أردوغان خليفة المسلمين!؟
مرسل: الخميس ديسمبر 08, 2011 8:26 am
أردوغان خليفة المسلمين!؟
لا بد أن الأتراك الفخورين جدا بقوميتهم ومكانتهم التاريخية العثمانية في العالم العربي، كانوا يراقبون باعتزاز بالغ الاستقبال الشعبي الكبير لرئيس وزرائهم أردوغان لدى وصوله إلى مصر. هتافات للزعيم التركي لم يحظ بها رجل غير عربي على أرض عربية منذ سنين مديدة؛ «لبيك إسلام البطولة»، «أردوغان يا رمز العزة»، و«أردوغان أمل الأمة في كل مكان». كانت الرسائل على الـ«فيس بوك» تتطاير في كل اتجاه، الجميع يريد أن يعرف كيف له أن يحتفي بأردوغان؟ علق كثيرون: «ليتنا نستعيره شهرين فقط ليصلح أحوالنا»، وثمة من قال: «إن النقاش حول أردوغان يشبه ما يتبادله المصريون حول شخصية رجل مرشح لرئاسة جمهوريتهم، لا مجرد ضيف يحل عليهم».
الشراكة الاستراتيجية التي يسعى إليها أردوغان مع مصر ودول عربية أخرى خارجة من الثورات هي ربح للعرب. التضامن الإقليمي الذي يرسم لتحقيقه بالشراكة مع وزير خارجيته النمس، داود أوغلو، سيعود بالفائدة حتما علينا أجمعين. التعاون بين دول المنطقة وفتح الحدود لعبور البضائع والبشر الذي تحلم تركيا بإنجازه، هو حلمنا جميعا.
المشكلة ليست فيما يريده أردوغان، وهو مشروع ومرحب به، ولكن فيما لا يفقهه العرب، الذين يظنون أنهم مركز السياسة الخارجية التركية ومنتهى غاياتها، بينما هي قائمة على جعل تركيا معبرا إلزاميا بين الشرق والغرب، ومركزا لثقل إقليمي نافذ الكلمة، وما العرب سوى جزء يسير من الرؤية التركية الشاملة.
النفق الذي يحفره الأتراك تحت مضيق البوسفور بعمق 55 مترا تحت البحر بتكلفة 3 مليارات دولار، يفترض أن يفتتح العام المقبل، سيشكل همزة وصل بين آسيا وأوروبا. وأخبرني أحد الخبراء الأتراك أن حلم الأتراك الذين حكموا العالم طوال 900 سنة، عندما كانت الدولة البيزنطية في بلادهم، ثم مع قيام الدولة العثمانية، يشعرون بأنهم فقدوا مكانتهم وعظمتهم خلال المائة سنة الماضية، وآن الوقت لهم لأن يستعيدوها. لا يخفي الخبير أن النفق الذي بات إنجازه قاب قوسين أو أدنى بين القارتين الآسيوية والأوروبية، اللتين تقع إسطنبول على ضفتيهما، سيسمح لمن يركب القطار من لندن أو باريس أن يصل إلى بكين عبر إسطنبول التي لن يكون له خيار غيرها. وما لا تغفله بطبيعة الحال الخطة التركية، أن هذا الخط الحديدي سيصبح نشطا تجاريا، وسيكون معبر البضائع الصينية صوب القارة الأوروبية والشرق الأوسط، الذي يفترض أن ينضوي تحت جناحي تركيا القوية إقليميا.
لا يخفي الأتراك الذين تحدثت معهم، أثناء زيارة قمت بها مؤخرا لإسطنبول، أن هذا المشروع دونه عوائق كثيرة، أهمها الوضع المتردي في أفغانستان وباكستان، لكن تركيا، كما يقولون، تعمل برؤية عابرة للمشكلات الآنية، وتخطط لما بعد الأزمات، ولا تترك للاضطرابات القائمة حاليا أن تحول دون تنفيذ خططها بعيدة المدى، و«المتعددة الأبعاد»، كما يصفها داود أوغلو.
ويصف أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» الذي ترجم مؤخرا إلى العربية، بإسهاب وشفافية بالغتين، مرامي السياسة الخارجية التركية لمن يريد أن يتعرف عليها، والموقف التركي من إسرائيل، كما يحكي عن متانة الجسور التي تبنيها بلاده مع أميركا اللاتينية والقارة الأفريقية ودول شرق آسيا، دون أن تهمل أي جزء من العالم.
الثورات العربية، لا سيما الثورة السورية، لا ينظر الأتراك إليها بارتياح كبير. فبلادهم كانت على تنسيق واسع ومريح مع نظام بشار الأسد، وكلمتهم مسموعة منه. صحيح أن رؤية سفك الدماء البريئة غير محتملة بالنسبة لهم، لكن النظام البديل الذي لا تبدو له صورة واضحة بعد، تقلقهم وتؤرقهم. وهو ربما ما يفسر تمسك أردوغان بإصلاحات يقوم بها الأسد بنفسه، تجنب سوريا، ومعها الجارة تركيا، مغبة فوضى على حدودها، لا تحمد عقباها.
رجب طيب أردوغان إذن، يلعب على قطعة شطرنج متعددة الأحجار، وعليه أن يجيد تحريكها بذكاء، ليجعل من تركيا مفتاحا لمن يريد النفاذ إلى المنطقة في السنوات المقبلة. زيارته لمصر ودول الثورات العربية، وبناء استراتيجيات واضحة معها، يسهلان لـ«العثمانيين الجدد» لعب هذا الدور المحوري، بالحداثة التي تليق بالقرن الحادي والعشرين. تبني قضية الاعتراف بدولة فلسطينية، واتخاذ مواقف حادة من صلف نتنياهو، مع التمييز بين الإسرائيليين وحكومتهم، ثم نشر صواريخ موجهة ضد إيران على الأراضي التركية، دون التخلي عنها كحليف تجاري اقتصادي كبير، يمد تركيا بنفطها وينسق معها في المسألة الكردية، هو غيض من فيض السياسة التركية القائمة على الصراحة والصرامة، ورفض العلاقات القائمة على التباغض والحقد.
وكأي زعيم كبير، يتحدث أردوغان عن مبادئ تركية يجب أن تحترم، ويقود سياسته الخارجية بما يتلاءم و«كرامة الشعب التركي»، الكرامة التي يتعطش إليها الشعب العربي، ومع ذلك يجد نفسه، حتى وهو يخرج من ثورته في مصر، يفتقر لزعيم يرد له اعتباره، ولا يجد سوى أردوغان بطلا، والخلافة مظلة تحميه.
قال لي أحد الأتراك: «نحن لم نكن نتعلم في المدارس، حتى سنوات قليلة مضت، أي لغة أجنبية، لسنا بحاجة لأن نتعلم لغة الآخرين، بل هم من يجب أن يتعلموا لغتنا. العربية نعم نتعلمها، فهي لغة ديننا وقرآننا، أما عدا ذلك فالروح الإمبراطورية العثمانية ما تزال حية فينا وتدفعنا إلى الأمام».
كلام جميل لمواطن تركي يعتز بانتمائه وقوميته، وعلى العرب أن يتعلموا الاعتزاز بتاريخهم ولغتهم ويفقهوا جوهر هويتهم، قبل أن يغبطوا الأتراك على رئيس وزرائهم. فالتحالف مع تركيا، من باب الحب في الله، لن يجدي هذه المرة. وكي تكون الشراكة حقيقية وطويلة الأمد، تحتاج لأن تكون ذكية، عقلانية وأبية، من الند للند. فهذا أنفع لتركيا وللعرب على السواء، كي لا يجد العرب أنفسهم يطعنون الأتراك مرة جديدة ويستعينون عليهم بالغرب، ويغدرونهم بالظهر.
لا بد أن الأتراك الفخورين جدا بقوميتهم ومكانتهم التاريخية العثمانية في العالم العربي، كانوا يراقبون باعتزاز بالغ الاستقبال الشعبي الكبير لرئيس وزرائهم أردوغان لدى وصوله إلى مصر. هتافات للزعيم التركي لم يحظ بها رجل غير عربي على أرض عربية منذ سنين مديدة؛ «لبيك إسلام البطولة»، «أردوغان يا رمز العزة»، و«أردوغان أمل الأمة في كل مكان». كانت الرسائل على الـ«فيس بوك» تتطاير في كل اتجاه، الجميع يريد أن يعرف كيف له أن يحتفي بأردوغان؟ علق كثيرون: «ليتنا نستعيره شهرين فقط ليصلح أحوالنا»، وثمة من قال: «إن النقاش حول أردوغان يشبه ما يتبادله المصريون حول شخصية رجل مرشح لرئاسة جمهوريتهم، لا مجرد ضيف يحل عليهم».
الشراكة الاستراتيجية التي يسعى إليها أردوغان مع مصر ودول عربية أخرى خارجة من الثورات هي ربح للعرب. التضامن الإقليمي الذي يرسم لتحقيقه بالشراكة مع وزير خارجيته النمس، داود أوغلو، سيعود بالفائدة حتما علينا أجمعين. التعاون بين دول المنطقة وفتح الحدود لعبور البضائع والبشر الذي تحلم تركيا بإنجازه، هو حلمنا جميعا.
المشكلة ليست فيما يريده أردوغان، وهو مشروع ومرحب به، ولكن فيما لا يفقهه العرب، الذين يظنون أنهم مركز السياسة الخارجية التركية ومنتهى غاياتها، بينما هي قائمة على جعل تركيا معبرا إلزاميا بين الشرق والغرب، ومركزا لثقل إقليمي نافذ الكلمة، وما العرب سوى جزء يسير من الرؤية التركية الشاملة.
النفق الذي يحفره الأتراك تحت مضيق البوسفور بعمق 55 مترا تحت البحر بتكلفة 3 مليارات دولار، يفترض أن يفتتح العام المقبل، سيشكل همزة وصل بين آسيا وأوروبا. وأخبرني أحد الخبراء الأتراك أن حلم الأتراك الذين حكموا العالم طوال 900 سنة، عندما كانت الدولة البيزنطية في بلادهم، ثم مع قيام الدولة العثمانية، يشعرون بأنهم فقدوا مكانتهم وعظمتهم خلال المائة سنة الماضية، وآن الوقت لهم لأن يستعيدوها. لا يخفي الخبير أن النفق الذي بات إنجازه قاب قوسين أو أدنى بين القارتين الآسيوية والأوروبية، اللتين تقع إسطنبول على ضفتيهما، سيسمح لمن يركب القطار من لندن أو باريس أن يصل إلى بكين عبر إسطنبول التي لن يكون له خيار غيرها. وما لا تغفله بطبيعة الحال الخطة التركية، أن هذا الخط الحديدي سيصبح نشطا تجاريا، وسيكون معبر البضائع الصينية صوب القارة الأوروبية والشرق الأوسط، الذي يفترض أن ينضوي تحت جناحي تركيا القوية إقليميا.
لا يخفي الأتراك الذين تحدثت معهم، أثناء زيارة قمت بها مؤخرا لإسطنبول، أن هذا المشروع دونه عوائق كثيرة، أهمها الوضع المتردي في أفغانستان وباكستان، لكن تركيا، كما يقولون، تعمل برؤية عابرة للمشكلات الآنية، وتخطط لما بعد الأزمات، ولا تترك للاضطرابات القائمة حاليا أن تحول دون تنفيذ خططها بعيدة المدى، و«المتعددة الأبعاد»، كما يصفها داود أوغلو.
ويصف أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» الذي ترجم مؤخرا إلى العربية، بإسهاب وشفافية بالغتين، مرامي السياسة الخارجية التركية لمن يريد أن يتعرف عليها، والموقف التركي من إسرائيل، كما يحكي عن متانة الجسور التي تبنيها بلاده مع أميركا اللاتينية والقارة الأفريقية ودول شرق آسيا، دون أن تهمل أي جزء من العالم.
الثورات العربية، لا سيما الثورة السورية، لا ينظر الأتراك إليها بارتياح كبير. فبلادهم كانت على تنسيق واسع ومريح مع نظام بشار الأسد، وكلمتهم مسموعة منه. صحيح أن رؤية سفك الدماء البريئة غير محتملة بالنسبة لهم، لكن النظام البديل الذي لا تبدو له صورة واضحة بعد، تقلقهم وتؤرقهم. وهو ربما ما يفسر تمسك أردوغان بإصلاحات يقوم بها الأسد بنفسه، تجنب سوريا، ومعها الجارة تركيا، مغبة فوضى على حدودها، لا تحمد عقباها.
رجب طيب أردوغان إذن، يلعب على قطعة شطرنج متعددة الأحجار، وعليه أن يجيد تحريكها بذكاء، ليجعل من تركيا مفتاحا لمن يريد النفاذ إلى المنطقة في السنوات المقبلة. زيارته لمصر ودول الثورات العربية، وبناء استراتيجيات واضحة معها، يسهلان لـ«العثمانيين الجدد» لعب هذا الدور المحوري، بالحداثة التي تليق بالقرن الحادي والعشرين. تبني قضية الاعتراف بدولة فلسطينية، واتخاذ مواقف حادة من صلف نتنياهو، مع التمييز بين الإسرائيليين وحكومتهم، ثم نشر صواريخ موجهة ضد إيران على الأراضي التركية، دون التخلي عنها كحليف تجاري اقتصادي كبير، يمد تركيا بنفطها وينسق معها في المسألة الكردية، هو غيض من فيض السياسة التركية القائمة على الصراحة والصرامة، ورفض العلاقات القائمة على التباغض والحقد.
وكأي زعيم كبير، يتحدث أردوغان عن مبادئ تركية يجب أن تحترم، ويقود سياسته الخارجية بما يتلاءم و«كرامة الشعب التركي»، الكرامة التي يتعطش إليها الشعب العربي، ومع ذلك يجد نفسه، حتى وهو يخرج من ثورته في مصر، يفتقر لزعيم يرد له اعتباره، ولا يجد سوى أردوغان بطلا، والخلافة مظلة تحميه.
قال لي أحد الأتراك: «نحن لم نكن نتعلم في المدارس، حتى سنوات قليلة مضت، أي لغة أجنبية، لسنا بحاجة لأن نتعلم لغة الآخرين، بل هم من يجب أن يتعلموا لغتنا. العربية نعم نتعلمها، فهي لغة ديننا وقرآننا، أما عدا ذلك فالروح الإمبراطورية العثمانية ما تزال حية فينا وتدفعنا إلى الأمام».
كلام جميل لمواطن تركي يعتز بانتمائه وقوميته، وعلى العرب أن يتعلموا الاعتزاز بتاريخهم ولغتهم ويفقهوا جوهر هويتهم، قبل أن يغبطوا الأتراك على رئيس وزرائهم. فالتحالف مع تركيا، من باب الحب في الله، لن يجدي هذه المرة. وكي تكون الشراكة حقيقية وطويلة الأمد، تحتاج لأن تكون ذكية، عقلانية وأبية، من الند للند. فهذا أنفع لتركيا وللعرب على السواء، كي لا يجد العرب أنفسهم يطعنون الأتراك مرة جديدة ويستعينون عليهم بالغرب، ويغدرونهم بالظهر.