- الأربعاء ديسمبر 14, 2011 8:30 am
#42157
يمر حزب العدالة والتنمية التركي بفترة غير مسبوقة من النجاح السياسي. في الوقت الذي يقود فيه رئيس الوزراء أردوغان حزبه إلى فوز انتخابي ساحق، يواجه مسؤولية الاستفادة من تركيا التي تشهد ثقة جديدة بذاتها. سيكون أول تحد يواجهه أردوغان هو الإشراف على صياغة دستور جديد.
بعد فوزه في عام 2002، وفوزه الساحق في عام 2007، واكتساحه بالغالبية في 12 يونيو (حزيران) من العام الحالي، لم تشهد تركيا مطلقا حزبا مثل العدالة والتنمية.
منح نصف الناخبين الأتراك أصواتهم لهذا الحزب. ويبدو أن جاذبيته محصنة ضد الإرهاق الانتخابي حيث حاز على نسبة أعلى من الأصوات في ثلاثة انتخابات متعاقبة، وهو ما لم يحققه أي حزب تركي آخر. ليس غريبا أن يقف آلاف من مؤيدي الحزب وهم يهتفون خارج مقره يوم السبت الماضي: "تركيا فخورة بك".
ما هو السر إذن؟ ببساطة لم تكن أحوال الأتراك مطلقا أفضل مما هي عليه الآن.
وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد عقد من الازدهار النسبي ثم الكساد الذي وصل إلى ذروته في الأزمة المصرفية عام 2002، عندما ألقى الرئيس نسخة من الدستور في وجه رئيس الوزراء الذي أخبر الصحافيين. وانخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 10 في المائة تقريبا.
منذ ذلك الحين تضاعف حجم الاقتصاد التركي ثلاثة أضعاف. وصعدت سوق الأوراق المالية بنسبة 600 في المائة تقريبا. وبعد أن كانت تركيا اقتصاديا تشبه البيت المصنوع من الورق، تجاهلت الأزمة العالمية الأخيرة: حيث حققت معدل نمو بلغ 8 في المائة في العام الماضي، ويقدر نموها في العام الحالي بأكثر من 5 في المائة.
عاد هذا النمو بالنفع على الجميع، المستثمرين الأجانب، وعائلات الأعمال العريقة في تركيا، مثل عائلتي كوك وسابانسي، التي حصلت على نصيب الأسد بشرائها شركات الدولة التي تمت خصخصتها فيما بين عامي 2003 و2007، ورجال الأعمال المفضلين لدى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، مع قصص صعودهم السريع من الفقر إلى الثراء، ومدن الأناضول التي تحولت سريعا إلى مجال التصنيع.
ولكن أكبر المستفيدين على الأرجح هم ملايين الأتراك الذين ولدوا يعانون من الفقر، وأصبح مسموحا لهم بأن يحلموا بالانضمام إلى الطبقة الوسطى على الرغم من تواضع حلمهم.
هؤلاء هم الأشخاص الذين خاطبهم أردوغان عندما قال مساء يوم الأحد: "نحن هنا ليس لنصبح أسيادا عليكم، بل لنخدمكم". استهدف برنامج إصلاح شامل في قطاع الصحة هؤلاء الجماهير، وكذلك أيضا خطط دعم أسر الأطفال في عمر التعليم المدرسي. كما تم بناء الوحدات السكنية زهيدة الثمن البالغ عددها 350000 شقة تحت إشرافه من أجلهم، ويجري حاليا بناء 150000 شقة أخرى.
قال المعلق السياسي سدات إرغين: "إذا لم يكسر الشيء فلا تصلحه. كانت هذه هي فكرة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية هذه المرة. وقد نجحت". ويشير إرغين إلى أن 48 في المائة من الأتراك الذين سألهم مركز بيو الأميركي لاستطلاعات الرأي في 7 يونيو وصفوا أنفسهم بأنهم "سعداء" بحياتهم، وهي نسبة أقل من تلك التي فازت بها الحكومة في يوم الأحد. "فلماذا يصوتون من أجل التغيير؟".
لقد غير التحول الاقتصادي عقليات الناس أيضا.
طوال فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي أعوام الحكومات الائتلافية المتشاحنة والحرب الكردية الوحشية، اعتاد كاتب تركي كبير إنهاء مقاله بسؤال: "متى سنكبر؟".
وكانت إجاباته على السؤال تتغير يوما بعد يوم: عندما نتوقف عن وضع أصابعنا في أنوفنا أمام الناس، عندما نتعلم فتح الباب أمام السيدات. أيا كانت الأمثلة التي يجيب بها، فهي تمثل عقدة دونية ترسخت في قرون من الانحدار العثماني، واقتناع المحدثين الجمهوريين بأن الشعب عبارة عن أطفال متخلفين عليهم الانتظام في الصف.
يتمثل أعظم نجاح حققه أردوغان في تدمير النظام المعادي للديمقراطية الناتج عن هذا الأسلوب. بداية من عام 2002 وما بعدها، كان حزبه في حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى ضد وصاية النخبة البيروقراطية بقيادة الجيش والتي تعتبر ذاتها أرقى من السياسيين المنتخبين.
هزم أردوغان الجيش، الذي هدد بالتدخل في عام 2007، وواجه مؤيديه في القضاء الذين حاولوا حل حزبه في عام 2008.
هزمهم لأنه يملك تأييدا شعبيا. لقد جعلت أحلام الاستقرار والرخاء الشعب طموحا ومشاكسا. وولت أيام خلع القبعات أمام من يفترض أنهم مميزون. منذ عام 1960، أطاح الجيش بأربع حكومات منتخبة، ولكن بعد 12 يونيو، من الصعب أن نتخيل إمكانية تكرار ذلك.
لقد ذهب النظام القديم. ولكن كيف سيكون شكل تركيا حديثة الثقة بالنفس بقيادة حزب العدالة والتنمية؟ وهل تصبح دولة يديرها مدنيون بالضرورة أكثر ديمقراطية من تلك التي تدور فيها الحياة السياسية في ظل الجيش؟
على الرغم من حديث حزب العدالة والتنمية عن "الديمقراطية التقدمية"، يقول العديد من الأتراك إنهم لا يعرفون شيئا. يقول المحلل السياسي متين منير: "إن تركيا موقع بناء سياسي أزيلت منه الأسس القديمة، ولكن لا توجد خطة عمل من أجل المستقبل. لا نعرف ما هو نوع النظام الذي يحلم به أردوغان".
على الأرجح سنعرف ذلك قريبا: فقد جعل صياغة ما وصفه يوم الأحد بدستور "ليبرالي مدني جديد" في أولوية فترة حكومته الثالثة.
يوافق الأتراك من جميع الفئات على ضرورة تغيير الدستور الحالي، حيث إن الدستور، الذي وضع برعاية الجيش في عام 1982، أصبح غير ملائم لدولة سريعة النمو.
ولكن يساور البعض شكوك جادة حول نوايا حزب العدالة والتنمية. يكمن جزء من المشكلة في أردوغان ذاته، حيث يتزايد حكمه المطلق وعدم تقبله للنقد مع زيادة سلطته. ولكن يرى المحللون أن المشكلة تكمن في المفاهيم الواسعة للديمقراطية في تركيا. يقول متين منير: "إن الحكام الأتراك، مثل السلاطنة العثمانيين، يفكرون في سلطة الدولة ككل"، وليس في مجموعة دقيقة من الضوابط والتوازنات.
ولا يبدو أن أردوغان استنثاء لهذه القاعدة. في إطار الحملة الانتخابية قبل يوم الأحد الماضي، لم يخف حقيقة أنه أراد غالبية كاسحة في البرلمان، حتى يتمكن حزبه من صياغة الدستور الجديد والتصديق عليه دون التشاور مع المعارضة. وقد فشل في الحصول على هذا التفويض، وتعهد بالتوصل إلى تسوية في الخطاب الذي ألقاه بعد الفوز.
وقبل الشروع في ترديد أغنية يرجع أصلها إلى موطنه في البحر الأسود، التفت إلى الجماهير وقال: "ما فعلناه ضمان لما سنفعله". وهتف مؤيدوه مبتهجين، وتنهد المشككون وهم يفكرون: وهذه تحديدا هي المشكلة.
بعد فوزه في عام 2002، وفوزه الساحق في عام 2007، واكتساحه بالغالبية في 12 يونيو (حزيران) من العام الحالي، لم تشهد تركيا مطلقا حزبا مثل العدالة والتنمية.
منح نصف الناخبين الأتراك أصواتهم لهذا الحزب. ويبدو أن جاذبيته محصنة ضد الإرهاق الانتخابي حيث حاز على نسبة أعلى من الأصوات في ثلاثة انتخابات متعاقبة، وهو ما لم يحققه أي حزب تركي آخر. ليس غريبا أن يقف آلاف من مؤيدي الحزب وهم يهتفون خارج مقره يوم السبت الماضي: "تركيا فخورة بك".
ما هو السر إذن؟ ببساطة لم تكن أحوال الأتراك مطلقا أفضل مما هي عليه الآن.
وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بعد عقد من الازدهار النسبي ثم الكساد الذي وصل إلى ذروته في الأزمة المصرفية عام 2002، عندما ألقى الرئيس نسخة من الدستور في وجه رئيس الوزراء الذي أخبر الصحافيين. وانخفض إجمالي الناتج المحلي للبلاد بنسبة 10 في المائة تقريبا.
منذ ذلك الحين تضاعف حجم الاقتصاد التركي ثلاثة أضعاف. وصعدت سوق الأوراق المالية بنسبة 600 في المائة تقريبا. وبعد أن كانت تركيا اقتصاديا تشبه البيت المصنوع من الورق، تجاهلت الأزمة العالمية الأخيرة: حيث حققت معدل نمو بلغ 8 في المائة في العام الماضي، ويقدر نموها في العام الحالي بأكثر من 5 في المائة.
عاد هذا النمو بالنفع على الجميع، المستثمرين الأجانب، وعائلات الأعمال العريقة في تركيا، مثل عائلتي كوك وسابانسي، التي حصلت على نصيب الأسد بشرائها شركات الدولة التي تمت خصخصتها فيما بين عامي 2003 و2007، ورجال الأعمال المفضلين لدى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، مع قصص صعودهم السريع من الفقر إلى الثراء، ومدن الأناضول التي تحولت سريعا إلى مجال التصنيع.
ولكن أكبر المستفيدين على الأرجح هم ملايين الأتراك الذين ولدوا يعانون من الفقر، وأصبح مسموحا لهم بأن يحلموا بالانضمام إلى الطبقة الوسطى على الرغم من تواضع حلمهم.
هؤلاء هم الأشخاص الذين خاطبهم أردوغان عندما قال مساء يوم الأحد: "نحن هنا ليس لنصبح أسيادا عليكم، بل لنخدمكم". استهدف برنامج إصلاح شامل في قطاع الصحة هؤلاء الجماهير، وكذلك أيضا خطط دعم أسر الأطفال في عمر التعليم المدرسي. كما تم بناء الوحدات السكنية زهيدة الثمن البالغ عددها 350000 شقة تحت إشرافه من أجلهم، ويجري حاليا بناء 150000 شقة أخرى.
قال المعلق السياسي سدات إرغين: "إذا لم يكسر الشيء فلا تصلحه. كانت هذه هي فكرة الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية هذه المرة. وقد نجحت". ويشير إرغين إلى أن 48 في المائة من الأتراك الذين سألهم مركز بيو الأميركي لاستطلاعات الرأي في 7 يونيو وصفوا أنفسهم بأنهم "سعداء" بحياتهم، وهي نسبة أقل من تلك التي فازت بها الحكومة في يوم الأحد. "فلماذا يصوتون من أجل التغيير؟".
لقد غير التحول الاقتصادي عقليات الناس أيضا.
طوال فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي أعوام الحكومات الائتلافية المتشاحنة والحرب الكردية الوحشية، اعتاد كاتب تركي كبير إنهاء مقاله بسؤال: "متى سنكبر؟".
وكانت إجاباته على السؤال تتغير يوما بعد يوم: عندما نتوقف عن وضع أصابعنا في أنوفنا أمام الناس، عندما نتعلم فتح الباب أمام السيدات. أيا كانت الأمثلة التي يجيب بها، فهي تمثل عقدة دونية ترسخت في قرون من الانحدار العثماني، واقتناع المحدثين الجمهوريين بأن الشعب عبارة عن أطفال متخلفين عليهم الانتظام في الصف.
يتمثل أعظم نجاح حققه أردوغان في تدمير النظام المعادي للديمقراطية الناتج عن هذا الأسلوب. بداية من عام 2002 وما بعدها، كان حزبه في حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى ضد وصاية النخبة البيروقراطية بقيادة الجيش والتي تعتبر ذاتها أرقى من السياسيين المنتخبين.
هزم أردوغان الجيش، الذي هدد بالتدخل في عام 2007، وواجه مؤيديه في القضاء الذين حاولوا حل حزبه في عام 2008.
هزمهم لأنه يملك تأييدا شعبيا. لقد جعلت أحلام الاستقرار والرخاء الشعب طموحا ومشاكسا. وولت أيام خلع القبعات أمام من يفترض أنهم مميزون. منذ عام 1960، أطاح الجيش بأربع حكومات منتخبة، ولكن بعد 12 يونيو، من الصعب أن نتخيل إمكانية تكرار ذلك.
لقد ذهب النظام القديم. ولكن كيف سيكون شكل تركيا حديثة الثقة بالنفس بقيادة حزب العدالة والتنمية؟ وهل تصبح دولة يديرها مدنيون بالضرورة أكثر ديمقراطية من تلك التي تدور فيها الحياة السياسية في ظل الجيش؟
على الرغم من حديث حزب العدالة والتنمية عن "الديمقراطية التقدمية"، يقول العديد من الأتراك إنهم لا يعرفون شيئا. يقول المحلل السياسي متين منير: "إن تركيا موقع بناء سياسي أزيلت منه الأسس القديمة، ولكن لا توجد خطة عمل من أجل المستقبل. لا نعرف ما هو نوع النظام الذي يحلم به أردوغان".
على الأرجح سنعرف ذلك قريبا: فقد جعل صياغة ما وصفه يوم الأحد بدستور "ليبرالي مدني جديد" في أولوية فترة حكومته الثالثة.
يوافق الأتراك من جميع الفئات على ضرورة تغيير الدستور الحالي، حيث إن الدستور، الذي وضع برعاية الجيش في عام 1982، أصبح غير ملائم لدولة سريعة النمو.
ولكن يساور البعض شكوك جادة حول نوايا حزب العدالة والتنمية. يكمن جزء من المشكلة في أردوغان ذاته، حيث يتزايد حكمه المطلق وعدم تقبله للنقد مع زيادة سلطته. ولكن يرى المحللون أن المشكلة تكمن في المفاهيم الواسعة للديمقراطية في تركيا. يقول متين منير: "إن الحكام الأتراك، مثل السلاطنة العثمانيين، يفكرون في سلطة الدولة ككل"، وليس في مجموعة دقيقة من الضوابط والتوازنات.
ولا يبدو أن أردوغان استنثاء لهذه القاعدة. في إطار الحملة الانتخابية قبل يوم الأحد الماضي، لم يخف حقيقة أنه أراد غالبية كاسحة في البرلمان، حتى يتمكن حزبه من صياغة الدستور الجديد والتصديق عليه دون التشاور مع المعارضة. وقد فشل في الحصول على هذا التفويض، وتعهد بالتوصل إلى تسوية في الخطاب الذي ألقاه بعد الفوز.
وقبل الشروع في ترديد أغنية يرجع أصلها إلى موطنه في البحر الأسود، التفت إلى الجماهير وقال: "ما فعلناه ضمان لما سنفعله". وهتف مؤيدوه مبتهجين، وتنهد المشككون وهم يفكرون: وهذه تحديدا هي المشكلة.