منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By محمد الشكره 3
#41646
يقف المراقبون السياسيّون حائرون ومنقسمون في قراءتهم للتحرك السياسي والدبلوماسي السعودي الأخير، والذي تمّيز بكثافة لافتة على محاور العراق، لبنان، فلسطين وسوريا...بعضهم رأى فيه تحركاً استباقياً للتحرك الإيراني الكثيف أيضاً وعلى جميع هذه المحاور، وطريقاً التفافياً حول طهران، وليس إليها...وبعضهم الآخر نظر إلى هذا التحرك بوصفه مؤشراً على مقاربة سعودية انفتاحية، باتجاه إيران وأصدقائها، في غير ملف وعلى أكثر من ساحة و"خط تماس".

في لبنان على سبيل المثال، تنشط الاتصالات السعودية - الإيرانية على مستوى السفرين، ومعها وبينهما السفير السوري، فالجميع يقرأون من كتاب واحد، كما قال السفير السعودي في بيروت، رداً على أسئلة صحفية دارت حول "سر" الزيارات المتبادلة غير المسبوقة للسفيرين، واستجابتهما لدعوة السفير السوري على مائدة غداء واحدة، وكل ذلك بعد المكالمة الهاتفية مع العاهل السعودي، التي استبق بها الرئيس أحمدي نجاد زيارته المثيرة للجدل للبنان.

غير بعيد عن لبنان، ما زالت العلاقات السعودية - السورية في طورها الإيجابي وفقا لبثينة شعبان، وهي تنعكس بآثار إيجابية كذلك على لبنان، والموفد الملكي لدمشق وبيروت الأمير عبد العزيز بن عبد الله، ما زال مولجاً بملف العلاقات بين دمشق والرياض، وهذا الموفد المكلف على ما يبدو، بملفات سوريا ولبنان وفلسطين، وإن لم يكن قد حقق اختراقاً على أي من الملفات العالقة، إلا أنه نجح على أقل تقدير في الحيلولة دون انفجار أي من هذا الملفات في وجه الأطراف المحلية واللاعبين الإقليميين والدوليين على هذه الساحات، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير.

أما في العراق، التي يبدو أن ملفها ما زال في يد الخارجية السعودية، فإن المقاربة هناك، تأخذ منحى صدامياً، فالمبادرة السعودية الأخير لجمع الأطراف العراقية حول "مائدة رحمانية" واحدة، في مكة المكرمة على هامش موسم الحج، الذي سيكون سياسياً بامتياز هذا العام، لا يبدو أنها نُسّقت بإحكام مع اللاعبين الإقليميين (إيران)، بل وحتى مع اللاعبين العراقيين الأساسيين (شيعة وأكراد على وجه الخصوص)، بدلالة هذا الرفض "الشيعي العام" للمبادرة، وهذا التحفظ الكردي الواضح عليها، ناهيك عن القلق الإيراني والصمت السوري حيالها.

الذين قرأوا بمتعن نص المبادرة السعودية الجديدة، واستشفوا روحها من بين سطورها القليلة، لاحظوا بلا شك، أنها موجّهة ضد "نفوذ إيران المتزايد" في العراق، وبالأخص ضد نوري المالكي وائتلاف دولة القانون، أولا بسبب تشديدها على "مظلة الجامعة العربية وحدها"، وبصورة يفهم منها إقصاء إيران، وثانياً، بسبب توقيتها المتأخر والمثير للالتباس، إذ جاءت في الوقت الذي يكاد المالكي أن يقطف فيه، ولاية حكومية جديدة، ما جعل هذا الفريق (المالكي/ إيران) ينظر للحراك السعودي على أنه خطوة استباقية، هدفها الحيلولة دون تشكيله حكومة عراقية جديدة، أو وفقا لتعابير أصدقاء السعودية في المنطقة: حكومة إيرانية في بغداد ؟!.

والأرجح أن المبادرة السعودية، ستواجه صعوبات فائقة في قادمات الأيام، فإذا كان من غير المرغوب فيه بالنسبة لعرب الاعتدال رؤية المالكي على رأس حكومة جديدة في العراق، فإنه من غير المحتمل أيضا، أن تتشكل حكومة عراقية من غير المالكي وائتلافه، وهؤلاء لن يسمحوا بحال من الأحوال، بتبديد "الفرصة" التي كادوا يمسكون بها لولا تدخل "ربع الساعة الأخير" من قبل الرياض.

والحقيقة أن كثير من المراقبين، يردون "المرونة" السعودية حيال سوريا ولبنان، و"التشدد" السعودي في العراق، لسببين اثنين: الأول، أن ملف لبنان وسوريا لم يعد في يد وزارة الخارجية، بعد أن تحوّل منذ قمة الكويت العربية إلى "عهدة الديوان الملكي"، بخلاف الملف العراقي الذي ما زال في يد الخارجية التي عُرف عنها "تشددها حيال طهران ودمشق وحلفائهما...أما السبب الثاني، فيتعلق بتزايد "ثقل" الملف العراقي في الحسابات السعودية الخارجية، وتقدم هذا الملف على الملف اللبناني، وهذا ما اتضح في تصريحات الرئيس الأسد عن قمته في الرياض مع العاهل السعودي، حيث قال بأن العراق احتل مكانة مركزية في محادثات القمة الثنائية، وليس لبنان.

ونضيف إلى هذين العاملين، عاملا ثالثا، ويتعلق برغبة الرياض في الانفتاح على دمشق بهدف إبعادها عن طهران، وهذا رهان يبدو أنه ما زال يراود مخيّلة صنّاع القرار السعودي، برغم الصدمات التي مُني بها هؤلاء، المرة تلو الأخرى، حيث أكدت دمشق، بالقول والفعل، أن علاقتها المتطورة حديثاً مع عرب الاعتدال والغرب، لن تكون أبداً على حساب علاقاتها مع ما يسمى "محور الممانعة".