صفحة 1 من 1

كيف نحارب الفساد .. ؟

مرسل: الأحد ديسمبر 04, 2011 1:48 pm
بواسطة تركي المحمود 1
بسم الله الرحمن الرحيم

استوطن الفساد في بيئتنا العربية، وانتشر كالسرطان، ممتداً من القمة إلى أن أخذ يفتك خلايا المجتمع برمته ، عندما تحول إلى ثقافة للإفساد، انطلق من التعريف البسيط للفساد، وهو تسخير المنصب العام، من أجل الحصول على مصلحة، أو منفعة خاصة، يحميه الاستبداد والقمع، ويحميه الجهل والتخلف، وإعادة إنتاجهما ليحافظ على استمراره وامتد ليشمل المحرمات من القضاء ، إلي الحرم الديني، حتى وصل الحرم الجامعي، والحرم العائلي، وأصبح شكل خاص مميز لوجودنا الاجتماعي، تآلفت هذه المجتمعات معه ، تعبيراً عن درجة التدهور والانحطاط التي وصلت إليها، وعندما أخذت هذه المجتمعات بالنهوض والتململ، في وجه الطغيان والاستبداد، من أجل العدالة السياسة والاجتماعية، واعادة توزيع الثروة، كان الفساد حاضراً كأحد أسباب التدهور الاقتصادي والاجتماعي، ولكن عجزت عن ملاحقة الفساد، ومحاكمة الفاسدين ، مع إن شعار مكافحة الفساد، تحول إلى شعاراً وطنياً جامعاً، تطالب به القوى المعارضة والجماهير في حالة نهوضها كما حصل في كل من فلسطين والمغرب واللبنان، وتشعر بوطأته وخطره حتى الأنظمة العربية المولدة للفساد، يتم ذلك ، عند حصول أي تعديل حكومي ، أو أزمة في الحكم، أو في حالات الاستياء الشعبي، كذلك ضمن محاولات التطوير والإصلاح.
ولكن نجد أن النظام العربي، عندما يعترف ويقر بوجود الفساد، يعترف بقوة أكبر عن عجزه في مواجهة هذه الظاهرة. لدرجة إنه حصل شبه اتفاق، حول صعوبة أو استحالة، محاربة الفساد، هذا القول ينطوي على معنى، من معاني تبرير الفساد، ويفسر العجز عن رؤية الأسباب الحقيقة، أو محاولات طمس الأسباب الحقيقية للفساد.
أثبتت التجارب إن مفعول محاربة الفساد، يبقى قاصراً ومحدود النتائج، لأن الأهم في هذه القضية هو القضاء على الأسباب التي تؤدي إلى الفساد، أي علاج الظاهرة من جذورها، هاتين القضيتين مترابطتين مع بعضهما البعض، ولا يمكن أن تحل أحدهما، بمعزل عن الأخرى. لذلك عندما يكون مطلب محاربة الفساد، مطلباً، جماهيرياً، يتناول قضية محاسبة الفاسدين، وفضح ملفاتهم، هذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية، لأنها تعبر فيما تعبر عن نضج الشارع السياسي، وضعف تسلط الدولة، و السعي لاستقلال القضاء، إلى جانب الدور التربوي حيث تشكل رادع لمن تسول له نفسه الفساد والإفساد.
أما عندما تدّعي السلطة، محاربة الفساد، فإنها تستخدم هذا السلاح لتوطيد سلطتها، ومحاربة أعدائها، حيث تقوم بتوجيه تهمة الفساد، لبعض المناوئين لها في السلطة، وكأنها ترد شبهة الفساد الموجهة إليها، محاولة منها للظهور بمظهر الساعي، من أجل تلبية رغبات الجماهير، أو في سعيها المزعوم للتطوير والتحديث، يتم ذلك بشكل انتقائي، وجزئي، كذلك عندما تواجه فضيحة ما، يكون من الصعب كتمها، أو نفيها، و على الأغلب يتم ذلك، وفق وسائل غير قانونية، كما حصل مؤخراً في سوريا، وفقاً لمرسوم تسريح 70 قاضياً من عملهم، تحت عنوان الفساد، وبدون محاكمة،ولعل السبب الأساسي في تسريحهم، وعدم إعطاءهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، أمام القضاء، تخوفاً من أن يقوم هؤلاء القضاة، في معرض دفاعهم عن أنفسهم، بفضح الآلية التي تسير عليها السلطة القضائية، في متابعة القضايا، حيث تتحمل الأجهزة التنفيذية القمعية، الدور الأول في انحراف السلطة القضائية، عبر استخدام الترغيب والترهيب، وعدم قدرة السلطة القضائية على ممارسة استقلالها.
ونحن نعلم أن قضايا الفساد المعروضة أمام القضاء، لا تشكل إلا جزءً يسيراً من حجم هذه الظاهرة، بل تعاني هذه الدول من عدم إحالة قضايا الفساد للقضاء، ليحكم بها، والسبب في ذلك : هو أولاً : اتساع هذه الظاهرة، ثانياً: لأنها تمس الكثير من أصحاب القرار، والمراكز الهامة في الدولة. لذلك دائماً تطوى هذه الملفات، أو تختصر برمز ما، أو تتناول صغار الفاسدين.

إن مفهوم الفساد: ليس إلا سلوك الحكام، والموظفين المسيطرين على القرار، الاقتصادي والسياسي، الذين انحرفوا كليا عن الأخلاق، وعن المعايير الوطنية، في سبيل خدمة مصالحهم الشخصية البحتة، عبر نهب الثروات الداخلية، أو تسخير ثروات بلادهم، عبر العلاقة بالخارج، مقابل عمولات وأرباح، أثناء وجودهم في السلطة.
إذاً الفساد يرتبط ارتباط وثيقاً، في الصراع من أجل إعادة إنتاج السلطة، والسيطرة بالتالي على الثروة.
تتلخص أهم أسباب الفساد بـ:
أسباب سياسية :
أولاً : هيمنة أشكال السلطة الديكتاتورية ، أنظمة تعيش على احتكار مصادر الثروة والقوة، هذه الدولة لن تكون دولة حيادية، فهي دولة تعسف وامتيازات، تعبر عن المصالح الخاصة، ولا تعبر عن المصالح العامة. هذه الأنظمة تضع نفسها فوق القانون ، عبر تجاوز القانون والاعتداء عليه. حيث كشفت التجربة أن تفشي الفساد، هو في أحد وجوهه بسبب غياب القانون.
ثانياً : غياب المؤسسات السياسة الفاعلة، التي تمارس الرقابة، والمحاسبة، وحصر السياسة، في دائرة السلطة، مما أدى إلى استخدام المواقع السياسية، كوسيلة لتجميع الثروة، وهكذا أصبح الفساد بنية تتدرج، من خلال هرم بيروقراطي، يشمل قيادات القطاع العام، متحالف مع أغنياء القطاع الخاص، من أجل تحقيق الأرباح فقط، شريطة تخلي الأخير عن الدور السياسي، وامتد هذا التحالف ليشمل المدراء، وزعماء النقابات، والاتحادات المهنية، من خلال دورهم في تطويع العمال، والفلاحين والطلاب، وتدجين النقابات، بواسطة الحلقة المركزية في حماية الفساد، والاستفادة منه، ألا وهي المؤسسة الأمنية، التي تقوم بالقمع، أصبح هذا الحلف يهيمن على مجموع الاقتصاد الوطني ، ويعيد توزيع الدخل القومي وفقاً لمصالحه.
يساهم الفساد في مراكمة الثروات، والثراء السريع، أي الكسب غير المشروع، ويؤدي إلى زيادة التفاوت الاجتماعي بشكل كبير .

إذاً التربة الخصبة للفساد، يقوم على ممارسة الاحتكار الفعال، لمصادر القوة والثروة، عن طريق هيمنة السلطة سواء كانت طائفة أم حزب، أو نخبة وبغض النظر عن شعاراتهم، حول العصرنة والتطوير.
الفساد شديد الالتصاق بغياب المشاركة الشعبية، ويعكس مدى ضعف المؤسسات، أو غيابها، و تضخم دور الأجهزة الأمنية.

الأسباب الاقتصادية: إن الدول العربية دول تابعة اقتصادياً، دورها الأساسي هو تصدير الخامات، تعتمد على الاستيراد بشكل متزايد، تسعي في هذا المناخ، الشركات المتعددة الجنسية، للسيطرة على ثروات هذه الدول، وفي ظل الأنظمة الاستبدادية يتم عبر الوسائل غير الرسمية، و غير القانونية، وبالتالي تستفيد هذه الشركات من الامتيازات السياسية، لبعض المسؤولين الكبار.من أجل تمرير اتفاقيات في سبيل إدارة المواد الخام.
إذن نستنتج من تعريف الفساد،وآلياته، أنه ومن أجل محاربة الفساد، يجب تجاوز بنية السلطة القائمة، في الدول العربية ، حيث يشكل الإصلاح الديمقراطي، الحل الجذري، لأن الدولة الديمقراطية، تعني فيما تعنيه، مساواة الجميع أمام القانون، وفسح المجال للمواطنين للدفاع عن حقوقهم، في مواجهة الدولة.
أما الدولة الاستبدادية، في مجال تطبيق القانون، حيث يتم انتهاكه من قبل السلطة نفسها، التي وضعته، بدون حسيب أو رقيب. فسوريا مثلاً قوانين استغلال المناصب، والتصرف بالأموال العامة، يعرض مقترفيها لأقسى العقوبات، وأشدها. ونرى الكل مارق على القانون، ولا أحد يحاسب وهكذا بقية الدول العربية.
فصل السلطات، حتى تتمكن السلطة التشريعية، التي تعبر عن الكل الاجتماعي، على أخذ دورها الرقابي، سواء على السلطة التنفيذية أو القضائية. وبالتالي سد المنافذ على الفساد. ناهيك عن الحريات الإعلامية التي تلعب دوراً كبيراً في الرقابة وفضح الفساد