صفحة 1 من 1

في ذكرى الثورة الخمينية , تأملات في حقيقة العلاقات الإيرانية

مرسل: الخميس ديسمبر 08, 2011 8:49 pm
بواسطة عبدالاله العبيلان 5
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
في ذكرى الثورة الخمينية , تأملات في حقيقة العلاقات الإيرانية الأمريكيه

ما زلت أذكر قصة طريفة سمعتها في صغري , عن لئيمين دخلا أحد المطاعم و طلبا طعاماً , فلما انتهيا من تناول الطعام , تشاورا في كيفية التهرب من دفع الحساب , ثم اهتدى أحدهما إلى فكرة عجيبة ما لبث الآخر أن وافقه عليها , عندها بادر أحدهما برفع صوته بالسب و الشتم لصاحبه , فقابله الآخر بسبٍ أقذع و أشنع , و هنا تعالت الأصوات و تتابعت اللعنات , فجاء عمال المطعم يستوضحون الأمر , فوجدوا المعركة الكلامية مشتعلة , و الرجلين على وشك الاقتتال , فحاولوا عندئذ أن يحجزوا بينهما , إلا أن ذلك لم يزدهما إلا صراخا و تلاعناً , ثم أن أحدهما ضرب صاحبه وهرب خارج المطعم , فلحقه الآخر حاملاً " قارورة الشطة " و هو يدعوا عليه بالويل و الثبور , و ما لبثا أن اختفيا عن الأنظار , و عندها وجد عمال المطعم أنفسهم يتبادلون نظرات الاستغراب المتسائلة عن حقيقة و أسباب ما جرى , بيد أنهم اتفقوا أخيراً على أن الشيء الواضح و المفهوم لديهم أنهم قد خسروا قيمة ذلك الغداء بالإضافة إلى " الشطة "!
أتذكر هذه القصة دائما عندما أجدني و أجد الكثيرين غيري حائرون في تفسير طبيعة علاقة إيران بأمريكا , أو بابنتها المدللة إسرائيل !
فبينما كانت الحرب الكلامية بين البلدين في ذروتها في ثمانينيات القرن الماضي , وبينما كان الخميني و أتباعه يصبون لعناتهم على ما يسمونه ب " الشيطان الأكبر " , كان الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر يعقد اتفاقاً , في باريس مع نائب الرئيس الأمريكي " بوش الأب " وبحضور مندوب الموساد " آري بن ميناشيا " , لتزويد إيران بأنواع متطورة من السلاح الأمريكي , عن طريق إسرائيل , ليستخدمها الجيش الإيراني في حربه ضد العراق و ذلك مقابل مبلغ مقداره 1,217,410 دولار أمريكي .
وبينما كان الرئيس الأمريكي "بوش الابن " يهاجم النظام الإيراني و يتوعده , كانت قواته في العراق تتولي حراسة الرئيس الإيراني منذ وصوله إلى مطار بغداد و حتى مغادرته .
وبينما تهدد السلطات الإيرانية بإغلاق مكتب "قناة العربية" في طهران , و يهاجم عبد الرحمن الرشد " مدير القناة " إيران بمقالات نارية , نجد هذه القناة لا تمل من عرض دعايات الحكومة العراقية " البغدادية الإقامة الطهرانية المولد و النشأة " !

فكيف لنا أن نفهم هذا التناقض بين ما يشاع من حجم العداء الهائل بين تلك البلدان , و بين ما يُفعل و يُمارس على أرض الواقع ؟

زد على ذلك ما يحدث بين فترة و أخرى من تسريبات و كشف عن بعض الوثائق القديمة , و التي توضح حقيقة بعض الأحداث , كما في تلك الوثائق التي أفرج عنها أرشيف الأمن القومي الأمريكي و المتعلقة بفضيحة "إيران-كونترا".
أو ما يحدث من فلتات لسانية لبعض المسئولين , كما قال نائب الرئيس الإيراني للشئون القانونية و البرلمانية في ختام مؤتمر " الخليج و تحديات المستقبل " و الذي عقد بإمارة أبو ظبي بتاريخ 13-1-2004 : ( إن إيران قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربهم ضد أفغانستان و العراق , و إنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول و بغداد بهذه السهولة )
و كما يقول "شارون" في مذكراته : ( لم أر في الشيعة أعداء لإسرائيل على المدى البعيد , عدونا الحقيقي هو المنظمات الإرهابية الفلسطينية ) " مذكرات شارون , ترجمة أنطوان عبيد - ص 576 "
أو ما صرح به وزير الخارجية في حكومة نتنياهو "ديفيد ليفي" حيث قال: (إن إسرائيل لم تقل في يوم من الأيام أن إيران هي العدو) " جريدة هارتس اليهودية 1/6/1997"

و الواقع أني لست هنا في معرض التتبع لمثل هذه الوثائق أو التصريحات , و أظن أن من أراد ذلك فلن يصعب عليه , فهناك عشرات الوثائق و المقالات التي تناولت هذا الجانب (1) , و ما أريد الإشارة إليه هو انه ما زال هناك الكثيرين منا يعتقد بأن إيران هي حاملة راية الجهاد و المقاومة ضد أمريكا و إسرائيل , و المصيبة أن ذلك ليس قاصراً على العوام , بل يتعداه إلى طبقات من المثقفين .
و مع تسليمي بعدم وجود عداء حقيقي بين إيران و أمريكا أو إسرائيل , إلا أني لا أستطيع نفي و جود نقاط خلاف طبيعية بينهما من قبيل خلافات المصالح و حسابات النفوذ و السيطرة , إلا أن الواضح أن تلك الدول قادرة و باحترافية سياسية عالية على تجاوز نقاط الخلاف , أو على الأقل تحييدها و تأجيلها إلى وقت لاحق , و التركيز على القضايا الإستراتيجية المشتركة .

و في ظني , و الله اعلم , أن من مصلحة أمريكا و إسرائيل أن تبدو إيران في موقع المقاومة و العداء المطلق لهما ,و أن تتزعم ما يسمى بمعسكر الممانعة , لأن ذلك يحقق هدفين مزدوجين :
الأول : و هو ما يعبر عنه البعض بالحاجة الوجودية لإسرائيل، فمن المعلوم أن إسرائيل تحب أن تبدو دائما بمظهر الضعيف المحدق به الخطر و المحاط بسياج من الدول المعادية , مما يمكنها من الحصول على مساعدات و أسلحة الدول الغربية الكبرى و بخاصة أمريكا, و قد رأينا كيف تحالف العالم بأسره معها لمنع تهريب السلاح لحماس , و لذلك فهي تستغل تصريحات المسئولين الإيرانيين الذين يتوعدون بإزالتها من على الخارطة لإقناع الرأي العام الغربي بحاجتها للدعم المستمر , و كذلك لجعله يتفهم ما تقوم به من أعمال إرهابية ضد المدنيين في فلسطين أو لبنان .
الثاني : ( و هو ما قد يغفل عن الكثيرين) تلميع المذهب الشيعي الذي تتبناه إيران وتراهن عليه مع تلك القوى في مزاحمة الإسلام السني الغير متسامح مع المشروع الغربي , و يتم ذلك عبر تقديم المذهب الشيعي كمذهب يقوم في الأساس على مبدأ المقاومة و الجهاد للمحتل دون مواربة , و قد لمسنا تأثر البعض منا ( ولا أقصد العوام فقط ) بخطابات نصر الله النارية ضد إسرائيل ! بل وصل الأمر إلى حدوث انقلاب من بعض الإسلاميين ضد مشايخهم, كل ذلك دفاعاً عن إيران (المقاومة) ! كما في أزمة الشيخ القرضاوي مع الصحافة الإيرانية , و من شأن هذا الهدف في حال تحققه إحداث نوع من التوازن المذهبي في المنطقة , و هذا يعد بلا شك هدفاً مشتركاً لكل الأطراف .
و لا تزال الوقائع تؤكد لنا أن العداء الإيراني لأمريكا و إسرائيل يبقى في أكثره مجرد تصريحات و تهديدات فارغة لا يسندها تحرك حقيقي , عدا ما يكون من تحركات تكتيكية , و اعني بالتحديد مواجهات حزب الله مع إسرائيل , و التي ثبت أنها مواجهات تكتيكية مقننة و مرتبطة بالحسابات الإيرانية فحسب , و ليس الهدف من ورائها نصر للأمة , و إلا فما تفسير تفرج حزب الله على ما حدث في غزة , بل و المسارعة في نفي تورطه في عمليات إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان؟ , ولذلك فهناك من المتابعين من يرى بأن حزب الله أريد له أن يوجد في جنوب لبنان كبديل للميلشيات النصرانية التي فشلت في الحد من نشاط الفصائل الفلسطينية في لبنان , ذاك أنه يرفض التحالف مع تلك الفصائل , بل و لا يسمح لها بالوصول إلى نقاط التماس مع العدو.

و أما ما نشاهده من احتفاء إيران بقيادات حماس و فتح أذرعتها لقادة الجهاد في فلسطين , فلا يعدو كونه مناورات و تقية سياسية , أحسب أن الإخوة في حماس أذكى من أن تنطلي عليهم , فإيران لا تعطي شيئاً لوجه الله , و من قتل الفلسطينيين و شردهم في العراق و ألجأهم إلى ترك بيوتهم و العيش في العراء, لا يمكن أن يرحمهم في فلسطين , و لو كانت إيران صادقة في دعمها لحماس لأنفذت و عدها الذي قطعته إبان فوز حماس بالانتخابات , و المتمثل في إعطاءها مبلغ خمسين مليون دولار!
و يبقى أن الذي أعطى الفرصة كاملة لإيران للمتاجرة بالقضية الفلسطينية وتزعم الساحة الإسلامية , هو الموقف العربي السلبي تجاه المقاومة و تراجع الدور الريادي لبعض الدول العربية .

و بمناسبة ذكرى الثورة الخمينية أسألك أيها القارئ الكريم :
كم عدد الحروب التي اندلعت بين إيران و أمريكا أو إسرائيل منذ انطلاقة الثورة حتى الآن؟
دع هذا السؤال و أجبني : هل حدث أن ضُربت مواقع إستراتيجية إيرانية على غرار ما حدث للمفاعل العراقي؟

الواقع يشهد أن أمريكا إنما خاضت الحروب ضد أعداء إيران التاريخيين , أفغانستان التي مازالت مشاعر الغضب الطائفي والعنصري الإيراني تتأجج ضدها , بسبب عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائين (1722-1729م) بقيادة "المير محمود" , و العراق الذي تصدى للزحف الصفوي الجديد بقيادة الخميني , بينما بقيت إيران في مأمن بفضل قدرتها على الاستفادة من نقاط الالتقاء بين مشروعها التوسعي و المشروع الغربي, في ظل غياب شبه كامل لمشروع عربي إسلامي .
أما ما يربط إيران بإسرائيل تحديداً , فهناك من يرى أنه أبعد من تاريخ تأسيس الدولتين , إذ لا يزال اليهود يشعرون بالمنة التاريخية للفرس , وذلك بسبب تخليص القائد الفارسي " قورش الكبير " لليهود من السبي البابلي , و قد وُجدت منظمات شبابية يهودية تعيش في طهران تحت اسم"قورش الكبير" !
و يمكن اعتبار مرحلة حكم الشاة بأنها الفترة التي شهدت أكبر وضوح لطبيعة العلاقة بين إيران و إسرائيل , قبل انطلاق " التقية " أو الثورة الخمينية التي لم تغير في حقيقة العلاقة الشيء الكثير , و الغريب أن يكون اليهود الفرس هم الأكثـر سفكاً لدماء الفلسطينيين من غيرهم , فنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية "شاؤول موفاز" صاحب الخطة العسكرية لمواجهة الانتفاضة و التي كانت نتيجتها مجزرة نابلس وجنين هو فارسي من مواليد طهران عام 1948، و قد هاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1957, و "دان حالوتس" رئيس القوات الجوية الإسرائيلية السابق و الملقب ب"جنرال الاغتيالات" , و الذي كانت أبشع مجازره في يوليو 2002 حينما أعطى أوامر بقصف مبنى سكني لاغتيال أحد قادة حركة حماس واستشهد في تلك المجزرة 14 مدنيا بينهم 9 أطفال , ينتمي هو الآخر لعائلة يهودية مهاجرة من "هاجور" الإيرانية .
و ختاماً , فإن من الواجب علينا كعرب و مسلمين أن نفهم أننا مستهدفون , و أننا واقعون بين مطرقة و سندان مشروعين خطيرين لا يقل أحدهما خطورة عن الآخر, و أن علينا كذلك أن نفهم أنه لا يوجد عداء حقيقي بين أطراف تلك المشاريع, بل لا يوجد ما يبرر ذلك العداء أصلاً , و أقصى ما يمكن أن يكون هو وجود خلاف مصلحي أو تنافس على مناطق النفوذ , و هذا النوع من الخلاف يمكن أن تحله الصفقات السياسية , بعكس الخلاف ( الأيدلوجي ) الذي لا يمكن للصفقات السياسية إنهاءه , وهذا ينسحب على خلافات التيارات المنبثقة عن هذين المشروعين و الموجودة في عالمنا العربي و بخاصة في دول الخليج , و لذلك فمن السهولة عليك ملاحظة التعاون و التنسيق بين التيارات التغريبية و الطائفية في تلك البلدان ضد التيارات السنية وبخاصة السلفي , و يبقى الأمل في عودة مشروعنا العربي الإسلامي الحضاري مصدر قوتنا و سر مدافعتنا لتلك المشاريع المعادية.

----------------------------
1) انظر على سبيل المثال : " قصة التعاون الإيراني الإسرائيلي " لعز الدين بن حسين القوطالي