صفحة 1 من 1

الإعداد لمشهد مالي مختلف

مرسل: الثلاثاء ديسمبر 13, 2011 3:07 am
بواسطة محمد الغفيلي 3
محمد العريان

مع استمرار الأزمة الأوروبية التي تسيطر على الأخبار العالمية، يشعر كثير من الناس أن الاقتصاد العالمي يواجه توقعات مريبة وغير متوقعة . بالطبع، فإن الاضطرابات الأوروبية هي مجرد واحدة من إعادة الائتلافات التي تجري هذه الايام . كما أن هناك بدرجة ملاحظة أقل، أن بعض القطاعات بعينها قد تغيرت بالفعل بشكل متوال ودائم .

وهذه التوقعات صحيحة خاصة بالنسبة للتمويل العالمي، حيث ازداد معدل التقلبات في الأسواق وتبخرت السيولة النقدية، وأصبح دور الحكومة أكثر وضوحاً ولكن بشكل غير متناسق . فقد تغير أداء قطاع أسواق التمويل العالمي .

ومن الملاحظ تفوق التقلبات الأخيرة في الأسواق المالية، سواء كانت تقلبات مؤثرة في الأسهم حول العالم أو في تجزئة السندات السيادية الأوروبية، ما تبرره إعادة الائتلافات العالمية الجارية . ونحن نشهد أيضاً أثر التحول في التبعية الكامنة وراء ظروف السيولة النقدية - أو النفط الذي يقوم بتسهيل تدفق الائتمان والقدرة المتعلقة بها من المدخرين والمقترضين للعثور على بعضهم البعض والتفاعل معاً بكفاءة وفعالية .

ويبدو أن البنوك تحد من كمية رأس المال الذي خصصته لصناعة السوق، وذلك لمواجهة مجموعة من الضغوط الداخلية والخارجية . والجمع بين هذا التحديد مع الميل الطبيعي للكثير من المشاركين في السوق على التراجع إلى هوامش استثمارية أو ربحية عند زيادة التقلبات وعدم الثقة في السوق، سوف تحصل على مزيج مدمر من ارتفاع تكلفة المعاملات وخفض أحجام التداول والتحركات المفاجئة التي لا يمكن التنبؤ بها في التقييمات .

نشهد أيضاً فقدان الثقة في الأدوات الاستثمارية التي يتعامل بها المشاركون في السوق، من الشركات الكبرى إلى المستثمرين من المؤسسات والأفراد، حيث يضطرون إلى اللجوء لإدارة ميزانياتهم العمومية . كما يجبر انخفاض القدرة على التحوط الحالي والتعرضات والمستقبلية البعض على الانتقال من استخدام الأسواق لإدارة تعرضات أو كشوفات “الدخل الصافي” للحد من التعرض لتفسيرات مالية إجمالية .

وفي نفس الوقت شرعت البنوك الغربية، سواء فضلت ذلك أم لا (ومعظمها لاتفضل)، في رحلة “نموذج المنفعة” بعيداً عن ما أسماه البعض “كازينو المعاملات المصرفية” أو ما يطلق عليه البعض الآخر “نموذج المنفعة” . كما تتعرض البنوك سواء في أمريكا أو في أوروبا لضغوط هائلة من القطاعين العام والخاص لتصبح أقل تعقيداً وتأثيراً ومخاطرة وأكثر مللاً .

من خلال حجب الائتمان الجديد، يجبر الدائنون من القطاع الخاص بعض البنوك على التقليل من الاعتماد على الذات المالية وهي العملية التي يتم تضخيمها بسبب الانخفاض الحاد في أسهم البنوك والتآكل المساند في احتياطي رأس المال . وفي نفس الوقت، فإن هيمنة البنوك العالمية التقليدية تحت ضغوط تنافسية متزايدة من المنافسين الآخرين المتواجدين في مقرات صحية في الاقتصادات الناشئة .

ونتيجة لكل هذا يأتي انكماش شامل في الميزانية العمومية للنظام المصرفي الغربي . ويقود هذا الانكماش أوروبا حيث أن بعض المؤسسات (على سبيل المثال، في اليونان) تشهد أيضاً تدفقات ودائع معتبرة .


بعد كارثة الأزمة المالية العالمية عام 2008 - ،2009 ترغب الحكومات أيضاً من بنوكها أن تكون تدير رأس مالها بشكل افضل وأكثر انضباطاً . وبينما كان التنفيذ بعيداً عن الاستمرار وأقل من الفعالية الكاملة، فإن القصد واضح وهو: الكثير من القيود وتطبيق أفضل لمنع أي تكرار لتجربة الغرب المتوحش من القوة المفرطة، وممارسات الإقراض السيئة، وانتهاج سياسات تعويض غير مناسبة .

كما كان تأثير البنوك المركزية والحكومات محسوساً في طرق أخرى تؤثر على أداء وكفاءة الأسواق . بعض من تلك الآثار واضحة إلى حد كبير ويمكن التعرف عليها في حين أن آثاراً أخرى، بحكم طبيعتها، لم يسبق لها مثيل، وبالتالي أقل قابلية للتنبؤ بها .

ولمدة ثلاث سنوات حتى الآن، تنتهج البنوك المركزية مجموعة من “سياسات غير تقليدية”، وخصوصاً في أمريكا وأوروبا بهدف تقليل احتمال حدوث ركود طويل واختلالات مالية حادة .

ومن خلال القيام بذلك، ذهبت المصارف المركزية إلى أبعد من أدوارها الرقابية والاحترازية . فقد أصبحوا مشاركين فعالين ومهمين ومباشرين في الأسواق، يستخدمون في الأساس مطابعهم الخاصة لشراء الأوراق المالية الانتقائية، وذلك ليس على أساس من المعايير التجارية المعتادة التي أرساها الأداء الطبيعي للأسواق .

كما تأثر التنبؤ بالسوق بالتآكل في مكانة المخاطر السيادية في العالم الغربي، والسبب هو مشكلة ثنائية عبارة عن وسيلة منخفضة جداً للنمو الاقتصادي وطريقة الكثير من الديون . يعتبر هذا التأثير سبباً في تدهور استقرار النظام المالي العالمي، الآن هناك عدد أقل من الاقتصادات الحقيقية الممتازة “AAA” ترسخ وتؤسس لمركزها .

كل هذا يترجم إلى مشهد مالي مختلف جداً وسيكون التغيير أكثر وضوحاً بالنسبة للبنوك .

حاول أن تبحث وتجد بنوكا غربية تكون أقل تعقيداً وأقل عالمية، وأقل بعض الشيء في الترابط، أقل نظامية . ومع ترنح بعض البنوك إلى الحافة الاقتصادية فإن حكومات أوروبية معينة (مثل اليونان) لن يكون لديها مجال للخيار سوى تأميم جزء من نظامها المالي .

وكذلك، مع تقلص النظام المصرفي الغربي في الحجم والنطاق، يبحث عن أنابيب ائتمان جديدة لتأسيسها حول تلك الأنابيب المتوقفة الآن .

وسيتم توجيه بعض هذه الأنابيب أو تمكين الحكومات، بهدف دعم النمو الاقتصادي والوظائف، لا سيما في الاستثمارات الطويلة الأجل مثل البنية التحتية .

لا شك في أن المشهد المالي يتطور بسرعة . بعض تلك التغيرات مصممة ويتم تنفيذها لأهداف معينة مقصودة . ويجري فرضها من قبل واقع متغير سريع على أرض الواقع .

إن الوجهة النهائية هي قطاع خدمات مالية أصغر حجماً وأكثر أمناً . عندما نصل الى هناك، سيتم التوصل الى توازن أفضل بين المكاسب الخاصة والصالح العام . وسوف تكون البنوك في وضع أفضل لخدمة الاقتصاد الحقيقي من دون تعرضها لمخاطر كارثية وتجاوزات ضارة .

خلال الأشهر القليلة القادمة، سوف يسلط الضوء على مدى قدرة الحكومات، وإلى حد أقل، رجال الأعمال على الانسجام بشكل ملائم داخل هذه العملية . وبقدر اخفاقهم في المهمة، سيكون مقدار نمو أقل وتقلص فرص العمل .

*عن صحيفة" الخليج" الاماراتية