لبن الإبل بين التراث والعلم الحديث
مرسل: الجمعة ديسمبر 02, 2011 7:23 pm
خلق الله تعالى الإبل وجعلها محطاً لأنظار المتأملين وموطناً لاعتبار المعتبرين ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ (الغاشية: ١٧). ولعل لفظة "الإبل" توحي بأن كل ما في هذا المخلوق العجيب وكل ما يتعلق به هو موضع إعجاز وإبداع، بما في ذلك أعضاءها وأطرافها وحركاتها وصفاتها الجسمية وسلوكياتها الحيوية، ولبنها بل وحتى بولها وروثها. ومازال البحث العلمي يتواصل في الكشف عن مكنونات هذا المخلوق وأسرار خلقه، فكان مما تعمق به الباحثون هو معرفة أسرار لبن الإبل. وتجدر الإشارة ابتداءً إلى أن كلمة " لبن " في اللغة يقصد بها الحليب، وهو ما يؤخذ بالحلابة من إفراز الغدد الثديية من إناث الثدييات، ومصداق ذلك قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾ (النحل: 66)، فلا بد عند الحديث عن اللبن المخمر أو الرائب Yogurtمن إضافة كلمة "رائب" أو "مخمر" لتمييزه عن اللبن الطبيعي غير المخمر، أي الحليب. وقبل أن نشرع في الحديث عن لبن الإبل لا بد من التعرف على هذا المخلوق العجيب، الذي عرف منذ القدم بلقب "سفينة الصحراء".
نبذة تاريخية
تنتمي الإبل، وهي الجمال الكثيرة وتشمل الجمال والنوق، إلى الفصيلة الإبلية Camelidae، وهي نوعان من جنس واحد، أحدها الجمل العربي ذو السنام الواحد Camelus dromedaries الذي ينتشر في المناطق الحارة كالبلدان العربية في آسيا وإفريقيا، والراجح أنه قد استؤنس في وسط شبه الجزيرة العربية وجنوبيِّها منذ أقل من خمسة آلاف سنة، ويتبعه معظم إبل العالم، ومنه سلالات كثيرة مختلفة الألوان والمزايا. أما الآخر فذو السنامين Camelus bactrianus ، وهو قاتم اللون طويل الوبر وينتشر في البلدان الباردة مثل بلاد المغول أي منغوليا وجنوب الصين وكازاخستان. ويقدر عدد رؤوس الجمال في العالم ،تبعاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة الدولية للعام 2008، بقرابة 20 مليون رأساً، يتواجد معظمها في الصومال من القرن الإفريقي.
تعد الإبل عبر التاريخ مصدراً مهماً لغذاء الإنسان، ووسيلة رئيسة للتنقل، وكذا لإنتاج الوبر الذي يدخل في صناعة أنسجة الخيام وبعض الألبسة، فضلاً عن استخدامها في اللعب كسباق الهجن وغيرها. وتقوم النوق، أي أنثى الإبل، بدور مهم في تزويد الإنسان باللبن، حيث ينتشر استخدام لبنها خاصة في جزيرة العرب والسودان، كما ينتشر استخدام لبن الإبل المخمر في العديد من بلدان العالم كالهند وروسيا والسودان.
وقد عرف استخدام لبن الإبل في علاج عديد من الأمراض عبر التاريخ، ومايزال يستخدم في الطب الشعبي كعلاج للخرَب واليرقان والسل الرئوي والأزمة الصدرية واللشمانيا أو الداء الأسود. ومؤخراً، ازداد البحث العلمي حول استخدام لبن الإبل في علاج الأمراض والوقاية منها، حيث أظهرت دراسات علمية تميز هذا اللبن بخصائص علاجية واستطبابية سنأتي على ذكرها تفصيلاً.
ولا تقتصر جوانب التميز في الإبل على اللبن فحسب، بل تتعداها إلى بوله، والذي بات يستعمل في علاج حالات مرضية مثل الالتهاب الكبدي والاستسقاء، وكان من قبل يستعمل في علاج عدد من الأمراض. وفي هذا السياق نستذكر الحديث النبوي الشريف الذي يظهر أهمية ألبان الإبل و أبوالها في الاستشفاء من الأدواء، حيث جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمر الأعراب الذين جاؤا إلى المدينة وقد هزلت أجسامهم واصفرت جلودهم وانتفخت بطونهم بأن يلحقوا بإبل المسلمين التي ترعى خارج المدينة وأن يأخذوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا حتى شفوا مما أصابهم.
إنتاج واستهلاك اللبن
نظراً لتمركز الإبل في المناطق الصحراوية والجافة في البلدان العربية المختلفة، فإن تقدير كمية إنتاج لبن الإبل أمر متعذَّر. ومع هذا فإن تقديرات منظمة الأغذية والزراعة الدولية للعام 2003 حول كمية إنتاج ألبان الإبل بنوعيها في العالم تقدر بحوالي 5.3 مليون طن في العام، يستهلك منها فقط 1.3 مليون طن بينما يذهب الباقي لاستهلاك صغار الحيوانات. وتعد الصومال أكبرَ منتجٍ للبن الإبل في العالم ، تليها المملكة العربية السعودية.
وتمتاز الإبل بقدرتها الفائقة على إنتاج اللبن على الرغم من الظروف القاسية التي تعيشها، وكذلك بغزارة الإنتاج وطول مدة العطاء إذا ما قورنت مع بقية الحيوانات اللبونة، ومع احتياجاتها الغذائية المتوسطة والأقل من غيرها من الحيوانات الشبيهة. وتقدر كمية إنتاج اللبن خلال مدة الإنتاج التي تقدر بحوالي 8-18 شهر بقرابة 1000-2000 كغم، ويقدر المتوسط اليومي لإنتاج اللبن لها بحوالي 3-10 كغم خلال تلك المدة، وقد تزداد هذه الكمية إلى 20 كغم/يوم في حال تحسن ظروف الإنتاج مثل توافر الماء والعلف والرعاية الصحية، حتى إنه قد سجلت كمية مقدارها 35 كغم في بعض الحالات الاستثنائية.
ويتم استهلاك معظم لبن الإبل من قبل مربي الإبل وعائلاتهم وحيواناتهم، في حين يتم تصدير القليل منه إلى الأسواق القريبة؛ نظراً لبعد المسافة بين أماكن الرعي والإنتاج، والأسواق في المدن الرئيسة. ومع هذا فقد تم إنتاج أنواع من لبن الإبل وتسويقها على المستوى التجاري، كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة حيث بات ينتَج لبن الإبل ويسوَّق في إمارة دبي تحت مسمى تجاري معروف هو ®Camelicious. ونتيجة لتزايد الطلب على استهلاك منتجات ألبان الإبل في أسواق الخليج العربي، فقد تم تطوير عدد من المنتجات الغذائية مثل لبن الشوكولاته والجبن والبوظة المثلجة المصنوعة من لبن الإبل، وكذلك اللبن الرائب والزبد، وهي منتجات ذات صفات حسية متقبلة وقيمة غذائية عالية ومرشحة لأن تكون منافساً لغيرها من منتجات الألبان التقليدية. وقد تم خلال العام المنصرم افتتاح مطعم للوجبات السريعة (اللحم المتبل أو البرجر وشطائر اللحم) المصنعة من لحوم الإبل في مدينة الرياض.
خصائص لبن الإبل
عند الحديث عن لبن الإبل، فإن الحديث يقتصر على اللبن المأخوذ من النوع الشائع في المنطقة العربية أو ما عرف سابقاً بذي السنام الواحد، حيث يختلف في خصائصه ومكوناته عن الإبل ذي السنامين بسبب الاختلاف في طبيعة البيئة التي يعشها كل نوع ونوع الغذاء المتوافر لها. ومن الخصائص العامة التي يمتاز بها لبن الإبل أنه ذو لون أبيض داكن غير ناصع، وذو مذاق متقبل، وهو مذاق يجمع بين الطعم الحلو والحاد، ويأخذ صفة الملوحة أحياناً كثيرة تبعاً لنوع العلف الذي يتناوله وكمية مياه الشرب. كما يمتاز لبن الإبل أنه أقل لزوجة من لبن البقر، وتبلغ درجة حموضته 6.5-6.7 ، وقد تنخفض إلى 6.0 في بعض الحالات، وهي درجة حموضة أقل من تلك التي للبن البقر ومشابهة تقريباً للبن الغنم.
ومن أغرب ما يمتاز به لبن الإبل عن غيره قدرته على البقاء في ظروف الجو العادية وبدون معاملة حرارية لمدة زمنية ممتدة دون حدوث تغيرات سلبية على قوامه وطعمه ورائحته. ففي حين يحتاج لبن البقر إلى 3 ساعات لتزداد حموضته عند تركه على درجة حرارة الغرفة، فإن لبن الإبل يحتاج إلى ثمان ساعات كي يصل إلى نفس مستوى الحموضة، وفي حين يحتاج لبن البقر إلى 48 ساعة ليصبح طعمه شديد الحموضة لاذعاً ولكي يتجبن البروتين فيه؛ فإن لبن الإبل يحتاج إلى سبعة أيام في نفس الظروف. ولعل من أبرز ما يكسب لبن الإبل تلك الخصائص المقاومة للفساد احتواؤه على مركبات مانعة لنمو الجراثيم مثل إنزيم اللايسوزيم المحلل للميكروبات وبروتينات اللاكتوفيرين والبروتينات المناعية بكميات أكثر مما تحتويها أنواع اللبن الأخرى.
تركيب لبن الإبل
يعد لبن الإبل غذاءً كاملاً، أي أنه يغطي الاحتياجات الغذائية للكائن الحي كاملة ، ولكن ليس للإنسان بل لصغار الإبل الرضيعة، وهو مع هذا يعد غذاءً ذا قيمة غذائية وصحية عالية للإنسان، وإن لم يكن غذاء كاملاً. وقد اهتم العلماء والباحثون في دراسة مكوِّنات لبن الإبل وتركيبه، وأظهرت نتائج الدراسات تبايناً واختلافاً واضحاً في قيم التحليل، وذلك لاختلاف ظروف الإنتاج كالعوامل البيئية والجغرافية والموسمية، الصيف والشتاء، ووفرة الماء ونوع العلف المقدم للإبل في كل دراسة، وكذا تبعاً لطرق التحليل وطرائق أخذ العينات. وبالنظر إلى مجمل الدراسات المنشورة ، حسبما أوردتها دراسة المراجعة العلمية للعالِمين الحاج والكنهل، والمنشورة في الدورية العالمية لبحوث الألبان للعام 2010، فإن متوسط قيم التحليل الغذائي للبن الإبل كان على النحو التالي:
البروتين (3.1%): يتفاوت محتوى لبن الإبل من البروتين تبعاً للاختلاف في نوع السلالة التي ينتمي اليها، وتبعاً للموسم الذي يتم فيه الرعي، حيث أظهرت الدراسات احتواء سلالة جمال "المجاهيم" كميات من البروتين أكبر من تلك في غيرها من السلالات، وأظهرت الدراسات أن كمية البروتين تقل في فصل الصيف في حين ترتفع في فصل الربيع. ولعل من أبرز ما يميز بروتين لبن الإبل احتواؤه على كميات كبيرة من نوع البروتين المعروف بالكازيين Casein، والذي يمثل أكثر من نصف أنواع البروتين الموجودة في اللبن (50-80% من كمية البروتين)، في حين يمثل النوع الآخر المعروف ببروتين الشِّرش Whey الجزء الأقل المتبقي منه. ومن خصائص بروتين الكازين التي تكسب لبن الإبل ميزة إضافية أنه النوع الأسهل هضماً والأقل تسبباً بالتحسس لأمعاء الطفل الرضيع، إذا ما قورن بغيره من أنواع البرويتن كتلك لموجودة في لبن البقر، وهو ما يجعل لبن الإبل أقرب وأكثر شبهاً بلبن الإنسان من لبن البقر، وأكثر أماناً ضد التحسس. وبالنظر إلى نوعية الأحماض الأمينية المكونة لبروتين لبن الإبل، فقد أظهرت الدراسات تشابها بين أنواع الأحماض الأمينية في كل من لبن الإبل والبقر، مع اختلاف بسيط يتمثل في انخفاض محتوى الأول من الأحماض الأمينية الجلايسين والسيستيين بالمقارنة مع الثاني. أما عن المكون الآخر من البروتين، أي بروتين الشرش، فإنه يتواجد بكميات أقل مما هو عليه الحال في بروتين لبن البقر.
نبذة تاريخية
تنتمي الإبل، وهي الجمال الكثيرة وتشمل الجمال والنوق، إلى الفصيلة الإبلية Camelidae، وهي نوعان من جنس واحد، أحدها الجمل العربي ذو السنام الواحد Camelus dromedaries الذي ينتشر في المناطق الحارة كالبلدان العربية في آسيا وإفريقيا، والراجح أنه قد استؤنس في وسط شبه الجزيرة العربية وجنوبيِّها منذ أقل من خمسة آلاف سنة، ويتبعه معظم إبل العالم، ومنه سلالات كثيرة مختلفة الألوان والمزايا. أما الآخر فذو السنامين Camelus bactrianus ، وهو قاتم اللون طويل الوبر وينتشر في البلدان الباردة مثل بلاد المغول أي منغوليا وجنوب الصين وكازاخستان. ويقدر عدد رؤوس الجمال في العالم ،تبعاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة الدولية للعام 2008، بقرابة 20 مليون رأساً، يتواجد معظمها في الصومال من القرن الإفريقي.
تعد الإبل عبر التاريخ مصدراً مهماً لغذاء الإنسان، ووسيلة رئيسة للتنقل، وكذا لإنتاج الوبر الذي يدخل في صناعة أنسجة الخيام وبعض الألبسة، فضلاً عن استخدامها في اللعب كسباق الهجن وغيرها. وتقوم النوق، أي أنثى الإبل، بدور مهم في تزويد الإنسان باللبن، حيث ينتشر استخدام لبنها خاصة في جزيرة العرب والسودان، كما ينتشر استخدام لبن الإبل المخمر في العديد من بلدان العالم كالهند وروسيا والسودان.
وقد عرف استخدام لبن الإبل في علاج عديد من الأمراض عبر التاريخ، ومايزال يستخدم في الطب الشعبي كعلاج للخرَب واليرقان والسل الرئوي والأزمة الصدرية واللشمانيا أو الداء الأسود. ومؤخراً، ازداد البحث العلمي حول استخدام لبن الإبل في علاج الأمراض والوقاية منها، حيث أظهرت دراسات علمية تميز هذا اللبن بخصائص علاجية واستطبابية سنأتي على ذكرها تفصيلاً.
ولا تقتصر جوانب التميز في الإبل على اللبن فحسب، بل تتعداها إلى بوله، والذي بات يستعمل في علاج حالات مرضية مثل الالتهاب الكبدي والاستسقاء، وكان من قبل يستعمل في علاج عدد من الأمراض. وفي هذا السياق نستذكر الحديث النبوي الشريف الذي يظهر أهمية ألبان الإبل و أبوالها في الاستشفاء من الأدواء، حيث جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أمر الأعراب الذين جاؤا إلى المدينة وقد هزلت أجسامهم واصفرت جلودهم وانتفخت بطونهم بأن يلحقوا بإبل المسلمين التي ترعى خارج المدينة وأن يأخذوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا حتى شفوا مما أصابهم.
إنتاج واستهلاك اللبن
نظراً لتمركز الإبل في المناطق الصحراوية والجافة في البلدان العربية المختلفة، فإن تقدير كمية إنتاج لبن الإبل أمر متعذَّر. ومع هذا فإن تقديرات منظمة الأغذية والزراعة الدولية للعام 2003 حول كمية إنتاج ألبان الإبل بنوعيها في العالم تقدر بحوالي 5.3 مليون طن في العام، يستهلك منها فقط 1.3 مليون طن بينما يذهب الباقي لاستهلاك صغار الحيوانات. وتعد الصومال أكبرَ منتجٍ للبن الإبل في العالم ، تليها المملكة العربية السعودية.
وتمتاز الإبل بقدرتها الفائقة على إنتاج اللبن على الرغم من الظروف القاسية التي تعيشها، وكذلك بغزارة الإنتاج وطول مدة العطاء إذا ما قورنت مع بقية الحيوانات اللبونة، ومع احتياجاتها الغذائية المتوسطة والأقل من غيرها من الحيوانات الشبيهة. وتقدر كمية إنتاج اللبن خلال مدة الإنتاج التي تقدر بحوالي 8-18 شهر بقرابة 1000-2000 كغم، ويقدر المتوسط اليومي لإنتاج اللبن لها بحوالي 3-10 كغم خلال تلك المدة، وقد تزداد هذه الكمية إلى 20 كغم/يوم في حال تحسن ظروف الإنتاج مثل توافر الماء والعلف والرعاية الصحية، حتى إنه قد سجلت كمية مقدارها 35 كغم في بعض الحالات الاستثنائية.
ويتم استهلاك معظم لبن الإبل من قبل مربي الإبل وعائلاتهم وحيواناتهم، في حين يتم تصدير القليل منه إلى الأسواق القريبة؛ نظراً لبعد المسافة بين أماكن الرعي والإنتاج، والأسواق في المدن الرئيسة. ومع هذا فقد تم إنتاج أنواع من لبن الإبل وتسويقها على المستوى التجاري، كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة حيث بات ينتَج لبن الإبل ويسوَّق في إمارة دبي تحت مسمى تجاري معروف هو ®Camelicious. ونتيجة لتزايد الطلب على استهلاك منتجات ألبان الإبل في أسواق الخليج العربي، فقد تم تطوير عدد من المنتجات الغذائية مثل لبن الشوكولاته والجبن والبوظة المثلجة المصنوعة من لبن الإبل، وكذلك اللبن الرائب والزبد، وهي منتجات ذات صفات حسية متقبلة وقيمة غذائية عالية ومرشحة لأن تكون منافساً لغيرها من منتجات الألبان التقليدية. وقد تم خلال العام المنصرم افتتاح مطعم للوجبات السريعة (اللحم المتبل أو البرجر وشطائر اللحم) المصنعة من لحوم الإبل في مدينة الرياض.
خصائص لبن الإبل
عند الحديث عن لبن الإبل، فإن الحديث يقتصر على اللبن المأخوذ من النوع الشائع في المنطقة العربية أو ما عرف سابقاً بذي السنام الواحد، حيث يختلف في خصائصه ومكوناته عن الإبل ذي السنامين بسبب الاختلاف في طبيعة البيئة التي يعشها كل نوع ونوع الغذاء المتوافر لها. ومن الخصائص العامة التي يمتاز بها لبن الإبل أنه ذو لون أبيض داكن غير ناصع، وذو مذاق متقبل، وهو مذاق يجمع بين الطعم الحلو والحاد، ويأخذ صفة الملوحة أحياناً كثيرة تبعاً لنوع العلف الذي يتناوله وكمية مياه الشرب. كما يمتاز لبن الإبل أنه أقل لزوجة من لبن البقر، وتبلغ درجة حموضته 6.5-6.7 ، وقد تنخفض إلى 6.0 في بعض الحالات، وهي درجة حموضة أقل من تلك التي للبن البقر ومشابهة تقريباً للبن الغنم.
ومن أغرب ما يمتاز به لبن الإبل عن غيره قدرته على البقاء في ظروف الجو العادية وبدون معاملة حرارية لمدة زمنية ممتدة دون حدوث تغيرات سلبية على قوامه وطعمه ورائحته. ففي حين يحتاج لبن البقر إلى 3 ساعات لتزداد حموضته عند تركه على درجة حرارة الغرفة، فإن لبن الإبل يحتاج إلى ثمان ساعات كي يصل إلى نفس مستوى الحموضة، وفي حين يحتاج لبن البقر إلى 48 ساعة ليصبح طعمه شديد الحموضة لاذعاً ولكي يتجبن البروتين فيه؛ فإن لبن الإبل يحتاج إلى سبعة أيام في نفس الظروف. ولعل من أبرز ما يكسب لبن الإبل تلك الخصائص المقاومة للفساد احتواؤه على مركبات مانعة لنمو الجراثيم مثل إنزيم اللايسوزيم المحلل للميكروبات وبروتينات اللاكتوفيرين والبروتينات المناعية بكميات أكثر مما تحتويها أنواع اللبن الأخرى.
تركيب لبن الإبل
يعد لبن الإبل غذاءً كاملاً، أي أنه يغطي الاحتياجات الغذائية للكائن الحي كاملة ، ولكن ليس للإنسان بل لصغار الإبل الرضيعة، وهو مع هذا يعد غذاءً ذا قيمة غذائية وصحية عالية للإنسان، وإن لم يكن غذاء كاملاً. وقد اهتم العلماء والباحثون في دراسة مكوِّنات لبن الإبل وتركيبه، وأظهرت نتائج الدراسات تبايناً واختلافاً واضحاً في قيم التحليل، وذلك لاختلاف ظروف الإنتاج كالعوامل البيئية والجغرافية والموسمية، الصيف والشتاء، ووفرة الماء ونوع العلف المقدم للإبل في كل دراسة، وكذا تبعاً لطرق التحليل وطرائق أخذ العينات. وبالنظر إلى مجمل الدراسات المنشورة ، حسبما أوردتها دراسة المراجعة العلمية للعالِمين الحاج والكنهل، والمنشورة في الدورية العالمية لبحوث الألبان للعام 2010، فإن متوسط قيم التحليل الغذائي للبن الإبل كان على النحو التالي:
البروتين (3.1%): يتفاوت محتوى لبن الإبل من البروتين تبعاً للاختلاف في نوع السلالة التي ينتمي اليها، وتبعاً للموسم الذي يتم فيه الرعي، حيث أظهرت الدراسات احتواء سلالة جمال "المجاهيم" كميات من البروتين أكبر من تلك في غيرها من السلالات، وأظهرت الدراسات أن كمية البروتين تقل في فصل الصيف في حين ترتفع في فصل الربيع. ولعل من أبرز ما يميز بروتين لبن الإبل احتواؤه على كميات كبيرة من نوع البروتين المعروف بالكازيين Casein، والذي يمثل أكثر من نصف أنواع البروتين الموجودة في اللبن (50-80% من كمية البروتين)، في حين يمثل النوع الآخر المعروف ببروتين الشِّرش Whey الجزء الأقل المتبقي منه. ومن خصائص بروتين الكازين التي تكسب لبن الإبل ميزة إضافية أنه النوع الأسهل هضماً والأقل تسبباً بالتحسس لأمعاء الطفل الرضيع، إذا ما قورن بغيره من أنواع البرويتن كتلك لموجودة في لبن البقر، وهو ما يجعل لبن الإبل أقرب وأكثر شبهاً بلبن الإنسان من لبن البقر، وأكثر أماناً ضد التحسس. وبالنظر إلى نوعية الأحماض الأمينية المكونة لبروتين لبن الإبل، فقد أظهرت الدراسات تشابها بين أنواع الأحماض الأمينية في كل من لبن الإبل والبقر، مع اختلاف بسيط يتمثل في انخفاض محتوى الأول من الأحماض الأمينية الجلايسين والسيستيين بالمقارنة مع الثاني. أما عن المكون الآخر من البروتين، أي بروتين الشرش، فإنه يتواجد بكميات أقل مما هو عليه الحال في بروتين لبن البقر.