أردوغان بين الحقيقة والدعاية
مرسل: الاثنين نوفمبر 21, 2011 7:35 pm
أردوغان بين الحقيقة والدعاية
عبد الرحمن الراشد
قبل عامين سطع في سماء العرب نجم هذا الإسطنبولي رجب طيب أردوغان، في منتدى دافوس، عندما أخذ الميكروفون من الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس وكال له أقسى الكلام ردا على الجرائم الإسرائيلية في غزة، ثم ترك المنصة وأعلن أنه لن يعود إلى دافوس بعد اليوم.
طبعاً، احتفل العرب المحبطون، وهم الأغلبية، الذين يتمسكون بأي قشة إن وجدوا فيها أملا للخلاص من الوضع السياسي المزري الذي يعيشونه. يبحثون دائما عن الأبطال لكن غالبا ما يكتشفون أنهم أبطال من ورق، مجرد دعاية إعلامية؛ عبد الناصر، الأسد، صدام، نصر الله، وغيرهم من النجوم الذين انتهوا أخيرا إلى مزبلة التاريخ.
هنا، على أردوغان الذي ركب الموجة الشعبية العربية منذ دافوس وحتى اليوم أن يفكر مليا قبل أن يستمتع طويلا بصورة البطل المنقذ، وآخرها عندما طار وعائلته إلى الصومال داعيا لإنقاذ الجياع.
ما حقيقة هذا الدعائي الكبير؟
أعتقد أن أردوغان يملك الكثير ليقدمه للمنطقة؛ أوله أنه قادر على تقديم نموذج الإسلامي المعتدل في زمن غلب فيه الإسلاميون المتطرفون. ودولته تركيا، الدولة الإسلامية الكبيرة، قادرة على أن تقدم نفسها نموذجا أيضا للدولة الإسلامية الحديثة. هناك الكثير يستطيع أردوغان وتركيا فعله، لكن هل توجد النية والعزيمة أم لا؟ دافوس كان مسرحا فقط. والشجار مع إسرائيل حول «قافلة الحرية» التي هاجمها الإسرائيليون وقتلوا فيها نحو تسعة أتراك انتهى مثل غيره، مجرد وعيد كلامي، كما كان يفعل النظام السوري ببيانه المكرر؛ «يحتفظ بحق الرد في المكان والوقت المناسبين».
إخفاقات تركيا أردوغان في الذاكرة كثيرة، في معالجة الأزمة الإيرانية حيث ساند موقف طهران نوويا. في ليبيا ساند نظام العقيد في البداية ثم قال إنه فهم خطأ. ساند الحركة البحرينية وسمى قمعها بكربلاء ثانية، ثم أعلن لاحقا أنه أسيء فهمه. ثم أخذ موقفا حماسيا ضد النظام السوري بلغ مرحلة التهديد، رفع شعبيته إلى أقصاها، ورُفعت صوره في معظم المظاهرات السورية، وبكل أسف كان كل ذلك الضجيج قبيل الانتخابات البرلمانية التركية. وبعدها تبدلت لغة تركيا، حتى المواقف الكلامية الإنشائية. ووصلت حكومة أردوغان لمشاركة الروس موقفهم المعادي للشعب السوري، والإعلان صراحة أنهم ضد التدخل الدولي، وأنهم ضد حتى بيان دعوة الرئيس بشار الأسد للتنحي. كان الأولى بتركيا الصمت على الأقل، بعد أن هيجت تصريحات أردوغان الانتخابية الشارع السوري.
لا أريد أن أرسم أردوغان كزعيم إسلامي خائب آخر، لأنني أعتقد أن أمامه الكثير من الوقت لتوضيح حقيقة مشروعه. لا أحد يريد من تركيا أن تفعل ما لا تستطيع أو لا تريد فعله، لكن أيضا عليها ألا تبيع الناس أحلاما لأغراض دعائية. لقد مر من هنا كثيرون من باعة الأحلام، كما عددتهم في بداية المقال.
في خضم المواقف الدعائية لا ننسى أن لأردوغان تجارب حقيقية رائعة، منها تصالحه مع الأكراد في تركيا، ودعمه حقوقهم. نعرف أنه حقق سلاما سياسيا تاريخيا مع عدوة تركيا الأولى، اليونان. نعرف أنه رعى نهضة اقتصادية كبيرة في بلاده أعفتها من التسول على باب الأوروبيين طلبا لعضوية الاتحاد الأوروبي. حقق الكثير وهناك الكثير مما يستطيع أردوغان أن يفعله، لكن ننصحه ألا يقول ما لا يعنيه في منطقة شعوبها عاطفية سريعة الحب، سريعة الكراهية، تملك ذاكرة قوية.
عبد الرحمن الراشد
قبل عامين سطع في سماء العرب نجم هذا الإسطنبولي رجب طيب أردوغان، في منتدى دافوس، عندما أخذ الميكروفون من الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس وكال له أقسى الكلام ردا على الجرائم الإسرائيلية في غزة، ثم ترك المنصة وأعلن أنه لن يعود إلى دافوس بعد اليوم.
طبعاً، احتفل العرب المحبطون، وهم الأغلبية، الذين يتمسكون بأي قشة إن وجدوا فيها أملا للخلاص من الوضع السياسي المزري الذي يعيشونه. يبحثون دائما عن الأبطال لكن غالبا ما يكتشفون أنهم أبطال من ورق، مجرد دعاية إعلامية؛ عبد الناصر، الأسد، صدام، نصر الله، وغيرهم من النجوم الذين انتهوا أخيرا إلى مزبلة التاريخ.
هنا، على أردوغان الذي ركب الموجة الشعبية العربية منذ دافوس وحتى اليوم أن يفكر مليا قبل أن يستمتع طويلا بصورة البطل المنقذ، وآخرها عندما طار وعائلته إلى الصومال داعيا لإنقاذ الجياع.
ما حقيقة هذا الدعائي الكبير؟
أعتقد أن أردوغان يملك الكثير ليقدمه للمنطقة؛ أوله أنه قادر على تقديم نموذج الإسلامي المعتدل في زمن غلب فيه الإسلاميون المتطرفون. ودولته تركيا، الدولة الإسلامية الكبيرة، قادرة على أن تقدم نفسها نموذجا أيضا للدولة الإسلامية الحديثة. هناك الكثير يستطيع أردوغان وتركيا فعله، لكن هل توجد النية والعزيمة أم لا؟ دافوس كان مسرحا فقط. والشجار مع إسرائيل حول «قافلة الحرية» التي هاجمها الإسرائيليون وقتلوا فيها نحو تسعة أتراك انتهى مثل غيره، مجرد وعيد كلامي، كما كان يفعل النظام السوري ببيانه المكرر؛ «يحتفظ بحق الرد في المكان والوقت المناسبين».
إخفاقات تركيا أردوغان في الذاكرة كثيرة، في معالجة الأزمة الإيرانية حيث ساند موقف طهران نوويا. في ليبيا ساند نظام العقيد في البداية ثم قال إنه فهم خطأ. ساند الحركة البحرينية وسمى قمعها بكربلاء ثانية، ثم أعلن لاحقا أنه أسيء فهمه. ثم أخذ موقفا حماسيا ضد النظام السوري بلغ مرحلة التهديد، رفع شعبيته إلى أقصاها، ورُفعت صوره في معظم المظاهرات السورية، وبكل أسف كان كل ذلك الضجيج قبيل الانتخابات البرلمانية التركية. وبعدها تبدلت لغة تركيا، حتى المواقف الكلامية الإنشائية. ووصلت حكومة أردوغان لمشاركة الروس موقفهم المعادي للشعب السوري، والإعلان صراحة أنهم ضد التدخل الدولي، وأنهم ضد حتى بيان دعوة الرئيس بشار الأسد للتنحي. كان الأولى بتركيا الصمت على الأقل، بعد أن هيجت تصريحات أردوغان الانتخابية الشارع السوري.
لا أريد أن أرسم أردوغان كزعيم إسلامي خائب آخر، لأنني أعتقد أن أمامه الكثير من الوقت لتوضيح حقيقة مشروعه. لا أحد يريد من تركيا أن تفعل ما لا تستطيع أو لا تريد فعله، لكن أيضا عليها ألا تبيع الناس أحلاما لأغراض دعائية. لقد مر من هنا كثيرون من باعة الأحلام، كما عددتهم في بداية المقال.
في خضم المواقف الدعائية لا ننسى أن لأردوغان تجارب حقيقية رائعة، منها تصالحه مع الأكراد في تركيا، ودعمه حقوقهم. نعرف أنه حقق سلاما سياسيا تاريخيا مع عدوة تركيا الأولى، اليونان. نعرف أنه رعى نهضة اقتصادية كبيرة في بلاده أعفتها من التسول على باب الأوروبيين طلبا لعضوية الاتحاد الأوروبي. حقق الكثير وهناك الكثير مما يستطيع أردوغان أن يفعله، لكن ننصحه ألا يقول ما لا يعنيه في منطقة شعوبها عاطفية سريعة الحب، سريعة الكراهية، تملك ذاكرة قوية.