الجدل في مصر: من يقرر الحرب؟
مرسل: السبت ديسمبر 03, 2011 11:32 pm
يدور حوار ثري وجميل في مصر حول الحقوق والدستور والعسكر. وأهميته أنه يؤسس لثقافة سياسية مختلفة عما كانت عليه في مصر، بل وفي المنطقة. وبنتائج هذا الجدل ستحدد مصر مستقبلها، وربما المنطقة. ومن الصعب تلخيص نقاش متعدد ومعقد إلى حد ما في هذه المساحة الضيقة، إنما أسمح لنفسي باختصاره، خاصة أنني سبق أن تطرقت إليه منذ مطلع العام في أكثر من مرة، لأنني اعتبره أهم نقاش على الساحة منذ نصف قرن تقريبا.
المصريون ورثوا دولة بمؤسسة عسكرية قوية، ودستور مخضرم، وساحة تموج فيها تيارات متعددة. وهم، بكل تأكيد، لا يريدون أن يربض مبارك آخر على كرسي الحكم، خاصة أن الثورة قامت للتخلص من حكم مبارك. ومن الطبيعي في هذه المرحلة الانتقالية أن يتوجس كل فريق من الآخر، الليبراليون يخشون من بطش الإسلاميين، خاصة أن فوزهم في الانتخابات المقبلة شبه مؤكد. والإسلاميون يخشون من حكم العسكر. والعسكر بدورهم قلقون من انفلات الوضع في ضوء اختلاف القوى السياسية حول آليات الحكم، على الرغم من اتفاقهم على مفهومه الديمقراطي. وهذا ما يجعل الاحتكام إلى دستور عادل هو الحل الوحيد، كما هو الحال في الدول المتقدمة سياسيا.
من هنا، ظهرت المطالبة بالضمانات الدستورية لتكون أعلى من الحكومة ومن البرلمان وحتى من المجلس العسكري. وأكثر الأفكار التي حظيت بالاهتمام ما طرحه الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية، من وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدستور، لتصبح أكبر امتحان لقادة العمل السياسي منذ سقوط مبارك. الوثيقة أغضبت الإسلاميين وبعض القوى الليبرالية. الإسلاميون لا يريدون تغييرا دستوريا إلا بعد الانتخابات، أي عندما يصبحون في الحكم. وهناك فرقاء اعترضوا على نقاط بعينها في المبادرة المقترحة، مثل تسميتها بالدولة المدنية لا الدينية. وهناك من يرفض السلطات الممنوحة للعسكر في الوثيقة ويصر على مناقشة موازنة الجيش. هذا الجدل الذي رفع من ثقافة المواطن السياسية، نبه كل الجماعات المختلفة إلى أهمية البناء الحالية.
ولأن الجدل الدستوري في مصر يعني الكثير للعرب في الحقبة الجديدة، فإنه حوار يستحق توسيعه والاستماع لكل وجهات النظر. وفي نظري أن الضمانات المرجوة مهمة، لأن الدستور بذاته لا يكفي، ولا بد أن نكون واقعيين ونعترف بأن الجيش بحاجة لحراسة الانتقال إلى مجتمع متعدد مليء بالشكوك والتجارب الكارثية.
التجربة التركية، وقبل ذلك في إسبانيا، ولا تزال المؤسسة العسكرية في معظم الدول الديمقراطية تحتكم وتحمي الدستور، لكنها ليست بذاتها مرجعية للحكم. يحتاج الليبراليون في زمن حكم «الإخوان» إلى الجيش لردع الحكومة الجديدة من تضييق الحريات باسم الدين. وسيحتاج الإسلاميون إلى الجيش لو وقع بينهم اشتباك، ونحن ندرك أن الخلاف داخل الساحة الإسلامية يكون وحشيا، ومثاله عند الجارة غزة، بين «الإخوان» في الحكم والسلفيين في المعارضة.
ونعرف أن شهية العسكر للحكم كبيرة ولا بد من ضوابط لها، وفي نفس الوقت الاعتراف بدورهم الاستثنائي في المرحلة الانتقالية. ولا أعتقد أن الشجار مع العسكر على «حقهم» الدستوري في صيانة أسرارهم يستحق الجدل، لأن هناك قواعد مطبقة في معظم الدول التي مرت بتجارب حديثة، مثل تركيا، يمكن أن تكون المرشد لمصر بدل التنازع عليها. ومع أن الجدل مفتوح، بما في ذلك صلاحيات إعلان الحرب؛ قرار الرئيس المنتخب من الشعب أم أنه قرار القيادة العسكرية، فإنه جدل مشروع لأننا نتصور أن الثورة لم تكن على شخص مبارك بل على حكمه، ضد ديمومة البقاء والتوريث والسلطات المطلقة.
ومن خلال قراءة الوثيقة المطروحة، نجدها تتحدث بشكل فضفاض عن الحقوق الأساسية التي لا تستقيم الديمقراطية من دونها. مثلا البند الرابع عشر يقول (حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام مكفولة، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير والمقومات الأساسية للمجتمع المصري). وهنا، تصبح كلمة المقومات الأساسية مطاطة، تبرر غدا إغلاق الصحف أو التلفزيونات أو منع التعبير في قضايا معينة. ما هي الضمانات الصريحة للأقليات، وما هي آلية التحكيم والتنفيذ في قضايا ملتهبة. الوثيقة تنهى عن استخدام الدين في العمل السياسي، لكن كيف يمكن تطبيق ذلك، خاصة أن الدين وسيلة للكسب السياسي لنصف اللاعبين في الساحة؟
المصريون ورثوا دولة بمؤسسة عسكرية قوية، ودستور مخضرم، وساحة تموج فيها تيارات متعددة. وهم، بكل تأكيد، لا يريدون أن يربض مبارك آخر على كرسي الحكم، خاصة أن الثورة قامت للتخلص من حكم مبارك. ومن الطبيعي في هذه المرحلة الانتقالية أن يتوجس كل فريق من الآخر، الليبراليون يخشون من بطش الإسلاميين، خاصة أن فوزهم في الانتخابات المقبلة شبه مؤكد. والإسلاميون يخشون من حكم العسكر. والعسكر بدورهم قلقون من انفلات الوضع في ضوء اختلاف القوى السياسية حول آليات الحكم، على الرغم من اتفاقهم على مفهومه الديمقراطي. وهذا ما يجعل الاحتكام إلى دستور عادل هو الحل الوحيد، كما هو الحال في الدول المتقدمة سياسيا.
من هنا، ظهرت المطالبة بالضمانات الدستورية لتكون أعلى من الحكومة ومن البرلمان وحتى من المجلس العسكري. وأكثر الأفكار التي حظيت بالاهتمام ما طرحه الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء للشؤون السياسية، من وثيقة إعلان المبادئ الأساسية للدستور، لتصبح أكبر امتحان لقادة العمل السياسي منذ سقوط مبارك. الوثيقة أغضبت الإسلاميين وبعض القوى الليبرالية. الإسلاميون لا يريدون تغييرا دستوريا إلا بعد الانتخابات، أي عندما يصبحون في الحكم. وهناك فرقاء اعترضوا على نقاط بعينها في المبادرة المقترحة، مثل تسميتها بالدولة المدنية لا الدينية. وهناك من يرفض السلطات الممنوحة للعسكر في الوثيقة ويصر على مناقشة موازنة الجيش. هذا الجدل الذي رفع من ثقافة المواطن السياسية، نبه كل الجماعات المختلفة إلى أهمية البناء الحالية.
ولأن الجدل الدستوري في مصر يعني الكثير للعرب في الحقبة الجديدة، فإنه حوار يستحق توسيعه والاستماع لكل وجهات النظر. وفي نظري أن الضمانات المرجوة مهمة، لأن الدستور بذاته لا يكفي، ولا بد أن نكون واقعيين ونعترف بأن الجيش بحاجة لحراسة الانتقال إلى مجتمع متعدد مليء بالشكوك والتجارب الكارثية.
التجربة التركية، وقبل ذلك في إسبانيا، ولا تزال المؤسسة العسكرية في معظم الدول الديمقراطية تحتكم وتحمي الدستور، لكنها ليست بذاتها مرجعية للحكم. يحتاج الليبراليون في زمن حكم «الإخوان» إلى الجيش لردع الحكومة الجديدة من تضييق الحريات باسم الدين. وسيحتاج الإسلاميون إلى الجيش لو وقع بينهم اشتباك، ونحن ندرك أن الخلاف داخل الساحة الإسلامية يكون وحشيا، ومثاله عند الجارة غزة، بين «الإخوان» في الحكم والسلفيين في المعارضة.
ونعرف أن شهية العسكر للحكم كبيرة ولا بد من ضوابط لها، وفي نفس الوقت الاعتراف بدورهم الاستثنائي في المرحلة الانتقالية. ولا أعتقد أن الشجار مع العسكر على «حقهم» الدستوري في صيانة أسرارهم يستحق الجدل، لأن هناك قواعد مطبقة في معظم الدول التي مرت بتجارب حديثة، مثل تركيا، يمكن أن تكون المرشد لمصر بدل التنازع عليها. ومع أن الجدل مفتوح، بما في ذلك صلاحيات إعلان الحرب؛ قرار الرئيس المنتخب من الشعب أم أنه قرار القيادة العسكرية، فإنه جدل مشروع لأننا نتصور أن الثورة لم تكن على شخص مبارك بل على حكمه، ضد ديمومة البقاء والتوريث والسلطات المطلقة.
ومن خلال قراءة الوثيقة المطروحة، نجدها تتحدث بشكل فضفاض عن الحقوق الأساسية التي لا تستقيم الديمقراطية من دونها. مثلا البند الرابع عشر يقول (حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة ووسائل الإعلام مكفولة، بما لا يمس حرمة الحياة الخاصة وحقوق الغير والمقومات الأساسية للمجتمع المصري). وهنا، تصبح كلمة المقومات الأساسية مطاطة، تبرر غدا إغلاق الصحف أو التلفزيونات أو منع التعبير في قضايا معينة. ما هي الضمانات الصريحة للأقليات، وما هي آلية التحكيم والتنفيذ في قضايا ملتهبة. الوثيقة تنهى عن استخدام الدين في العمل السياسي، لكن كيف يمكن تطبيق ذلك، خاصة أن الدين وسيلة للكسب السياسي لنصف اللاعبين في الساحة؟