بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف أعمال السيادة ومعاييره:
أعمال السيادة هي الأعمال التي ليس للقضاء سلطة المراقبة عليها وهي تلك الأعمال التي تتصل بالسيادة العليا للدولة والإجراءات التي تتخذها السلطة التنفيذية بصفتها حكومة ليس بصفتها إدارة وذلك للمحافظة على أمنها وإستقرارها الداخلي والخارجي . ويتضح لنا من هذا التعريف أن للدولة من أجل المحافظة على أمنها وإستقراراها إتخاذ كافة الإجراءات والتدابير دون خضوع هذه الإجراءات والتدابير لرقابة السلطة القضائية ، لذلك لا يمكن لأي شخص كان مقاضاة الدولة بسبب أحد هذه الأعمال السيادية ، ورغم أن هذه الأعمال لا يوجد نص قانوني يحددها وترك تحديدها للقضاء ، إلا أن هناك معايير معينة ومحددة يمكن تحديد هذه الأعمال ومعرفتها عن طريقها . وهي ستة معايير هي كالآتي :
1- معيار الباعث السياسي :
لعل هذا المعيار هو أوسع المعايير من حيث فسح مجال أكبر للدولة لكي تكيف كثير من الأعمال على أنها من أعمال السيادة ، ولو تأملنا في هذا المعيار سنجد أن المراد منه هو النظر الى العمل بالنظر الى باعثه أو الدافع اليه فإن كان العمل الدافع اليه سياسي ويتعلق بالسياسة وأن سبب إتخاذ هذا القرار يعود لسياسة الدولة فهذا العمل يصبح من أعمال السيادة وعلى القضاء التنحي عن نظر هذه الدعوى . مثال ذلك هناك بعض الدول العربية العاملة بالتطبيع مع إسرائيل أنشأت سفارة إسرائيلية داخل إقليمية ، هنا لا يحق للقضاء التدخل والإعتراض على وجود هذه السفارة لأن الدافع وراء هذا العمل هو سياسي قامت به السلطة التنفيذية بصفتها سلطة حاكمة وليست سلطة إدارية .
2- معيار طبيعة العمل ذاته :
هنا ينظر القضاء الى هذه الأعمال من خلال طبيعته وتقسيمه الى أعمال الحكم وأعمال الإدارة ، فهنا يتم الحكم على هذا العمل سواء كان من أعمال الحكم أي أصدرتها السلطة التنفيذية بصفتها سلطة حاكمة أرادت من خلالها ضبط الأمن المتعلق بالدولة الداخلي والخارجي ، أو كانت هذا العمل من أعمال الإدارة أي قامت بها بصفتها سلطة إدارية وظيفتها إدارة الدولة وجلب النفع لها والحفاظ عليها من الأضرار .
3- معيار النصوص القانونية المطبقة :
وهنا قد يستخدم القضاء هذا المعيار لتحديد الأعمال السيادية عن غيرها من الأعمال الإدارية ، وهنا ينظر لهذه الأعمال من خلال النصوص القانونية التي إعتمدت الإدارة عليها أثناء إصدار هذا القرار ، فإن كان إصداره يعود إلى إستنادها لقواعد القانون الدستوري أو النظام الأساسي للحكم فهذا العمل يصبح عملاً سيادي ، أما في حال إعتمدت الإدارة على القوانين والتشريعات العادية فهذا العمل يصبح من أعمال الإدارة وهنا يخضع هذا العمل لرقابة السلطة القضائية .
4- معيار العمل المختلط :
هذا المعيار يعتمد على النظر للعمل الذي قامت به الإدارة بمناسبة علاقتها مع السلطات الأخرى سواء كانت هذه السلطات إقليمية أو دولية ، فعلاقة مجلس الوزراء بصفته هو السلطة التنفيذية بالمجلس الأعلى للقضاء بصفته هو السلطة القضائية هذا يعد من أعمال السيادة ولا يخضع لرقابة القضاء ، أيضاً علاقة الدولة بالدول الأخرى هو يعد من أعمال السيادة لايخضع لرقابة القضاء .
5- معيار القائمة القضائية :
هنا ترك المجال مفتوحاً أمام القضاء لتحديد هذه الأعمال وتكييفها من حيث إندراجها تحت أعمال السيادة أم كانت من أعمال الإدارة ، ولعل هذا هو أفضل معيار وهو المطبق في كثير من الدول ، لأن ذلك من شأنه فسح المجال أمام القضاء والقضاة من تكييف أي عمل لأعمال السيادة أو غيره ، وذلك يكون بإعتمادهم على إستقراء الأحكام القضائية وإستخلاص العمل السيادي منها ووضعها في قائمة مخصصة لذلك .
6- النظرية السلبية :
هذه النظرية هي جائت مخالفة لكل المعايير السابقة ، حيث ان هذه النظرية قامت على نفي ما يسمى بأعمال السيادة وأن جميع أعمال الإدارة خاضعة لرقابة القضاء وأن القضاء له سلطة تمتد على جميع أعمال الإدارة . وهذا الشيء غير متصور لأن لكل الدولة الحق في إتخاذ كافة الوسائل والتدابير للحفاظ على أمنها وسلامتها دون قيود .
ورغم أن هناك بعض الدول التي إستطاعت أن تحدد في أنظمتها ماهية الأعمال التي تعتبر من أعمال السيادة إلا أن هذا الشيء بات على سبيل المثال لا الحصر ، فأعمال السيادة لها عدة ضوابط وعدة قواعد قد تخضع لها بعض الأعمال وقواعد أخرى لا تخضع لها أياً من هذه الأعمال . لذلك أصبح العالم في الدول المتقدمة يعتمد إعتماداً رئيس على المعيار الخامس وهو معاير القائمة القضائية الذي من شأنه أن يحقق أكبر قدر من العدالة .
الطبيعة القانونية لأعمال السيادة :
كان من الصعب على الفقهاء تكييف الطبيعة أو الأساس القانوني التي تستند عليها أعمال السيادة والسبب وراء عدم إخضاعها لرقابة القضاء ، وبسبب ذلك ظهرت عدة أراء فمنهم من رأى أن سبب ذلك يعود أن سياسة إصدار هذه القرارات هي سياسة حكيمة لذلك لا حاجة لخضوعها للرقابة القضائية . وظهر أيضاً رأي آخر وهو الذي قسم هذه الأعمال الى أعمال الحكم وأعمال الإدارة كما سبق معنا وهذا الرأي معمولاً به في طريقة التطبيق ولكن لا يمكن أن نجعلها هي المعيار الأساسي لأعمال السيادة . ولكن الرأي الراجح وهو الأقرب للصواب وهو أن المشرع إستطاع أن يمنع القضاء من القيام بأعماله الرقابية إتجاه هذه الأعمال عندما حدد الصلاحيات والسلطات القضائية . فلو نظرنا إلى الأوامر الملكية متى ترتب عليها ضرر وقوع ضرر على أحد المواطنين ؟ ما هي المحكمة المختصة بنظر هذه الدعوى ؟ هل هي ديوان المظالم بصفتها هي جهة التقاضي الإداري في المملكة ؟ بالطبع لا ولكن يتم التظلم على هذا الأمر من خلال الرفع لمجلس الوزراء ، ولعل هذا هو ما يثبت حديثنا بهذا الخصوص ، السبب في ذلك انه لم يرد بين إختصاصات ديوان المظالم إختصاصه بنظر مثل هذا النوع من الدعاوى .
ولو تمنعننا بالنظر الى كثرة الاراء والمعايير الي جائت بهذا الخصوص سوف يتضح لنا ان هناك لبس لدى الفقهاء حول كيفية تكييف العمل السيادي ، وما الذي يمكن أن يقيده من عدم تقييده .
موقف الفقه من أعمال السيادة :
لم يختلف الفقهاء على مخالفة أعمال السيادة لمبدأ المشروعية وسيادة القوانين ، وأعتبرت هذه الأعمال عندهم جميعاً إعتداءً على حقوق الأفراد بل تعدهم إلى أن أصبحت إعتداءً على أعمال السلطة القضائية بسبب أنها تمنع التقاضي وتمنع القضاء من ممارسة رقابته على أعمال السلطة التنفيذية التي هي وظيفة القضاء الأساسية ، ولكن هناك رأي من هؤلاء الفقهاء طالب بإلغاء مثل هذه الاعمال بسبب ما سبق ذكره في بداية حديثنا عن موقفهم . أما الرأي الآخر فهو لم يطالب بإلغائها وإنما طالب بتنظيمها من حيث تعويض المتضرر ومن ناحية تحديد هذه الأعمال والمحافظة على حقوق الأفراد و سلطة القضاء دون إعتداء عليهما . ولكن للأسف لم يتحقق شيء من ذلك حتى هذه اللحظة إلى في بعض الأعمال التي تقوم بها الإدارة وغالباً ما تكون هذه الأعمال خارجة عن أعمال السيادة ولكنها ظاهرياً تعد من أعمال السيادة لذلك يتم التعويض عنها واحترام حقوق الافراد والرقابة القضائية .
موقف القضاء من أعمال السيادة :
القضاء هو من أنشئ نظرية أعمال السيادة وتحديداً هو مجلس الدولة الفرنسي ، كان ذلك مع ظهور الثورة الفرنسية في فرنسا وكان بسبب ظروف سياسية معينة ، ولكن رغم ذلك ومع إنقضاء هذه الظروف لم يقم المجلس بإلغائها لذلك هي بقيت حتى الآن . ولعل هذا ما قام قليلاً بغل يد السلطة التنفيذية وجعل المعيار المتبع في كثير من الدول هو معيار القائمة القضائية ، وجعل أيضاً السلطة التي لها تحديد الأعمال السيادية وتمييزها عن غيرها هو عائد للقضاء فقط . ولكن هذا الأمر لم يتبع في جميع الدول حيث أن هناك دول أخرى تبنت معايير أخرى غير هذا المعيار ، لعل السبب في ذلك يعود الى تقدم الدول وتخلفها . ولعل الدور الرئيسي للقضاء ظهر عندما جاء في القضاء الفرنسي والمصري تحديد لأعمال السيادة على النحو التالي :
1- الأعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بالبرلمان وبضمان سير السلطات العامة وفق للدستور ..... الخ .
2- الأعمال المتعلقة بسير مرفق التمثيل الدبلوماسي .... الخ .
3- بعض الأعمال المتعلقة بالحرب ... الخ .
4- بعض الأعمال المتعلقة بسلامة الدولة وأمنها الداخلي ... الخ .
لعل هذا ما إستطاع القضاء من خلاله محاولة إصلاح ما أفسده مجلس الدولة بإنشائه لنظرية أعمال السيادة ومحاولة تحديدها وحصرها في بعض الامور .