صفحة 1 من 1

اللوبي العربي وتأثيره على سياسة أمريكا الخارجية

مرسل: الاثنين ديسمبر 12, 2011 10:29 pm
بواسطة عبدالعزيز العسكر 5

بسم الله الرحمن الرحيم

اللوبي العربي وتأثيره على سياسة أمريكا الخارجية

ابتدأت علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالعرب منذ أمد طويل بالتحديد منذ الحرب العالمية الثانية عندما عارضت الحكومة الأمريكية آنذاك التي كان يترأسها الرئيس الامريكي السابق فرانكلين روزفلت منذ عام 1933-1945 أيّ لجوء سياسي لليهود النازحين من أوروبا ومن الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر حيث كانت تلك الفترة تشهد تطهيرا عرقيا لكثير من الأقليات في أوروبا وعلى وجه التحديد اليهود.
ففي أوج الحرب العالمية الثانية عام 1939 وصلت إلى الولايات المتحدة سفينة تحمل أكثر من 900 يهودي فرّوا من قمع أوروبا والاضطهاد ، لكن وزير خارجية الولايات المتحده آنذاك كوردل هول والذي كان أحد مؤسسي الأمم المتحدة الرئيسيين ، نصح الرئيس روزفلت برفض منح اللجوء لليهود القادمين من أوروبا، وبناءً على ذلك تم تحويل السفينة تلك، إلى خارج الولايات المتحدة، ولاحقاَ تم منح اللجوء لليهود في بريطانيا.

لم يصل الأمر إلى هذا الحد، بل كان كوردل هول من معارضي الهجرة اليهودية إلى فلسطين فكانت تصريحاته آنذاك معادية لأي معاملة أمريكية تفضيلية لليهود ، وكذلك فعل بريكنريج لونغ الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في إيطاليا والـذي عينه الرئيس روزفلت ليشرف على اللاجئين للولايات المتحدة الذين فروا من ويلات الحرب العالمية الثانية، حيث قال لونغ حينها ان اليهود يجب ألا يعاملوا بشكل مختلف عن باقي الجماعات? كذلك أضاف لونغ أن التطهير العرقي أو أن تهميش هتلر لهم ليس مبرراً أن تتم معاملتهم معاملة خاصة، وليس من الواجب أن تعاملهم الولايات المتحدة كذلك.

ولم يصل الأمر إلى هذا الحد ، بل إن وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك منعت إرسال مساعدات من الصليب الأحمر الأمريكي إلى فلسطين واليهود الذين كانوا هناك ،لأن ذلك سوف يجعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها تعامل اليهود معاملة خاصة، وهذا مالم تكن تريده حكومة الولايات المتحدة آنذاك.وبالطبع لم يبق الأمر على هذا الحال فتغير الحال بتغير الرئيس الأمريكي اللاحق وودرو ويلسون ، وكذلك فقد أثر على سياسة أمريكا الخارجية أعداد الأمريكيين اليهود داخل وخارج الولايات المتحدة الذين أثروا تأثيراً جلياً على السياسة الخارجية الامريكية ، حيال الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

في هذا الشأن قرأت كتابا يتحدث عن تأثير اللوبي العربي في السياسة الأمريكية الخارجية هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "اللوبي العربي-التحالف غير المرئي الذي يقوّض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط". للكاتب ميتشل بارد Mitchell Bard ويعتبر بارد من أشهر الكتاب الأمريكيين المدافعين والمنحازين للصف اليميني في الحكومة الأمريكية المنحاز بدوره إلى إسرائيل والصهيونية على وجه التحديد ، الكاتب أيضاً يعتبر خبيرا في الشأن الأمريكي العربي ، ومحللاً وكاتباً كما أنه الرئيس التنفيذي للمنظمة غير الربحية التي تعنى بالشؤون الأمريكية - الإسرائيلية وكان يرأس تحرير صحيفة لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC

لعل سبب اختياري لقراءة هذا الكتاب هو وجهة نظر الكاتب المثيرة للجدل على الأقل لدى البعض ، فالكاتب يمحو أي وجود لتأثير يهودي- صهيوني داخل الولايات المتحدة لكنه في الوقت ذاته يشير إلى اللوبي العربي المتمثل بالمملكة العربية السعودية والنفط وكما هو معلوم فإن العلاقات الأمريكية السعودية ممتدة لأكثر من 80 عاما ، فما يحدث اليوم ليس وليد اللحظة ، فالكاتب من وجهة نظره بسبب " النفط العربي السعودي على وجه التحديد تغيرت بعض السياسات الأمريكية وبقي البعض الآخر على حاله ، فيصف الكتاب الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود الذي حكم المملكة العربية السعودية من عام 1902 حتى وفاته عام 1969 بين الكاتب أن الملك كان يعارض سياسة الولايات المتحدة إزاء القضية الفلسطينية ، تلك السياسة نفسها التي أكد الملك سعود للرئيس الأمريكي حينها هاري ترومان أنه بالرغم من اختلاف وجهات النظر الأمريكية -السعودية إلا أن العلاقة الاقتصادية المتعلقة بالبترول لن تتأثر ، وعلق على هذا الأمر كلارك كليفورد الذي كان مستشارا للرئيس الأمريكي حينذاك بقوله " إن الدول العربية بحاجة إلى عائدات النفط أو سوف يُفلسون، وحاجتهم للولايات المتحدة أكثر بكثير من حاجتنا لهم " أي ما يقصده الكاتب أن العرب بحاجة إلى التمويل الأمريكي والمساعدة العسكرية لهم.

كذلك يقول الكاتب إنّ كلَّ من ينتقد إسرائيلَ أو يعاديها يعدُّ من اللوبي العربيّ حتّى وإن كان أمريكيّاً وهذا ما تحدّث أيضاً عنه في كتابه الذي أطلق عليه (Arabists) أو (المستعربون) ، وعرفّهم الكاتب على أنّهم أمريكيّون من الحكومة الأمريكيّة أجادوا اللغة العربيّة وعاشوا في الشّرق الأوسط وتطبّعوا بالطبائع العربيّة وهم بالتالي متعاطفون مع العرب ضدّ إسرائيل ، كذلك فهم لهم تأثيرٌ على السّياسة الخارجيّة الأمريكيّة.
كان تأثير اللوبي العربيّ المتمثّل بالنّفط جليّاً في السبعينيّات بالتحديد عام 1973عندما سلَّحت الولايات المتّحدة إسرائيلَ ضد مصر إبان حرب قناة السويس ، التي تُدعى بالعبرية (Yom Kippur).

فقد قررت الدول العربيّة حظر تصدير النّفط إلى الولايات المتّحدة بغرض أن تعدل أمريكا عن سياساتها تجاه الشّرق الأوسط ، واستمرّ هذا الحظر ما يقارب خمسة أشهر، ارتفع فيه سعر النّفط إلى أكثر من 70% ما أثّر بالتالي على السّياسة الأمريكيّة وموقفها تجاه قناة السويس وهضبة الجولان ولكن لم يكن هذا التأثير ذا مفعولٍ قويٍّ.

هنا نتساءل ،هل يملك العرب اليوم فعلاً جماعات ضغط أو قوى سياسيّة ومدنيّة تؤثر في السّياسات الخارجيّة الأمريكيّة - الشّرق أوسطيّة سواء في حالات السلم أو الحرب ؟ بالرغم من أن جامعة الدول العربية تشكل "لوبياً عربياً" ولكن هذا اللوبي العربيّ يكاد يتفكّك في كلّ دورة تعقدها جامعة الدول العربيّة ، والسّبب ؟

الخلافات العربيّة - العربيّة التي يشير إليها كثير من المفكِّرين اليهود والأمريكيّين والمتخصّصين في الشرق الأوسط ، فتلك الخلافات تهدّد وحدة الصّف العربيّ ، الذي بات مفكّكاً ، بسبب تلك الخلافات بين الدّولة والأخرى والتي تجعل بعض رؤساء الدّول العربيّة لا يفكّرون إلا في مصلحتهم حتّى وإن كانت تلك المصلحة هي خيانة مع العدوِّ سواء في الخفاء أو أمام الشّعوب والدّول الأخرى.

اليوم لم تعد لغة السّلاح تجدي نفعاً إلا عند البعض ممن يعتقدون أنّ الحرب هي الحلُّ ، تلك الطّريقة البربريّة في السّياسة الخارجيّة لم تعد حلاًّ اليوم ، فاليوم النفط هو أقوى سلاح ، والقوة الاقتصاديّة هي من تحدد قيام دولة ما أو سقوطها و تجدي نفعاً أكثر من قتل المدنيّين وعمليّات التفجير وغيرها.

لكن اللوبي العربيّ مجرد اسم ، فهو تنّين من ورق ، طالما أن الفساد في الدّول العربيّة لايزال قائماً، وطالما أنّ الخلافات العربيّة لاتزال تصدّع الصّفّ العربيّ-العربيّ ، ناهيك عن عدم استقلاليّة كثير من الدّول العربيّة سواء اقتصاديّاً أو سياسيّاً ، فهي لاتزال تعتمد على دول أخرى (صديقة) وقد تنقلب إذا اختلفت المصالح إلى (عدوّ) ،أيضاً سبب آخر لضعف اللوبي العربيّ هو التّقييد الإعلاميّ وانعدام حريّة التّعبير ومصادرة الآراء في كثير من الدّول ، فكم سجين رأي يوجد في الدّول العربيّة وماعدد القنوات الإعلامية المتعددة الآراء التي لا تتخذ منهجاً واحداً ومعيناً أو يفرض عليها أن تكون كذلك ، أيضاً ما مدى تأثير تلك القنوات الإعلامية على الرأي العام والسياسة الخارجيّة للدّول العربيّة ?

فعندما يكون هنالك 22 دولة عربيّة لا تستطيع تحريك ساكن في المجتمع الدوليّ ،إذاً هنالك خلل ما يجب إصلاحه وإلا فإن الأوضاع قد تصير من سيئ إلى أسوأ ، والتاريخ والحروب التي شهدتها المنطقة شاهدة على ذلك، فهل يأتي اليوم الذي يكون للدّول العربيّة فيه ضغط ولوبي يؤثر على سياسات أمريكا الخارجيّة؟.