- الأحد نوفمبر 20, 2011 8:32 pm
#40236
منذ وصول الإسلاميين للحكم في تركيا تحاول الحكومة التركية القيام بجهود دبلوماسيّة بارزة لتدعيم العلاقات التركية مع العالم الإسلامي والعربي، والتي شابها الكثير من التوتر بسبب تنامي العلاقات الإسرائيليّة التركية خاصة في أعقاب إبرام اتفاقية التعاون العسكري بين البلدين عام 1996، وأهم ما جاء في تلك الاتفاقية هو أشتراك جيشا البلدين في أي معركة تحدث بين احداهما ودولة ثانية، مما يسمح لإسرائيل بزيادة عمقها الإستراتيجي . ولقد قامت أنقرة بتسوية خلافاتها مع سوريا وأصبحت هي الوسيط في مفاوضات السلام بين إسرئيل وسوريا، كذلك عملت على توثيق علاقتها التجارية مع سوريا من خلال الغاء تأشيرات الدخول بين البلدين، هذا وقد وقعت سوريا وتركيا إعلاناً مشتركاً لتأسيس مجلس للتعاون الإستراتيجي ويشمل المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والنقل والطاقة ومجالات المصادر المائية والبيئية والثقافة والتعليم. وتم الاتفاق على إلغاء التأشيرات والسمات المتبادلة على سفر المواطنين بما يسمح للمواطنين في كلا البلدين بالتنقل بينهما دون إجرائات على الحدود. على الرغم من التطورات الايجابية التي أصابت العلاقة بين سوريا وتركيا في العقد الأخير من القرن الماضي وحتى اليوم ولكن لا بد من طرح بعض التساؤلات : هل يمكن القول أن البلدين قد تحررا من الصور والمدارك النمطية التي كانت سائدة بينهما؟ هل التقارب الحالي يوصلهما إلى مرحلة العلاقات الإستراتيجية القابلة للاستمرار ؟ استشراف العلاقة بين الدولتين عمل محفوف بالمخاطر وبمثابة تأمل استباقي للمستقبل، لأسباب تتعلق بخلفيتهما التاريخية وسياستهما الخارجية بالإضافة إلى البيئة الإقليمية والدولية كذلك بيئتهما البينية. وتتركز العلاقات التركية السورية في الشؤون الإقليمية والدولية من دائرتي نشاط رئيسيتين هما: المنطقة العربية وما يربطها بالصراع العربي الإسرائيلي، والعلاقة بأوروبا والولايات المتحدة الأميركية . وتحاول تركيا أيضاً تطبيع علاقاتها مع إيران، كما أنّ الانفتاح العربي على تركيا قد ساعد على إعادة الدّفئ في العلاقات العربية التركية. ولقد جاءت الخطوة السّياسيّة والدبلوماسيّة العربية في تأييد وصول تركي لرئاسة الأمانة العامة لمنظمة العمل الإسلامي محاولة ناجحة نحو اعطاء تركيا دور على المستوى الإقليمي والإسلامي. هنالك انزعاج إسرائيلي من العلاقات الإستراتيجية الجديدة بين تركيا وسوريا من ناحية وعلاقاتها المتميزة مع حركة المقاومة في فلسطين ودخولها على خط الأزمة في الصومال كذلك علاقتها مع إيران والعراق من ناحية أخرى _ وتحديداً من الموقف التركي أزاء الملف النووي الإيراني ودعم تركيا للحلول السلمية ودخولها على خط أيجاد حل لهذه المسألة وتمثل ذلك مؤخراً بالاتفاق الإيراني التركي البرازيلي حول تبادل اليورانيوم المخصب على الأراضي التركية وبضمانات برازيلية _ ومع ذلك فإن تلك البلدان لم تحتج على طبيعة العلاقة بين تركيا وإسرائيل ولم تضع علاقة تركيا وإسرائيل في الميزان. ونتيجة الدور المتعاظم الذي تقوم به إسرائيل في مساندة الحركات الكردية، وكثافة نشاطها السياسي والاستخباراتي ضد سوريا وإيران بالإضافة إلى الخوف مستقبلاً من محاولة إسرائيل إثارة الأكراد ودفعهم للمطالبة بدولة مستقلة على حساب الدول الثلاث، إيران وتركيا وسوريا، لذلك عملت أنقرة على إحباط ذلك من خلال اتخاذ بعض المبادرات الإدارية والثقافية والاقتصادية لصالح الأكراد، وكان من آخر تلك المبادرات إنهاء الحبس الانفرادي لزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وكذلك السماح لعودة بعض المقاتلين الأكراد لتركيا ، بالإضافة إلى قيام أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي في اواخر العام 2009 بزيارة إقليم كردستان العراق في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول تركي لكردستان العراق، حيث التقى رئيس الإقليم مسعود برزاني في أربيل وتم افتتاح قنصلية تركية فيها.هذه السياسة الجديدة تحمي حدود تركيا من الأخطار المحتملة عليها وبخاصة النزعات الكردية الانفصالية وكذلك إنقاذ وتفعيل دورها كقوة ناعمة ومؤثرة في محيطها كما تحقق لها مصالحها التي تتجاوز أو تجاوزت بها أزماتها الاقتصادية التي سيطرت عليها لعقود. تركيا تسعى وبكل جدية لاحتلال موقع متقدم في الشرق الأوسط كانت قد افتقدته منذ قرن تقريباً، وهي تأخذ بعين الاعتبار النفوذ الإستراتيجي الأمريكي في المنطقة، وتركيا تراقب تطور الاوضاع وتعلم أن أميركا رغم دخولها المباشر عسكرياً إلى المنطقة منذ عقدين واحتلالها للعراق لم تستطع أن ترسي الاستقرار بالمنطقة كذلك الأمر في افغانستان. وتركيا في علاقاتها الخارجية تجاوزت خلافاتها التاريخية وخلافات جيرانها البينية بدءاً من إيران والعراق وسورية حتى إسرائيل وأرمينيا وأذربيجيان واليونان، عبر شراكات وتفاهمات سياسية واقتصادية. ولقد تصاعد الدور الإقليمي لتركيا في الشرق الأوسط وجاءت حرب غزة لتؤكد هذا الدور وهي حلقة من حلقاته بعد رعايتها للمفاوضات السورية الإسرائيلية في العام 2008 وهي تعتمد بالأساس على التوازن والقيام بدور الوسيط لا الطرف وعلى الشراكة مع أطراف الصراع. فهناك شراكة تركية مع سوريا في مجالات مختلفة كما أن الشراكة العسكرية والاقتصادية مع إسرائيل مستمرة. كما أن مواقف تركيا السياسية وتمتعها بميزات جغرافية، يؤهلها للاضطلاع بدور كبير في معالجة ثلاث نزاعات خطيرة ارتسمت منذ أوائل عام 2009 وهي: غزة، والخلاف الروسي الأوكراني على الغاز. وتردي العلاقات الدولية المتصل بالمسألة النووية الإيرانية، ويمكن لتركيا على نحو حاسم الإسهام في إيجاد مخرج للمسائل المتفجرة كلها. العثمانية الجديدة ليست أصولية ماضوية، قدر ما هي إعادة توجية للبوصلة الكمالية خارجياً وداخلياً بدرجة ما عبر ضبط المسافة يبن المصالح المختلفة والمنافع المشتركة مع أطراف مختلفة ومتصارعة. وقد تكون هذه السياسة التركية المتبعة من قبل حكومة ذات أصول إسلامية لم يبقى فيها من هذه الإسلامية سوى الضئيل الذي لا يرضي الإسلامية العربية ولو قليلاً وهي قد تكون العلامة الأولى والأبرز في مرحلة ما بعد الإسلمة أي بعد فشل الإسلام السياسي. لذلك لا بد طرح إشكالية الخيار الاستراتيجي لتركيا والمقاومة الفلسطينية اليوم مع بروز الدور التركي في المنطقة باعتباره رافعة للإسلام السني، في ما إذا كانت حركة المقاومة في فلسطين ستبقي على الرافعة الإيرانية؟ أم أنها ستجد في الحاضنة التركية الجديدة فرصة للقفز إلى الضفة المحاذية من النهر ؟ وقد يرتبط ذلك الخيار الاستراتيجي على المدى البعيد بتصور الأتراك أنفسهم لدورهم في منطقة الشرق الأوسط وأبعاده المختلفة من ناحية ومدى تفكير الحركة المقاومة باستدارة إستراتيجية في تصوراتها ومواقفها السياسية الكبرى. من أسباب الدخول التركي على خط الأزمة في المنطقة هو إرسال رسائل إلى أوروبا مفادها أن الحضور والدور الإستراتيجي التركي المتنامي في الشرق الأوسط ستستفيد منه أوروبا إن هي وافقت على ضم تركيا إلى ناديها. وتسعى تركيا لاسترداد مكانتها ودورها في العالمين العربي والإسلامي إن سدت أوروبا أبوابها في وجه انضمامها للاتحاد الأوروبي. وفي حال تم تطوير التفاهمات الإستراتيجية بين تركيا وسوريا وإيران قد يؤدي ذلك إلى انشاء ما يشبه الكومنولث" بين تركيا وسوريا وإيران ودول الجوار الآسيوية بحيث يمكن أن يكون هذا "الكومنولث" بديلاً لرفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ذلك أن بناء منظومة إقليمية تمتد من البلقان والشرق الأوسط حتى القوفاز يشكل تعويضاً مناسباً عن العضوية في الاتحاد الأوروبي. وقد تستخدم تركيا هذه المكانة الجديدة التي تتمتع بها لتكون بطاقة دخول إلى الاتحاد الأوروبي باعتبارها حلقة الوصل بين أوروبا وآسيا. كي لا تبقى تركيا "محرومة من دخول المسجد والكنيسة" على حد وصف المثل الكردي اتجهت لاستثمار المشاكل والأزمات في المنطقة والارتداد إلى توظيف خلفيتها الإسلامية والشرق أوسطية، بعد أن قضت أكثر من نصف قرن وهي تحاول الإنضمام للنادي الأوروبي.