الدول الفاشله
مرسل: الأربعاء ديسمبر 14, 2011 8:10 am
كانت الحقيقة البديهية في السياسة الخارجية الأميركية منذ أحداث 11/9 الإرهابية، وفقا لتعبير استراتيجية الأمن القومي التي وضعها الرئيس جورج بوش الابن، هو أن الولايات المتحدة «تتعرض لتهديد من الدول المنتصرة بصورة أقل من الدول الفاشلة».
«الدول الفاشلة تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي»
بعضها فقط. صرح وزير الدفاع روبرت غيتس بأن على مدار السنوات العشرين المقبلة ستأتي أخطر التهديدات للولايات المتحدة من الدول الفاشلة «التي لا يمكنها تحقيق الاحتياجات الأساسية لشعوبها، ناهيك عن تطلعاتها». وكرر باراك أوباما، عندما كان مرشحا للرئاسة وبعد ما أصبح رئيسا، الادعاء ذاته وسعى إلى إعادة توجيه السياسة نحو منع فشل الدول.
ولكن في الحقيقة، تمثل بعض حالات فشل الدول تهديدا فعليا للولايات المتحدة والغرب، بينما لا يشكله بعض آخر. مثال على ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث قتل ما يزيد على 5 ملايين نسمة في حروب دمرت البلاد منذ منتصف التسعينيات، في أبشع صورة لتداعيات فشل دولة في العصر الحديث. ماذا كان تأثير ذلك على الأميركيين؟ أصبح سعر الكولتان، وهي مادة تستخرج من الكونغو تستخدم في صناعة الهواتف الجوالة، متقلبا للغاية. من الصعب تذكر أي تأثير آخر.
كما تم تضخيم دور الدول الفاشلة في الإرهاب العالمي. بداية، مشكلة الإرهاب تظهر فقط في الدول الفاشلة ذات العدد الكبير من السكان المسلمين، وتحديدا 13 من بين أول 20 دولة في قائمة الدول الفاشلة للعام الحالي. ولكن العلاقة بين الفشل والتهديد العالمي أضعف مما نتخيل. المسلحون المسلمون في الدول الفاشلة علنا مثل الصومال أو الضعيفة للغاية مثل تشاد يمثلون تهديدا أكبر على مجتمعاتهم. وهم بالتأكيد أقل خطرا على الغرب من باكستان أو اليمن، وهما على الأقل دولتان فاعلتان تحرض فيهما آيديولوجيا الدولة ومؤسساتها الإرهابيين.
في كتابه الجديد «صلات ضعيفة»، توصل العالم ستيوارت باتريك إلى أن «مجموعة متوسطة الرتبة من الدول الضعيفة، ولكنها ليست فاشلة حتى الآن، (مثل باكستان وكينيا) ربما تقدم مميزات للإرهابيين أطول مدى من المناطق التي تسود فيها الفوضى أو الدول القوية». (انظر «الحقيقة القاسية») يحتاج الإرهابيون إلى بنية تحتية أيضا. كانت أحداث 11/9 موجهة من أفغانستان، ولكن تمويلها وتنسيقها من أوروبا ومناطق أكثر استقرار في العالم الإسلامي، وأغلب منفذيها مواطنون سعوديون. كما أن تنظيم القاعدة إلى حد كبير ينتمي إلى الطبقة المتوسطة.
ينطبق النمط ذاته على عالم الجرائم الدولية. مثال على ذلك سوق المخدرات ثلاثي الأركان الذي يربط بين مزارعي الكوكايين في أميركا اللاتينية والتجار في غرب أفريقيا والمتعاطين في أوروبا. وجد تجار المخدرات أن الدول الفاشلة في غرب افريقيا، حيث الموانئ غير الخاضعة للمراقبة وقوات الأمن الفاسدة قليلة الأعداد، مكانا مناسبا كنقاط لإعادة شحن منتجاتهم. تلقى المخدرات من الطائرات أو تفرغ من سفن خارج سواحل غينيا أو غينيا بيساو أو سيراليون، ثم تقسم إلى طرود أصغر حجما ليتم شحنها إلى الشمال. ولكن لا تعمل العصابات الإجرامية بعيدا عن المناطق، بل من غانا والسنغال، حيث الأنظمة المصرفية الموثوق بها، والخطوط الجوية الجيدة، والفنادق المريحة وفرص لا تحصى لغسل الأموال. تتشابه تلك العلاقة مع الصلة بين أفغانستان، حيث المساحات البرية التي تعد مسرحا لعمليات «القاعدة»، وباكستان، حيث تقدم المراكز الحضرية الحرة قاعدة للجهاديين.
«الدول الفاشلة مساحات غير خاضعة لحكومات»
ليس بالضرورة. تأتي الصومال، وهي أرض حرب دائمة بين الجميع والجميع، كأفضل مثال على دولة فاشلة ما زالت تحتل المركز الأول للعام الرابع على التوالي في قائمة الدول الفاشلة. لا يمكن أن يصف أحد الصومال بالفوضى، ولكن في مناطق أخرى أيضا في العالم بدلا من أن يكون سبب فشل الدولة غياب الحكومة، تتحمل الحكومة المسؤولية الرئيسية لفشل الدولة. أما في السودان، فتشعل الدولة، التي تنشر جيشها الوطني بالإضافة إلى قواتها شبه العسكرية، العنف الذي يسود الحياة السودانية منذ عقود ووضعها في صدارة القائمة. العنف في الصومال أحد أعراض فشل الدولة، ولكن العنف في السودان نتيجة لسياسة الدولة.
كتب الدارس البارز لشؤون أفريقيا غيرارد برونير، أن الرئيس السوداني عمر البشير منذ توليه الحكم عام 1989، تبنى سياسة نحو الجماعات العرقية «توشك أن تكون تطهيرا عرقيا». كذلك الأمر كان في بوروندي في التسعينيات، عندما ذبحت حكومات الهوتو التوتسي، والتي استدار فيها التوتسي بعدها وفعلوا الشيء ذاته مع الهوتو. في هذه الدول الفاشلة وغيرها، أصبحت المجازر الجماعية تقريبا إحدى صور السياسة المقبولة.
يوجد تصنيف يقسم الدول الفاشلة إلى قسمين، وإن كان غير واضح تماما في بعض الأحيان. تعجز دولة مثل الصومال عن وضع سياسة الدولة وتنفيذها؛ فهي دولة بائسة. وفي المقابل، دول أخرى مثل السودان متزعزعة بطبيعتها. أو باكستان، التي تتبع سياسات واضحة وثابتة، وضعها الجيش منذ تأسيسها عام 1947. على خلاف الصومال، وجارتها أفغانستان، باكستان دولة «متعمدة». ولكن كما أثارت السياسة السودانية عقودا من الظلم بالوقيعة بين الدولة والأطراف، تحولت باكستان بسبب رعاية الجيش والاستخبارات الباكستانيين للجماعات الجهادية – من أجل تحقيق توازن ضد الهند ولتكون مصدرا «للعمق الاستراتيجي» في أفغانستان – إلى ميدان للعنف الإرهابي. بالطبع توجد مساحات غير خاضعة للحكومة في باكستان، في المناطق التي يسودها البشتون على طول الحدود مع أفغانستان. ولكن اتخذ القادة العسكريون في البلاد خيارا استراتيجيا بالسماح للبشتون بأن يحكموا أنفسهم هناك، ليتمكنوا من استغلالهم ضد أعدائهم المزعومين. باختصار، تشكل الدول المتعمدة تهديدا أكبر بكثير للعالم من الدول البائسة.
«الدول الفاشلة نتاج لأخطاء الغرب»
لو. تركت القوى الاستعمارية، لا سيما الأكثر غفلة منها، مستعمراتها السابقة دون شك على أعتاب الاستقلال في مرتبة أدنى من الاستعداد لإقامة دولة. على سبيل المثال في الكونغو، التي حكمها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني كرئيس تنفيذي لشركة خاصة متخصصة في استخراج المواد الخام في ظل شروط من الاستعباد، لم يكن هناك من بين سكانها وقت حصولها على الاستقلال في عام 1960 شخص واحد يحمل درجة دراسية في أي تخصص. من جانب آخر، تمزقت دول أخرى، لم تكن مستعمرة على الإطلاق، مثل أفغانستان، نتيجة لتبادل إطلاق النار في الحرب الباردة.
ولكن كيف يمكن تحميل الغرب مسؤولية دول مثل العراق (على الأقل قبل عام 2003)، وساحل العاج وكينيا وزيمبابوي، وجميعها كانت تتمتع برخاء واستقرار نسبي في العقود الأولى بعد الخروج عن حكم القوى الغربية؟ وماذا عن هاييتي، التي تخلصت من الاستعمار الفرنسي في عهد نابليون، ولكنها لم تحقق أكثر من مظاهر سطحية للدولة في القرنين التاليين؟
من الممكن إلقاء اللوم في فشل أقل من نصف دستة من الدول الفاشلة على مستعمريهم الغربيين. ولكن لماذا تأتي باكستان في المرتبة رقم 12 والهند في المرتبة رقم 76 على الرغم من أنهما مشتركتان في تاريخ الاستعمار البريطاني ذاته؟ ولماذا جاء ساحل العاج في المركز 10 والسنغال في المركز 85، في حين كانت كلتاهما تحت الاستعمار الفرنسي؟ رغم النشأة الاستعمارية ذاتها فإن النتائج مختلفة تماما.
«بعض الدول مقدر لها أن تفشل»
من المؤسف أن هذا صحيح. على الرغم من أن بعض الدول الفاشلة ليس لها إلا أن تلوم ذاتها، أو نخبها السياسية الفاسدة أو الوحشية، فإن هناك دولا لم تسنح لها فرصة البداية. نحن نواجه هنا مشكلة تسمية. يوحي مصطلح «فاشلة» على نحو خاطئ بحالة تسبق النجاح. في الواقع، الكثير من الدول التي تحتل المراكز الأولى في قائمة الدول الفاشلة لم ترق مطلقا إلى مرحلة إقامة دولة كاملة. من بين أعلى 20 دولة يوجد 14 دولة أفريقية، كثير منها، بما فيها نيجيريا وغينيا وبالطبع الكونغو، يضم قبائل أو جماعات عرقية ذات شعور ضئيل بالهوية المشتركة وخبرة منعدمة عن الحكومة الحديثة. (ربما يتحمل الاستعمار اللوم في هذا النموذج تحديدا، حيث إن القوى الأوروبية هي التي رسمت الحدود المشكوك بها) وفقا لتعبير الروائي في سي نايبول، إنها «مجتمعات غير مكتملة الصنع»، حبيسة ماض لم يعد من الممكن العيش فيه ومستقبل لا يمكن الوصول إليه بعد. لقد «فشلت» هذه الدول عندما أيقظت الحداثة آمالا ورغبات (وخصومات) جديدة اجتاحت مؤسسات الدولة الضعيفة أو سعى القادة إلى استغلالها.
ماذا يفعل العالم حيال تلك الدول غير الشرعية؟ الإجابة أن يسعى إلى تقليل حجم الضرر الناتج عنها أو إليها بوقف تدفق المخدرات من وإلى غينيا، أو الاستعانة بقوات حفظ السلام من أجل منع امتداد العنف من دارفور وتشاد إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. وأن يساند المنظمات الإقليمية أو شبه الإقليمية التي تشمل مناطق تلك الدول (مثل الاتحاد الأفريقي أو المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا). وأن يعترف العالم بأنه حتى في المناطق التي لا تشكل تهديدا مهما للغرب، يتطلب الواجب الأخلاقي على من يستطيع المساعدة أن يساعد على تخفيف المعاناة.
«تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة تجاه الدول الفاشلة»
ربما لا. من أبرز الانتقادات التي تواجه سياسة إدارة أوباما الخارجية، على الرغم من أن الرئيس تحدث مرارا عن الخطر الذي تشكله الدول الفاشلة، أنه لم يصغ سياسة متماسكة لمنع أو معالجة فشل الدول. تعاني الإدارة من حساسية تجاه هذه القضية، في أثناء عمل آن ماري سلوتر كرئيسة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا، أشارت إلى أن استراتيجية مكافحة الإرهاب العسكرية - المدنية في أفغانستان قد تعتبر «علبة بتري» لتلك السياسة، وأن جهود بناء الدولة بعد الزلزال في هاييتي، بالتعاون على مستوى رفيع مع شركاء دوليين، قد تكون نموذجا بديلا. ولكن اليوم، يعترف حتى المدافعون عن جهود الإدارة واسعة النطاق في أفغانستان على أن محاولة نشر الحكم الرشيد هناك فشلت إلى حد كبير، بينما بعد عام من زلزال هاييتي بدأت بالكاد جهود إعمار الدولة هناك.
ربما تكمن المشكلة في أسلوب تفكيرنا في الدول الفاشلة ككتلة واحدة. ما معنى أن يكون لدينا سياسة واحدة تغطي كلا من هاييتي وأفغانستان؟ وما القالب الذي يمكنه أن يقدم مجموعة مفيدة من الخيارات للمسؤولين الأميركيين في اليمن، حيث يشكل فشل الدولة تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث لا توجد أهمية استراتيجية؟ وما هي السياسة التي توفر أي خيارات مفيدة بالنسبة للصومال، أرض الخراب التي تبدو منيعة أمام جميع صور التدخل الخارجي، الجيد أو الشرير؟ في هذه الحالة، قد يكون ترابط السياسة مبالغا فيه.
تسعى إدارة أوباما بالتأكيد إلى مثل هذا الترابط. كرر تقرير التنمية والدبلوماسية الذي يصدر كل اربع سنوات عن وزارة الخارجية الأميركية، في محاولة جديدة لترتيب أدوات «القوة الناعمة»، الانتقادات الموجهة إلى غياب سياسة شاملة، ولكنه أيضا أكد مرحبا على الحاجة إلى تطوير قدرة مدنية لتنفيذ ما يقرر صناع السياسات الحاجة إلى فعله. في الوقت الراهن، تعرقل خيارات السياسة الأميركية عدم وجود قوات مسلحة خارجية على الأقل، ذات قدرات عملية أو «بعثية»، مثل مدربي الشرطة وخبراء صحة ومسؤولين في الصحة العامة ومحاسبي طب شرعي ومحامين (نعم محامين) يمكن نشرهم في الدول الهشة أو مناطق ما بعد الصراع. توجد حاجة إلى أشخاص يقومون بهذه المهام. ولكن من المؤسف أن أعضاء الكونغرس الجمهوريين يبدون مصممين على التخلص من أي زيادة في القدرات غير العسكرية. يبدو المحافظون أكثر ارتياحا مع التهديدات قديمة الطراز التي تشكلها دول قوية مثل الصين وإيران وروسيا. ربما لا يزعجهم غياب استراتيجية للتعامل مع دول فاشلة لأنهم لا يقلقون بشأن الدول الفاشلة.
«لا يفلح التدخل العسكري مطلقا»
خطأ. يذكرنا ثبات تصنيف الدول الفاشلة من عام إلى آخر بأن الأمراض المتعددة التي ابتليت بها تلك المناطق تقاوم العلاج بشدة، سواء على يد أطراف محلية أو خارجية. ومن المؤكد أن نموذجي أفغانستان وهاييتي، علبتا بتري لعام 2010، ليسا مشجعين. ولكن هناك بصيص ضوء، من الغريب أنه يتضمن التدخل العسكري. تراجعت كل من ليبيريا وسيراليون عن الوقوع في الفوضى الشاملة في الأعوام الأخيرة، وهما الآن في سلام. ربما ينطبق الشيء ذاته على ساحل العاج في المستقبل، رغم أنه ما زال من المبكر للغاية تحديد ذلك بعد الحرب الأهلية الدموية القصيرة التي وقعت هذا العام بعد الانتخابات. من جانب آخر حسّن العراق، الذي بدا أن سقوطه بلا نهاية منذ خمسة أعوام، مركزه في القائمة بعد أن انحسر العنف الطائفي على مدار العام الماضي، حيث أصبح في المركز التاسع بدلا من السابع.
التدخل المقصود ليس أن حل الدول الفاشلة هو إرسال قوات مارينز، ولكن في بعض لحظات الأزمة القصوى، من الممكن أن تحول أطراف خارجية مسار الدول الفاشلة باستخدام القوة للإطاحة بالحكام الوحشيين أو منعهم من الاستحواذ على السلطة. ولكن التدخل في حد ذاته علامة على الفشل، الفشل في ترقب لحظة الأزمة. تحتاج أي سياسة جديدة نحو الدول الفاشلة إلى التركيز على الوقاية بدلا من رد الفعل، ليس لتجنب الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية فقط، بل لأنه في العديد من المناطق لن يكون التدخل ممكنا ببساطة. على سبيل المثال، هناك حاجة إلى معرفة أن تايلند تتعرض لخطر الوقوع في أزمة سياسية، لأنه في حين تملك الدول المجاورة والقوى الغربية الأدوات الدبلوماسية لتجنب الأزمة، لا يمكنها فعل شيء إذا اندلعت أحداث عنف. أبرز الأمثلة على التداعيات المؤسفة لتجاهل الإنذار المبكر هي رواندا، حيث تجاهل مسؤولو الأمم المتحدة ومجلس الأمن التحذيرات المتكررة بأن هناك تطهيرا عرقيا على وشك الوقوع، وتحركوا فقط بعد أن أصبح الوقت متأخرا للغاية لوقف أعمال القتل.
«لا يمكن مساعدة الدول الفاشلة»
من الممكن مساعدة بعضها. ماذا يمكن أن تفعل الأطراف الخارجية عندما تمر لحظة القدرة على فعل الشيء؟ ماذا يمكنها أن تفعل لتعزيز التصالح بين القبائل في كينيا، وتقوية الحكم المدني في باكستان، والمساعدة على إنشاء قاعدة اقتصادية تحل محل الموارد المتضائلة للنفط في اليمن؟ من المؤكد أن هذه الأسئلة مختلفة تماما، ولكن الإجابة عليها مشتركة: يعتمد الأمر على رغبة الدولة في الحصول على المساعدة. لا يمكن أن تقدم الأطراف الخارجية شيئا في زيمبابوي طالما استمر روبرت موغابي في الحكم، حيث إنه مستعد لتدمير بلاده من أجل الحفاظ على حكمه لها. أفضل ما تستطيع الأطراف الخارجية فعله هو الضغط عليه أو رشوته هو ومقربيه من أجل الرحيل. من جانب آخر، ربما تستطيع القوى الخارجية أن تصل إلى صفقة كبيرة في ليبيريا، حيث دعا الرئيس إيلين جونسون سيرليف مسؤولي الأمم المتحدة إلى العمل داخل وزارات دولته لتقديم الخبرة ومنع الفساد. ربما ينطبق التناقض ذاته على السودان، دولة الحكم الفردي المطلق التي تطفو فوق ثروة من النفط، وجنوب السودان، الدولة الجديدة التي ولدت عاجزة ولكنها ذات قيادة سياسية شرعية (على الرغم من أن هناك خطرا حقيقيا بأن تدخل الدولتان في دوامة من العنف بسبب استحواذ السودان المفاجئ على منطقة أبيي الحدودية).
تجدر رؤية مشكلة الدول الفاشلة وفقا لمنظور تكنوقراطي. في كتاب «إصلاح الدول الفاشلة»، دفع أشرف غاني وكلير لوكهارت بأن الدول الفاشلة تحتاج إلى الاتصال بالأسواق العالمية وأن تحرر طاقاتها الإبداعية. وهي تفعل ذلك. ولكن يرى الحكام الدكتاتوريون أن الحرية الاقتصادية والسياسية تشكل تهديدا لحكمهم. سيعمل اللواءات الذين يحكمون بورما، على سبيل المثال، على التأكد من أنه لن يستفيد أحد سواهم وأصدقاؤهم من الأسواق العالمية. فلا توجد هنا سياسة هروب أو رغبة سياسية. تحتاج الدول البائسة، مثل ليبيريا، إلى المساعدة، وفي بعض الأحيان من الممكن مساعدتها. من جانب آخر، تستغل الدول المتعمدة مثل بورما أو السودان المساعدة الخارجية في أغراضها الخاصة. ومن المؤسف أن الدول المتعمدة هي التي تشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة والغرب. لذلك هناك اقتراح: ربما يمكننا صياغة سياسة جديدة نحو الدول الفاشلة، لمساعدة الدول التي تستحق، التي يمكن مساعدتها، ولتحجيم الضرر الناتج عن الدول الأخرى.
«الدول الفاشلة تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي»
بعضها فقط. صرح وزير الدفاع روبرت غيتس بأن على مدار السنوات العشرين المقبلة ستأتي أخطر التهديدات للولايات المتحدة من الدول الفاشلة «التي لا يمكنها تحقيق الاحتياجات الأساسية لشعوبها، ناهيك عن تطلعاتها». وكرر باراك أوباما، عندما كان مرشحا للرئاسة وبعد ما أصبح رئيسا، الادعاء ذاته وسعى إلى إعادة توجيه السياسة نحو منع فشل الدول.
ولكن في الحقيقة، تمثل بعض حالات فشل الدول تهديدا فعليا للولايات المتحدة والغرب، بينما لا يشكله بعض آخر. مثال على ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث قتل ما يزيد على 5 ملايين نسمة في حروب دمرت البلاد منذ منتصف التسعينيات، في أبشع صورة لتداعيات فشل دولة في العصر الحديث. ماذا كان تأثير ذلك على الأميركيين؟ أصبح سعر الكولتان، وهي مادة تستخرج من الكونغو تستخدم في صناعة الهواتف الجوالة، متقلبا للغاية. من الصعب تذكر أي تأثير آخر.
كما تم تضخيم دور الدول الفاشلة في الإرهاب العالمي. بداية، مشكلة الإرهاب تظهر فقط في الدول الفاشلة ذات العدد الكبير من السكان المسلمين، وتحديدا 13 من بين أول 20 دولة في قائمة الدول الفاشلة للعام الحالي. ولكن العلاقة بين الفشل والتهديد العالمي أضعف مما نتخيل. المسلحون المسلمون في الدول الفاشلة علنا مثل الصومال أو الضعيفة للغاية مثل تشاد يمثلون تهديدا أكبر على مجتمعاتهم. وهم بالتأكيد أقل خطرا على الغرب من باكستان أو اليمن، وهما على الأقل دولتان فاعلتان تحرض فيهما آيديولوجيا الدولة ومؤسساتها الإرهابيين.
في كتابه الجديد «صلات ضعيفة»، توصل العالم ستيوارت باتريك إلى أن «مجموعة متوسطة الرتبة من الدول الضعيفة، ولكنها ليست فاشلة حتى الآن، (مثل باكستان وكينيا) ربما تقدم مميزات للإرهابيين أطول مدى من المناطق التي تسود فيها الفوضى أو الدول القوية». (انظر «الحقيقة القاسية») يحتاج الإرهابيون إلى بنية تحتية أيضا. كانت أحداث 11/9 موجهة من أفغانستان، ولكن تمويلها وتنسيقها من أوروبا ومناطق أكثر استقرار في العالم الإسلامي، وأغلب منفذيها مواطنون سعوديون. كما أن تنظيم القاعدة إلى حد كبير ينتمي إلى الطبقة المتوسطة.
ينطبق النمط ذاته على عالم الجرائم الدولية. مثال على ذلك سوق المخدرات ثلاثي الأركان الذي يربط بين مزارعي الكوكايين في أميركا اللاتينية والتجار في غرب أفريقيا والمتعاطين في أوروبا. وجد تجار المخدرات أن الدول الفاشلة في غرب افريقيا، حيث الموانئ غير الخاضعة للمراقبة وقوات الأمن الفاسدة قليلة الأعداد، مكانا مناسبا كنقاط لإعادة شحن منتجاتهم. تلقى المخدرات من الطائرات أو تفرغ من سفن خارج سواحل غينيا أو غينيا بيساو أو سيراليون، ثم تقسم إلى طرود أصغر حجما ليتم شحنها إلى الشمال. ولكن لا تعمل العصابات الإجرامية بعيدا عن المناطق، بل من غانا والسنغال، حيث الأنظمة المصرفية الموثوق بها، والخطوط الجوية الجيدة، والفنادق المريحة وفرص لا تحصى لغسل الأموال. تتشابه تلك العلاقة مع الصلة بين أفغانستان، حيث المساحات البرية التي تعد مسرحا لعمليات «القاعدة»، وباكستان، حيث تقدم المراكز الحضرية الحرة قاعدة للجهاديين.
«الدول الفاشلة مساحات غير خاضعة لحكومات»
ليس بالضرورة. تأتي الصومال، وهي أرض حرب دائمة بين الجميع والجميع، كأفضل مثال على دولة فاشلة ما زالت تحتل المركز الأول للعام الرابع على التوالي في قائمة الدول الفاشلة. لا يمكن أن يصف أحد الصومال بالفوضى، ولكن في مناطق أخرى أيضا في العالم بدلا من أن يكون سبب فشل الدولة غياب الحكومة، تتحمل الحكومة المسؤولية الرئيسية لفشل الدولة. أما في السودان، فتشعل الدولة، التي تنشر جيشها الوطني بالإضافة إلى قواتها شبه العسكرية، العنف الذي يسود الحياة السودانية منذ عقود ووضعها في صدارة القائمة. العنف في الصومال أحد أعراض فشل الدولة، ولكن العنف في السودان نتيجة لسياسة الدولة.
كتب الدارس البارز لشؤون أفريقيا غيرارد برونير، أن الرئيس السوداني عمر البشير منذ توليه الحكم عام 1989، تبنى سياسة نحو الجماعات العرقية «توشك أن تكون تطهيرا عرقيا». كذلك الأمر كان في بوروندي في التسعينيات، عندما ذبحت حكومات الهوتو التوتسي، والتي استدار فيها التوتسي بعدها وفعلوا الشيء ذاته مع الهوتو. في هذه الدول الفاشلة وغيرها، أصبحت المجازر الجماعية تقريبا إحدى صور السياسة المقبولة.
يوجد تصنيف يقسم الدول الفاشلة إلى قسمين، وإن كان غير واضح تماما في بعض الأحيان. تعجز دولة مثل الصومال عن وضع سياسة الدولة وتنفيذها؛ فهي دولة بائسة. وفي المقابل، دول أخرى مثل السودان متزعزعة بطبيعتها. أو باكستان، التي تتبع سياسات واضحة وثابتة، وضعها الجيش منذ تأسيسها عام 1947. على خلاف الصومال، وجارتها أفغانستان، باكستان دولة «متعمدة». ولكن كما أثارت السياسة السودانية عقودا من الظلم بالوقيعة بين الدولة والأطراف، تحولت باكستان بسبب رعاية الجيش والاستخبارات الباكستانيين للجماعات الجهادية – من أجل تحقيق توازن ضد الهند ولتكون مصدرا «للعمق الاستراتيجي» في أفغانستان – إلى ميدان للعنف الإرهابي. بالطبع توجد مساحات غير خاضعة للحكومة في باكستان، في المناطق التي يسودها البشتون على طول الحدود مع أفغانستان. ولكن اتخذ القادة العسكريون في البلاد خيارا استراتيجيا بالسماح للبشتون بأن يحكموا أنفسهم هناك، ليتمكنوا من استغلالهم ضد أعدائهم المزعومين. باختصار، تشكل الدول المتعمدة تهديدا أكبر بكثير للعالم من الدول البائسة.
«الدول الفاشلة نتاج لأخطاء الغرب»
لو. تركت القوى الاستعمارية، لا سيما الأكثر غفلة منها، مستعمراتها السابقة دون شك على أعتاب الاستقلال في مرتبة أدنى من الاستعداد لإقامة دولة. على سبيل المثال في الكونغو، التي حكمها ملك بلجيكا ليوبولد الثاني كرئيس تنفيذي لشركة خاصة متخصصة في استخراج المواد الخام في ظل شروط من الاستعباد، لم يكن هناك من بين سكانها وقت حصولها على الاستقلال في عام 1960 شخص واحد يحمل درجة دراسية في أي تخصص. من جانب آخر، تمزقت دول أخرى، لم تكن مستعمرة على الإطلاق، مثل أفغانستان، نتيجة لتبادل إطلاق النار في الحرب الباردة.
ولكن كيف يمكن تحميل الغرب مسؤولية دول مثل العراق (على الأقل قبل عام 2003)، وساحل العاج وكينيا وزيمبابوي، وجميعها كانت تتمتع برخاء واستقرار نسبي في العقود الأولى بعد الخروج عن حكم القوى الغربية؟ وماذا عن هاييتي، التي تخلصت من الاستعمار الفرنسي في عهد نابليون، ولكنها لم تحقق أكثر من مظاهر سطحية للدولة في القرنين التاليين؟
من الممكن إلقاء اللوم في فشل أقل من نصف دستة من الدول الفاشلة على مستعمريهم الغربيين. ولكن لماذا تأتي باكستان في المرتبة رقم 12 والهند في المرتبة رقم 76 على الرغم من أنهما مشتركتان في تاريخ الاستعمار البريطاني ذاته؟ ولماذا جاء ساحل العاج في المركز 10 والسنغال في المركز 85، في حين كانت كلتاهما تحت الاستعمار الفرنسي؟ رغم النشأة الاستعمارية ذاتها فإن النتائج مختلفة تماما.
«بعض الدول مقدر لها أن تفشل»
من المؤسف أن هذا صحيح. على الرغم من أن بعض الدول الفاشلة ليس لها إلا أن تلوم ذاتها، أو نخبها السياسية الفاسدة أو الوحشية، فإن هناك دولا لم تسنح لها فرصة البداية. نحن نواجه هنا مشكلة تسمية. يوحي مصطلح «فاشلة» على نحو خاطئ بحالة تسبق النجاح. في الواقع، الكثير من الدول التي تحتل المراكز الأولى في قائمة الدول الفاشلة لم ترق مطلقا إلى مرحلة إقامة دولة كاملة. من بين أعلى 20 دولة يوجد 14 دولة أفريقية، كثير منها، بما فيها نيجيريا وغينيا وبالطبع الكونغو، يضم قبائل أو جماعات عرقية ذات شعور ضئيل بالهوية المشتركة وخبرة منعدمة عن الحكومة الحديثة. (ربما يتحمل الاستعمار اللوم في هذا النموذج تحديدا، حيث إن القوى الأوروبية هي التي رسمت الحدود المشكوك بها) وفقا لتعبير الروائي في سي نايبول، إنها «مجتمعات غير مكتملة الصنع»، حبيسة ماض لم يعد من الممكن العيش فيه ومستقبل لا يمكن الوصول إليه بعد. لقد «فشلت» هذه الدول عندما أيقظت الحداثة آمالا ورغبات (وخصومات) جديدة اجتاحت مؤسسات الدولة الضعيفة أو سعى القادة إلى استغلالها.
ماذا يفعل العالم حيال تلك الدول غير الشرعية؟ الإجابة أن يسعى إلى تقليل حجم الضرر الناتج عنها أو إليها بوقف تدفق المخدرات من وإلى غينيا، أو الاستعانة بقوات حفظ السلام من أجل منع امتداد العنف من دارفور وتشاد إلى جمهورية أفريقيا الوسطى. وأن يساند المنظمات الإقليمية أو شبه الإقليمية التي تشمل مناطق تلك الدول (مثل الاتحاد الأفريقي أو المجتمع الاقتصادي لدول غرب أفريقيا). وأن يعترف العالم بأنه حتى في المناطق التي لا تشكل تهديدا مهما للغرب، يتطلب الواجب الأخلاقي على من يستطيع المساعدة أن يساعد على تخفيف المعاناة.
«تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة تجاه الدول الفاشلة»
ربما لا. من أبرز الانتقادات التي تواجه سياسة إدارة أوباما الخارجية، على الرغم من أن الرئيس تحدث مرارا عن الخطر الذي تشكله الدول الفاشلة، أنه لم يصغ سياسة متماسكة لمنع أو معالجة فشل الدول. تعاني الإدارة من حساسية تجاه هذه القضية، في أثناء عمل آن ماري سلوتر كرئيسة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا، أشارت إلى أن استراتيجية مكافحة الإرهاب العسكرية - المدنية في أفغانستان قد تعتبر «علبة بتري» لتلك السياسة، وأن جهود بناء الدولة بعد الزلزال في هاييتي، بالتعاون على مستوى رفيع مع شركاء دوليين، قد تكون نموذجا بديلا. ولكن اليوم، يعترف حتى المدافعون عن جهود الإدارة واسعة النطاق في أفغانستان على أن محاولة نشر الحكم الرشيد هناك فشلت إلى حد كبير، بينما بعد عام من زلزال هاييتي بدأت بالكاد جهود إعمار الدولة هناك.
ربما تكمن المشكلة في أسلوب تفكيرنا في الدول الفاشلة ككتلة واحدة. ما معنى أن يكون لدينا سياسة واحدة تغطي كلا من هاييتي وأفغانستان؟ وما القالب الذي يمكنه أن يقدم مجموعة مفيدة من الخيارات للمسؤولين الأميركيين في اليمن، حيث يشكل فشل الدولة تهديدا مباشرا للمصالح الأميركية، وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث لا توجد أهمية استراتيجية؟ وما هي السياسة التي توفر أي خيارات مفيدة بالنسبة للصومال، أرض الخراب التي تبدو منيعة أمام جميع صور التدخل الخارجي، الجيد أو الشرير؟ في هذه الحالة، قد يكون ترابط السياسة مبالغا فيه.
تسعى إدارة أوباما بالتأكيد إلى مثل هذا الترابط. كرر تقرير التنمية والدبلوماسية الذي يصدر كل اربع سنوات عن وزارة الخارجية الأميركية، في محاولة جديدة لترتيب أدوات «القوة الناعمة»، الانتقادات الموجهة إلى غياب سياسة شاملة، ولكنه أيضا أكد مرحبا على الحاجة إلى تطوير قدرة مدنية لتنفيذ ما يقرر صناع السياسات الحاجة إلى فعله. في الوقت الراهن، تعرقل خيارات السياسة الأميركية عدم وجود قوات مسلحة خارجية على الأقل، ذات قدرات عملية أو «بعثية»، مثل مدربي الشرطة وخبراء صحة ومسؤولين في الصحة العامة ومحاسبي طب شرعي ومحامين (نعم محامين) يمكن نشرهم في الدول الهشة أو مناطق ما بعد الصراع. توجد حاجة إلى أشخاص يقومون بهذه المهام. ولكن من المؤسف أن أعضاء الكونغرس الجمهوريين يبدون مصممين على التخلص من أي زيادة في القدرات غير العسكرية. يبدو المحافظون أكثر ارتياحا مع التهديدات قديمة الطراز التي تشكلها دول قوية مثل الصين وإيران وروسيا. ربما لا يزعجهم غياب استراتيجية للتعامل مع دول فاشلة لأنهم لا يقلقون بشأن الدول الفاشلة.
«لا يفلح التدخل العسكري مطلقا»
خطأ. يذكرنا ثبات تصنيف الدول الفاشلة من عام إلى آخر بأن الأمراض المتعددة التي ابتليت بها تلك المناطق تقاوم العلاج بشدة، سواء على يد أطراف محلية أو خارجية. ومن المؤكد أن نموذجي أفغانستان وهاييتي، علبتا بتري لعام 2010، ليسا مشجعين. ولكن هناك بصيص ضوء، من الغريب أنه يتضمن التدخل العسكري. تراجعت كل من ليبيريا وسيراليون عن الوقوع في الفوضى الشاملة في الأعوام الأخيرة، وهما الآن في سلام. ربما ينطبق الشيء ذاته على ساحل العاج في المستقبل، رغم أنه ما زال من المبكر للغاية تحديد ذلك بعد الحرب الأهلية الدموية القصيرة التي وقعت هذا العام بعد الانتخابات. من جانب آخر حسّن العراق، الذي بدا أن سقوطه بلا نهاية منذ خمسة أعوام، مركزه في القائمة بعد أن انحسر العنف الطائفي على مدار العام الماضي، حيث أصبح في المركز التاسع بدلا من السابع.
التدخل المقصود ليس أن حل الدول الفاشلة هو إرسال قوات مارينز، ولكن في بعض لحظات الأزمة القصوى، من الممكن أن تحول أطراف خارجية مسار الدول الفاشلة باستخدام القوة للإطاحة بالحكام الوحشيين أو منعهم من الاستحواذ على السلطة. ولكن التدخل في حد ذاته علامة على الفشل، الفشل في ترقب لحظة الأزمة. تحتاج أي سياسة جديدة نحو الدول الفاشلة إلى التركيز على الوقاية بدلا من رد الفعل، ليس لتجنب الحاجة إلى استخدام القوة العسكرية فقط، بل لأنه في العديد من المناطق لن يكون التدخل ممكنا ببساطة. على سبيل المثال، هناك حاجة إلى معرفة أن تايلند تتعرض لخطر الوقوع في أزمة سياسية، لأنه في حين تملك الدول المجاورة والقوى الغربية الأدوات الدبلوماسية لتجنب الأزمة، لا يمكنها فعل شيء إذا اندلعت أحداث عنف. أبرز الأمثلة على التداعيات المؤسفة لتجاهل الإنذار المبكر هي رواندا، حيث تجاهل مسؤولو الأمم المتحدة ومجلس الأمن التحذيرات المتكررة بأن هناك تطهيرا عرقيا على وشك الوقوع، وتحركوا فقط بعد أن أصبح الوقت متأخرا للغاية لوقف أعمال القتل.
«لا يمكن مساعدة الدول الفاشلة»
من الممكن مساعدة بعضها. ماذا يمكن أن تفعل الأطراف الخارجية عندما تمر لحظة القدرة على فعل الشيء؟ ماذا يمكنها أن تفعل لتعزيز التصالح بين القبائل في كينيا، وتقوية الحكم المدني في باكستان، والمساعدة على إنشاء قاعدة اقتصادية تحل محل الموارد المتضائلة للنفط في اليمن؟ من المؤكد أن هذه الأسئلة مختلفة تماما، ولكن الإجابة عليها مشتركة: يعتمد الأمر على رغبة الدولة في الحصول على المساعدة. لا يمكن أن تقدم الأطراف الخارجية شيئا في زيمبابوي طالما استمر روبرت موغابي في الحكم، حيث إنه مستعد لتدمير بلاده من أجل الحفاظ على حكمه لها. أفضل ما تستطيع الأطراف الخارجية فعله هو الضغط عليه أو رشوته هو ومقربيه من أجل الرحيل. من جانب آخر، ربما تستطيع القوى الخارجية أن تصل إلى صفقة كبيرة في ليبيريا، حيث دعا الرئيس إيلين جونسون سيرليف مسؤولي الأمم المتحدة إلى العمل داخل وزارات دولته لتقديم الخبرة ومنع الفساد. ربما ينطبق التناقض ذاته على السودان، دولة الحكم الفردي المطلق التي تطفو فوق ثروة من النفط، وجنوب السودان، الدولة الجديدة التي ولدت عاجزة ولكنها ذات قيادة سياسية شرعية (على الرغم من أن هناك خطرا حقيقيا بأن تدخل الدولتان في دوامة من العنف بسبب استحواذ السودان المفاجئ على منطقة أبيي الحدودية).
تجدر رؤية مشكلة الدول الفاشلة وفقا لمنظور تكنوقراطي. في كتاب «إصلاح الدول الفاشلة»، دفع أشرف غاني وكلير لوكهارت بأن الدول الفاشلة تحتاج إلى الاتصال بالأسواق العالمية وأن تحرر طاقاتها الإبداعية. وهي تفعل ذلك. ولكن يرى الحكام الدكتاتوريون أن الحرية الاقتصادية والسياسية تشكل تهديدا لحكمهم. سيعمل اللواءات الذين يحكمون بورما، على سبيل المثال، على التأكد من أنه لن يستفيد أحد سواهم وأصدقاؤهم من الأسواق العالمية. فلا توجد هنا سياسة هروب أو رغبة سياسية. تحتاج الدول البائسة، مثل ليبيريا، إلى المساعدة، وفي بعض الأحيان من الممكن مساعدتها. من جانب آخر، تستغل الدول المتعمدة مثل بورما أو السودان المساعدة الخارجية في أغراضها الخاصة. ومن المؤسف أن الدول المتعمدة هي التي تشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة والغرب. لذلك هناك اقتراح: ربما يمكننا صياغة سياسة جديدة نحو الدول الفاشلة، لمساعدة الدول التي تستحق، التي يمكن مساعدتها، ولتحجيم الضرر الناتج عن الدول الأخرى.