شحاذ أرقام
مرسل: الاثنين ديسمبر 12, 2011 7:00 pm
شحاذ أرقام
خلف الحربي
كيف حالكم؟.. أشتقت لكم.. أفضل شيء حدث لي خلال الإجازة أنني فقدت جوالي وليس لدي أي نسخة من الأرقام المحفوظة فيه، فقدت الذاكرة تماما وأصبحت (شحاذ أرقام)!.. كلما أردت رقم شخص ما أتصلت بشخص آخر يعرفه.. ولله يا محسنين، أكتشفت أن الأرقام العارية حين تظهر على شاشة الجوال دون أسماء لا تحمل أي معنى أو قيمة إنسانية، بل إنها لا تشبه أصحابها أبدا فكم من رقم لطيف تحمست للرد عليه فكان وراءه شخص ثقيل الدم والعكس صحيح، كان الفرق كبيرا بين هذه الأرقام وأسماء أصحابها فالأسماء تخفي وراءها الذكريات والمواقف والتجارب واللحظات التي لا تتكرر، لذلك أفكر بتغيير مسماي الوظيفي من (شحاذ أرقام) إلى (شحاذ أسماء).. وأرجو ألا تضع وزارة العمل شروطا صعبة لتغيير المسمى إذا كانت حريصة على سعودة (الطرارة)!.
طوال فترة الإجازة حاولت ألا أقرأ الصحف، بل إنني كلما رأيت صحيفة حتى لو كانت أجنبية تذكرت العاملين فيها وقلت: (مساكين ما عندهم إجازة يطامرون من مصيبة إلى مصيبة)، ولكن الحوادث المؤسفة شبه المتزامنة لحريق مدرسة براعم الوطن في جدة والحادثين المروعين في حائل وجازان دفعتني للبحث عن الصحف في الإنترنت، فوجدت نفسي مرة أخرى أمام الأرقام، أعداد القتيلات والمصابات في كل حادثة كانت هي العنوان الأبرز؛ قتيلتان في جدة، 12 قتيلة في حائل وثلاث في جيزان هذا غير أرقام المصابات، كانت الأرقام تأخذهم بالمجموع اختصارا للخبر المفجع، ولكن الحكايات الحقيقية تختبئ خلف أسماء الضحايا، فخلف كل اسم امرأة بريئة وحكاية إنسانية عظيمة وأسرة وأحلام صغيرة وقصة كفاح من المهد إلى اللحد.
واليوم أكثر ما يحزنني أنني بعد شهرين أو ثلاثة سوف أنجح في معرفة كل الأرقام التي تردني فأضع لها أسماء في ذاكرة الجوال، بينما أرقام الضحايا من النساء لن تترجم إلى أسماء في ذاكرة الوطن، حتى الشهيدتان ريم النهاري وغدير كتوعة (رحمهما الله) لا يمكن أن تفاجئنا وزارة التربية والتعليم بتسمية مدرستين باسميهما لأن الوزارة تتعامل مع النساء باعتبارهن أرقاما فهي تفضل أن تسمي أي مدرسة بنات جديدة (المتوسطة الخامسة والثلاثون) على أن تسميها باسم مدرسة بطلة ضحت بحياتها من أجل إنقاذ طالباتها!.
ولأنني في إجازة ولدي الكثير من وقت الفراغ فكرت في كتابة رسالة إلى نائبة الوزير نورة الفايز، بأن تتخذ مبادرة وتسجل إنجازا مهما لها ولنساء الوطن اللواتي ينتظرن منها الكثير منذ لحظة تعيينها، مبادرة صغيرة جدا.. وهي أن تستبدل الأرقام البشعة التي ترتفع فوق مدارس البنات بأسماء نساء خدمن الوطن والأمة.. خمنت بأن معاليها يمكن أن تعتبر هذه الخطوة لا شيء بالنسبة للإنجازات الفسفورية التي تحققها وزارتها يوما بعد يوم، ولكن هذا اللا شيء هو كل شيء، فنحن للأسف الشديد لازلنا نحتاج اعترافا علنيا بأن النساء بشر مثلنا ولسن أرقاما، إذا لم تتخذ نورة الفايز هذه المبادرة الصغيرة فسوف تكتشف الحقيقية المرة حين تخرج من المنصب، فكونها واحدة من رائدات التعليم، بل أول وزيرة سعودية لن يكون سببا كافيا لتسمية مدرسة باسمها، بل سوف يستعاض عن ذلك بـ (الابتدائية الخامسة والتسعون للبنات)!.
خلف الحربي
كيف حالكم؟.. أشتقت لكم.. أفضل شيء حدث لي خلال الإجازة أنني فقدت جوالي وليس لدي أي نسخة من الأرقام المحفوظة فيه، فقدت الذاكرة تماما وأصبحت (شحاذ أرقام)!.. كلما أردت رقم شخص ما أتصلت بشخص آخر يعرفه.. ولله يا محسنين، أكتشفت أن الأرقام العارية حين تظهر على شاشة الجوال دون أسماء لا تحمل أي معنى أو قيمة إنسانية، بل إنها لا تشبه أصحابها أبدا فكم من رقم لطيف تحمست للرد عليه فكان وراءه شخص ثقيل الدم والعكس صحيح، كان الفرق كبيرا بين هذه الأرقام وأسماء أصحابها فالأسماء تخفي وراءها الذكريات والمواقف والتجارب واللحظات التي لا تتكرر، لذلك أفكر بتغيير مسماي الوظيفي من (شحاذ أرقام) إلى (شحاذ أسماء).. وأرجو ألا تضع وزارة العمل شروطا صعبة لتغيير المسمى إذا كانت حريصة على سعودة (الطرارة)!.
طوال فترة الإجازة حاولت ألا أقرأ الصحف، بل إنني كلما رأيت صحيفة حتى لو كانت أجنبية تذكرت العاملين فيها وقلت: (مساكين ما عندهم إجازة يطامرون من مصيبة إلى مصيبة)، ولكن الحوادث المؤسفة شبه المتزامنة لحريق مدرسة براعم الوطن في جدة والحادثين المروعين في حائل وجازان دفعتني للبحث عن الصحف في الإنترنت، فوجدت نفسي مرة أخرى أمام الأرقام، أعداد القتيلات والمصابات في كل حادثة كانت هي العنوان الأبرز؛ قتيلتان في جدة، 12 قتيلة في حائل وثلاث في جيزان هذا غير أرقام المصابات، كانت الأرقام تأخذهم بالمجموع اختصارا للخبر المفجع، ولكن الحكايات الحقيقية تختبئ خلف أسماء الضحايا، فخلف كل اسم امرأة بريئة وحكاية إنسانية عظيمة وأسرة وأحلام صغيرة وقصة كفاح من المهد إلى اللحد.
واليوم أكثر ما يحزنني أنني بعد شهرين أو ثلاثة سوف أنجح في معرفة كل الأرقام التي تردني فأضع لها أسماء في ذاكرة الجوال، بينما أرقام الضحايا من النساء لن تترجم إلى أسماء في ذاكرة الوطن، حتى الشهيدتان ريم النهاري وغدير كتوعة (رحمهما الله) لا يمكن أن تفاجئنا وزارة التربية والتعليم بتسمية مدرستين باسميهما لأن الوزارة تتعامل مع النساء باعتبارهن أرقاما فهي تفضل أن تسمي أي مدرسة بنات جديدة (المتوسطة الخامسة والثلاثون) على أن تسميها باسم مدرسة بطلة ضحت بحياتها من أجل إنقاذ طالباتها!.
ولأنني في إجازة ولدي الكثير من وقت الفراغ فكرت في كتابة رسالة إلى نائبة الوزير نورة الفايز، بأن تتخذ مبادرة وتسجل إنجازا مهما لها ولنساء الوطن اللواتي ينتظرن منها الكثير منذ لحظة تعيينها، مبادرة صغيرة جدا.. وهي أن تستبدل الأرقام البشعة التي ترتفع فوق مدارس البنات بأسماء نساء خدمن الوطن والأمة.. خمنت بأن معاليها يمكن أن تعتبر هذه الخطوة لا شيء بالنسبة للإنجازات الفسفورية التي تحققها وزارتها يوما بعد يوم، ولكن هذا اللا شيء هو كل شيء، فنحن للأسف الشديد لازلنا نحتاج اعترافا علنيا بأن النساء بشر مثلنا ولسن أرقاما، إذا لم تتخذ نورة الفايز هذه المبادرة الصغيرة فسوف تكتشف الحقيقية المرة حين تخرج من المنصب، فكونها واحدة من رائدات التعليم، بل أول وزيرة سعودية لن يكون سببا كافيا لتسمية مدرسة باسمها، بل سوف يستعاض عن ذلك بـ (الابتدائية الخامسة والتسعون للبنات)!.