الفكر السياسي الغربي من العصور الوسطى إلى عصر النهضة
مرسل: الجمعة أكتوبر 21, 2011 6:01 pm
[]جامعــــة أبو بكــر بلقـــأيـــد
قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية
مقياس تاريخ الفكر السياسي الغربي الحديث
الفكر السياسي الغربي من العصور الوسطى إلى عصر النهضة
[= ]مقدمة :
إن
التطور الذي عرفه الفكر السياسي الأوربي الحديث لم يأت فجأة، بل مر بعدة
مراحل في تكوينه ، إنطلاقا من الفكر السياسي اليوناني مرورا بالفكر السياسي
الروماني وصولا إلى العصور الوسطى أو عصور الظلام كم يسميا البعض والتي
دامت حوالي 10 قرون، فهذه المرحلة الأخيرة التي تميزت بسيطرة الفكر المسيحي
على كل مجالات الحياة و حتى ولو عمرت طويلا إلا أنها زالت مع مرور الوقت.
من خلال هذا التمهيد المبسط نطرح الإشكالية التالية :
" إلى أي مدى إستطاعت سيطرة الكنيسة أن تؤثر في إنتقال الفكر السياسي الأوربي من العصور الوسطى ألى عصر النهضة؟ "
و حيث ركزنا في بحثنا هذا بطرح الفرضية التالية :
" إن القيود التي فرضتها سيطرة الكنيسة أدت بفضل الثورة إلى الإنتقال من فكر العصور الوسطى إلى عصر النهضة "
أولا : الفكر السياسي الغربي في العصور الوسطى :
المفهوم :
العصور
الوسطى هي عصر من عصور التاريخ الأوربي سميت بهذا الإسم نظرا لأنها توسطت
العصور القديمة والعصور الحديثة، والحدث التاريخي الذي يشكل بداية العصور
الوسطى هو سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476 م أما إكتشاف
كريستوف كولمبوس لأمريكا فيعتبر نهايتها، وسميت أيضا بعصور الظلام ورحلة
التيه أو طور التشكل نظرا لما ساد فيها من تدهور للأوضاع وركود علمي وفكري.
مراحل العصور الوسطى :
نميز في العصور الوسطى مرحلتين مهمتين وهما :
-
مرحلة آباء الكنيسة( الكاثوليكية[1] ) : هذه المرحلة تميزت بمحاولة
الكنيسة فرض ذاتها داخل حدود الإمبراطورية الرومانية ولهذا سميت بحقبة
تنظيم الديانة المسيحية، خاصة بعد إعتناق الإمبراطور قسطنطين للديانة
المسيحية وامتازت بالإنحطاط حتى بالنسبة للعلوم الموروثة عن اليونانيين فقد
اندثرت.
- مرحلة الفلسفة المدرسية : تمتد من القرن 08 إلى القرن 14
قبل عصر النهضة، ولقد بدأت بإنتشار الثقافة اللاتينية إلى الشمال وكذا
تحول البلاد الجرمانية من الوثنية إلى المسيحية وتميزت كذلك بظهور الجامعات
والمدارس إلى أنه لم يسجل أي إبداع فلسفي. ولقد بلغت الفلسفة المسيحية
ذروتها خاصة مع القديس توما الأكويني.
مميزات الفكر السياسي في العصور الوسطى:
ومن خلال دراستنا للعصور الوسطى سجلنا أهم المميزات والأفكار التي نجمت عن سيطرة الكنيسة وهي كالآتي :
* السيطرة التامة للكنيسة على جميع المجالات ووصل بها الحال حتى التدخل
في إختيار القياصرة، مع رفض كل الأفكار التي لا تنبع عن الكنيسة.
* إنتشار التخلف الشديد والفقر والأوبئة والأمراض.
* محاربة الكنيسة لكل ما هو نابع عن العلم والمعرفة (محاربة المفكرين
والعلماء) كإعدام "قاليلي" بسبب نظريته حول كروية الأرض، الشيء الذي أدى
إلى جحود الإنتاج الفكري في تلك الفترة.
* ظهور الحروب الصليبية
(1097 -1291) وهي عبارة عن مجموعة من الحروب التي قادتها الدول الأوربية
ضد المسلمين وذلك تحت راية الصليب هربا من ضيق العيش وتقلص فرص الثروة
والتزايد السكاني.
* ظهور الإقطاعية وهي عبارة عن تجمع اقتصادي و
سياسي تتداخل فيه الملكية الخاصة مع السيطرة العامة أي أن القوى
الاقتصادية و العسكرية والسياسية هي واحدة عملت على تنمية الزراعة المحلية و
ساعدت الكنيسة في تحصيل الضرائب وعملت على حفظ النظام وتقديم الخدمات و
توفير الحماية العسكرية من الاعتداءات الخارجية والحماية الأمنية من
الجرائم أو الحيوانات المفترسة، وكانت مجرد تجميع لأفراد أو دعاية يعطون
ولائهم لسيد إقطاعي واحد ترسل له دفعات مالية ومساعدات عسكرية ويحصل على
أراضي و خدمات يتمتع بحماية الإقطاعية الأكبر.
* وجود سلطتين الأولى هي سلطة دينية بيد القساوسة والأخرى دنيوية وهي السلطة المدنية بيد القياصرة، مع تسجيل سيطرة كلية للكنيسة.
* سيطرة المعتقد الديني الذي كان ظهوره وتطوره أحد العوامل الأساسية في وضع نهاية للإمبراطورية الرومانية.
* ظهور الكشوفات الجغرافية والتي اعتبرت بمثابة بداية ظهور عصر النهضة.
ثانيا : الفكر السياسي الغربي في عصر النهضة :
المفهوم :
النهضة
بمفهومها الخاص هي حركة إحياء التراث القديم،أما بمعناها الواسع فهي عبارة
عن ذلك التطور القديم في كل من الفنون والآداب والعلوم، وطرق التعبير،
والدراسات، وما صاحب ذلك من تغير في أسس الحياة الإجتماعية والإقتصادية
والدينية والسياسية. عصر النهضة مصطلح يطلق على فترة الانتقال من العصور
الوسطى إلى العصور الحديثة وهي القرون 14 - 16 ويؤرخ لها بسقوط القسطنطينية
عام 1453 م ، حيث نزح العلماء إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان
والرومان. كما يدل مصطلح عصر النهضة على التيارات الثقافية والفكرية التي
بدأت في البلاد الإيطالية في القرن 14، حيث بلغت أوج ازدهارها في القرنين
15 و 16، ومن إيطاليا انتشرت النهضة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا
وانكلترا وإلى سائر أوروبا.
عوامل ظهور عصر النهضة:
- إنتعاش التجارة و إزدهار المدن التجارية الأوربية.
-
استعمال اللغة الوطنية كانت اللغة اللاتينية وهي لغة العلم والثقافة
محصورة في رجال الدين ، لكن تنبه الأوروبيين إلى ضرورة استعمال اللغة
الوطنية التي يتكلمها معظم أبناء الشعب، وقد كان لتشجيع بعض الحكومات
الأوروبية للغات القومية وإقبال بعض الكتاب على التأليف بها أثر كبير في
نشر الثقافة بين طبقات الشعب.و هي اللغات الأم للغات شعوب أوروبا الحالية
مثل اللغات الفرنسية و الإنجليزية و غيرها.
- أدى سقوط القسطنطينية
إلى هجرة عدد كبير من العلماء إلى إيطاليا خاصةً،وحملوا معهم كلما استطاعوا
من كتب اغريقية وتماثيل وادوات قديمة. وهناك تعاونوا على بعث الثقافة
اللاتينية وتطويرها في قالب جديد كان نواة للنهضة الأوربية.
نتائج النهضة الأوربية وخصائصها:
1 - انحلال الإقطاع :
سار
نظام الإقطاع في عصر النهضة على طريق التلاشي و الزوال نتيجة موت عدد كبير
من أمراء الإقطاعيين في الحروب الصليبية، وإنصراف بعض الإقطاعيين إلى
ممارسة التجارة، فتحرر الفلاحون والأقنان ولم يتمكن من بقي من الإقطاعيين
من مقاومة التغيرات التى حصلت نتيجة النهضة، ومن هنا ظهرت على أنقاضها
البرجوازية[2].
2 - ظهور الدولة الحديثة :
عبر تطوير أساليب
الحكم، وقد ساعدتهم في ذلك الأفكار الجديدة مثل افكار المفكرين مكيافيلي
الايطالي Machiavelli (1469-1527) وجون وتدفق الثروات،الناتجة عن الكشوفات
الجغرافية الكبرى ، واستغلال مناجم الذهب والفضة للقارة الأمريكية ،خاصة
من طرف اسبانيا والبرتغال في البداية. فساندت الطبقة المتوسطة الملوك على
استتباب الأمن والنظام، والقضاء على الإقطاع فضلًا عن تكون الرأي العام
ونمو اللغات المحلية وظهور الروح القومية، ولقد كان لهذه العوامل أثرها
الفعال في قيام الدول الأوروبية الحديثة.
3 - إحياء الدراسات القديمة
إستهوت
الدراسات الإغريقية واللاتينية عقول الكثيرين من الأوروبيين وقد وجدوا
معظم مجلداتهم في الكنائس والمعابد ، فعكفوا على دراستها، وترجمتها إلى
اللغات المحلية مما فتح نوافذ المعرفة أما غالبية الشعب للمرة الأولى.
4 - حركات الإصلاح الديني والحروب الدينية :
في
القرن السادس عشر كانت الكنيسة تسيطر سيطرة خطيرة على مقررات البلاد،
وكانت النظرية السائدة وقتها هي أن البابا هو ظل الله في الأرض، وأنه يمثل
سلطة الإله على الأرض. وقد غالى بعض الباباوات في التحكم وابتزاز الأموال.
ولعل أسوأ مظهر من مظاهر ابتزاز الأموال هو التوسع في بيع صكوك
الغفران[3].
بدأ الإصلاح الديني في ألمانيا على يد "مارتن لوثر"
الذي أسس المذهب البروتستانتي[4]. وقد قامت العديد من الثورات والحروب
الدينية بين أتباع حركة الإصلاح الديني وبين الكنيسة الكاثوليكية، وبلغت
ذروتها بتأسيس محكمة التفتيش في روما عام 1542م والتي سعت لإخماد أنفاس
البروتستانتية إلا أن هذه المحكمة لم تقتصر على قمع الحركة البروتستانتية
بل تعدى ذلك إلى اضطهاد الكاثوليك الذين يدعون إلى الإصلاح الكاثوليكي، مما
أدى إلى زيادة التعصب والكراهية بين هذه المذاهب. فاشتعلت الحروب والثورات
الدينية.
5- ظهور مفهوم العلمانية :
وهي عبارة عن مفهوم
سياسي إجتماعي نشأ إبان عصر النهضة والتنوير في أوربا، عارض سيطرة الكنيسة
على الدولة وهيمنتها على المجتمع وتنظيمها على أساس الإنتماءات الدينية
والطائفية. نادى هذا المفهوم بفصل الدين عن الدولة وبالتالي إخضاع المؤسسات
والحياة السياسية لإدارة البشر.
الخاتمة
إن الفكر السياسي
الغربي ومن خلال تطوره عبر الأزمنة مر بمرحلة ركود شاملة خلال العصور
الوسطى وذلك في جميع الميادين الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفكرية ،
حيث كان الفكر المسيحي هو المسيطر وصاحب القرار، هذه الحالة التي دامت
عشرة قرون تشكلت خلالها مجموعة من الأفكار نادت بفصل الدين عن الدولة.، وكل
هذه التغيرات لا تحدث إلا بثورة يقودها المجتمع الأوربي ضد السيطرة
الكنسية.
وبالتالي فإن عصر النهضة عبارة عن بذور زرعت في العصور
الوسطى لتتم عملية نموها من خلال سقيها بسيطرة الكنيسة على الأهالي وعلى
الأفكار بشكل عام ، الشيء الذي جعل منها تنضج وتعطي ثمارها بعد القرن 14 عن
طريق الثورة في جميع الميادين وبالتالي القضاء على هيمنة الكنيسة أو الفكر
المسيحي .
إذن كخلاصة عامة فإن إنتقال الفكر السياسي الأوربي من
العصور الوسطى إلى عصر النهضة عن طريق الثورة لم يكن سوى التحرر من القيود
التي فرضتها الكنيسة.
<br />[justify]
[1]
) – الكاثوليكية : هي مذهب المسيحيين الذين يعتبرون بابا روما زعيمهم
الروحي بإعتباره خليفة القديس (بطرس) وهو الذي يضمن وحدة الكنيسة في المكان
وهويتها في الزمان، لذلك فهو بنظرهم معصوم عن الخطأ في كل ما يتعلق بشؤون
الدين وهو أسقف ولكن أعلى من سائر الأساقفة الآخرين مرتبة.
1 ) –
البرجوازية: طبقة إجتماعية كانت تتميز عن طبقتي العمال والنبلاء حيث كانت
ترمز إلى طبقة التجار وأصحاب الأعمال والمحلات العامة.
[3] ) -
الأصل في نشأة هذه الصكوك هي فكرة الاعتراف أمام القسيسين لقبول توبة
المعترف الذي لا يدخل الجنة في الحال بعد موته، بل يمضي فترة من الزمن فيها
يسمى بالمطهر الذي يقضي فيه المذنبون حكم الله بالعذاب إلى أن يتطهروا من
ذنوبهم، ولتخفيف عذاب المطهر ابتكر البابا بونيفاس السابع صكوك الغفران
التي كانت مورداً مالياً در عليهم أموالاً كبيرة جعلها تتغالى في إباحة
بيعها حتى لمن يريد غفران خطاياه القادمة في مستقبل أيامه.
[4] ) -
البروتستانتية : كلمة مشتقة من اللاتينية والتي تعني " الإحتجاج
أوالإعتراض" من أهم مؤسسيها الألماني "مارتن لوثر" [1483-1546] زعيم
الإصلاح البروتستانتي ، عين قسيسا سنة 1507 ، واللاهوتي الفرنسي
البروتستانتي "جون كالفن" ومن أهم طوائفها اللوثريون ، الكالفينيون ،
المنهجيون، المعمدانيون، الإنجيليون ...الخ
قائمة المراجع المعتمد عليها:
أ-الكـــتـــــــــــــــب:
1- الكيالي، عبد الوهاب ، موسوعة السياسة، ( بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ج.1985).
2- ديفز، هـ،و، ، أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: (عبد الحميد حمدي محمد، الإسكندرية: المعارف، ط.1، 1985).
3- ديورانت، ول ، قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود،(مصر: جامعة الدول العربية،ج.1،مجلد.5 ).
4- حنفي،حسن ، مقدمة في علم الإستغراب،(بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط.1،2000).
5-
شوفالييه، جان جاك ، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: ( محمد عرب
صاصيلا،بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط.4، 1998).
6- عبد الحميد، رأفت ، الفكر السياسي الأوروبي في العصور الوسطى، (القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2002).
7- علي سعد ،إسماعيل ، مبادئ علم السياسة، ( الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2004).
8- علي، طرفان إبراهيم، دراسات لأوروبا في العصور الوسطى،( القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1985).
9- عويضة،كامل محمد محمد ،توماس الإكويني،(بيروت:دار الكتب العلمية،ط.1، 1993).
10- كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط، ( بيروت: دار القلم، د.س.ن).
ب-المــقــــالات :
- الأنترنات:
1- منصور الجمري، مقدمات في الفكر السياسي الأوروبي، من الموقع:[...] تاريخ الدخول: 11-12-2007.
2- من الموقع: (ar.wikipédia.org/wikip.)، تاريخ الدخول: 06-11-2008.
- المجـــــــــلات:
1- شــمس الدين، عبد الـرزاق ، "الملتقى التأسيسي للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث،" مجلة المجتمع، ع.1245(أبريل1997).
ج- المــــوســـــــوعـــــات:
1- الشويخات، أحمد ، الموسوعة العربية العالمية،( السعودية:د.د.ن، 1992 م).
<br />[justify]
[/center]
قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية
مقياس تاريخ الفكر السياسي الغربي الحديث
الفكر السياسي الغربي من العصور الوسطى إلى عصر النهضة
[= ]مقدمة :
إن
التطور الذي عرفه الفكر السياسي الأوربي الحديث لم يأت فجأة، بل مر بعدة
مراحل في تكوينه ، إنطلاقا من الفكر السياسي اليوناني مرورا بالفكر السياسي
الروماني وصولا إلى العصور الوسطى أو عصور الظلام كم يسميا البعض والتي
دامت حوالي 10 قرون، فهذه المرحلة الأخيرة التي تميزت بسيطرة الفكر المسيحي
على كل مجالات الحياة و حتى ولو عمرت طويلا إلا أنها زالت مع مرور الوقت.
من خلال هذا التمهيد المبسط نطرح الإشكالية التالية :
" إلى أي مدى إستطاعت سيطرة الكنيسة أن تؤثر في إنتقال الفكر السياسي الأوربي من العصور الوسطى ألى عصر النهضة؟ "
و حيث ركزنا في بحثنا هذا بطرح الفرضية التالية :
" إن القيود التي فرضتها سيطرة الكنيسة أدت بفضل الثورة إلى الإنتقال من فكر العصور الوسطى إلى عصر النهضة "
أولا : الفكر السياسي الغربي في العصور الوسطى :
المفهوم :
العصور
الوسطى هي عصر من عصور التاريخ الأوربي سميت بهذا الإسم نظرا لأنها توسطت
العصور القديمة والعصور الحديثة، والحدث التاريخي الذي يشكل بداية العصور
الوسطى هو سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476 م أما إكتشاف
كريستوف كولمبوس لأمريكا فيعتبر نهايتها، وسميت أيضا بعصور الظلام ورحلة
التيه أو طور التشكل نظرا لما ساد فيها من تدهور للأوضاع وركود علمي وفكري.
مراحل العصور الوسطى :
نميز في العصور الوسطى مرحلتين مهمتين وهما :
-
مرحلة آباء الكنيسة( الكاثوليكية[1] ) : هذه المرحلة تميزت بمحاولة
الكنيسة فرض ذاتها داخل حدود الإمبراطورية الرومانية ولهذا سميت بحقبة
تنظيم الديانة المسيحية، خاصة بعد إعتناق الإمبراطور قسطنطين للديانة
المسيحية وامتازت بالإنحطاط حتى بالنسبة للعلوم الموروثة عن اليونانيين فقد
اندثرت.
- مرحلة الفلسفة المدرسية : تمتد من القرن 08 إلى القرن 14
قبل عصر النهضة، ولقد بدأت بإنتشار الثقافة اللاتينية إلى الشمال وكذا
تحول البلاد الجرمانية من الوثنية إلى المسيحية وتميزت كذلك بظهور الجامعات
والمدارس إلى أنه لم يسجل أي إبداع فلسفي. ولقد بلغت الفلسفة المسيحية
ذروتها خاصة مع القديس توما الأكويني.
مميزات الفكر السياسي في العصور الوسطى:
ومن خلال دراستنا للعصور الوسطى سجلنا أهم المميزات والأفكار التي نجمت عن سيطرة الكنيسة وهي كالآتي :
* السيطرة التامة للكنيسة على جميع المجالات ووصل بها الحال حتى التدخل
في إختيار القياصرة، مع رفض كل الأفكار التي لا تنبع عن الكنيسة.
* إنتشار التخلف الشديد والفقر والأوبئة والأمراض.
* محاربة الكنيسة لكل ما هو نابع عن العلم والمعرفة (محاربة المفكرين
والعلماء) كإعدام "قاليلي" بسبب نظريته حول كروية الأرض، الشيء الذي أدى
إلى جحود الإنتاج الفكري في تلك الفترة.
* ظهور الحروب الصليبية
(1097 -1291) وهي عبارة عن مجموعة من الحروب التي قادتها الدول الأوربية
ضد المسلمين وذلك تحت راية الصليب هربا من ضيق العيش وتقلص فرص الثروة
والتزايد السكاني.
* ظهور الإقطاعية وهي عبارة عن تجمع اقتصادي و
سياسي تتداخل فيه الملكية الخاصة مع السيطرة العامة أي أن القوى
الاقتصادية و العسكرية والسياسية هي واحدة عملت على تنمية الزراعة المحلية و
ساعدت الكنيسة في تحصيل الضرائب وعملت على حفظ النظام وتقديم الخدمات و
توفير الحماية العسكرية من الاعتداءات الخارجية والحماية الأمنية من
الجرائم أو الحيوانات المفترسة، وكانت مجرد تجميع لأفراد أو دعاية يعطون
ولائهم لسيد إقطاعي واحد ترسل له دفعات مالية ومساعدات عسكرية ويحصل على
أراضي و خدمات يتمتع بحماية الإقطاعية الأكبر.
* وجود سلطتين الأولى هي سلطة دينية بيد القساوسة والأخرى دنيوية وهي السلطة المدنية بيد القياصرة، مع تسجيل سيطرة كلية للكنيسة.
* سيطرة المعتقد الديني الذي كان ظهوره وتطوره أحد العوامل الأساسية في وضع نهاية للإمبراطورية الرومانية.
* ظهور الكشوفات الجغرافية والتي اعتبرت بمثابة بداية ظهور عصر النهضة.
ثانيا : الفكر السياسي الغربي في عصر النهضة :
المفهوم :
النهضة
بمفهومها الخاص هي حركة إحياء التراث القديم،أما بمعناها الواسع فهي عبارة
عن ذلك التطور القديم في كل من الفنون والآداب والعلوم، وطرق التعبير،
والدراسات، وما صاحب ذلك من تغير في أسس الحياة الإجتماعية والإقتصادية
والدينية والسياسية. عصر النهضة مصطلح يطلق على فترة الانتقال من العصور
الوسطى إلى العصور الحديثة وهي القرون 14 - 16 ويؤرخ لها بسقوط القسطنطينية
عام 1453 م ، حيث نزح العلماء إلى إيطاليا حاملين معهم تراث اليونان
والرومان. كما يدل مصطلح عصر النهضة على التيارات الثقافية والفكرية التي
بدأت في البلاد الإيطالية في القرن 14، حيث بلغت أوج ازدهارها في القرنين
15 و 16، ومن إيطاليا انتشرت النهضة إلى فرنسا وإسبانيا وألمانيا وهولندا
وانكلترا وإلى سائر أوروبا.
عوامل ظهور عصر النهضة:
- إنتعاش التجارة و إزدهار المدن التجارية الأوربية.
-
استعمال اللغة الوطنية كانت اللغة اللاتينية وهي لغة العلم والثقافة
محصورة في رجال الدين ، لكن تنبه الأوروبيين إلى ضرورة استعمال اللغة
الوطنية التي يتكلمها معظم أبناء الشعب، وقد كان لتشجيع بعض الحكومات
الأوروبية للغات القومية وإقبال بعض الكتاب على التأليف بها أثر كبير في
نشر الثقافة بين طبقات الشعب.و هي اللغات الأم للغات شعوب أوروبا الحالية
مثل اللغات الفرنسية و الإنجليزية و غيرها.
- أدى سقوط القسطنطينية
إلى هجرة عدد كبير من العلماء إلى إيطاليا خاصةً،وحملوا معهم كلما استطاعوا
من كتب اغريقية وتماثيل وادوات قديمة. وهناك تعاونوا على بعث الثقافة
اللاتينية وتطويرها في قالب جديد كان نواة للنهضة الأوربية.
نتائج النهضة الأوربية وخصائصها:
1 - انحلال الإقطاع :
سار
نظام الإقطاع في عصر النهضة على طريق التلاشي و الزوال نتيجة موت عدد كبير
من أمراء الإقطاعيين في الحروب الصليبية، وإنصراف بعض الإقطاعيين إلى
ممارسة التجارة، فتحرر الفلاحون والأقنان ولم يتمكن من بقي من الإقطاعيين
من مقاومة التغيرات التى حصلت نتيجة النهضة، ومن هنا ظهرت على أنقاضها
البرجوازية[2].
2 - ظهور الدولة الحديثة :
عبر تطوير أساليب
الحكم، وقد ساعدتهم في ذلك الأفكار الجديدة مثل افكار المفكرين مكيافيلي
الايطالي Machiavelli (1469-1527) وجون وتدفق الثروات،الناتجة عن الكشوفات
الجغرافية الكبرى ، واستغلال مناجم الذهب والفضة للقارة الأمريكية ،خاصة
من طرف اسبانيا والبرتغال في البداية. فساندت الطبقة المتوسطة الملوك على
استتباب الأمن والنظام، والقضاء على الإقطاع فضلًا عن تكون الرأي العام
ونمو اللغات المحلية وظهور الروح القومية، ولقد كان لهذه العوامل أثرها
الفعال في قيام الدول الأوروبية الحديثة.
3 - إحياء الدراسات القديمة
إستهوت
الدراسات الإغريقية واللاتينية عقول الكثيرين من الأوروبيين وقد وجدوا
معظم مجلداتهم في الكنائس والمعابد ، فعكفوا على دراستها، وترجمتها إلى
اللغات المحلية مما فتح نوافذ المعرفة أما غالبية الشعب للمرة الأولى.
4 - حركات الإصلاح الديني والحروب الدينية :
في
القرن السادس عشر كانت الكنيسة تسيطر سيطرة خطيرة على مقررات البلاد،
وكانت النظرية السائدة وقتها هي أن البابا هو ظل الله في الأرض، وأنه يمثل
سلطة الإله على الأرض. وقد غالى بعض الباباوات في التحكم وابتزاز الأموال.
ولعل أسوأ مظهر من مظاهر ابتزاز الأموال هو التوسع في بيع صكوك
الغفران[3].
بدأ الإصلاح الديني في ألمانيا على يد "مارتن لوثر"
الذي أسس المذهب البروتستانتي[4]. وقد قامت العديد من الثورات والحروب
الدينية بين أتباع حركة الإصلاح الديني وبين الكنيسة الكاثوليكية، وبلغت
ذروتها بتأسيس محكمة التفتيش في روما عام 1542م والتي سعت لإخماد أنفاس
البروتستانتية إلا أن هذه المحكمة لم تقتصر على قمع الحركة البروتستانتية
بل تعدى ذلك إلى اضطهاد الكاثوليك الذين يدعون إلى الإصلاح الكاثوليكي، مما
أدى إلى زيادة التعصب والكراهية بين هذه المذاهب. فاشتعلت الحروب والثورات
الدينية.
5- ظهور مفهوم العلمانية :
وهي عبارة عن مفهوم
سياسي إجتماعي نشأ إبان عصر النهضة والتنوير في أوربا، عارض سيطرة الكنيسة
على الدولة وهيمنتها على المجتمع وتنظيمها على أساس الإنتماءات الدينية
والطائفية. نادى هذا المفهوم بفصل الدين عن الدولة وبالتالي إخضاع المؤسسات
والحياة السياسية لإدارة البشر.
الخاتمة
إن الفكر السياسي
الغربي ومن خلال تطوره عبر الأزمنة مر بمرحلة ركود شاملة خلال العصور
الوسطى وذلك في جميع الميادين الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفكرية ،
حيث كان الفكر المسيحي هو المسيطر وصاحب القرار، هذه الحالة التي دامت
عشرة قرون تشكلت خلالها مجموعة من الأفكار نادت بفصل الدين عن الدولة.، وكل
هذه التغيرات لا تحدث إلا بثورة يقودها المجتمع الأوربي ضد السيطرة
الكنسية.
وبالتالي فإن عصر النهضة عبارة عن بذور زرعت في العصور
الوسطى لتتم عملية نموها من خلال سقيها بسيطرة الكنيسة على الأهالي وعلى
الأفكار بشكل عام ، الشيء الذي جعل منها تنضج وتعطي ثمارها بعد القرن 14 عن
طريق الثورة في جميع الميادين وبالتالي القضاء على هيمنة الكنيسة أو الفكر
المسيحي .
إذن كخلاصة عامة فإن إنتقال الفكر السياسي الأوربي من
العصور الوسطى إلى عصر النهضة عن طريق الثورة لم يكن سوى التحرر من القيود
التي فرضتها الكنيسة.
<br />[justify]
[1]
) – الكاثوليكية : هي مذهب المسيحيين الذين يعتبرون بابا روما زعيمهم
الروحي بإعتباره خليفة القديس (بطرس) وهو الذي يضمن وحدة الكنيسة في المكان
وهويتها في الزمان، لذلك فهو بنظرهم معصوم عن الخطأ في كل ما يتعلق بشؤون
الدين وهو أسقف ولكن أعلى من سائر الأساقفة الآخرين مرتبة.
1 ) –
البرجوازية: طبقة إجتماعية كانت تتميز عن طبقتي العمال والنبلاء حيث كانت
ترمز إلى طبقة التجار وأصحاب الأعمال والمحلات العامة.
[3] ) -
الأصل في نشأة هذه الصكوك هي فكرة الاعتراف أمام القسيسين لقبول توبة
المعترف الذي لا يدخل الجنة في الحال بعد موته، بل يمضي فترة من الزمن فيها
يسمى بالمطهر الذي يقضي فيه المذنبون حكم الله بالعذاب إلى أن يتطهروا من
ذنوبهم، ولتخفيف عذاب المطهر ابتكر البابا بونيفاس السابع صكوك الغفران
التي كانت مورداً مالياً در عليهم أموالاً كبيرة جعلها تتغالى في إباحة
بيعها حتى لمن يريد غفران خطاياه القادمة في مستقبل أيامه.
[4] ) -
البروتستانتية : كلمة مشتقة من اللاتينية والتي تعني " الإحتجاج
أوالإعتراض" من أهم مؤسسيها الألماني "مارتن لوثر" [1483-1546] زعيم
الإصلاح البروتستانتي ، عين قسيسا سنة 1507 ، واللاهوتي الفرنسي
البروتستانتي "جون كالفن" ومن أهم طوائفها اللوثريون ، الكالفينيون ،
المنهجيون، المعمدانيون، الإنجيليون ...الخ
قائمة المراجع المعتمد عليها:
أ-الكـــتـــــــــــــــب:
1- الكيالي، عبد الوهاب ، موسوعة السياسة، ( بيروت:المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ج.1985).
2- ديفز، هـ،و، ، أوروبا في العصور الوسطى، ترجمة: (عبد الحميد حمدي محمد، الإسكندرية: المعارف، ط.1، 1985).
3- ديورانت، ول ، قصة الحضارة، ترجمة: زكي نجيب محمود،(مصر: جامعة الدول العربية،ج.1،مجلد.5 ).
4- حنفي،حسن ، مقدمة في علم الإستغراب،(بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،ط.1،2000).
5-
شوفالييه، جان جاك ، تاريخ الفكر السياسي، ترجمة: ( محمد عرب
صاصيلا،بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط.4، 1998).
6- عبد الحميد، رأفت ، الفكر السياسي الأوروبي في العصور الوسطى، (القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 2002).
7- علي سعد ،إسماعيل ، مبادئ علم السياسة، ( الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 2004).
8- علي، طرفان إبراهيم، دراسات لأوروبا في العصور الوسطى،( القاهرة: مكتبة النهضة المصرية،1985).
9- عويضة،كامل محمد محمد ،توماس الإكويني،(بيروت:دار الكتب العلمية،ط.1، 1993).
10- كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط، ( بيروت: دار القلم، د.س.ن).
ب-المــقــــالات :
- الأنترنات:
1- منصور الجمري، مقدمات في الفكر السياسي الأوروبي، من الموقع:[...] تاريخ الدخول: 11-12-2007.
2- من الموقع: (ar.wikipédia.org/wikip.)، تاريخ الدخول: 06-11-2008.
- المجـــــــــلات:
1- شــمس الدين، عبد الـرزاق ، "الملتقى التأسيسي للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث،" مجلة المجتمع، ع.1245(أبريل1997).
ج- المــــوســـــــوعـــــات:
1- الشويخات، أحمد ، الموسوعة العربية العالمية،( السعودية:د.د.ن، 1992 م).
<br />[justify]
[/center]