- الثلاثاء نوفمبر 15, 2011 3:03 pm
#40095
عبد الزهرة الركابي
عند المقارنة بين الثورتين التونسية والمصرية، نرى أن هناك اختلافات وتمايزات وفوارق بينهما، وبناء على ما تحقق منذ إطاحة النظامين السابقين في كلا البلدين، تكون المحصلة الإيجابية في هذه المقارنة لمصلحة الثورة في تونس، حيث تجري عملية التحول في هذا البلد بصورة هادئة وسلسة، وتتخذ مسارات واضحة على الرغم من النتائج التي أسفرت عنها انتخابات المجلس التأسيسي والتي كانت مثاراً للجدل والتخوف بين القوى السياسية في البلد المذكور .
وعلى العكس من تونس، نجد أن مصر تتعثر فيها مثل هذه العملية، ولا تبدو آفاقها للمراقبين تشي بالاطمئنان والراحة، وهذا يعود إلى اضطراب المشهدين الاجتماعي والسياسي، إلى حد جعل المحللين يشيرون إلى ظاهرة سلبية اجتاحت المجتمع المصري، وجعلته بالتالي يتعرض إلى حالة مرضية، وهي تزداد تدهوراً مرحلة بعد أخرى في مجال السلوك الاجتماعي الذي تمارسه النخب السياسية والجماهير الشعبية على السواء، ليبدو المجتمع المصري من خلالها الآن يمر بمرحلة خطرة تتسم بالتفكك الاجتماعي الجسيم .
ويعتقد هؤلاء المحللون أن النماذج السيئة للسلوك الغوغائي الذي تمارسه بعض فئات الجماهير، والسلوك الهمجي الذي يمارسه بعض فئات النخبة سواء كانوا محامين أو أساتذة جامعيين، للأسف الشديد، أدى إلى ظواهر من الاختلال الاجتماعي، انتهكت بدورها حرمة القيم المرعية في المجتمع المصري، وهي بهذه الانتهاكات تكاد تكون أخطر وأفدح من الانفلات الأمني .
وعلى هذا الواقع بالنسبة إلى مصر، لا نجد في تونس مثل هذه النماذج، بل إن المجتمع التونسي بدا متماسكاً ومهيأ في آن، لكل التطورات والمستجدات وحتى المنعطفات والتداعيات التي قد تظهر على المشهد السياسي، ثم إن الفئات النخبوية والشعبية على السواء حافظت على مستويات القيم المرعية والسائدة، ولم تقم بسلوك أو ممارسة تؤدي إلى تجاوزها أو انتهاكها، بل إن القوى الشعبية والنخبوية التي كانت في مقدمة المشهد الثوري، والتي لم تفلح في هذه الانتخابات أو لم تحقق الصدارة فيها، ارتضت بما أسفرت عنه نتائجها، ولو على مضض أو عدم هضم من دون القيام بأعمال تسيء إلى القواعد المجتمعية .
لهذا، نجحت الثورة في تونس مرحلياً في تحقيق المنجزات الأولية التي تُعد ارتكازات وقواعد انطلاق لمراحل المستقبل في تكوين صورة الدولة المنشودة، بعدما ضمنت مدنية الدولة، وأصدرت حزمة من القوانين الضامنة والمؤسسة لعملية التحول السياسي بعنوانها الديمقراطي، في حين لا تزال الثورة في مصر تدور في فلك من التلكؤ والتخبط وعدم الوضوح في هذا الجانب، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الكثير من القوانين المطلوبة في هذه المرحلة لم تصدر بعد، وحتى القوانين التي صدرت على محدوديتها، تعرض بعضها إلى أكثر من تعديل خلال شهر واحد، وهذا البعض ظل محل خلاف بين القوى السياسية على مختلف مشاربها، وكذلك ظل مثل هذا الخلاف قائماً إلى حد الآن بين القوى السياسية من جهة والمجلس العسكري والحكومة المؤقتة من جانب آخر حول وثيقة نائب رئيس الوزراء علي السلمي .
وهذه الوثيقة التي أعدها السلمي وتم طرحها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واجهت رفضاً من قوى الإسلام السياسي، التي تعتبر ما ورد في بنودها يمثل وصاية على خيارات الشعب في ما يخص تشكيل الهيئة التأسيسية التي ستضطلع بإعداد الدستور، كما ترفض منح المجلس العسكري استثناءات سياسية تجعله خارج نطاق الرقابة، وتتيح له دوراً مؤثراً في العملية السياسية، وعلى المنحى نفسه، أعلن المنسق العام للتحالف الديمقراطي الذي يضم أكثر من 20 تياراً وحركة سياسية، أن التحالف رفض الوثيقة على الرغم من تعديلها من قبل الحكومة .
إذاً، الثورة في تونس وبما حققته إلى حد الآن، تختلف عن الثورة في مصر بما يشوبها من تلكؤ وضبابية وتراجع، وهذا التباين على صعيد تحقيق الأهداف الأولية والمرحلية، يجعل صورة ومحتوى الثورة، مقياساً للاختلاف بين ثورة وأخرى، بيد أن هناك احتمالات واردة في إمكانية حصول مقاربة بين الثورتين المذكورتين بالنسبة إلى الحكم القادم، إذ يسود الاعتقاد لدى الأوساط النخبوية الثورية في مصر، بأن السيناريو التونسي لنتائج الانتخابات سيتكرر في مصر أيضاً، خصوصاً أن الاستطلاعات تميل إلى فوز الإسلاميين في الانتخابات، وهذا ما يُفسر مطالبة الإسلاميين بأن يكون للبرلمان وحده الحق في إعداد وصياغة الدستور .
ومع ذلك، فلكل ثورة شكلها وتوجهها، وليس بالضرورة أن يكون الحكم الإسلامي في تونس شبيهاً بالحكم الإسلامي في مصر، وعلى افتراض تسلم الإسلاميين هذا الحكم، حتى لو كانا ينهلان في المبدأ العام من معين واحد، لا سيما أن آلية السياسة ومحركاتها، في المصالح القطرية والحزبية والسلطوية والعلاقات الإقليمية والدولية، ربما تبعدهما أكثر مما تقربهما .
عند المقارنة بين الثورتين التونسية والمصرية، نرى أن هناك اختلافات وتمايزات وفوارق بينهما، وبناء على ما تحقق منذ إطاحة النظامين السابقين في كلا البلدين، تكون المحصلة الإيجابية في هذه المقارنة لمصلحة الثورة في تونس، حيث تجري عملية التحول في هذا البلد بصورة هادئة وسلسة، وتتخذ مسارات واضحة على الرغم من النتائج التي أسفرت عنها انتخابات المجلس التأسيسي والتي كانت مثاراً للجدل والتخوف بين القوى السياسية في البلد المذكور .
وعلى العكس من تونس، نجد أن مصر تتعثر فيها مثل هذه العملية، ولا تبدو آفاقها للمراقبين تشي بالاطمئنان والراحة، وهذا يعود إلى اضطراب المشهدين الاجتماعي والسياسي، إلى حد جعل المحللين يشيرون إلى ظاهرة سلبية اجتاحت المجتمع المصري، وجعلته بالتالي يتعرض إلى حالة مرضية، وهي تزداد تدهوراً مرحلة بعد أخرى في مجال السلوك الاجتماعي الذي تمارسه النخب السياسية والجماهير الشعبية على السواء، ليبدو المجتمع المصري من خلالها الآن يمر بمرحلة خطرة تتسم بالتفكك الاجتماعي الجسيم .
ويعتقد هؤلاء المحللون أن النماذج السيئة للسلوك الغوغائي الذي تمارسه بعض فئات الجماهير، والسلوك الهمجي الذي يمارسه بعض فئات النخبة سواء كانوا محامين أو أساتذة جامعيين، للأسف الشديد، أدى إلى ظواهر من الاختلال الاجتماعي، انتهكت بدورها حرمة القيم المرعية في المجتمع المصري، وهي بهذه الانتهاكات تكاد تكون أخطر وأفدح من الانفلات الأمني .
وعلى هذا الواقع بالنسبة إلى مصر، لا نجد في تونس مثل هذه النماذج، بل إن المجتمع التونسي بدا متماسكاً ومهيأ في آن، لكل التطورات والمستجدات وحتى المنعطفات والتداعيات التي قد تظهر على المشهد السياسي، ثم إن الفئات النخبوية والشعبية على السواء حافظت على مستويات القيم المرعية والسائدة، ولم تقم بسلوك أو ممارسة تؤدي إلى تجاوزها أو انتهاكها، بل إن القوى الشعبية والنخبوية التي كانت في مقدمة المشهد الثوري، والتي لم تفلح في هذه الانتخابات أو لم تحقق الصدارة فيها، ارتضت بما أسفرت عنه نتائجها، ولو على مضض أو عدم هضم من دون القيام بأعمال تسيء إلى القواعد المجتمعية .
لهذا، نجحت الثورة في تونس مرحلياً في تحقيق المنجزات الأولية التي تُعد ارتكازات وقواعد انطلاق لمراحل المستقبل في تكوين صورة الدولة المنشودة، بعدما ضمنت مدنية الدولة، وأصدرت حزمة من القوانين الضامنة والمؤسسة لعملية التحول السياسي بعنوانها الديمقراطي، في حين لا تزال الثورة في مصر تدور في فلك من التلكؤ والتخبط وعدم الوضوح في هذا الجانب، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الكثير من القوانين المطلوبة في هذه المرحلة لم تصدر بعد، وحتى القوانين التي صدرت على محدوديتها، تعرض بعضها إلى أكثر من تعديل خلال شهر واحد، وهذا البعض ظل محل خلاف بين القوى السياسية على مختلف مشاربها، وكذلك ظل مثل هذا الخلاف قائماً إلى حد الآن بين القوى السياسية من جهة والمجلس العسكري والحكومة المؤقتة من جانب آخر حول وثيقة نائب رئيس الوزراء علي السلمي .
وهذه الوثيقة التي أعدها السلمي وتم طرحها في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واجهت رفضاً من قوى الإسلام السياسي، التي تعتبر ما ورد في بنودها يمثل وصاية على خيارات الشعب في ما يخص تشكيل الهيئة التأسيسية التي ستضطلع بإعداد الدستور، كما ترفض منح المجلس العسكري استثناءات سياسية تجعله خارج نطاق الرقابة، وتتيح له دوراً مؤثراً في العملية السياسية، وعلى المنحى نفسه، أعلن المنسق العام للتحالف الديمقراطي الذي يضم أكثر من 20 تياراً وحركة سياسية، أن التحالف رفض الوثيقة على الرغم من تعديلها من قبل الحكومة .
إذاً، الثورة في تونس وبما حققته إلى حد الآن، تختلف عن الثورة في مصر بما يشوبها من تلكؤ وضبابية وتراجع، وهذا التباين على صعيد تحقيق الأهداف الأولية والمرحلية، يجعل صورة ومحتوى الثورة، مقياساً للاختلاف بين ثورة وأخرى، بيد أن هناك احتمالات واردة في إمكانية حصول مقاربة بين الثورتين المذكورتين بالنسبة إلى الحكم القادم، إذ يسود الاعتقاد لدى الأوساط النخبوية الثورية في مصر، بأن السيناريو التونسي لنتائج الانتخابات سيتكرر في مصر أيضاً، خصوصاً أن الاستطلاعات تميل إلى فوز الإسلاميين في الانتخابات، وهذا ما يُفسر مطالبة الإسلاميين بأن يكون للبرلمان وحده الحق في إعداد وصياغة الدستور .
ومع ذلك، فلكل ثورة شكلها وتوجهها، وليس بالضرورة أن يكون الحكم الإسلامي في تونس شبيهاً بالحكم الإسلامي في مصر، وعلى افتراض تسلم الإسلاميين هذا الحكم، حتى لو كانا ينهلان في المبدأ العام من معين واحد، لا سيما أن آلية السياسة ومحركاتها، في المصالح القطرية والحزبية والسلطوية والعلاقات الإقليمية والدولية، ربما تبعدهما أكثر مما تقربهما .