تناقضات روسيا في تعاملها مع ملفات إيران
سجلت روسيا عدة مواقف بدت متناقضة إزاء برامج إيران النووية وتعقد موقفها مع المجتمع الغربي، فقد شاركت موسكو مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في توبيخ إيران بسبب اخفائها معلومات عن مفاعل سري بالقرب من مدينة قم الدينية، لكن مع هذا أعلنت روسيا أيضا أنها تعتزم تشغيل المفاعل النووى في محطة توليد الطاقه في بوشهر في مارس القادم.
أعلنت ذلك وهي تعلم مدى القلق الذي ينتاب العالم الغربي من محاولة إيران إنتاج قنبلة نووية وتأثير ذلك، سلبيا، على الوضع في الشرق الأوسط.
من المتناقضات أيضا أن روسيا بدأت تتراجع في ما يتعلق بتسليم صواريخ دفاعية متطورة لإيران، وقالت إن الصفقة تأخرت بسبب مشكلات مالية، بينما كانت طهران تواصل بياناتها التي هاجمت بعنف الموقف الروسي معتبرة أن موسكو رضخت لإملاءات الغرب و"الكيان الصهيوني" فرفضت تسليم الصواريخ.
التناقض الأكثر وضوحا هو ما قالته روسيا من انه يساورها قلق عميق من اقتراح توسعة ضخمة لبرنامج إيران النووي، وذلك بعدما أعلنت إيران انها تنوي رفع الكمية المنتجة من اليورانيوم المخصب، إضافة إلى بناء 10 مفاعلات جديدة في حجم مفاعل قم، ومع هذا تعارض روسيا فرض عقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي.
مثل هذه التناقضات هو في الحقيقة نهج سياسي تتبعه روسيا مع الغرب وإيران، فمنذ أن تولى أحمدي نجاد السلطة في إيران وهو يتباهى بعلاقته القوية مع روسيا، ما أثار قلقا لدى الغرب، ومن ثم فإن روسيا تحاول طوال الوقت إمساك العصا من المنتصف، فهي لا تود أن تتخلى عن التعاون مع إيران باعتبارها عنصرا يمكن الاستفادة منه في أي وقت ينشب فيه خلاف مع الغرب، كما انها لا تود ان تتصادم مع أمريكا وأوروبا، في الوقت الذي تتفرغ فيه حاليا لإعادة تسليح القوات الروسية، وهو الجانب الذي أهمل كثيرا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
لكن ليس من مصلحة روسيا أيضا ان تمتلك إيران سلاحا نوويا وإلا أصبحت تهديدا على أمنها، لذا فإن عملها في بناء منشآت نووية إيرانية يضمن لها سلمية هذه المنشآت وتخصيصها لانتاج الطاقة واستخدامها في أهداف غير عسكرية.
وليس من مصلحة موسكو ان تتسبب إيران في إشعال الصراعات الإقليمية وهي ليست مستعدة لحروب كبيرة، أو لنشوب حروب جديدة، ويكفيها أن الولايات المتحدة استطاعت أن تصل إلى العراق وأفغنستان، وهي مناطق كانت معروفة بأنها مناطق النفوذ التقليدية للدب الروسي.
ومن بين الاجراءات التي اتبعتها روسيا هي تأخير تنفيذ مفاعل بوشهر لأكثر من مرة، ومن المتوقع أن يحدث تأجيل جديد لافتتاحه، في ضوء التوتر الحالي، خاصة إن إيران لوحت بأنها يمكن أن تنسحب من اتفاقية حظر الأسلحة النووية، وهو ما قد يزيد الشكوك حول طبيعة برنامجها.
ثمة أمر مهم في ما يتعلق بهذا التعاون المتذبذب، فإزاء تعثر روسيا اقتصاديا ليس أمامها سوى أن تبيع التكنولوجيا النووية والأسلحة الاستراتيجية لاستعادة الحياة للاقتصاد الروسي، وتلك جزئية يعرفها الغرب جيدا، لكنه لن يفكر بطبيعة الحال في مساعدة روسيا لتنهض باقتصادها مقابل إيقاف تعاونها مع إيران، فليس منطقيا أن توقظ دبا من بياته الشتوي لينقذك من ثعلب.