صفحة 1 من 1

الدعوى والإثبات في الإسلام

مرسل: الثلاثاء نوفمبر 29, 2011 2:18 pm
بواسطة فيصل الحارثي 1
الدعوى والإثبات في الإسلام



تمهيد :

القاضي لا ينظر منازعات الناس وخصوما تهم إلا إذا رفعوها إليه في دعوى طالبين الفصل فيها ونظر القاضي وفق قواعد وضوابط معينة يسمى أصول استماع الدعوى، كما أن الدعوى تثبت عند القاضي بوسائل معينة معتبرة شرعا تسمى وسائل الإثبات. والغرض من هذه القواعد والأصول هو تنظيم عملية القضاء وجعلها معروفة للمتخاصمين وعلى نحو من السهولة والوضوح وتيسير التوصل إلى إظهار الحق وإثباته وإيصاله إلى صاحبه بطريق مأمون خال من الخطأ والعثار والتطويل وبأقصر وقت ممكن هذا ومما تنبغي الإشارة إليه أن أول ما ينظره القاضي في مجلس القضاء بعد انتهاء إجراءات تسلمه لوظيفته، دون طلب من أحد،هو قضايا المحبوسين خشية أن يكون فيهم من لا يستحق البقاء في السجن ، فيتحقق في أمرهم ويخرج من السجن من يستحق الإخراج منه ثم ينظر القاضي ـ بدون طلب من أحد في أمر الأوصياء الناظرين في أموال اليتامى والمجانين وتفرقة الوصية بين المساكين فيقصدهم القاضي بالنظر فيبقي منهم القوي الأمين على وصيته ويضم إليه من يعينه إن كان ضعيفا أو يعزله إن كان فاسقا . ثم ينظر في أمر الضّوال واللقطة التي تولى القاضي السابق له حفظها فيبيع ما في بيعه مصلحة ويحفظ ثمنه لصاحبه ، ويبقي ما يرى فيه مصلحة إلى أن يظهر صاحبه.

الدعوى وشروط قبولها :

الدعوى هي القول الذي يصدر من المدعي أمام القاضي لإخباره بأن له حقا معينا في ذمة المدعى عليه ، وأنه يطالبه به ويريد من القاضي الحكم له به على المدعى عليه . وليست هناك صيغة معينة للدعوى بحيث لا تجوز الدعوى ولا تقبل إلا بها، وإنما القاعدة هنا هي أن كل كلام يفيد ما قلناه في تعريف الدعوى فإنه يصلح أن يكون صيغة لها والدعوى التي يسمعها القاضي هي الدعوى الصحيحة وهي التي توفرت فيها الشروط التالة:

1/ أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه عاقلا.
2/ أن يكون الحق المدعى به معلوما ويدخل تحت ولاية القضاء وتجري عليه الأحكام.
3/ ألا يكون المدعى به مستحيلا عقلا ولا عادة ، فالأول كما لو ادعى أن فلانا ابنه وكان أكبر منه سنا ، والتاني كما لو ادعى فقير مشهور بالفقر أنه أقرض شخصا أموالا طائلة .
4/ أن يترتب على ثبوتها حكم ملزم للمدعى عليه ،فلو ادعي شخص أنه فقير وأن فلانا من سكان محلته غني ويطلب شيئا من ماله لمجرد غناه لم تسمع دعواه لأنها لو ثبتت لم بترتب عليه إلزام الغني بإعطائه شيئا من ماله.


مجلس القضاء وآدابه

وقبل أن نتكلم عن كيفية رفع الدعوى ينبغي أن نشير إلى أن مجلس القضاء ـ وهو المحكمة ـ ينبغي أن يكون مكان جد وسكينة ووقار ولا مجال فيه للعبث والتطاول وسوء الأدب من قبل الحاضرين سواء كانوا من خصوم الدعوى ، أو الشهود أو غيرهم . وإذا جلس القاضي في مجلسه للقضاء فيجب أن يكون في حالة نفسية هادئة راضية حتى يكون مستعدا تمام الاستعداد لسماع الدعاوى وما يقدمه الخصوم من بينات ودفوع ، وبهذا جاء الحديث الشريف الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) فنص صلى الله عليه وسلم علي الغضب ونبه على ما في معناه ، ولهذا قال الفقهاء ينبغي أن يكون القاضي خاليا من الجوع الشديد والعطش والفرح الشديد والحزن الكثير والهم العظيم والوجع المؤلم ومدافعة الأخبثين أو أحدهما ، والنعاس ، لأن هذه الأشياء ونحوها مثل الغضب من جهة تأثيرها في حالة القاضي النفسية وحضور ذهنه لمقتضيات الدعوى واستعداده المطلوب لسماع أقوال الخصمين . وينبغي أن يكون القاضي في مجلس القضاء غاض البصر كثير الصمت قليل الكلام، يقتصر كلامه على سؤال أو جوابه ولا يرفع بكلامه صوتا إلا لزجر أو تأديب، وأن يلزم العبوس، من غير غضب ، وأن يكون جلوسه بسكينة ووقار وأن لا يتضاحك ولا يتكلم بما لا علاقة له بأمور الدعوى التي ينظرها .
كما أنه ينبغي، أن يكون على وضع يزيد من هيبته في قلوب الناس، حتى في هيئته لباسه، وهندامه . ولا يتكلم الخصمان إلا إذا وجه القاضي الكلام أو السؤال إليهما أو أذن لهما فيتكلم من أذن له بالكلام وعلى خصمه أن يستمع ولا يقاطع خصمه أثناء كلامه ، فإذا انتهي من كلامه جاز له أن يستأذن القاضي ليتكلم ، فإذا أذن له تكلم ، وإن لم يأذن له سكت . والقاضي يستمع لكلام الخصمين دون ضجر ولا ملل ولا إنهاء إلا أن يكون منهما لغط فينهرهما أو ينتهر اللاغط منهما .

شروط قبول الدعوى


ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة بنظر الدعوى ، وهذه المحكمة في الأصل هي محكمة محل إقامة المدعى عليه ، وعلى هذا فإن المدعى يرفع دعواه إلى قاضي البلد أو المحل الذي يقيم فيه عادة المدعى عليه . وترفع الدعاوى شفاهاً إلى القاضي بأن يحضر أصحابها فيدخلهم الحاجب على القاضي،حسب الأسبق في الحضور ، فإذا دخل سأله عن دعواه ونظر فيها ، وقد جرى العرف على أن كاتب القاضي يقوم بكتابة دعاوى الناس بذكر أسم المدعي والمدعى عليه ، وموضوع الدعوى والشهود ، ويضع كل دعوى في محفظة ، ويجمع دعاوى كل شهر ومحافظها كل محفظة على حدة ويقدمها للقاضي ، فيقوم القاضي بالتحري عن شهود كل دعوى وتزكيتهم تمهيدا للنظر فيها . والأصل أن صاحب الحق هو الذي يرفع الدعوى إلى القاضي إذا كان أهلا لمباشرة هذا الحق بأن تتوفر فيه الشروط الإلزامية بأن يكون بالغا عاقلا غير محجور عليه لسفه ونحوه . ولكن مع هذا يجوز لصاحب الحق أن يوكل غيره ليرفع دعواه نيابة عنه إلى القاضي ويرافع فيها نيابة عنه أيضا، ويشترط لصحة هذه الوكالة أن يكون صاحب الحق الموكل كامل الأهلية فإن كان ناقصا أو عديما ناب عنه في إقامته الدعوى وليه الشرعي . وقد صرح الفقهاء بجواز الوكالة في الخصومة سواء كانت بأجر أو بغير أجر، إلا أنها إن كانت بغير أجر فهي إحسان ومعروف تلزمه إذا قبلها واستمر فيها .وإذا كان صاحب الحق أو وكيله أو وليه الشرعي هو الذي يرفع الدعوى إلى القاضي للمطالبة بحقه في الدعوى المدنية والجزائية فإن النيابة العامة ( أو الادعاء العام ) تملك رفع الدعوى الجزائية ضد المجرمين والمطالبة بإنزال العقاب بهم ، وذلك لأن الجرائم أفعال محرمة شرعا فهي معاص وضرر بمصلحة الأفراد والمجتمع، وفساد في الأرض ، والشريعة الإسلامية تأمر بإزالة الضرر والفساد، فمن واجب ولي الأمر أن يتخذ كافة الوسائل المباحة لتحقيق هذا الغرض ، ومن هذه الوسائل تعيين هيئة النيابة العامة لتقوم بمهمة ملاحقة الجرائم ورفع الدعاوى على المجرمين. وتعتبر وهي تمارس عملها هذا-نائبه عن المجتمع والأفراد المتضررين بالجريمة.



المحـاكـمة

قبل أن يباشر القاضي المرافعة فيستمع دعوى المدعى وبينته ، ودفوع المدعي عليه أو إقراره فإنه يقوم بإحضار المدعى عليه إذا لم يحضر من تلقاء نفسه فإذا حضر هو وخصمه مجلس القضاء لزم القاضي التسوية بينهما وأجلسهما أمامه بحيث يستطيع أن يسمع كلامهما ويستطيعون أن يسمعوا كلامه دون حاجة إلى رفع صوت . والقاضي مأمور بالتسوية بين الخصمين فيما يقدر عليه من أمور التسوية ومعانيها ومظاهرها، فمن ذلك أن القاضي يسوى بينهما في النظر ولين الكلام والبشاشة، فلا يبتسم لأحدهما ويعبس في وجه الآخر، ولا يظهر الاهتمام و الإصغاء لأحدهما دون الآخر ، ولا يكلم أحدهما بلغة لا يفهمها الآخر ما دام قادراً على الكلام بلغة يفهمها الخصمان كلاهما، ويفعل القاضي ذلك بين جميع المتخاصمين حتى أنه يجب عليه أن يسوى بين الأب وابنه والخليفة والرعية وبين المسلم وغير المسلم ويمهد القاضي بأن يعظ الخصمين من الخصومة بالباطل ،ثم يسأل القاضي المدعي عن دعواه ويأمر كاتبه بكتابتها ويرد الدعوى إن كانت فاسدة ،فإن كانت صحيحة توجب للمدعى عليه بطلب الإجابة عن الدعوى ولا تخلوا إجابة المدعى عليه

من ثلاثة أمور:

1-الإقرار فإن أقر كتب إقراره وآمر بأداء ما أقر به .

2-الإنكار فإن أنكر طلب من المدعي البينة من شهود أو نحوهم فإن لم تكن له بينة أو كانت له بينت غير صحيحة عرضت عليه يمين المدعى عليه فإن حلفت ردت الدعوى وإن امتنع ثبتت عليه دعوى المدعي.

3-الامتناع عن الجواب فإن امتنع المدعى عليه عن الجواب ثبتت الدعوى عليه.

وإذا كان الأصل في المرافعة أن تكون علانية لا خفاء فيها ويحضرها من شاء ، فإنه قد يرى القاضي المصلحة في جعلها سرية لا يحضرها أحد من الناس ، بل وحتى أعوانه فتبقى مختصرة عليه وعلى أطراف الدعوى فقط وذلك إذا كانت طبيعة الدعوى تتعلق بأمور لا ينبغي إظهارها كأن تكون في أمور شنيعة بين الرجال والنساء ( أو تكون في أمور مضحكة لا يؤمن أن يؤدى سماعها إلى ما يكره )