صفحة 1 من 1

مقال .:. عندما يصبح علماء الدين سياسيين !؟ .:.

مرسل: الثلاثاء أكتوبر 18, 2011 11:33 am
بواسطة عبدالحميد الحميد ٣

نبأ نيوز- فريد باعباد 

عندما يفتي عالم الدين والمتخصص في علوم الشريعة الإسلامية في شأن مرتبط بتعاليم الدين، فهناك صعوبة لدى المواطن العادي والمثقف والكاتب والصحافي بل والسياسي، في مناقشة الأمر أو حتى إبداء موافقته أو اعتراضه على تلك الفتوى.. لا مجال هنا لكل هؤلاء في مناقشة هذا الأمر، حيث يفترض أن ما أفتى به ذلك العالم مصدره القرآن والأحاديث والسنة النبوية، أما غير ذلك فهو اختلاف بين العلماء وهو اختلاف صحي ومفيد.
وحقيقة لا يجوز لنا أن نتناقش في شأن ديني واضح ولا غبار عليه ولا اختلاف فيه بين علماء الدين جميعهم، فليس من المعقول مثلاً أن نبحث عن تبرير وسبب يجيز ويحلل ترك الصلاة أو شرب الخمر أو عصيان الوالدين.
لذا فإن عالم الدين عندما يفتي في أمور الدين فهو في هذه الحال متخصص في هذه الأمور، ومثلما يقول العرب (أعط القوس باريها) وكذلك عالم الكيمياء والفيزياء هو الوحيد الذي يعرف تركيبات المواد العلمية وفائدتها وخطورتها، وعلى نفس المنوال رجل الاقتصاد يفهم في الاقتصاد أكثر من رجل السياسة، وكل شخص يعرف ويفهم أكثر من غيره في تخصصه في هذه الحياة.
ولو عرجنا على السياسيين والحكام فإنهم أكثر فهماً في السياسة ومصالح البلد وعلاقاتها بالدول والاتفاقيات بين الدول والشأن الدولي، ولهذا فإنه لا يجوز أن يتحدث فيها كخبير من لا شأن ولا خبرة لديه في ذلك حتى ولو كان عالم دين مبجلاً.
والحقيقة أن أكثر الأمور حساسية في مجتمعاتنا العربية الحديثة في الشأن الديني ولو كنت تحفظ القرآن عن ظهر قلب لأنك في هذه الحال ستجد من يعترض عليك من المتخصصين في الشأن الديني ومن أئمة المساجد ومن تشرّب من علوم الدين ومن المتشددين والمتطرفين في الدين؛ بل سيكفرونك وربما يهدرون دمك؛ وهم في هذه الحال متشددون ليس في الدين فقط بل متشددون في رفضهم أن تخالف آراءهم وأفكارهم وأهدافهم وهم هنا يحللون لأنفسهم الحديث في شأن غير ديني دنيوي ويحرمون عليك التحدث بأمور الدين البسيطة ولو كنت حافظاً لكتاب الله كما سبق وأسلفت.
علماء الدين هؤلاء يحللون لأنفسهم ما حرموه على الغير، ويحرمون لغيرهم ما يحللونه لأنفسهم، هؤلاء ليسوا علماء دين، هؤلاء علماء في المصالح الشخصية ولكن باسم الدين والدين منهم براء.
 هذه الفئة من العلماء تظن أن عالم الدين هو الرجل الذي يقص شاربه ويطيل لحيته ويقصر طول ثوبه، أما غير ذلك فيعتبرونه معصية أو زندقة أو علمانية.
هم يعتقدون أن من يلتزمون بتعاليمهم وآرائهم وتوجهاتهم وأمانيهم هم الملتزمون بالشريعة، ومن يخالفون ذلك فهم خارجون عن الملة، بل هم لا يعتقدون بل مؤمنون بكل ذلك ويعلنونه في وسائل إعلامهم.
أعرف قاضياً كبيراً في محكمة كبرى يملك فيلا ضخمة في إحدى الدول المجاورة؛ طلب من صديق حميم له وثق فيه أن ينقل له (موقتاً) وثيقة أرضه إلى اسمه حتى يستطيع أن يحصل على قرض من الدولة بحجة أنه سيبني منزلاً، ولكن عندما تم له ما أراد استلم القرض وباع أرض صديقه القديم دون أن يعلم صديقه العزيز وأخذ القرض وما جابت الأرض.
ولدينا أمثال هؤلاء الكثيرون؛ ومنهم من يتاجر بأرواح المساكين وأراضيهم، ومنهم من يتاجر بشجرة القات ولا نراه يفتي حتى بتجنب زراعتها دون التحريم، أمثال هؤلاء يسمون علماء دين لدينا، والحقيقة لا أدري بأية لغة وبأي دين يتحدث هؤلاء وهم أول من يخالف تعاليم الدين جهاراً نهاراً؟!.
اجتمع (150) شخصاً يقال إنهم علماء اليمن؛ ولكن لم يحضر كل علماء اليمن في ذلك الاجتماع حتى نقول عنهم إنهم يمثلون علماء اليمن، وليس معنى ذلك أنهم جميعاً ليسوا من علماء اليمن، ولكن بيانهم الذي أصدروه باسم علماء اليمن لا أظنه يجوز أن يُنسب لعلماء اليمن؛ لأن ما حواه ذلك البيان بعيد كل البعد عن علماء اليمن الحقيقيين والذين يوصفون بالوسطية وعدم التشدد والتطرف ويوصفون بطاعة ولي الأمر والانصياع إليه مادام لا يخالف الشريعة الإسلامية.
طلع علينا مجموعة من المتشددين ببيانهم السياسي وكأنهم يريدون أن يمارسوا السياسة مختبئين خلف الدين.
لا يجوز أن يتشدق هؤلاء باسم الدين ويتحدثون في شأن سياسي وأمني وبكل جرأة يعارضون الدولة في تصرفاتها في محاربة الإرهابيين؛ لأنهم في هذه الحالة أصبحوا يؤيدونهم في القتل والإرهاب وتدمير البلاد، وكشفوا وجوههم للناس بأنهم ليسوا في اجتماعهم ذلك إلا رجال سياسة، وذهبت جرأتهم إلى دغدغة مشاعر المواطنين العاديين في قولهم إنه يجوز محاربة أمريكا إذا غزت البلاد رغم أن أمريكا ليست بذلك الغباء الذي تقوم معه بغزو اليمن لتفتح لنفسها جبهة ثالثة؛ ولكنهم فقط أرادوا أن يتلاعبوا بالألفاظ اللغوية الدينية وسمّوا ذلك بل ربما سمّوا التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب والقاعدة غزواً، فماذا يريد هؤلاء؟!.
القاعدة والإرهابيون هم خارجون عن النظام والقانون ومخالفون للشريعة، وجميع دول العالم قريبة وبعيدة يحاربونهم، فكيف يتجرأ من سمّوا أنفسهم علماء اليمن الدفاع عنهم وعن أفعالهم وهم ببيانهم المموه؛ بل أقولها «السياسي» قد عادوا الإنسانية وشوهوا ديننا الإسلامي وألّبوا العالم على اليمن؟!.
لقد كان بيانهم فيه الكثير من التعاطف مع هؤلاء المجرمين من الإرهابيين ومن أعضاء القاعدة، ناسين ومتناسين أن هؤلاء هم المتسببون في إغلاق مصادر الرزق لعشرات الآلاف من المواطنين بل مئات الآلاف ممن كانوا يسترزقون من السياحة في البلد، بل ناسين أن منهم من لم يتجرأ على الخروج من اليمن لأنه سيجد الاعتقال في انتظاره لأنه من مؤيدي تنظيم القاعدة الإرهابي ، وأن هذه الدولة التي يحرض عليها ويسعى لسقوطها هي من أمّنت له البقاء حراً حتى الآن، فبأي مقياس ومعيار يكافئها؟!.
هؤلاء الذين سمّوا بيانهم أنه من علماء اليمن (والعلماء منه براء) يحاربون المستأمنين من الأجانب والذين أعطاهم ديننا السمح الأمان، ولكن هؤلاء لا يفتون باسم الدين بل يفتون باسم أهوائهم وعقولهم وأمانيهم.
لقد ذهبوا بعيداً عن الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة غير المتشددة ونراهم يتحدثون في السياسة، وأصبح بيانهم كله سياسة في سياسة وليس فيه من الدين شيء وإن نطقوا باسم الدين فذلك ليس إلا التشدد والتطرف والإرهاب والدين الإسلامي منه براء.
لا يهم أن يظهر أحد منهم غداً في أحد المساجد ويكفر كل من كتب ينتقدهم بل ربما يهدرون دمه، معتقدين أن الدين الإسلامي هو ذلك الذي تنطقه أفواههم وأن ما دونه ليس إسلاماً.
الكثيرون منهم إذا لم يكن جميعهم قد تأثروا بالمتشددين من العلماء في بعض الدول الشقيقة والذين تم تحجيمهم فأمن واستأمن الجميع بعد إيقافهم عند حدودهم، وارتاحت تلك البلدان من أفعال المتشددين، وكنت آمل أن يتعظ أصحابنا هؤلاء لما جرى لزملائهم لكنهم تمادوا.
لقد أصبح من يسمّون بعلماء دين - سياسيين وحزبيين - يؤيدون القاعدة والإرهابيين والمخربين والقتلة والمجرمين، ويطلبون من الدولة عدم محاربتهم وتركهم يستمرون في إيذاء العباد وتدمير البلاد. 
لذلك فنحن لن نلتفت إليهم أو إلى بياناتهم لأنهم أصبحوا ونطقوا بلسان سياسيين وليسوا رجال دين وعلينا في هذه الحال كمواطنين أن نبحث وبعمق عن علماء دين حقيقيين ناصحين وليس عن أمثال هؤلاء الذين امتهنوا السياسة باسم الدين.