اختبار شنجن
مرسل: الاثنين أكتوبر 03, 2011 7:55 pm
اختبار شنجن:
سياسات الهجرة وتأثيراتها في الوحدة الأوروبيةأحمد طاهرليست مصادفة أن تحظي قضية الهجرة غير الشرعية إلي البلدان الأوروبية باهتمام خاص، منذ مطلع العام الحالي (2011)، نتيجة لما تشهده المنطقة العربية من ثورات وتغييرات، تعصف ببلدان مستقرة فتدفع بمواطنيها إلي الهروب من الفقر والبطالة وغياب الأمل في المستقبل إلي التطلع نحو أوروبا، مستغلة ضعف الرقابة الوطنية علي الحدود، في ظل انهيار مؤسسات الدولة.
وجددت هذه الموجة من الهجرة إلي أوروبا أحد الهواجس الجوهرية التي كثيرا ما أرقت بلدان الاتحاد الأوروبي. كما أثارت الكثير من الجدل، بل تسببت في انقسامات داخل الاتحاد حيال التعامل مع هذه القضية. وهو ما تجسد بصورة جلية في النزاع الفرنسي - الإيطالي، فقد كان نجاح أكثر من 25 ألف مهاجر غير شرعي في الوصول إلي جزيرة لمبيدوزا الإيطالية، وقرار الحكومة الإيطالية بمنح غالبيتهم بطاقات إقامة لمدة ستة أشهر (بما يسمح لهم بحرية التنقل داخل البلدان الأوروبية الأعضاء في اتفاقية شنجن) بمثابة شرارة أشعلت الخلاف بين الدول الأوروبية، خاصة بعد رفض فرنسا السماح لهؤلاء المهاجرين بعبور الحدود الفرنسية- الإيطالية، ثم إعلانها في 20 أبريل 2011 وقفا مؤقتا لأحكام اتفاقية شنجن، وإغلاق حدودها الساحلية مع إيطاليا، ووقف حركة القطارات بين مدينة فينتيميلي -آخر مدينة إيطالية قبل الحدود الفرنسية- وجنوب شرقي فرنسا، مستندة في ذلك إلي ما تنص عليه الاتفاقية ذاتها بمنحها الحق في إعادة تشغيل المراقبة في حدودها السياسية، في حالة وجود تهديد للأمن العام.
وأفضت هذه الإجراءات إلي اتهامات متبادلة بين الدولتين بعدم احترام بنود الاتفاقية وأحكامها، وكادت الأمور تصل إلي أزمة في العلاقة بين البلدين، لولا اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني، في 26 أبريل 2011، والذي أفرز اتفاقا علي مطالبة رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروزو، بإعادة النظر في بعض بنود الاتفاقية، وتحديدا تعديل الشروط التي تتيح للبلد العضو إعادة العمل بالإجراءات والقيود الوطنية علي الحدود الداخلية، في حال وجود صعوبات استثنائية في إدارة الحدود الخارجية المشتركة.
ولم تتوقف تداعيات هذه القضية عند حد العلاقات الأوروبية الثنائية، بل تعدته لتطرق أبواب الكيان الأوروبي الموحد، وتهدد أحد أهم وأبرز مبادئه الأساسية: مبدأ حرية التنقل في جميع أرجاء الاتحاد. فقد ثار جدل واسع داخل أروقة الاتحاد ليس بشأن التعامل مع موجات تدفق النازحين فحسب، بل بشان إعادة هندسة مجمل الضوابط الأمنية المتعامل بها داخل منطقة شنجن، خاصة في ضوء التصعيد الذي قامت به الدنمارك بقرارها الخاص بإعادة فرض المراقبة الجمركية الدائمة عند حدودها الوطنية، ليضع الاتحاد الأوروبي علي محك لحظة فاصلة تحدد توجهاته المستقبلية. ذلك أن اتفاقية شنجن تمثل أحد مرتكزات الوحدة الأوروبية بجانب الوحدة النقدية. وتثير هذه القضية جوانب مهمة تتعلق بمدي تأثير هذه الأزمة سلبيا في خطي الاتحاد نحو مزيد من الاندماج، وكذلك المفوضية الأوروبية، وبقية الدول الأوروبية، خاصة الدول المحورية كألمانيا. بيد أن التعرف علي تلك الجوانب يستلزم التوقف عند ثلاث ملاحظات أساسية :
أولا- رغم نجاح تجربة الاتحاد الأوروبي وتفرد نموذجه الاندماجي كتنظيم إقليمي، فإن الوحدة لم تمنع ظهور الاختلافات، خاصة في المجالات السياسية، كما هو الحال في أزمات المنطقة العربية، وفي مقدمتها الأزمة الليبية. فلم تختلف دول الاتحاد الأوروبي فقط في السياسة التي يجب أن تتبعها في معالجة الملف الليبي، بل اختلفت حتي في الكثير من التداعيات المترتبة علي هذه الأزمة التي جعلت الاتحاد يعيد النظر، ولو مؤقتا، فيما كان يعده هدفا ساميا، وهو الفضاء المفتوح بين دوله، وذلك من خلال احتمال إعادة العمل بالمراقبة عند الحدود.
ثانيا- إذا كان صحيحا أن الاتحاد الأوروبي حقق إنجازين رئيسيين علي طريق الاندماج الكامل مستقبلا، الأول تجلي في العملة الموحدة، والثاني تمثل في تعليق الحدود وفتح فضاء واحد بين أغلبية الدول الأعضاء، فإن الإنجازين أمامهما تحديات ربما تعصف بهما، حيث تتعرض فيه العملة الموحدة (اليورو) للكثير من النقد وتهديد دول بالانسحاب، مما يعكس ضعف الاتحاد النقدي الأوروبي الذي انطلق عام 1999. كما يثار الآن جدل سياسي حول الركن الآخر، أي اتفاقية شنجن بشأن الحدود المفتوحة، ليعكس بدوره محدودية المشروع الأوروبي لحرية تنقل الأشخاص الذي انبثق عام 1995، وهو ما جعل رئيس كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، دانيال كون باندي، يفسر الأمر علي أن:" المسألة ليست سوي تفكيك للاندماج الأوروبي".
ثالثا- لم تكن الأزمة الفرنسية - الإيطالية الأولي من نوعها التي واجهت نظام "شنجن"، وإنما واجه مشكلات سابقة أثارتها كل من بلغاريا ورومانيا. فبذريعة غياب الجهود الكافية لمكافحة الفساد، عمدت باريس وبرلين إلي عرقلة انضمام صوفيا وبوخارست إلي شنجن، وهو ما دفع بروكسل إلي العمل علي بحث آلية تجيز دفع الحدود الخارجية لشنجن إلي الخلف، في حال حصول خلل في إحدي الدول، أخذا في الحسبان أن التدفق الهائل للمهاجرين يمكن أن يعد خللا من وجهة نظر البلدين. وقد مثلت الأزمة الفرنسية الإيطالية الأخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير لتسرع بخطي إصلاح نظام شنجن.
اتفاقية شنجن بين التعديل والإلغاء :
علي الرغم مما تمثله هذه الاتفاقية من نقطة مضيئة في طريق تعميق الوحدة الأوروبية، فإن المستجدات الإقليمية في جنوب المتوسط فرضت ضرورة ملحة في إعادة النظر في بنودها وأحكامها، حيث أثير بشأنها توجهان بين الدول الأعضاء:
التوجه الأول يطالب بالإبقاء علي الاتفاقية مع إدخال بعض التعديلات علي بنودها، وإن تباين مستوي تلك التعديلات. وقد نادت كل من فرنسا وإيطاليا بإدخال تعديلات جوهرية علي شروط الاستثناء من تطبيق أحكام الاتفاقية، مثلما أشار إلي ذلك الرئيس الفرنسي بقوله:" نريد لمعاهدة شنجن أن تعيش، ولكن لكي تعيش يجب أن تتغير في إطار دولة المؤسسات والقانون"، وأيده في ذلك رئيس الوزراء الإيطالي بأن:"يجب أن تكون هناك تغييرات في معاهدة شنجن وقررنا العمل عليها معا". وتركزت المطالب علي السماح بإعادة العمل بمراقبة الحدود بشكل مؤقت ليس فقط عند وجود تهديد للأمن بل لدي تدفق موجات من الهجرة غير المشروعة كما حدث في الحالة الإيطالية، أو إخفاق أي بلد أوروبي في الرقابة والسيطرة علي حدوده الخارجية، كما حدث في اليونان من قبل. من ناحية أخري، تري ألمانيا قصر التعديلات علي الجوانب الإدارية فحسب، مع العمل علي تعزيز دور الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، خوفا مما يمكن أن تسفر عنه إعادة النظر في بنود الاتفاقية من مخاطر تهدد أهم وأكبر إنجازات الاتحاد الأوروبي ومكتسباته، وهو ما عبر عنه وزير الداخلية الألماني "هانز بيتر فريدريش" بقوله: "قصر الأمر علي إجراء تعديلات بسيطة في المعاهدة، في حال اقتضت الضرورة ذلك".
التوجه الثاني يري أن الوقت قد تجاوز هذه الاتفاقية، وأن التغيرات والمستجدات الراهنة تفرض العودة إلي ما قبل الاتفاقية بإعادة فرض القيود علي حرية الحركة والتنقل، وهو ما عبر عنه بجلاء قرار الحكومة الدنماركية بإعادة المراقبة الجمركية الدائمة عند حدودها الوطنية مع ألمانيا والسويد، بدءا من يونيو 2011، بحجة مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وهو ما أشار إليه وزير العدل الدنماركي بقوله:" إن بلاده لجأت إلي تشديد الرقابة علي حدودها بهدف وضع حد لتجارة المخدرات وتهريب البشر والأموال والجريمة المنظمة القادمة من دول أوروبا الشرقية"، مبررا موقف بلاده باتساقه مع معايير شنجن الداعية إلي حق كل دولة عضو بالاتحاد في اتخاذ ما يناسبها من إجراءات، إذا تعرض أمنها أو نظامها العام للتهديد.
وقد تباين رد فعل الدول الأعضاء علي هذين التوجهين، حيث برزت ثلاثة مواقف، الأول: تأييد بعض الدول التوجه المطالب بإعادة النظر في بنود الاتفاقية، شريطة ألا يسبق ذلك تعليق العمل بها كما فعلت فرنسا، وفي مقدمة هذه الدول كل من اليونان ومالطا. الثاني: تحفظ أغلب الدول حيال هذا التوجه، وهو ما عبرت عنه إسبانيا، علي لسان سكرتير الدولة للشئون الأمنية "انطونيو كاماتشو" -خلال مشاركته في اجتماع وزراء داخلية الاتحاد المنعقد في 12 مايو 2011- بقوله: "إن إسبانيا تعارض أي إصلاح جذري يمس جوهر الاتفاقية أو يمثل خطوة إلي الوراء فيما يتعلق بحرية حركة الأفراد عبر الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي .. ونرحب بإعادة قراءة التشريعات الحالية وتأويلها في ظل الأوضاع الراهنة". وأيده في ذلك وزير الدولة البلجيكي لشئون سياسة الهجرة "ملكيور واتوليه" بقوله: "إن العودة إلي الحدود الداخلية ليست الحل وإنه بدلا من ذلك، من الأجدي التحاور مع البلدان التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين، وتقوية الرقابة علي الحدود الخارجية، وتوحيد قواعد التعاطي مع المهاجرين، وأن تكون الحلول جماعية". الثالث: الرفض القاطع للتوجه الذي انتهجته الدنمارك، واصفا القرار بأنه خرق للاتفاقية، علي حد وصف وزير خارجية لوكسمبورج "جان أسلبورن" بأن: "الإجراء الدنماركي خرق من جانب واحد لاتفاقية شنجن". بل وصل الأمر إلي حد التشكيك باستمرار عضويتها في الاتحاد الأوروبي، كما أشار إلي ذلك "ألكسندر ألفارو" عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الديمقراطي الحر الألماني بقوله: "إن الخطوة الدنماركية تثير تساؤلا حول مشروعية بقائها عضوا بالاتحاد الأوروبي".
موقف المفوضية الأوروبية :
اتخذت المفوضية الأوروبية موقفا واضحا من هذين التوجهين. ففي الوقت الذي لم تجد فيه المفوضية الأوروبية بدا من قبول الطلب الفرنسي - الإيطالي بالدعوة إلي إدخال تعديلات علي بنود الاتفاقية وأحكامها، أشارت مفوضة شئون الأمن الداخلي الأوروبي "سيسيليا مالمستروم" إلي أن: "هذه الخطوة تأتي ردا علي مخاوف بعض الدول، ومنها فرنسا وإيطاليا، بشأن التعامل مع تدفق موجات من النازحين والمهاجرين غير الشرعيين للفضاء الأمني الأوروبي"، مع السماح، للمرة الأولي منذ تطبيق أحكام الاتفاقية، بمنح الأجهزة الأمنية الفرنسية حق مراقبة مختلف حدودها مع دول الجوار مثل إسبانيا وإيطاليا، مبررة موقفها بأن": إعادة الحدود مؤقتا تعد إحدي الإمكانيات -شريطة أن تخضع إلي معايير خاصة وواضحة ومحددة- التي من شانها أن تكون عنصرا في تعزيز حكم فضاء شنجن". نجدها علي الجانب الآخر تعلن رفضها القاطع لأية محاولات أو دعوات تنطلق من بعض الأطراف لإعادة النظر في الاتفاقية برمتها، وهو ما عبرت عنه أيضا "سيسيليا مالمستروم" بأن:"هناك مشكلات في الحدود الخارجية يجب أن نبحثها، لكن دون إعادة النظر في النظام، لأن حرية التنقل هي أساس الاتحاد الأوروبي"، أو تنتهك نصوص الاتفاقية كما فعلت الدنمارك، واصفة قرارها بأنه أشبه بإعلان حرب. فقد حذر رئيس المفوضية "خوسيه مانويل باروسو" الحكومة الدنماركية، في رسالة رسمية، من القيام بأي إجراء أحادي، مؤكدا أن "المفوضية ستلجأ -إذا لزم الأمر- إلي اتخاذ الإجراءات كافة، بما فيها العقوبات ضد أي دولة أوروبية تخالف القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي".
وفي هذا الإطار، طرحت المفوضة السويدية "مالمستروم"، في تقريرها لمواجهة الأوضاع الراهنة، جملة من المقترحات هدفت علي حد قولها إلي: "إيجاد آلية استثنائية لمساعدة الدول الأوروبية التي تعجز عن حماية حدودها أمام اللاجئين والمهاجرين". وقد شملت هذه الآلية ما يلي:
- تركيز الاتحاد الأوروبي علي انتقاء مهاجرين من جنوب البحر المتوسط، طبقا للوثيقة المقترحة من جانب الاتحاد، والتي من شأنها إقامة "شراكة من أجل تنقل الأشخاص" مع البلدان الشريكة في سياسة الجوار الأوروبي، بحيث تشكل الإطار الشامل لضمان إدارة سليمة لحركة الأشخاص بين الاتحاد الأوروبي وبلد آخر، من خلال تحديد الإجراءات كافة التي تضمن لكلا الطرفين فوائد عن تنقل الأشخاص. وتسمح بولوج أفضل لقنوات الهجرة الشرعية، وتعزيز قدرات إدارة الحدود، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بما يكفل حماية الأفراد المعنيين، وتسهيل آليات الحوار والتعاون بين الطرفين.
- الاتفاق مع دول شمال إفريقيا علي استعادة مهاجريها غير الشرعيين من الدول الأوروبية، من خلال ترحليهم إلي بلادهم. ويذكر أن فرنسا رحلت 25 ألف أجنبي لا يحملون وثائق خلال عام 0102.
- تخصيص مساعدات مالية إضافية للدول الأوروبية المتضررة من تدفق اللاجئين. ويقترح في هذا الخصوص إنشاء صندوق تضامن خاص للتعامل مع المواقف الطارئة الاستثنائية والأزمات الإنسانية.
- إعادة توزيع الميزانية السنوية للوكالة الأوروبية (فرونتكس) بشكل متساو علي كل الدول الأعضاء.
- اعتماد معايير لجوء أوروبية موحدة.
الاتفاقية ومسيرة الاتحاد الأوروبي :
في ضوء ما سبق، يظل التحدي المطروح أمام الجميع هو الإجابة علي التساؤل: كيف يمكن تكييف الاتفاقية من غير الإطاحة بها وبالحلم الأوروبي الخاص بقيام فضاء تزول منه الحدود الداخلية? ويمكن البحث عن الإجابة في ثلاث حقائق مهمة:
الأولي : إنه من غير الصحيح أن مواجهة قضية الهجرة غير الشرعية تكون عبر الإجراءات الأمنية ومراقبة الحدود، مثل: رفع قدرات الحراسة علي الحدود، والدعم اللوجيستي المتمثل في طائرات المراقبة، وبناء معسكرات الاحتجاز. وإن كان الأمر مهما لامناص منه، فإنه لا يمثل العصا السحرية في مواجهة واحدة من أخطر القضايا التي تواجه مسيرة الاتحاد. ويدلل علي ذلك أن قضية الهجرة غير الشرعية ظلت حتي قبل تطبيق اتفاقية شنجن تمثل خطرا محدقا لدول الاتحاد. ولذا، يمكن القول إن هناك حاجة ضرورية لإعادة النظر في أحكام الاتفاقية وبنودها، خاصة إذا علمنا أن ثمة تعارضا بين ما تقضي به هذه الاتفاقية بكفالة حرية التنقل والحركة بين مختلف الدول الأعضاء، وبين نظام أوروبي آخر يقضي بضرورة كبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين من خارج دول الاتحاد. حيث تقضي قوانينه بالإبقاء علي هؤلاء المهاجرين في الدول التي وصلوا إليها بمقتضي قاعدة أن يتولي بلد المدخل الاعتناء بالمهاجرين، ما لم يتم إرسالهم إلي بلدانهم الأصلية، وهو ما يمثل في حقيقة الأمر عبئا علي البلد المستضيف، خاصة إذا كان مفاجئا، علي غرار ما شهدته إيطاليا أخيرا، هذا من جانب. ومن جانب آخر، يكشف هذا النظام عن مدي تعارض هذه الإجراءات مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، خاصة الحق في التنقل. فالمادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص علي:"حق أي شخص في اختيار مكان إقامته وحرية التنقل داخل أي بلد يشاء.. وأن لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد والعودة إلي بلده الأصلي"، وهو ما تنتهكه الدول الأوروبية في تقييد الحق في التنقل، فضلا عن انتهاكها الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين غير الشرعيين الموجودين فوق أراضيها، حيث تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية بامتهان كرامتهم والعمل علي ترحليهم قسرا. ودفع ذلك المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة " ويليام سوينج" لوصف ما حدث أخيرا حيال المهاجرين التونسيين والليبيين بسبب الأحداث الأخيرة بأنها:" واحدة من أهم وأكبر عمليات الترحيل في التاريخ".
الثانية : في ضوء ما سبق، تصبح ثمة مسئولية تتحملها الدول الأوروبية بوجوب التفكير في مقاربة أخري تكون أكثر شمولية، تعمل علي اجتثاث الظاهرة من جذورها في الدول المصدرة لها، من خلال إعادة دراسة هذه الظاهرة برمتها، ووضع استراتيجية بعيدة المدي، تشمل إصلاحات عميقة علي مستوي دول المنبع، تسهم في تحقيق تنمية مستديمة قائمة علي مشاريع وإنجازات ملموسة. تتمثل هذه الاستراتيجية في بلورة مشاريع وخطط لدعم الديمقراطية، وإنعاش العجلة الاقتصادية في دول الحوض الجنوبي للمتوسط من أجل تشجيع الشباب علي البقاء في بلدانهم.
الثالثة : إدراك الدول الأوروبية كافة أن مواجهة هذه القضية لا يمكن أن تتم بجهود فردية من خلال إعادة الرقابة علي حدودها الدولية، وإنما يتم ذلك في إطار جماعي يتحمل الجميع المسئولية عنه في إطار الاتحاد، وهو ما عبرت عنه المفوضة السويدية "سيسليا مالمشتروم" في معرض تعليقها علي قرار الدنمارك بإعادة المراقبة علي الحدود بأن:" مسألة الأمن علي الحدود بين الدول الأوروبية مسئولية الاتحاد، وليست أمرا خاصا بكل دولة علي حدة". يعني ذلك بوضوح أن العودة إلي العمل بالحدود الداخلية لا يمثل حقا سياديا للدول الأعضاء بقدر ما يعد مسئولية تتحملها المفوضية الأوروبية -كونها المكلفة بشئون الهجرة- في تحديد ما إذا كانت الظروف تبرر لهذا البلد أو ذاك إعادة الرقابة علي حدوده أم لا، وعلي الجميع الالتزام بهذه القرارات حفاظا علي وحدة القرار، لأن أي تراجع يعني انتكاسة في مسيرة الاندماج. هذا فضلا عن أهمية العمل علي حوكمة الاتفاقية، من خلال تعزيز دور وكالة مراقبة الحدود بالاتحاد الأوروبي (فرانتكس) من خلال البحث عن آليات جديدة للمراقبة، وتشجيع الدول الأعضاء لتزويد الوكالة بموارد بشرية وفنية إضافية، مع العمل علي توسيع عملياتها لمنع تدفق مهاجرين غير شرعيين.
سياسات الهجرة وتأثيراتها في الوحدة الأوروبيةأحمد طاهرليست مصادفة أن تحظي قضية الهجرة غير الشرعية إلي البلدان الأوروبية باهتمام خاص، منذ مطلع العام الحالي (2011)، نتيجة لما تشهده المنطقة العربية من ثورات وتغييرات، تعصف ببلدان مستقرة فتدفع بمواطنيها إلي الهروب من الفقر والبطالة وغياب الأمل في المستقبل إلي التطلع نحو أوروبا، مستغلة ضعف الرقابة الوطنية علي الحدود، في ظل انهيار مؤسسات الدولة.
وجددت هذه الموجة من الهجرة إلي أوروبا أحد الهواجس الجوهرية التي كثيرا ما أرقت بلدان الاتحاد الأوروبي. كما أثارت الكثير من الجدل، بل تسببت في انقسامات داخل الاتحاد حيال التعامل مع هذه القضية. وهو ما تجسد بصورة جلية في النزاع الفرنسي - الإيطالي، فقد كان نجاح أكثر من 25 ألف مهاجر غير شرعي في الوصول إلي جزيرة لمبيدوزا الإيطالية، وقرار الحكومة الإيطالية بمنح غالبيتهم بطاقات إقامة لمدة ستة أشهر (بما يسمح لهم بحرية التنقل داخل البلدان الأوروبية الأعضاء في اتفاقية شنجن) بمثابة شرارة أشعلت الخلاف بين الدول الأوروبية، خاصة بعد رفض فرنسا السماح لهؤلاء المهاجرين بعبور الحدود الفرنسية- الإيطالية، ثم إعلانها في 20 أبريل 2011 وقفا مؤقتا لأحكام اتفاقية شنجن، وإغلاق حدودها الساحلية مع إيطاليا، ووقف حركة القطارات بين مدينة فينتيميلي -آخر مدينة إيطالية قبل الحدود الفرنسية- وجنوب شرقي فرنسا، مستندة في ذلك إلي ما تنص عليه الاتفاقية ذاتها بمنحها الحق في إعادة تشغيل المراقبة في حدودها السياسية، في حالة وجود تهديد للأمن العام.
وأفضت هذه الإجراءات إلي اتهامات متبادلة بين الدولتين بعدم احترام بنود الاتفاقية وأحكامها، وكادت الأمور تصل إلي أزمة في العلاقة بين البلدين، لولا اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء الإيطالي، سلفيو برلسكوني، في 26 أبريل 2011، والذي أفرز اتفاقا علي مطالبة رئيس المفوضية الأوروبية، خوسيه مانويل باروزو، بإعادة النظر في بعض بنود الاتفاقية، وتحديدا تعديل الشروط التي تتيح للبلد العضو إعادة العمل بالإجراءات والقيود الوطنية علي الحدود الداخلية، في حال وجود صعوبات استثنائية في إدارة الحدود الخارجية المشتركة.
ولم تتوقف تداعيات هذه القضية عند حد العلاقات الأوروبية الثنائية، بل تعدته لتطرق أبواب الكيان الأوروبي الموحد، وتهدد أحد أهم وأبرز مبادئه الأساسية: مبدأ حرية التنقل في جميع أرجاء الاتحاد. فقد ثار جدل واسع داخل أروقة الاتحاد ليس بشأن التعامل مع موجات تدفق النازحين فحسب، بل بشان إعادة هندسة مجمل الضوابط الأمنية المتعامل بها داخل منطقة شنجن، خاصة في ضوء التصعيد الذي قامت به الدنمارك بقرارها الخاص بإعادة فرض المراقبة الجمركية الدائمة عند حدودها الوطنية، ليضع الاتحاد الأوروبي علي محك لحظة فاصلة تحدد توجهاته المستقبلية. ذلك أن اتفاقية شنجن تمثل أحد مرتكزات الوحدة الأوروبية بجانب الوحدة النقدية. وتثير هذه القضية جوانب مهمة تتعلق بمدي تأثير هذه الأزمة سلبيا في خطي الاتحاد نحو مزيد من الاندماج، وكذلك المفوضية الأوروبية، وبقية الدول الأوروبية، خاصة الدول المحورية كألمانيا. بيد أن التعرف علي تلك الجوانب يستلزم التوقف عند ثلاث ملاحظات أساسية :
أولا- رغم نجاح تجربة الاتحاد الأوروبي وتفرد نموذجه الاندماجي كتنظيم إقليمي، فإن الوحدة لم تمنع ظهور الاختلافات، خاصة في المجالات السياسية، كما هو الحال في أزمات المنطقة العربية، وفي مقدمتها الأزمة الليبية. فلم تختلف دول الاتحاد الأوروبي فقط في السياسة التي يجب أن تتبعها في معالجة الملف الليبي، بل اختلفت حتي في الكثير من التداعيات المترتبة علي هذه الأزمة التي جعلت الاتحاد يعيد النظر، ولو مؤقتا، فيما كان يعده هدفا ساميا، وهو الفضاء المفتوح بين دوله، وذلك من خلال احتمال إعادة العمل بالمراقبة عند الحدود.
ثانيا- إذا كان صحيحا أن الاتحاد الأوروبي حقق إنجازين رئيسيين علي طريق الاندماج الكامل مستقبلا، الأول تجلي في العملة الموحدة، والثاني تمثل في تعليق الحدود وفتح فضاء واحد بين أغلبية الدول الأعضاء، فإن الإنجازين أمامهما تحديات ربما تعصف بهما، حيث تتعرض فيه العملة الموحدة (اليورو) للكثير من النقد وتهديد دول بالانسحاب، مما يعكس ضعف الاتحاد النقدي الأوروبي الذي انطلق عام 1999. كما يثار الآن جدل سياسي حول الركن الآخر، أي اتفاقية شنجن بشأن الحدود المفتوحة، ليعكس بدوره محدودية المشروع الأوروبي لحرية تنقل الأشخاص الذي انبثق عام 1995، وهو ما جعل رئيس كتلة الخضر في البرلمان الأوروبي، دانيال كون باندي، يفسر الأمر علي أن:" المسألة ليست سوي تفكيك للاندماج الأوروبي".
ثالثا- لم تكن الأزمة الفرنسية - الإيطالية الأولي من نوعها التي واجهت نظام "شنجن"، وإنما واجه مشكلات سابقة أثارتها كل من بلغاريا ورومانيا. فبذريعة غياب الجهود الكافية لمكافحة الفساد، عمدت باريس وبرلين إلي عرقلة انضمام صوفيا وبوخارست إلي شنجن، وهو ما دفع بروكسل إلي العمل علي بحث آلية تجيز دفع الحدود الخارجية لشنجن إلي الخلف، في حال حصول خلل في إحدي الدول، أخذا في الحسبان أن التدفق الهائل للمهاجرين يمكن أن يعد خللا من وجهة نظر البلدين. وقد مثلت الأزمة الفرنسية الإيطالية الأخيرة القشة التي قصمت ظهر البعير لتسرع بخطي إصلاح نظام شنجن.
اتفاقية شنجن بين التعديل والإلغاء :
علي الرغم مما تمثله هذه الاتفاقية من نقطة مضيئة في طريق تعميق الوحدة الأوروبية، فإن المستجدات الإقليمية في جنوب المتوسط فرضت ضرورة ملحة في إعادة النظر في بنودها وأحكامها، حيث أثير بشأنها توجهان بين الدول الأعضاء:
التوجه الأول يطالب بالإبقاء علي الاتفاقية مع إدخال بعض التعديلات علي بنودها، وإن تباين مستوي تلك التعديلات. وقد نادت كل من فرنسا وإيطاليا بإدخال تعديلات جوهرية علي شروط الاستثناء من تطبيق أحكام الاتفاقية، مثلما أشار إلي ذلك الرئيس الفرنسي بقوله:" نريد لمعاهدة شنجن أن تعيش، ولكن لكي تعيش يجب أن تتغير في إطار دولة المؤسسات والقانون"، وأيده في ذلك رئيس الوزراء الإيطالي بأن:"يجب أن تكون هناك تغييرات في معاهدة شنجن وقررنا العمل عليها معا". وتركزت المطالب علي السماح بإعادة العمل بمراقبة الحدود بشكل مؤقت ليس فقط عند وجود تهديد للأمن بل لدي تدفق موجات من الهجرة غير المشروعة كما حدث في الحالة الإيطالية، أو إخفاق أي بلد أوروبي في الرقابة والسيطرة علي حدوده الخارجية، كما حدث في اليونان من قبل. من ناحية أخري، تري ألمانيا قصر التعديلات علي الجوانب الإدارية فحسب، مع العمل علي تعزيز دور الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، خوفا مما يمكن أن تسفر عنه إعادة النظر في بنود الاتفاقية من مخاطر تهدد أهم وأكبر إنجازات الاتحاد الأوروبي ومكتسباته، وهو ما عبر عنه وزير الداخلية الألماني "هانز بيتر فريدريش" بقوله: "قصر الأمر علي إجراء تعديلات بسيطة في المعاهدة، في حال اقتضت الضرورة ذلك".
التوجه الثاني يري أن الوقت قد تجاوز هذه الاتفاقية، وأن التغيرات والمستجدات الراهنة تفرض العودة إلي ما قبل الاتفاقية بإعادة فرض القيود علي حرية الحركة والتنقل، وهو ما عبر عنه بجلاء قرار الحكومة الدنماركية بإعادة المراقبة الجمركية الدائمة عند حدودها الوطنية مع ألمانيا والسويد، بدءا من يونيو 2011، بحجة مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، وهو ما أشار إليه وزير العدل الدنماركي بقوله:" إن بلاده لجأت إلي تشديد الرقابة علي حدودها بهدف وضع حد لتجارة المخدرات وتهريب البشر والأموال والجريمة المنظمة القادمة من دول أوروبا الشرقية"، مبررا موقف بلاده باتساقه مع معايير شنجن الداعية إلي حق كل دولة عضو بالاتحاد في اتخاذ ما يناسبها من إجراءات، إذا تعرض أمنها أو نظامها العام للتهديد.
وقد تباين رد فعل الدول الأعضاء علي هذين التوجهين، حيث برزت ثلاثة مواقف، الأول: تأييد بعض الدول التوجه المطالب بإعادة النظر في بنود الاتفاقية، شريطة ألا يسبق ذلك تعليق العمل بها كما فعلت فرنسا، وفي مقدمة هذه الدول كل من اليونان ومالطا. الثاني: تحفظ أغلب الدول حيال هذا التوجه، وهو ما عبرت عنه إسبانيا، علي لسان سكرتير الدولة للشئون الأمنية "انطونيو كاماتشو" -خلال مشاركته في اجتماع وزراء داخلية الاتحاد المنعقد في 12 مايو 2011- بقوله: "إن إسبانيا تعارض أي إصلاح جذري يمس جوهر الاتفاقية أو يمثل خطوة إلي الوراء فيما يتعلق بحرية حركة الأفراد عبر الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي .. ونرحب بإعادة قراءة التشريعات الحالية وتأويلها في ظل الأوضاع الراهنة". وأيده في ذلك وزير الدولة البلجيكي لشئون سياسة الهجرة "ملكيور واتوليه" بقوله: "إن العودة إلي الحدود الداخلية ليست الحل وإنه بدلا من ذلك، من الأجدي التحاور مع البلدان التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين، وتقوية الرقابة علي الحدود الخارجية، وتوحيد قواعد التعاطي مع المهاجرين، وأن تكون الحلول جماعية". الثالث: الرفض القاطع للتوجه الذي انتهجته الدنمارك، واصفا القرار بأنه خرق للاتفاقية، علي حد وصف وزير خارجية لوكسمبورج "جان أسلبورن" بأن: "الإجراء الدنماركي خرق من جانب واحد لاتفاقية شنجن". بل وصل الأمر إلي حد التشكيك باستمرار عضويتها في الاتحاد الأوروبي، كما أشار إلي ذلك "ألكسندر ألفارو" عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الديمقراطي الحر الألماني بقوله: "إن الخطوة الدنماركية تثير تساؤلا حول مشروعية بقائها عضوا بالاتحاد الأوروبي".
موقف المفوضية الأوروبية :
اتخذت المفوضية الأوروبية موقفا واضحا من هذين التوجهين. ففي الوقت الذي لم تجد فيه المفوضية الأوروبية بدا من قبول الطلب الفرنسي - الإيطالي بالدعوة إلي إدخال تعديلات علي بنود الاتفاقية وأحكامها، أشارت مفوضة شئون الأمن الداخلي الأوروبي "سيسيليا مالمستروم" إلي أن: "هذه الخطوة تأتي ردا علي مخاوف بعض الدول، ومنها فرنسا وإيطاليا، بشأن التعامل مع تدفق موجات من النازحين والمهاجرين غير الشرعيين للفضاء الأمني الأوروبي"، مع السماح، للمرة الأولي منذ تطبيق أحكام الاتفاقية، بمنح الأجهزة الأمنية الفرنسية حق مراقبة مختلف حدودها مع دول الجوار مثل إسبانيا وإيطاليا، مبررة موقفها بأن": إعادة الحدود مؤقتا تعد إحدي الإمكانيات -شريطة أن تخضع إلي معايير خاصة وواضحة ومحددة- التي من شانها أن تكون عنصرا في تعزيز حكم فضاء شنجن". نجدها علي الجانب الآخر تعلن رفضها القاطع لأية محاولات أو دعوات تنطلق من بعض الأطراف لإعادة النظر في الاتفاقية برمتها، وهو ما عبرت عنه أيضا "سيسيليا مالمستروم" بأن:"هناك مشكلات في الحدود الخارجية يجب أن نبحثها، لكن دون إعادة النظر في النظام، لأن حرية التنقل هي أساس الاتحاد الأوروبي"، أو تنتهك نصوص الاتفاقية كما فعلت الدنمارك، واصفة قرارها بأنه أشبه بإعلان حرب. فقد حذر رئيس المفوضية "خوسيه مانويل باروسو" الحكومة الدنماركية، في رسالة رسمية، من القيام بأي إجراء أحادي، مؤكدا أن "المفوضية ستلجأ -إذا لزم الأمر- إلي اتخاذ الإجراءات كافة، بما فيها العقوبات ضد أي دولة أوروبية تخالف القانون الأساسي للاتحاد الأوروبي".
وفي هذا الإطار، طرحت المفوضة السويدية "مالمستروم"، في تقريرها لمواجهة الأوضاع الراهنة، جملة من المقترحات هدفت علي حد قولها إلي: "إيجاد آلية استثنائية لمساعدة الدول الأوروبية التي تعجز عن حماية حدودها أمام اللاجئين والمهاجرين". وقد شملت هذه الآلية ما يلي:
- تركيز الاتحاد الأوروبي علي انتقاء مهاجرين من جنوب البحر المتوسط، طبقا للوثيقة المقترحة من جانب الاتحاد، والتي من شأنها إقامة "شراكة من أجل تنقل الأشخاص" مع البلدان الشريكة في سياسة الجوار الأوروبي، بحيث تشكل الإطار الشامل لضمان إدارة سليمة لحركة الأشخاص بين الاتحاد الأوروبي وبلد آخر، من خلال تحديد الإجراءات كافة التي تضمن لكلا الطرفين فوائد عن تنقل الأشخاص. وتسمح بولوج أفضل لقنوات الهجرة الشرعية، وتعزيز قدرات إدارة الحدود، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، بما يكفل حماية الأفراد المعنيين، وتسهيل آليات الحوار والتعاون بين الطرفين.
- الاتفاق مع دول شمال إفريقيا علي استعادة مهاجريها غير الشرعيين من الدول الأوروبية، من خلال ترحليهم إلي بلادهم. ويذكر أن فرنسا رحلت 25 ألف أجنبي لا يحملون وثائق خلال عام 0102.
- تخصيص مساعدات مالية إضافية للدول الأوروبية المتضررة من تدفق اللاجئين. ويقترح في هذا الخصوص إنشاء صندوق تضامن خاص للتعامل مع المواقف الطارئة الاستثنائية والأزمات الإنسانية.
- إعادة توزيع الميزانية السنوية للوكالة الأوروبية (فرونتكس) بشكل متساو علي كل الدول الأعضاء.
- اعتماد معايير لجوء أوروبية موحدة.
الاتفاقية ومسيرة الاتحاد الأوروبي :
في ضوء ما سبق، يظل التحدي المطروح أمام الجميع هو الإجابة علي التساؤل: كيف يمكن تكييف الاتفاقية من غير الإطاحة بها وبالحلم الأوروبي الخاص بقيام فضاء تزول منه الحدود الداخلية? ويمكن البحث عن الإجابة في ثلاث حقائق مهمة:
الأولي : إنه من غير الصحيح أن مواجهة قضية الهجرة غير الشرعية تكون عبر الإجراءات الأمنية ومراقبة الحدود، مثل: رفع قدرات الحراسة علي الحدود، والدعم اللوجيستي المتمثل في طائرات المراقبة، وبناء معسكرات الاحتجاز. وإن كان الأمر مهما لامناص منه، فإنه لا يمثل العصا السحرية في مواجهة واحدة من أخطر القضايا التي تواجه مسيرة الاتحاد. ويدلل علي ذلك أن قضية الهجرة غير الشرعية ظلت حتي قبل تطبيق اتفاقية شنجن تمثل خطرا محدقا لدول الاتحاد. ولذا، يمكن القول إن هناك حاجة ضرورية لإعادة النظر في أحكام الاتفاقية وبنودها، خاصة إذا علمنا أن ثمة تعارضا بين ما تقضي به هذه الاتفاقية بكفالة حرية التنقل والحركة بين مختلف الدول الأعضاء، وبين نظام أوروبي آخر يقضي بضرورة كبح تدفق المهاجرين غير الشرعيين من خارج دول الاتحاد. حيث تقضي قوانينه بالإبقاء علي هؤلاء المهاجرين في الدول التي وصلوا إليها بمقتضي قاعدة أن يتولي بلد المدخل الاعتناء بالمهاجرين، ما لم يتم إرسالهم إلي بلدانهم الأصلية، وهو ما يمثل في حقيقة الأمر عبئا علي البلد المستضيف، خاصة إذا كان مفاجئا، علي غرار ما شهدته إيطاليا أخيرا، هذا من جانب. ومن جانب آخر، يكشف هذا النظام عن مدي تعارض هذه الإجراءات مع المواثيق والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، خاصة الحق في التنقل. فالمادة الثالثة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص علي:"حق أي شخص في اختيار مكان إقامته وحرية التنقل داخل أي بلد يشاء.. وأن لكل شخص الحق في مغادرة أي بلد والعودة إلي بلده الأصلي"، وهو ما تنتهكه الدول الأوروبية في تقييد الحق في التنقل، فضلا عن انتهاكها الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين غير الشرعيين الموجودين فوق أراضيها، حيث تجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية بامتهان كرامتهم والعمل علي ترحليهم قسرا. ودفع ذلك المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة " ويليام سوينج" لوصف ما حدث أخيرا حيال المهاجرين التونسيين والليبيين بسبب الأحداث الأخيرة بأنها:" واحدة من أهم وأكبر عمليات الترحيل في التاريخ".
الثانية : في ضوء ما سبق، تصبح ثمة مسئولية تتحملها الدول الأوروبية بوجوب التفكير في مقاربة أخري تكون أكثر شمولية، تعمل علي اجتثاث الظاهرة من جذورها في الدول المصدرة لها، من خلال إعادة دراسة هذه الظاهرة برمتها، ووضع استراتيجية بعيدة المدي، تشمل إصلاحات عميقة علي مستوي دول المنبع، تسهم في تحقيق تنمية مستديمة قائمة علي مشاريع وإنجازات ملموسة. تتمثل هذه الاستراتيجية في بلورة مشاريع وخطط لدعم الديمقراطية، وإنعاش العجلة الاقتصادية في دول الحوض الجنوبي للمتوسط من أجل تشجيع الشباب علي البقاء في بلدانهم.
الثالثة : إدراك الدول الأوروبية كافة أن مواجهة هذه القضية لا يمكن أن تتم بجهود فردية من خلال إعادة الرقابة علي حدودها الدولية، وإنما يتم ذلك في إطار جماعي يتحمل الجميع المسئولية عنه في إطار الاتحاد، وهو ما عبرت عنه المفوضة السويدية "سيسليا مالمشتروم" في معرض تعليقها علي قرار الدنمارك بإعادة المراقبة علي الحدود بأن:" مسألة الأمن علي الحدود بين الدول الأوروبية مسئولية الاتحاد، وليست أمرا خاصا بكل دولة علي حدة". يعني ذلك بوضوح أن العودة إلي العمل بالحدود الداخلية لا يمثل حقا سياديا للدول الأعضاء بقدر ما يعد مسئولية تتحملها المفوضية الأوروبية -كونها المكلفة بشئون الهجرة- في تحديد ما إذا كانت الظروف تبرر لهذا البلد أو ذاك إعادة الرقابة علي حدوده أم لا، وعلي الجميع الالتزام بهذه القرارات حفاظا علي وحدة القرار، لأن أي تراجع يعني انتكاسة في مسيرة الاندماج. هذا فضلا عن أهمية العمل علي حوكمة الاتفاقية، من خلال تعزيز دور وكالة مراقبة الحدود بالاتحاد الأوروبي (فرانتكس) من خلال البحث عن آليات جديدة للمراقبة، وتشجيع الدول الأعضاء لتزويد الوكالة بموارد بشرية وفنية إضافية، مع العمل علي توسيع عملياتها لمنع تدفق مهاجرين غير شرعيين.