ليحكوا ما دام الشعب قد فوضهم
مرسل: الثلاثاء ديسمبر 13, 2011 3:19 am
الديمقراطية لا تجتزأ، إما كل متكامل أو ضحك على "الذقون"، وليس هناك بين بينين،
أو كما يقول الفنان الكبير عادل إمام "يا أسود يا أبيض، أنا. محبش اللون الرمادي"،
وما دمنا قد توافقنا أن صندوق الانتخابات هو الفيصل، فليس لنا بد إلا قبول ما يخرج
منه.
ولا تنفع المرافعات والتفسيرات للالتفاف على تلك الحقيقة، كالقول إن صناديق الانتخابات، ليست مقياسا للديمقراطية، أو القول، إن الشعب قد سُرق، فما دمنا رضينا بقواعد ومرجعيات صندوق الانتخابات، فلا بد لنا أن نحتفل بالنصر أو أن نقبل الهزيمة، ولا بد أن نعترف أن الشعب لم يُسرق. بل الشعب اختار وفق القواعد التي ارتضيناها وتوافقنا عليها جميعا.
وموقفي هذا نابع من قناعة لا يمكن لها أن تتزعزع، وإن كنت لا أؤمن بـ"نظرية" أن صندوق الانتخابات هي الوسيلة للديمقراطية الحقيقية، لكن رأيي ليس مهما ما دمنا قد توافقنا على ذلك، وأعتقد أن الديمقراطية المجتزأة، أفضل كثيرا من غيابها، وحق الاختيار هو من ضرورات الحياة، كالماء والغذاء والهواء.
أقول ذلك في ظل الجدل الذي يسود منطقتنا، وبوادر الرعب الذي يحاول أن يبثه البعض إلينا، رغم أن الجميع تكاتف في عملية كفاحية لإسقاط الدكتاتوريات القائمة، ولا منطق يستطيع أن يصمد أمام سؤال بسيط، إذا كان هناك نظام غاصب قد زال، ألا ينبغي لآخر منتخب أن يحل مكانه؟
أم المطلوب السقوط في فراغ بانتظار أن يُنضج زميل الثورة هذا، أو ذاك، توجهاته وقراراته، وكنت قد قلت في أكثر من مقال، حين تنتصر الثورات، يذهب كل في طريقه، قد يتقابل الرفاق مجددا، لكنهم أيضاً قد يتقابلون في خنادق سياسية متواجهة، تلك هي الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
وربما كان التوتر متناميا بسبب نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، بعد اكتساح التيار الإسلامي لها، وكذلك من إمكانية تكرار ذلك في الجولات القادمة، والواقع أن مثل هذا التوتر لا لزوم له، كما أن هذا التوتر ينم عن روح مخالفة لما اتفق عليه الجميع، وستكون من "الحماقة" أية إعاقة لطريق الفريق الفائز، لأن مثل هذا السلوك سيدمر اللحمة الوطنية المصرية، ولا يجوز أن تتقمص "الأقلية" دور النظام الذي شاركت في إسقاطه، بأن تفرض شروطها على الأغلبية، ومثلما للأكثرية خوض الاختبار وتعلم الإدارة والقيادة، للأقلية خوض غمار المعارضة وتعلم دروبها وفنونها، وأعتقد أن التحدي الرئيسي أمام القوى السياسية المصرية هو تجنب التجربة الفلسطينية في التعامل مع نتائج انتخابات حرة ونزيهة.
ففي عام 2006 ، كانت الأبواب مشرعة لأول انتخابات فلسطينية تشريعية تشارك فيها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، كانت واشنطن مشغولة جداً بهذه الانتخابات، وكانت "حماس" تعرف جيدا مدى قدرتها، وإلا ما كانت ستدخل هذا الخضم المثير للجدل، دون روية أو تفكير، خاصة بعد موت الرئيس الراحل ياسر عرفات، في ظروف غامضة، وهو الموت الذي سهل التشرذم في حركة "فتح"، فأريحية أبو عمار رحمه الله، ومتابعته المستمرة، ووجوده في متناول الجميع، واهتمامه بمشاكل الناس دون تمييز، خاصة في التعليم والصحة، كلها كانت عناصر دفء وتجميع لحركة "فتح".
كانت إدارة "جورج بوش" قلقة من هذه الانتخابات، وكان مسؤولو الخارجية الأمريكية والأمن القومي يذرعون المنطقة جيئة وذهابا، يتشاورون أحيانا، ويتفاوضون أحيانا أخرى، كنت في هذه الفترة قد أصبحت خارج العمل العام باختياري، لكني بقيت الى حد ما على قائمة من تشاورت معهم وفود الإدارة، بصفتي الشخصية.
التقيت مع هذه الوفود الأمريكية ثلاث مرات بين القاهرة وعمان قبل الانتخابات، وفي جميع هذه اللقاءات، لم أكن وحدي، بل كان هناك مسؤولون فلسطينيون كبار، أحجم عن ذكر أسمائهم احتراما لخصوصياتهم، فلي الحق أن اتحدث عن نفسي وموقفي فقط.
وكانت النقاشات تدور عن موعد الانتخابات، وهل حركة "فتح" جاهزة لهذه المواجهة السياسية أم لا؟ وماذا يحصل إن فازت حماس؟ وإلى أي حد يمكن الاعتماد على هذا الكم الهائل من الاستطلاعات وسبر الأغوار؟ وأسئلة أخرى في ذات السياق.
ما لم تكن هذه الوفود تعلمه أن "فتح" كانت قد خسرت الانتخابات حتى قبل إجرائها بحكم عوامل متلازمة، كان أكثرها أهمية تغير النظام الانتخابي الى نظام مزدوج، بعد أن اعتقد البعض في فتح، أن فرصهم في مناطقهم ستكون أوفر، لكن تبين لاحقا أنهم كانوا يعيشون وهما كبيرا، والتفوق الساحق الذي حققته "حماس" كان في انتخابات المناطق، أما في القائمة الوطنية فالحركتين كانتا كتفاً بكتف.
ومقابل الانضباط العالي الذي أظهرته " حماس " في المناطق ، حيث لم يترشح الى المقعد الواحد اكثر من شخص واحد ، مقابل ذلك دبت الفوضى في صفوف " فتح " وحدث أن تنافس في بعض الحالات ثلاثة فتحاويين على مقعد واحد.
والأهم من ذلك، لاحقا، جاء عزوف قرابة نصف الناخبين الفلسطينيين عن ممارسة حقهم الانتخابي، احتجاجا، أو بفعل الاختيار الطبيعي مثلما يحدث في كل المجتمعات، لكن هذا النصف تقليديا كان في أغلبه من خارج قوة "حماس" الانتخابية الشديدة الانضباط.
أثناء تلك النقاشات المدونة عندي بالكامل، كان هم الموفدين الأمريكيين من سيربح في نهاية المطاف، لأن "بصلة الأمريكيين" محروقة دوما، وكان رأيي أن الأهم أن تُجرى الانتخابات في موعدها ودون أي تلاعب، وكان السؤال الأكثر وضوحا، ماذا إن خسرت "فتح"؟
بحضور عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو في اللجنة المركزية لحركة
"فتح" وعضو عامل في المجلس التشريعي، قلت، على حد علمي "فتح" هي من أرست قواعد الديمقراطية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، سنوات طويلة قبل "اتفاقيات أوسلو"، ولا أظن أن "فتح" ستقبل اغتصاب السلطة إن لم تكن هي الأغلبية بنظر الشعب، وذلك بغض النظر عن "التشوهات" التي جئنا بها من منافينا من أحضان النظام السياسي العربي.
وكان السؤال التالي، ووفقا للعقلية الأمريكية العملية، إذن أنت تفترض أن "فتح" يمكن أن تخسر الانتخابات؟
قلت "فتح" لن تخسر، الديمقراطية لا تُخسر "فتح" مهما كانت نتائج صندوق الانتخابات، وإن أجيال الحركة تعرف كيف تحتفل بالنصر، لكنها أيضاً تعرف كيف تتقبل الخسارة، وهؤلاء ليسوا نحن الذين نجلس معكم هنا، بل هم من يكافحون الاحتلال، أو يقبعون في أسره، أو عائلات الشهداء.
خسرت "فتح" وربحت فلسطين، نعم، فنصر "حماس" كان مستحقا عن جدارة، لكن البعض لم يستطع أن يتفوق على نفسه من أجل فلسطين، وحُرمت "حماس" من مسؤولية القيادة والحكم والإدارة، كما حُرمت "فتح" من تعلم دروس المعارضة وتعلم فنونها ودروبها، وكل ذلك بحكم الأوبئة التي حملناها معنا من منافي التسعة والتسعين بالمائة، والزعيم الأبدي والرئيس مدى الحياة، ولم يدرك من كان مصابا بالعدوى، أن الشعب محصّن.
أو كما يقول الفنان الكبير عادل إمام "يا أسود يا أبيض، أنا. محبش اللون الرمادي"،
وما دمنا قد توافقنا أن صندوق الانتخابات هو الفيصل، فليس لنا بد إلا قبول ما يخرج
منه.
ولا تنفع المرافعات والتفسيرات للالتفاف على تلك الحقيقة، كالقول إن صناديق الانتخابات، ليست مقياسا للديمقراطية، أو القول، إن الشعب قد سُرق، فما دمنا رضينا بقواعد ومرجعيات صندوق الانتخابات، فلا بد لنا أن نحتفل بالنصر أو أن نقبل الهزيمة، ولا بد أن نعترف أن الشعب لم يُسرق. بل الشعب اختار وفق القواعد التي ارتضيناها وتوافقنا عليها جميعا.
وموقفي هذا نابع من قناعة لا يمكن لها أن تتزعزع، وإن كنت لا أؤمن بـ"نظرية" أن صندوق الانتخابات هي الوسيلة للديمقراطية الحقيقية، لكن رأيي ليس مهما ما دمنا قد توافقنا على ذلك، وأعتقد أن الديمقراطية المجتزأة، أفضل كثيرا من غيابها، وحق الاختيار هو من ضرورات الحياة، كالماء والغذاء والهواء.
أقول ذلك في ظل الجدل الذي يسود منطقتنا، وبوادر الرعب الذي يحاول أن يبثه البعض إلينا، رغم أن الجميع تكاتف في عملية كفاحية لإسقاط الدكتاتوريات القائمة، ولا منطق يستطيع أن يصمد أمام سؤال بسيط، إذا كان هناك نظام غاصب قد زال، ألا ينبغي لآخر منتخب أن يحل مكانه؟
أم المطلوب السقوط في فراغ بانتظار أن يُنضج زميل الثورة هذا، أو ذاك، توجهاته وقراراته، وكنت قد قلت في أكثر من مقال، حين تنتصر الثورات، يذهب كل في طريقه، قد يتقابل الرفاق مجددا، لكنهم أيضاً قد يتقابلون في خنادق سياسية متواجهة، تلك هي الحقيقة مهما كانت مؤلمة.
وربما كان التوتر متناميا بسبب نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المصرية، بعد اكتساح التيار الإسلامي لها، وكذلك من إمكانية تكرار ذلك في الجولات القادمة، والواقع أن مثل هذا التوتر لا لزوم له، كما أن هذا التوتر ينم عن روح مخالفة لما اتفق عليه الجميع، وستكون من "الحماقة" أية إعاقة لطريق الفريق الفائز، لأن مثل هذا السلوك سيدمر اللحمة الوطنية المصرية، ولا يجوز أن تتقمص "الأقلية" دور النظام الذي شاركت في إسقاطه، بأن تفرض شروطها على الأغلبية، ومثلما للأكثرية خوض الاختبار وتعلم الإدارة والقيادة، للأقلية خوض غمار المعارضة وتعلم دروبها وفنونها، وأعتقد أن التحدي الرئيسي أمام القوى السياسية المصرية هو تجنب التجربة الفلسطينية في التعامل مع نتائج انتخابات حرة ونزيهة.
ففي عام 2006 ، كانت الأبواب مشرعة لأول انتخابات فلسطينية تشريعية تشارك فيها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، كانت واشنطن مشغولة جداً بهذه الانتخابات، وكانت "حماس" تعرف جيدا مدى قدرتها، وإلا ما كانت ستدخل هذا الخضم المثير للجدل، دون روية أو تفكير، خاصة بعد موت الرئيس الراحل ياسر عرفات، في ظروف غامضة، وهو الموت الذي سهل التشرذم في حركة "فتح"، فأريحية أبو عمار رحمه الله، ومتابعته المستمرة، ووجوده في متناول الجميع، واهتمامه بمشاكل الناس دون تمييز، خاصة في التعليم والصحة، كلها كانت عناصر دفء وتجميع لحركة "فتح".
كانت إدارة "جورج بوش" قلقة من هذه الانتخابات، وكان مسؤولو الخارجية الأمريكية والأمن القومي يذرعون المنطقة جيئة وذهابا، يتشاورون أحيانا، ويتفاوضون أحيانا أخرى، كنت في هذه الفترة قد أصبحت خارج العمل العام باختياري، لكني بقيت الى حد ما على قائمة من تشاورت معهم وفود الإدارة، بصفتي الشخصية.
التقيت مع هذه الوفود الأمريكية ثلاث مرات بين القاهرة وعمان قبل الانتخابات، وفي جميع هذه اللقاءات، لم أكن وحدي، بل كان هناك مسؤولون فلسطينيون كبار، أحجم عن ذكر أسمائهم احتراما لخصوصياتهم، فلي الحق أن اتحدث عن نفسي وموقفي فقط.
وكانت النقاشات تدور عن موعد الانتخابات، وهل حركة "فتح" جاهزة لهذه المواجهة السياسية أم لا؟ وماذا يحصل إن فازت حماس؟ وإلى أي حد يمكن الاعتماد على هذا الكم الهائل من الاستطلاعات وسبر الأغوار؟ وأسئلة أخرى في ذات السياق.
ما لم تكن هذه الوفود تعلمه أن "فتح" كانت قد خسرت الانتخابات حتى قبل إجرائها بحكم عوامل متلازمة، كان أكثرها أهمية تغير النظام الانتخابي الى نظام مزدوج، بعد أن اعتقد البعض في فتح، أن فرصهم في مناطقهم ستكون أوفر، لكن تبين لاحقا أنهم كانوا يعيشون وهما كبيرا، والتفوق الساحق الذي حققته "حماس" كان في انتخابات المناطق، أما في القائمة الوطنية فالحركتين كانتا كتفاً بكتف.
ومقابل الانضباط العالي الذي أظهرته " حماس " في المناطق ، حيث لم يترشح الى المقعد الواحد اكثر من شخص واحد ، مقابل ذلك دبت الفوضى في صفوف " فتح " وحدث أن تنافس في بعض الحالات ثلاثة فتحاويين على مقعد واحد.
والأهم من ذلك، لاحقا، جاء عزوف قرابة نصف الناخبين الفلسطينيين عن ممارسة حقهم الانتخابي، احتجاجا، أو بفعل الاختيار الطبيعي مثلما يحدث في كل المجتمعات، لكن هذا النصف تقليديا كان في أغلبه من خارج قوة "حماس" الانتخابية الشديدة الانضباط.
أثناء تلك النقاشات المدونة عندي بالكامل، كان هم الموفدين الأمريكيين من سيربح في نهاية المطاف، لأن "بصلة الأمريكيين" محروقة دوما، وكان رأيي أن الأهم أن تُجرى الانتخابات في موعدها ودون أي تلاعب، وكان السؤال الأكثر وضوحا، ماذا إن خسرت "فتح"؟
بحضور عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو في اللجنة المركزية لحركة
"فتح" وعضو عامل في المجلس التشريعي، قلت، على حد علمي "فتح" هي من أرست قواعد الديمقراطية الفلسطينية في الأراضي المحتلة، سنوات طويلة قبل "اتفاقيات أوسلو"، ولا أظن أن "فتح" ستقبل اغتصاب السلطة إن لم تكن هي الأغلبية بنظر الشعب، وذلك بغض النظر عن "التشوهات" التي جئنا بها من منافينا من أحضان النظام السياسي العربي.
وكان السؤال التالي، ووفقا للعقلية الأمريكية العملية، إذن أنت تفترض أن "فتح" يمكن أن تخسر الانتخابات؟
قلت "فتح" لن تخسر، الديمقراطية لا تُخسر "فتح" مهما كانت نتائج صندوق الانتخابات، وإن أجيال الحركة تعرف كيف تحتفل بالنصر، لكنها أيضاً تعرف كيف تتقبل الخسارة، وهؤلاء ليسوا نحن الذين نجلس معكم هنا، بل هم من يكافحون الاحتلال، أو يقبعون في أسره، أو عائلات الشهداء.
خسرت "فتح" وربحت فلسطين، نعم، فنصر "حماس" كان مستحقا عن جدارة، لكن البعض لم يستطع أن يتفوق على نفسه من أجل فلسطين، وحُرمت "حماس" من مسؤولية القيادة والحكم والإدارة، كما حُرمت "فتح" من تعلم دروس المعارضة وتعلم فنونها ودروبها، وكل ذلك بحكم الأوبئة التي حملناها معنا من منافي التسعة والتسعين بالمائة، والزعيم الأبدي والرئيس مدى الحياة، ولم يدرك من كان مصابا بالعدوى، أن الشعب محصّن.