لماذا تكره إيران السعودية ؟
مثل مواسم الأعاصير الاستوائية والرياح الخماسينية المحملة بالأتربة ومثل ريح السموم الحارة التي تلفح الوجوه وتعكر صفو الأجواء ، جاء موسم الهجوم الإيراني السنوي علي المملكة السعودية ، فيما يشبه جوقة الكورال النشاز ، فقد اشترك ساسة وعسكريون ورجال حوزات وأئمة مساجد وآيات مشاهد وحسينيات ومن قبلهم المرشد خامنئي ورئيس الدولة نجاد في حملة تسييس موسم الحج ، وجعله مناسبة سنوية معتادة في الهجوم علي السعودية وخلط الملفات بعضها ببعض ، والرمي بالتهم والأباطيل ، وتفريغ شحنات الصدور المكبوتة بالحقد والغل والكراهية تجاه زعيمة العالم السني ، ولكن هذه المرة طاشت الكراهية والبغضاء بعقول بعضهم ، حتى أقدم إمام الجمعة في مدينة مشهد الإيرانية أحمد علم الدين علي الدعوة لتغيير قبلة المسلمين من مكة إلي مشهد ، وذلك لأن أرض الحجاز والحرمين باتت أسيرة للمستكبرين ولم يدع لنا مجالاً للتفكير فيمن هم المستكبرون الذي يقصدهم إذ قال : أرض الحجاز ضحية للوهابية الكفرة ! ، وهكذا بلغ العداء والكره الإيراني للعربية السعودية .
أسباب العداوة الإيرانية
البعض يحاول إظهار العداء الإيراني للسعودية في ثوب السياسة الفضفاض والذي يسمح بتأويلات كثيرة وأجوبة أكثر ، بل أري أن هناك إصرارا علي حصر هذا الصراع في إطاره السياسي للتعمية عن الأسباب الحقيقية للصراع ، فإيران دولة طائفية متعصبة نظرتها تضيق للغاية تجاه من يخالفها في المعتقد والمذهب ، وللتعرف علي طبيعة هذا العداء لابد من التجرد من أي أجندة مسبقة لتوصيف هذا العداء واستحضار الخلفيات الثقافية والتاريخية والإيدلوجية المتعلقة بهذا الصراع ، وهي خلفيات يجاهد البعض حتى ممن ينتسب للتيار الإسلامي في طمسها وتجاوزها كأنها نسياً منسياً ، والتجرد البحثي والحيادية العلمية تقضى البحث عن الأسباب كلها وفق المعطيات والدلائل للوصول لنتيجة صحيحة واستقراء سليم للأحداث والوقائع المستقبلية ، لهذا فإن من أبرز أسباب العداء الإيراني للعربية السعودية ما يلي :
الأسباب التاريخية
الأسباب التاريخية
الدولة الإيرانية تعتبر نفسها تاريخياً وارثة مجد مملكة الفرس المجوسية، ومن ثم فإن العداء الإيراني لكل ما هو عربي معروف للجميع، خاصة عرب الجزيرة والحجاز الذين عبروا النهرين ـ دجلة والفرات ـ أيام الراشدين واجتاحوا المدن الفارسية وأسقطوا إيوان كسري وعروشه ، وورثوا ملكه ، وصلوا صلاة الفتح في قصره الأبيض بالمدائن ، وأطفئوا نار المجوس المقدسة للأبد ، وذلك في سنوات قليلة ، مما جعل صدور الإيرانيين تشتعل غلاً وحقداً علي العرب عامة وعرب الفتح خاصة بصورة لم تفلح القرون و السنون في إطفائها ، لذلك وجدنا عبر التاريخ الإسلامي العديد من المحاولات الإيرانية المجوسية من أجل هدم الأمة الإسلامية منها محاولة أستاذ سيس سنة 136هجرية ، وبابك الخرمي سنة 202 هجرية ، والأفشين سنة224 هجرية ، ومردوايج323 هجرية ، وأسفار بن شيرويه سنة 316 هجرية ، بل قامت العديد من الدول والممالك ذات الأصول الفارسية التي كانت لا تخفى عدائها للعرب والخلافة مثل الدولة البويهية ، والدولة السامانية ، والدولة الزيدية ، وكلها دول ظهرت وقويت شوكتها في الهضبة الإيرانية .
بعد ذلك ظهرت الدولة الصفوية والتي تعتبر الأساس التاريخي المعاصر للدولة الإيرانية المعاصرة ، وكانت الدولة الصفوية من ألد أعداء الدولة العثمانية بسبب زعامتها للعالم الإسلامي السني ، ودخل الصفويون في معارك طاحنة وكثيرة ضد العثمانيين ، ووضعوا أيديهم في أيدي ألد كل أعداء المسلمين من روس وبرتغاليين وانجليز وغيرهم ، وكانوا في عداوتهم للدولة العثمانية ألد وأشد من إخوانهم من صليبي أوروبا ، ولم يكن من مبرر للصفويين في عداوتهم للعثمانيين سوي المذهب و الدين ، ووقف الدولة العثمانية سداً منيعاً أمام المخططات الصفوية لنشر التشيع في العالم الإسلامي ، وبل ما بدأ العثمانيون حربهم علي الصفويين أيام السلطان سليم الأول إلا بسبب الإضطهاد الوحشي لأهل السنة بالهضبة الإيرانية والمذابح المروعة التي قام بها الشاه اسماعيل الصفوي بحق أهل السنة والتي راح ضحيتها قرابة المليون مسلم سني ، وأجبر معظم سكان إيران علي التشيع الذي جعله الدين الرسمي لدولته ، حتى غدا أهل السنة أقلية بأرضهم ، وظلت الدولة الصفوية علي أجندتها الخاصة بعداوة الدولة العثمانية حتى سقطت وحلت محلها الدولة القاجارية والتي سارت علي نفس خط الصفوية في عداوتها للدولة العثمانية وأهل السنة حتى سقطت الدولة العثمانية في أيامها سنة 1924 ميلادية .
انتقل العداء الإيراني بعد سقوط الدولة العثمانية للدولة السعودية الفتية التي شهدت نمواً مطرداً واتساعاً حدودياً كبيراً شمل معظم أرجاء الجزيرة وضم مناطق ذات كثافة شيعية مثل الإحساء والقطيف مما جعل الأحقاد الإيرانية تجد لها سبيلاً جديداً ، وهكذا ترى أن البعد التاريخي له دور كبير وحاسم في تأجيج مشاعر العداء والكراهية للدولة السعودية ، وأن الموروث التاريخي لا يمكن تجاهله أبداً في هذا الصراع مهما حاول أنصار التقريب والمخدوعون وكل من له مصلحة في تمرير المشروع الإيراني في المنطقة .
الأسباب الدينية
الدولة الإيرانية دولة طائفية مذهبية من الطراز الأول أخذت علي عاتقها منذ أيام الدولة الصفوية الأولي نشر التشيع قسراً وجبراً علي العباد في إيران ، ومن ثم في العلم بأسره ، ودستور الدولة الصفوية الثانية [ إيران ] المستوحى من إلهامات ولاية الفقيه الخومينية ينص علي أن التشيع هو دين الدولة الرسمي ، وينص علي ضرورة تصدير مبادئ الثورة الخومينية في العالم كله ، ومن ثم راح الإيرانيون يجهدون في إنشاء المراكز والمدارس والسفارات في كل أحاء العالم الإسلامي ، وأنفقت إيران المليارات من أجل ذلك من طباعة الكتب واستكتاب بعض المؤلفة جيوبهم لصالح الفكر الشيعي ، واختراق المنظمات والهيئات الإسلامية بدعوى التقريب والوحدة من أجل الترويج للتشيع الذي هو قضية مصير بالنسبة لإيران وحكامها .
وأمام هذه الطموحات الإيرانية لتصدير الفكر والدين الشيعي وقفت المملكة السعودية بالمرصاد ، ففي ظل تراجع دور الأزهر في قيادة التوجيه الديني للعالم الإسلامي ، تولت السعودية مسألة نشر الإسلام وبناء المدارس والجامعات والمراكز الإسلامية والجمعيات الخيرية والمؤسسات الدعوية التي كان لها الدور الأبرز في العصر الحديث في نشر الدين الصحيح وإبطال المخططات الفارسية لنشر التشيع في العالم الإسلامي ، حتى أنك لو ذهبت لأبعد بقعة في الأرض لوجدت مركزاً أو مدرسة أو هيئة إسلامية بتمويل سعودي لخدمة الإسلام والمسلمين ، وكان للجهود السعودية قدم السبق في رد عادية الدين الشيعي في البلدان الإسلامية ، وكان للسلفية دور رائع في تبصير الناس بحقيقة الشيعة وأباطيلهم وجرائمهم وفساد معتقدهم ، مما جعل الروافض يصبون جم غضبهم علي السلفية ، ويحاولن بث الفرقة بين أهل السنة بالإدعاء بأن السلفية هي السبب وراء مصائب الأمة ، كما أدعى الدجال الكذاب خامنئي في تصريح له في شهر يونيه الماضي ، وأن عداء الشيعة مع السلفية ليس مع أهل السنة ، ووصف السلفية بأنها صنيعة الاستعمار ، وعلي نفس النسق جاءت تصريحات رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية الذي قال في تصريح له لوكالة فارس منذ عدة أيام : أن الاستعمار البريطاني هو الذي صنع الوهابية [ ويقصد بذلك السلفية ] ، وحاولت إيران عدة مرات إثارة القلاقل والفتن داخل العربية السعودية بتحريك شيعة المملكة الذين أصبح ولائهم فيما يبدو لغير بلدهم ، وصاروا دمى في أيدي آيات قم ومشهد من سدنة الدين الشيعي في إيران ، ولكن لم يجد ذلك نفعاً رغم تعدد محاولات الثورة والاضطراب ، ولعل السبب الديني والمذهبي هو الأبرز والأكبر في تأجيج مشاعر العداء الإيراني للعربية السعودية التي بحق عقبة كؤود تحطمت عليها الأطماع الشيعية في المنطقة .
الأسباب السياسية
إيران منذ أن نجحت ثورتها الخومينية وهي تخطط لإحياء مملكة الفرس القديمة ، وتحلم بإقامة دولة إيران الكبرى ، أو ما يعرف بالهلال الشيعي الذي يمتد ليشمل سوريا والعراق والأردن وجنوب الجزيرة ، لذلك راحت إيران تعمل علي إبراز نفسها كزعيمة للعالم الإسلامي ، والمناصرة لقضاياه ، وأخذت تتبني خطاباً سياسياً علنياً تدغدغ به مشاعر الملايين من المسلمين ، وتعبث بعواطفهم ، وراحت تؤسس المنظمات والهيئات التي تدعي نصرة المظلومين والمحرومين ، بالجملة كانت الخلفيات التاريخية والمنطلقات العقدية تصب مباشرة في الرافد السياسي وتغذيه حركياً واستراتيجياَ ، ومواد الدستور الإيراني حافلة بأمثال هذه الأفكار والسياسات فالمادة 153 والخاصة بالسياسة الخارجية لإيران تنص على: الدفاع عن حقوق جميع المسلمين مع الالتزام بعدم الانحياز فيما يتعلق بالدول العظمى المهيمنة علي دول أخرى ، والمادة 154 أيضا تنص علي : جمهورية إيران الإسلامية تقوم بحماية الكفاح العادل الذي يقوم به المحرومون والمظلومون في أي ركن من أركان الكرة الأرضية ، وبموجب هذه النصوص الدستورية راحت إيران تنشر الفزع والاضطراب والفتن والقلاقل في دول المنطقة بتحريك الأقليات الشيعية الموجودة في دول الخليج ، وتحريضهم علي الثورة والعنف ضد حكومات المنطقة بدعوى الظلم والاضطهاد ، وظهرت جماعات تخريبية مثل جماعة الدعوة التي قامت بالعديد من العمليات الإرهابية في المنطقة بلغت ذروتها مع محاولة الانقلاب علي نظام الحكم في البحرين سنة 1982، والتي اعتبرها كثير من المراقبين موجهة بالأساس للدولة السعودية ، ثم العملية الكبيرة ضد السفارة الأمريكية والفرنسية بالكويت أواخر سنة 1983 ، وبعدها التفت دول الخليج حول العربية السعودية بوصفها كبرى دول المنطقة وزعيمة العالم الإسلامي وأرض الحرمين ، واتخذت السعودية في المقابل العديد من الإجراءات المضادة للطموحات الإيرانية من إقامة تحالفات واتحادات مع دول الخليج وباقي الدول الإسلامية ، فردت إيران بمحاولة اغتيال حاكم الكويت سنة 1985 ، هذا كله والحرب الإيرانية العراقية علي أشدها ، وهي الحرب التي وصفها الخوميني بالحرب الكبيرة ، في حين وصف حرب إسرائيل بالحرب الصغيرة ، بعد ذلك قامت إيران بجريمتها الشنعاء بحق الحرم والحج سنة 1987 ، عندما اشتبك الحجاج الإيرانيون وعددهم يفوق المائة ألف مع الشرطة السعودية مما تسبب في خسائر بشرية فادحة ، وذلك بتحريض مباشر من الخوميني المتسبب الرئيسي لمعظم الكوارث والنكبات التي حاقت بالمنطقة ، وإيران ترى في المملكة السعودية نداً قوياً يعطل مشاريعها وطموحاتها التوسعية ، ويحبط مشروع الهلال الشيعي الكبير، لذلك اتهمت إيران السعودية دون غيرها بمساعدة اليمن في حربها ضد الحوثيين الشيعة ، وبمساعدة جماعة جند الله السنية ، وبالوقوف بجانب حكومة البحرين والكويت والإمارات أمام التهديدات الإيرانية .
وربما تكون أسباب أخرى من قبيل الأسباب الاقتصادية والتنافس الكبير في مضمار الصناعات البترولية ومنظمات الأوبك وغيرها ، وربما توجد أسباب اجتماعية من قبيل انتشار الفواحش في الشعب الإيراني بسبب إباحة المتعة والآثار الاجتماعية الضارة التي نشأت من جراء ذلك ، في حين أن المجتمع السعودي ورغم الهجمات العلمانية الشرسة ضده الآن إلا أنه ما زال مجتمعاً محافظاً في مجموعه ، تهيمن عليه أحكام الشريعة والآداب الإسلامية ، وربما تكون هناك أسباب نفسية تجاه السعودية بسبب تمسكها بمحاربة البدع والخرافات والضلالات التي توجد بكثرة في الدين الشيعي ، مما أورث العقل الجمعي عند الشيعي عامة والإيراني خاصة بأن السعودية هي أعدى الأعداء .
ومهما يكن من أسباب فإن العداوة الإيرانية للعربية السعودية من جنس العداوات التي لا تنطفئ نارها ولا تقف تداعياتها لأن لها مصادر وروافد تمدها ولا تنقطع عنها ، وهي روافد تاريخية وعصبية وطائفية ومذهبية وسياسية ، والتي في مجملها تمثل أشد أنواع العداوات والأحقاد .
: