منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
#41766
تتكرر في خطابات رسمية وغير رسمية عبارة (الانتقال الديمقراطي) منذ عدة سنوات، وقد تختلف أهداف مستعملي هذه العبارة بين الذين يتطلعون فعلا لتحقيق الانتقال، وبين من يستعملونها كزخرف سياسي في الخطاب، وبين من يستعملونها للتمويه.
والانتقال في اللغة من التنقل الذي يعني قطع مسافة بين موقع وآخر من حيث المكان، أو التحول في الزمن من مرحلة إلى أخرى مغايرة في طبيعتها ومواصفاتها، وحينما يقال الانتقال الديمقراطي فإن مفهومه يرتبط بالتحول السياسي المرحلي الذي يعني العبور من مرحلة يُفترض أنها غير ديمقراطية، أو من مرحلة التأسيس للديمقراطية، إلى مرحلة تكتمل فيها مقومات وشروط البناء الديمقراطي.
والانتقال بالمفهوم المنوه عنه يعني حصول تطور هام في النظام السياسي وفي تفاعل المجتمع مع هذا النظام، الأمر الذي لا يتم في أيام معدودة، ولا يتحقق بشكل عفوي وتلقائي، وإنما يتطلب بالإضافة إلى توفر الإرادة السياسية، تهيئ الإطار الدستوري والسياسي الملائم وما يرافق ذلك من تدابير تصحيحية وتعبوية تؤهل مختلف مكونات المجتمع للانخراط في الوضع الجديد.
ولا أحد يستطيع إنكار التطور الذي عرفته الحياة السياسية في المغرب، منذ التسعينات، وخاصة فيما يتعلق بالتوسع النسبي لفضاء الحريات، وتعدد منابر الرأي، واقتحام العديد من المواضيع التي كانت تعد من قبيل الطابوهات، والتغير الملحوظ في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان بصفة عامة، ولو أن هذا التطور رافقته عدة عاهات وشوائب تحد من أهميته، وتقلل من قيمته النوعية، كالتعددية الحزبية المفرطة والمائعة، وتهافت الأحزاب السياسية على الحصيلة العددية للمقاعد في المؤسسات ولو بشخصيات ينحصر تأثيرها ونفوذها فيما تمتلكه من أموال بمعزل عن أي رؤية سياسية مستقبلية واضحة، وبعيدا عن التشبع بأي قيم تكون بمثابة اللحمة الرابطة بين ذوي نفس الانتماء الحزبي؛ فضلا عما يلاحظ من تضايق وتبرم المسؤولين من النقد ومن الرأي المخالف وجر عدد من الصحافيين للمحاكمات.

ومع استمرار نفس الإطار الدستوري الذي ساد خلال العقدين الأخيرين، وتَرَسُّخ عدد من الظواهر السلبية التي طبعت المناخ السياسي في هذه المرحلة الزمنية، فإنه لا يمكن القول بأن الطريق أصبحت سالكة للانتقال إلى الديمقراطية، ذلك أنه بقطع النظر عن العاهات التي أصيب بها المشهد السياسي المغربي، فإنه لا يكفي حصول تطور إيجابي في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتخلي عن الأساليب القديمة في تدبير الانتخابات لتحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود، حيث يجب التمييز بين لحمة الديمقراطية وجوهرها كنظام سياسي للدولة يخول للشعب حق تدبير شؤونه بنفسه، وبين بعض العناصر المكملة للبناء الديمقراطي.
إن جوهر الديمقراطية ومقومها الأساسي الذي تتحقق بوجوده، ولا تقوم لها قائمة في غيابه، هو أن تكون إرادة الشعب مناط سلطة الحكم كما تنص على ذلك المادة 21 من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، أي أن تكون المؤسسات المنبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة (من برلمان وحكومة) هي صاحبة السلطة الفعلية في التوجيه والتشريع والتقرير والتنفيذ، وتخضع للمساءلة والمحاسبة عن تدبيرها لمختلف مجالات الشأن العام، وهذا أمر غير متاح في ظل الدستور المراجع سنة 1996، ويتأكد ذلك من خلال الممارسة، أما الحريات العامة والتعددية الحزبية والانتخابات الدورية وغيرها فهي من العناصر المكملة للأسلوب الديمقراطي في تدبير شؤون الدولة، ومن شروط صحته وترجمته إلى واقع في الحياة السياسية، وبالتالي فإنه عندما تتوفر هذه العناصر ويتم إحاطتها بكل ضمانات الممارسة السليمة فلا يعني ذلك أن الديمقراطية قد تحققت مع غياب مقومها الأساسي الذي تتبلور من خلاله سلطة الشعب.