- الاثنين نوفمبر 14, 2011 4:55 pm
#40070
السلام عليكم.. مساءكم الله بالخير.
المشكلة
هذا الموضوع من أكثر الموضوعات الشائكة والحساسة والهامة جدا. المشكلة تكمن أنه لم يعد لدى الأبوين وقتا يصرفانه في تعلم أساليب التربية فضلاً عن تأديتها على الوجه المطلوب. في الحقيقة لقد بات من العسير جداً إنجاب طفل واحد وتربيته تربية إسلامية متوازنة متكاملة ممتازة في هذا العصر. أرى من حولي الكثير من الآباء والأمهات يعيشوا في غربة زمنية عن أطفالهم، فهناك غربة في التعامل مع الأطفال وتقديرهم واحترام حياتهم، وهناك غفلة عن الالتفات لأولى سنوات الطفل التي تتحضر وتتركب فيها الصفات والأداة العقلية وتتشكل فيها معالم الشخصية الرئيسة. إن انجاب الطفل بالنسبة لكثير من الأباء والأمهات في عصرنا هذا - ولا أقول في زمنِ مضى - هو مجرد واجب اجتماعي مفروض وكأن المجتمع يحمل بيده سوطاً لأولئك الذين لا يبذرون خلفتهم في الأرض.. فهم يبذرونه على أي حال. المشكلة تكمن في هذه العقلية الطائشة إن صح التعبير، وهي تنظر للأطفال ككائنات يمكن صنعها بسهولة وكل مرة يجربوا هذه الآلة العجيبة !. من هنا تكمن المشكلة، مشكلة لماذا نأتي بالأطفال ؟ وبعد الاجابة على هذا السؤال إجابة متيقنة وواضحة، ننظر في المشكلة الاخرى والتي تتعلق بفهم الواقع و الحاضر وتحديات التربية في عصر بات تأثير الأباء والأمهات ودورهم يتراجع بنسبة كبيرة جداً، كنتُ قد قرأت دراسة قبل 5 سنوات تقريبا تقول بانحسار دور الأباء والأمهات إلى 10% والبقية تتوزع على مؤثرات أخرى.. خاصة في سن تكوّن الأصدقاء ودخول المدرسة، اليوم كم يمكن أن نُقدر انخفاض هذه النسبة. إني أعتقد أن هذا الموضوع من أخطر الموضوعات التي على الأمة أو الناس أو الدولة أو المفكرين أو انحن ... أي أحد.. المهم، على أحدنا أن يتحرك بسرعة وفوراً للنظر جيداً في تجذّر هذه المشكلة والسعي إلى وضع حلول افتراضية يتم تبنيها من قبل السلطات ودمجها بالحياة الاجتماعية فوراً ليكن لها عظيم التأثير. المشكلة برأيي أنه اُنتهكت الطفولة.. ضَمُرت معاني البراءة وتلاشت سريعاً من الحياة، تحولنا نحن وأطفالنا إلى ربورتات تقدس الآلية ولغات البرمجة في أشكالها الجذابة. ولنحدد المشكلة يمكن أن نحصرها في هذه النقاط:
1- ضعف مؤهلات الوالدين في تأدية واجبات التربية.
2- اتساع الفجوة بين عالم الوالدين وعالم الطفل وهم يعيشون في عصر واحد.
3- تحول الأطفال لتلقي تعاليم حياتهم عبر البيانات القادمة عبر الانترنت والألعاب المسلية الاخرى.
هذه باختصار أهم النقاط والتي تقود إلى آثار متنوعة ومتعددة يحتاج الأمر لدراسة متأنية للوقوف على حقيقة ما يحدث للأطفال وكيف تتنظم حياتهم وإلى أين تسير ؟!.
الحيوية
ينشأ الطفل وهو يجذب نفسه للخروج، يحبو ويتقلب ويجرّب المشي ويسقط ثم يقوم ويواصل المشي ثم يعشق الركض وربما يتسلق -وهو في العاشرة وأكبر- الجبال والمرتفعات، يُبصر الدنيا السماء والأرض والاشجار والناس وكل هذا وغيره يخلق في رأسه السؤال. إن السؤال هو دلالة الحيوية وانبثاق العقل ونموه في معدله الطبيعي، وكثيرا ما يتضايق الأباء والأمهات من الطفل كثير السؤال وربما يزجرونه كما يزجرون حيوانا ليكف عن التكفير ثم ليتوقف عن الحياة= النمو. بينما في ظل هذه الشاشة التي لا تفارقه، شاشة التلفاز وشاشة الكمبيوتر وشاشة الابي اس بي وغيرها يُحرم من النمو الطبيعي المُفترض للانسان حيث يختلط بالكون المُشابه له، وبقوة الطبيعة التي تُعلّمه بالنظر والفكر وتفتح له أبواباً لاكتشاف ذاته وأعتقد أنه في مآخاة الانسان في صغره للطبيعة ما يُعجّل في اكتمال ملامح شخصيته. وإني انظر لأمثلة كثيرة من حولي فقدت ثقتها وحيوتها وكأنها اضاعت حدود وأبعاد شخصيتها في هذا العالم المتماهي المتموج.
تقول إحدى الدراسات الشهيرة أن العقل يبدأ في عملية تنويم مغتاطيسي بعد 7 دقائق متتالية من مشاهدة التلفاز، وهذا واقعي فأنت تجد وعيك غير مواكب سوى للحظة التي تشاهدها وقد غرقت في تفاصيلها وهذا ينطبق بوضوح ونحن نشاهد الأفلام حيث ننسى وجودنا ونبقى هناك بمشاعرنا وخيالنا وانتباهنا وتفاعلنا مُعلقين في الصورة الاخرى. بالله ما رأيكم في الطفل الذي يُسلم عقله طوال ساعات من كل يوم للتلفاز حيث يبدأ في حفر بُعدا جافا في عقله، تتعرض في هذا البُعد مزيداً من قواه المفترض تنميتها وتحفيزها للانتهاك الخارجي وتتحول مع مؤثرات اخرى لتخلق زوايا حادة في فكره وشخصيته ربما تكون عائقة له في طفولته وربما تكون عالقة حتى يكبر. طبعا أنا هنا لا ارفض دور التلفاز وحضور المسرحيات والألعاب اليدوية في البيت فكلها تقوم بدور مهم، ولكن مشكلة إبطاء هذا النمو الهام هو معدل كل جزء من هذه الأدوار. يقول أحد الفلاسفة : القاعدة الرئيسية في الحياة ألا تقوم بشيء أكثر من اللازم.
المبادرة
واقصد بالمبادرة هنا ردة الفعل الموازية وربما الاستباقية للأخطار والمؤثرات التي تواجه الوالدين في تربية أولادهما. المبادرة هنا أن يتصرف الأبوين بطريقة أبوين يعيشان في العالم الأول بكل مقتضيات هذه العيشة من فكر وأخلاق وممارسات، استقدام هذه الحضارة والعمل بها في عالم ثالث هو المسابقة فعلا لبث وعي اجتماعي تربوي في القاعدة وفي الشعوب يُعنى بفهم تربية الأطفال وأساليبها. المبادرة تقوم على الحس الثقافي الاجتماعي للأسرة الذي يعي جيدا معانى التنشئة الاجتماعية وأن الطفل لا يعيش خارج مجتمعه ولذا يجب بقدر الامكان مشاركة الآباء الاخرين هذا الاستباق والسعي المتكاتف نحو تجديد هذا الوعي الحضاري. في الحضارة الغربية يُنظر إلى الأطفال بمنظار أكثر حقوقية أكثر إلتزاما وأكبر مساحة ثقافية ولذا فيقول أحد الفلاسفة: أأتني بمجموعة من الأطفال فسأُخرج لك منهم الطبيب والمفكر والمهندس والعالم وما تُريد !. هذه كناية عن الأثر العظيم لمرحلة النقش التي ننقُش فيها بتعاليم الحياة في كون هذا الصغير الكبير. وفي نظريات التنشئة الاجتماعية نجد نظرية إريك إريكسون القائل بأن عملية التنشئة الاجتماعية تمر بثمان مراحل، في كل مرحلة هناك أزمة على الأبوين تفهمها جيدا والاستعداد لها ثم خلق بيئة الحل لهذه الأزمة :
1- أزمة الثقة في مقابل عدم الثقة ( السنة الأولى ) . حلها : فعالية الأمل .
2- أزمة الذاتية أو الاستقلالية في مقابل الخجل والشك ( السنة الثانية ) . حلها : فعالية الإرادة .
3- أزمة المبادرة في مقابل الشعور بالذنب ( الطفولة المبكرة ) . حلها : فعالية الفرضية.
4- أزمة المباشرة أو " الاجتهاد" في مقابل الشعور بالنقص ( الطفولة المتوسطة : السنة السادسة ). حلها : فعالية الكفاية.
5- أزمة الهوية في مقابل اضطراب الهوية ( المراهقة ) . حلها : فعالية التفاني. *
هذه هي المراحل الخاصة بالطفل ونشأته في مجتمع يجب أن يتفاعل معه على نحو قريب من هذه النظرية ويقدم له بيئة متعاطية بكيفية تخلو من الاضطراب والعُقد. 1- اختفاء أحد الوالدين لأوقات زمنية طويلة من اليوم أو الشهر أو السنة يُحدث خللا في سيرورة هذه التكاتف التربوي الأسري. 2- وجود حروب أو صراعات أسرية أو طائفية يُصعد من هذا الاضطراب. 3- وسائل الإعلام التي تنزلق بسهولة بين الطفل وأبويه وتتخذ من نفسها حائطا يعيق الطفل من النظر إلى مجتمع أبويه هو أشد وأخطر ما يُصيب الأسرة اليوم باضطراب في مسيرها نحو التماسك في كافة جوانبه.
الحلول
أولى الحلول هي الحلول الاستباقية وهي ناجعة جدا، ويكون هذا منذ البدء. على الرجل أن يتزوج امرأة يرى فيها شريكا ممتازا لخوض الحياة الأسرية التي تُعنى بالتربية أولاً، وعلى المرأة الواعية أن ترفض زواجا يُلقي على كاهلها بكل أعباء التربية بينما يتحول الرجل إلى مساحة هدامة تقوّض بسهولة ما يُبنى بتعب. لنرفض زواجا لا يشبه الزواج. لنُلغي التقاء شريكين برباط مقدس لا يُعنى بأن يكون لبِنة مسبوكة بإحكام في حضارة هذا المجتمع وهذه الأمة. إني ادعو أن يقتصر آباء وأمهات هذا العصر إلى الاكتفاء بطفل واحد طوال الحياة، لم يَعد من الممكن إجادة تربية أكثر من طفل بهذا القدر من التشتت المتعدد للأبوين. تشتت العمل .. تداخل الثقافات عبر أدوات التسلية والإعلام .. انهماك الأبوين في تحسين جوانب حياتهما على حساب وقت الطفل. بل اني افضل الا ينجب الزوجين طفلاً وليعيشا حياة مفيدة لهما خيرا من أن يجلبا شراً إلى الحياة، هذه لن تكون أنانية، فالبشرية لن تتوقف عن الانجاب على كل حال، فنحن نرى في الصومال وافريقيا كيف تموت الناس جوعا ومع ذلك لا يكفون عن التناسل ليموتوا موتا جماعيا وليعذبوا أكبر عددا. إن أكثر الحلول فائدة هي التي تتولى الدول نشرها وتقديمها ويتولى المجتمع تبنيها ومراقبتها، ولكن هذا غير وارد في دول العالم الثالث ولو اعتبرنا حدوث هذا فهناك عقد منفرط من الثقة بين المجتمع والدولة يُسهم في فشل مثل هذه المشاريع بدءاً. لستُ متشائم ولكن ارى الحل في مرتبته الثانية هنا هو المبادرة الشخصية كما تحدتث عنها في الفقرة السالفة. حيث يتولد في كيان كل أسرة استشعار لما يجب أن تكون عليه ليس مقارنة بالموجود ولكن مقارنة بالأفضل عالميا، لا بأس أن تعيش هذه الأسرة غربة حضارية عن مجتمعها ولكنها تواصل تقدمها نحو الأفضل عالميا، ما سيحدث بعد هذا التطور إما أن يستجب المجتمع وتكون العملية جماعية وتتأثر أخيرا سياسات الدول فيما يخص الأطفال والتعليم والحقوق، وإما أن تهاجر مثل هذه الأسر لبيئات ودول تتساوى معها في الحياة وتواصل معها عملية التطور. أما الحلول العملية البسيطة التي اُسديها لكما، والتي يُفترض على الوالدين معاً في أفضل الحالات أو أحدهما مراعاتها :
1- اقرأ/ي دوما ً في كتب التعامل مع الطفل.
2- ليتطور تعاملك النفسي والعقلي والتفاعلي مع الطفل سنة بعد سنة.
3- تجارب الاخرين لست مقياس تختبر/ي بها طفلك، تعلم/ي المقاييس العامة المشتركة.
4- طفلك ليس نسخة عنك، اتركه يجمع ملامحه، عليك فقط مراقبة الملامح الخطأ وإلغاءها.
5- احترم/ي طفلك كثيرا، يُقال : تكلم معه كما تتكلم مع الكبار ولكن بلغة أفضل.
6- انجز فروضك نحو طفلك كما يجب ( يدخل في ذلك الوعود والعقوبات )، فهو حتما يراقبك وله ذاكرة تراكمية فلا تستهين بها.
7- اترك طفلك يتحمل جزاء أعماله، لا تدافع عنه وتبرر له، فهو سيواجه العالم لوحده، هذا سيصدمه في البدء ولكنه سيبني ثقته وشخصيته سريعا وبثبات، وهذا يعني أيضا ألا تُشرك آخرين في تربيته، لأنه حينها سيزيد عنده مقدار التشويش.
8- علّم/ي طفلك دوما التراتيبية، الأهم فالمهم. مثلاً : تراتيبية الدين والتدين. تراتيبية التعلم والمدرسة.
9- لتكن ألعاب طفلك أمراً مختلف عن المعهود. مثل الألعاب الذهنية التي ربما تصنعها أنت، افتح لها مرسماً ثم منجرة ثم اجعله يكتشف نفسه وما يُحب.
10- قدم/ي نفسك لطفلك بما لا يجعله ينتهك حرمة وقتك ويُقدم عليك مُسلياته من التلفاز والبلايستيشن والابي اس بي.
11- علّم طفلك القراءة والتعبير عن شعوره بالحديث أو الكتابة، وعبّر له بوضوح عن مشاعرك تجاهه.
خاتمة:
- يقول أبوحامد الغزالي الفيلسوف والفقيه : الصبي أمانة عند واليه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش عليه ومائل إلى كل ما يُمَالُ إليه.
المشكلة
هذا الموضوع من أكثر الموضوعات الشائكة والحساسة والهامة جدا. المشكلة تكمن أنه لم يعد لدى الأبوين وقتا يصرفانه في تعلم أساليب التربية فضلاً عن تأديتها على الوجه المطلوب. في الحقيقة لقد بات من العسير جداً إنجاب طفل واحد وتربيته تربية إسلامية متوازنة متكاملة ممتازة في هذا العصر. أرى من حولي الكثير من الآباء والأمهات يعيشوا في غربة زمنية عن أطفالهم، فهناك غربة في التعامل مع الأطفال وتقديرهم واحترام حياتهم، وهناك غفلة عن الالتفات لأولى سنوات الطفل التي تتحضر وتتركب فيها الصفات والأداة العقلية وتتشكل فيها معالم الشخصية الرئيسة. إن انجاب الطفل بالنسبة لكثير من الأباء والأمهات في عصرنا هذا - ولا أقول في زمنِ مضى - هو مجرد واجب اجتماعي مفروض وكأن المجتمع يحمل بيده سوطاً لأولئك الذين لا يبذرون خلفتهم في الأرض.. فهم يبذرونه على أي حال. المشكلة تكمن في هذه العقلية الطائشة إن صح التعبير، وهي تنظر للأطفال ككائنات يمكن صنعها بسهولة وكل مرة يجربوا هذه الآلة العجيبة !. من هنا تكمن المشكلة، مشكلة لماذا نأتي بالأطفال ؟ وبعد الاجابة على هذا السؤال إجابة متيقنة وواضحة، ننظر في المشكلة الاخرى والتي تتعلق بفهم الواقع و الحاضر وتحديات التربية في عصر بات تأثير الأباء والأمهات ودورهم يتراجع بنسبة كبيرة جداً، كنتُ قد قرأت دراسة قبل 5 سنوات تقريبا تقول بانحسار دور الأباء والأمهات إلى 10% والبقية تتوزع على مؤثرات أخرى.. خاصة في سن تكوّن الأصدقاء ودخول المدرسة، اليوم كم يمكن أن نُقدر انخفاض هذه النسبة. إني أعتقد أن هذا الموضوع من أخطر الموضوعات التي على الأمة أو الناس أو الدولة أو المفكرين أو انحن ... أي أحد.. المهم، على أحدنا أن يتحرك بسرعة وفوراً للنظر جيداً في تجذّر هذه المشكلة والسعي إلى وضع حلول افتراضية يتم تبنيها من قبل السلطات ودمجها بالحياة الاجتماعية فوراً ليكن لها عظيم التأثير. المشكلة برأيي أنه اُنتهكت الطفولة.. ضَمُرت معاني البراءة وتلاشت سريعاً من الحياة، تحولنا نحن وأطفالنا إلى ربورتات تقدس الآلية ولغات البرمجة في أشكالها الجذابة. ولنحدد المشكلة يمكن أن نحصرها في هذه النقاط:
1- ضعف مؤهلات الوالدين في تأدية واجبات التربية.
2- اتساع الفجوة بين عالم الوالدين وعالم الطفل وهم يعيشون في عصر واحد.
3- تحول الأطفال لتلقي تعاليم حياتهم عبر البيانات القادمة عبر الانترنت والألعاب المسلية الاخرى.
هذه باختصار أهم النقاط والتي تقود إلى آثار متنوعة ومتعددة يحتاج الأمر لدراسة متأنية للوقوف على حقيقة ما يحدث للأطفال وكيف تتنظم حياتهم وإلى أين تسير ؟!.
الحيوية
ينشأ الطفل وهو يجذب نفسه للخروج، يحبو ويتقلب ويجرّب المشي ويسقط ثم يقوم ويواصل المشي ثم يعشق الركض وربما يتسلق -وهو في العاشرة وأكبر- الجبال والمرتفعات، يُبصر الدنيا السماء والأرض والاشجار والناس وكل هذا وغيره يخلق في رأسه السؤال. إن السؤال هو دلالة الحيوية وانبثاق العقل ونموه في معدله الطبيعي، وكثيرا ما يتضايق الأباء والأمهات من الطفل كثير السؤال وربما يزجرونه كما يزجرون حيوانا ليكف عن التكفير ثم ليتوقف عن الحياة= النمو. بينما في ظل هذه الشاشة التي لا تفارقه، شاشة التلفاز وشاشة الكمبيوتر وشاشة الابي اس بي وغيرها يُحرم من النمو الطبيعي المُفترض للانسان حيث يختلط بالكون المُشابه له، وبقوة الطبيعة التي تُعلّمه بالنظر والفكر وتفتح له أبواباً لاكتشاف ذاته وأعتقد أنه في مآخاة الانسان في صغره للطبيعة ما يُعجّل في اكتمال ملامح شخصيته. وإني انظر لأمثلة كثيرة من حولي فقدت ثقتها وحيوتها وكأنها اضاعت حدود وأبعاد شخصيتها في هذا العالم المتماهي المتموج.
تقول إحدى الدراسات الشهيرة أن العقل يبدأ في عملية تنويم مغتاطيسي بعد 7 دقائق متتالية من مشاهدة التلفاز، وهذا واقعي فأنت تجد وعيك غير مواكب سوى للحظة التي تشاهدها وقد غرقت في تفاصيلها وهذا ينطبق بوضوح ونحن نشاهد الأفلام حيث ننسى وجودنا ونبقى هناك بمشاعرنا وخيالنا وانتباهنا وتفاعلنا مُعلقين في الصورة الاخرى. بالله ما رأيكم في الطفل الذي يُسلم عقله طوال ساعات من كل يوم للتلفاز حيث يبدأ في حفر بُعدا جافا في عقله، تتعرض في هذا البُعد مزيداً من قواه المفترض تنميتها وتحفيزها للانتهاك الخارجي وتتحول مع مؤثرات اخرى لتخلق زوايا حادة في فكره وشخصيته ربما تكون عائقة له في طفولته وربما تكون عالقة حتى يكبر. طبعا أنا هنا لا ارفض دور التلفاز وحضور المسرحيات والألعاب اليدوية في البيت فكلها تقوم بدور مهم، ولكن مشكلة إبطاء هذا النمو الهام هو معدل كل جزء من هذه الأدوار. يقول أحد الفلاسفة : القاعدة الرئيسية في الحياة ألا تقوم بشيء أكثر من اللازم.
المبادرة
واقصد بالمبادرة هنا ردة الفعل الموازية وربما الاستباقية للأخطار والمؤثرات التي تواجه الوالدين في تربية أولادهما. المبادرة هنا أن يتصرف الأبوين بطريقة أبوين يعيشان في العالم الأول بكل مقتضيات هذه العيشة من فكر وأخلاق وممارسات، استقدام هذه الحضارة والعمل بها في عالم ثالث هو المسابقة فعلا لبث وعي اجتماعي تربوي في القاعدة وفي الشعوب يُعنى بفهم تربية الأطفال وأساليبها. المبادرة تقوم على الحس الثقافي الاجتماعي للأسرة الذي يعي جيدا معانى التنشئة الاجتماعية وأن الطفل لا يعيش خارج مجتمعه ولذا يجب بقدر الامكان مشاركة الآباء الاخرين هذا الاستباق والسعي المتكاتف نحو تجديد هذا الوعي الحضاري. في الحضارة الغربية يُنظر إلى الأطفال بمنظار أكثر حقوقية أكثر إلتزاما وأكبر مساحة ثقافية ولذا فيقول أحد الفلاسفة: أأتني بمجموعة من الأطفال فسأُخرج لك منهم الطبيب والمفكر والمهندس والعالم وما تُريد !. هذه كناية عن الأثر العظيم لمرحلة النقش التي ننقُش فيها بتعاليم الحياة في كون هذا الصغير الكبير. وفي نظريات التنشئة الاجتماعية نجد نظرية إريك إريكسون القائل بأن عملية التنشئة الاجتماعية تمر بثمان مراحل، في كل مرحلة هناك أزمة على الأبوين تفهمها جيدا والاستعداد لها ثم خلق بيئة الحل لهذه الأزمة :
1- أزمة الثقة في مقابل عدم الثقة ( السنة الأولى ) . حلها : فعالية الأمل .
2- أزمة الذاتية أو الاستقلالية في مقابل الخجل والشك ( السنة الثانية ) . حلها : فعالية الإرادة .
3- أزمة المبادرة في مقابل الشعور بالذنب ( الطفولة المبكرة ) . حلها : فعالية الفرضية.
4- أزمة المباشرة أو " الاجتهاد" في مقابل الشعور بالنقص ( الطفولة المتوسطة : السنة السادسة ). حلها : فعالية الكفاية.
5- أزمة الهوية في مقابل اضطراب الهوية ( المراهقة ) . حلها : فعالية التفاني. *
هذه هي المراحل الخاصة بالطفل ونشأته في مجتمع يجب أن يتفاعل معه على نحو قريب من هذه النظرية ويقدم له بيئة متعاطية بكيفية تخلو من الاضطراب والعُقد. 1- اختفاء أحد الوالدين لأوقات زمنية طويلة من اليوم أو الشهر أو السنة يُحدث خللا في سيرورة هذه التكاتف التربوي الأسري. 2- وجود حروب أو صراعات أسرية أو طائفية يُصعد من هذا الاضطراب. 3- وسائل الإعلام التي تنزلق بسهولة بين الطفل وأبويه وتتخذ من نفسها حائطا يعيق الطفل من النظر إلى مجتمع أبويه هو أشد وأخطر ما يُصيب الأسرة اليوم باضطراب في مسيرها نحو التماسك في كافة جوانبه.
الحلول
أولى الحلول هي الحلول الاستباقية وهي ناجعة جدا، ويكون هذا منذ البدء. على الرجل أن يتزوج امرأة يرى فيها شريكا ممتازا لخوض الحياة الأسرية التي تُعنى بالتربية أولاً، وعلى المرأة الواعية أن ترفض زواجا يُلقي على كاهلها بكل أعباء التربية بينما يتحول الرجل إلى مساحة هدامة تقوّض بسهولة ما يُبنى بتعب. لنرفض زواجا لا يشبه الزواج. لنُلغي التقاء شريكين برباط مقدس لا يُعنى بأن يكون لبِنة مسبوكة بإحكام في حضارة هذا المجتمع وهذه الأمة. إني ادعو أن يقتصر آباء وأمهات هذا العصر إلى الاكتفاء بطفل واحد طوال الحياة، لم يَعد من الممكن إجادة تربية أكثر من طفل بهذا القدر من التشتت المتعدد للأبوين. تشتت العمل .. تداخل الثقافات عبر أدوات التسلية والإعلام .. انهماك الأبوين في تحسين جوانب حياتهما على حساب وقت الطفل. بل اني افضل الا ينجب الزوجين طفلاً وليعيشا حياة مفيدة لهما خيرا من أن يجلبا شراً إلى الحياة، هذه لن تكون أنانية، فالبشرية لن تتوقف عن الانجاب على كل حال، فنحن نرى في الصومال وافريقيا كيف تموت الناس جوعا ومع ذلك لا يكفون عن التناسل ليموتوا موتا جماعيا وليعذبوا أكبر عددا. إن أكثر الحلول فائدة هي التي تتولى الدول نشرها وتقديمها ويتولى المجتمع تبنيها ومراقبتها، ولكن هذا غير وارد في دول العالم الثالث ولو اعتبرنا حدوث هذا فهناك عقد منفرط من الثقة بين المجتمع والدولة يُسهم في فشل مثل هذه المشاريع بدءاً. لستُ متشائم ولكن ارى الحل في مرتبته الثانية هنا هو المبادرة الشخصية كما تحدتث عنها في الفقرة السالفة. حيث يتولد في كيان كل أسرة استشعار لما يجب أن تكون عليه ليس مقارنة بالموجود ولكن مقارنة بالأفضل عالميا، لا بأس أن تعيش هذه الأسرة غربة حضارية عن مجتمعها ولكنها تواصل تقدمها نحو الأفضل عالميا، ما سيحدث بعد هذا التطور إما أن يستجب المجتمع وتكون العملية جماعية وتتأثر أخيرا سياسات الدول فيما يخص الأطفال والتعليم والحقوق، وإما أن تهاجر مثل هذه الأسر لبيئات ودول تتساوى معها في الحياة وتواصل معها عملية التطور. أما الحلول العملية البسيطة التي اُسديها لكما، والتي يُفترض على الوالدين معاً في أفضل الحالات أو أحدهما مراعاتها :
1- اقرأ/ي دوما ً في كتب التعامل مع الطفل.
2- ليتطور تعاملك النفسي والعقلي والتفاعلي مع الطفل سنة بعد سنة.
3- تجارب الاخرين لست مقياس تختبر/ي بها طفلك، تعلم/ي المقاييس العامة المشتركة.
4- طفلك ليس نسخة عنك، اتركه يجمع ملامحه، عليك فقط مراقبة الملامح الخطأ وإلغاءها.
5- احترم/ي طفلك كثيرا، يُقال : تكلم معه كما تتكلم مع الكبار ولكن بلغة أفضل.
6- انجز فروضك نحو طفلك كما يجب ( يدخل في ذلك الوعود والعقوبات )، فهو حتما يراقبك وله ذاكرة تراكمية فلا تستهين بها.
7- اترك طفلك يتحمل جزاء أعماله، لا تدافع عنه وتبرر له، فهو سيواجه العالم لوحده، هذا سيصدمه في البدء ولكنه سيبني ثقته وشخصيته سريعا وبثبات، وهذا يعني أيضا ألا تُشرك آخرين في تربيته، لأنه حينها سيزيد عنده مقدار التشويش.
8- علّم/ي طفلك دوما التراتيبية، الأهم فالمهم. مثلاً : تراتيبية الدين والتدين. تراتيبية التعلم والمدرسة.
9- لتكن ألعاب طفلك أمراً مختلف عن المعهود. مثل الألعاب الذهنية التي ربما تصنعها أنت، افتح لها مرسماً ثم منجرة ثم اجعله يكتشف نفسه وما يُحب.
10- قدم/ي نفسك لطفلك بما لا يجعله ينتهك حرمة وقتك ويُقدم عليك مُسلياته من التلفاز والبلايستيشن والابي اس بي.
11- علّم طفلك القراءة والتعبير عن شعوره بالحديث أو الكتابة، وعبّر له بوضوح عن مشاعرك تجاهه.
خاتمة:
- يقول أبوحامد الغزالي الفيلسوف والفقيه : الصبي أمانة عند واليه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما ينقش عليه ومائل إلى كل ما يُمَالُ إليه.