إلى إعادة تنظيم أولوياتنا الملحّة لمواجهة هذه التحديات بشكل جذري، وتوجيه طاقاتنا البشرية ومواردنا المالية لبناء المخزون الاستراتيجي الآمن للمياه والغذاء داخل أوطاننا.