التقدم الى الخلف
مرسل: الأربعاء ديسمبر 14, 2011 8:33 am
مع انحسار أعمال العنف بصورة كبيرة، وارتفاع فائض الميزانية، وتوجه الشعب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مسؤوليه نحو ست مرات منذ عام 2003، يبدو أن الاحتجاجات التي تشهدها شوارع العراق لا تتماشى مع ما يحدث.
ربما تكون مشكلة العراق أن سياسييه لا يعرفون كيف يتخلصون من أوجه القصور ومحاربة الفساد، مما يعني أنه حتى إذا انتخب العراقيون مسؤولين جددا لديهم نيات طيبة يخططون من أجل تحسين الأوضاع، ربما تستمر البلاد في المعاناة من حكومة غير مؤهلة.
كتب سرمد الطائي، رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية السياسية العلمانية في العراق، في افتتاحيته في جريدة «العالم»: «يبدو أن بلادنا تغلبت على مشكلة العنف. ويبدو أيضا أننا نعيش في رخاء بعد أن انتشر فائض الميزانية في كل مكان. لقد تجاوزنا الخلافات الطائفية حيث انضمت جميع الكتل إلى مجلس الوزراء، ولكن تظل مشكلة واحدة (بسيطة) فقط وهي تداخل الصلاحيات. هذا ما يعرقل عملية البناء والتقدم».
صرح الطائي لـ«المجلة» أن الساسة العراقيين وصلوا إلى طريق مسدود بشأن كيفية دفع البلاد إلى التقدم. وقال: «تسأل نفسك، كيف تفعل الدول الأخرى ذلك؟ كيف يبنون ويتطورون؟».
يبدو تقييم الطائي لانحسار العنف وزيادة الرخاء صحيحا. تظهر الأرقام أنه على الرغم من ارتفاع عدد التفجيرات التي استهدفت مدنيين في شهر يناير (كانون الثاني)، فإن عدد الضحايا ظل نحو 250، مساويا لعدد الضحايا الذين سقطوا في أكتوبر (تشرين الأول) وأعلى قليلا من أعداد الضحايا في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، اللذين شهدا أقل عدد لسقوط ضحايا منذ اندلاع الحرب في مارس (آذار) عام 2003.
تؤيد الأدلة أيضا ما قاله الطائي من أن موارد البلاد تشهد تحسنا. لقد حققت واشنطن معجزة بإقناعها دول نادي باريس بإسقاط أجزاء كبيرة من الدين العراقي. ووفقا للبنك المركزي العراقي، وصلت الديون الحالية على العراق إلى 60 مليار دولار، أو 72 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ويبدو أنه من الممكن التعامل معها، نظرا لأن العراق يملك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم. والأفضل من ذلك هو أن 45 مليار دولار فقط من هذا الدين خارجي، وأهم الدول التي يدين لها العراق هي روسيا والسعودية والكويت. وقد تعهدت جميعا بالتفاوض من أجل تخفيض دفعات السداد.
في الشهر الماضي، أقر البرلمان العراقي ميزانية عام 2011 بمبلغ 82.6 مليار دولار، بناء على حسابات بأن العراق سينتج 2.2 مليون برميل من النفط يوميا، بمتوسط سعر 72 دولارا للبرميل. ولكن نظرا للاضطرابات الإقليمية، ارتفعت صادرات النفط، مما يشير إلى أن ميزانية العراق لعام 2011 ستشهد فائضا جيدا.
ومع انحسار العنف بصورة كبيرة وارتفاع الفائض وتوجه الشعب نحو صناديق الاقتراع لانتخاب مسؤوليه ست مرات منذ عام 2003، يبدو أن الاحتجاجات الشعبية في العراق لا تتماشى مع المكان.
يقدم الطائي عددا من الإجابات. قال إن صحيفته حاورت مسؤولين، هما عمدة بغداد صرح عبد الرازق، والقائم بأعمال عمدة البصرة نزار رابح، الذي حل محل شلتاغ عبود بعد استقالة الأخير تحت ضغط من احتجاجات الشارع. يعتبر الرجلان من أتباع رئيس الوزراء نوري المالكي. وقالا إن عقد انتخابات العمودية (التي أجريت آخر مرة نهاية عام 2008) لن تنهي غضب الشارع، لأن من يأتون بعدهم لن يتمكنوا من فعل المزيد عما يتم عمله الآن. كانت المشكلة، كما صرح المحافظون لصحيفة الطائي، هي «تداخل الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية ومجالس المحافظات».
علق الطائي: «إنها مفارقة أن يتذمر هذان الرجلان، وهما من تلاميذ المالكي». وأضاف قائلا: «على النقيض يجب أن يكونا قادرين على القيام بمهامهما نظرا لأن الحكومة الفيدرالية تحت سيطرة رئيسهما. تخيل الوضع لو كان أحد من خصوم المالكي هو الذي يحكم، لم يكونا سيجدان فعليا أي فرصة لدى الاتصال ببغداد».
إن قصة «تداخل الصلاحيات» كلاسيكية في الأنظمة البيروقراطية. أحيانا ما تسعى العديد من الهيئات في أي دولة إلى السيطرة في الوقت الذي يسعى فيه البيروقراطيون إلى الدفاع عن مضمارهم وتوسعة نفوذهم ليتجاوزوا الآخرين. ولكن من جانبهم نفد صبر العراقيين أمام أداء مسؤوليهم المنتخبين، بغض النظر عن التداخل أو عدمه، لا سيما بعد عجزهم عن توزيع فائض الميزانية نظرا لثغرات إدارية وقصور. أجبر نفاد صبر الشعب العراقي، مع حالة الثورة التي تنتشر في جميع أنحاء المنطقة ضد المؤسسات، الحكومة الفيدرالية العراقية والعمد والسياسيين على إظهار الاهتمام بتحسين آداء الدولة.
ولكن ربما تكمن مشكلة العراق في أن سياسييه لا يعرفون كيفية التخلص من أوجه القصور في الدولة أو محاربة الفساد. أجرى مقتدى الصدر، رجل الدين الشاب الذي تحول من قائد ميليشيا إلى زعيم سياسي من العيار الثقيل، استطلاعا للرأي، جاء في السطر الأول فيه: «إيمانا منا برأي الشعب العراقي الحبيب، وأهمية استشارته في القضايا المهمة، نطرح الأسئلة التالية التي نأمل أن تجيب عليها بدقة ودون تأثير أجنبي أو وفقا للمشاعر، ولكن بالتفكير العقلاني فقط».
كان السؤال الأول عن حالة «الخدمات» مثل الكهرباء والمياه و«غيرها»، وكانت الإجابات المتاحة أربع: جيدة أو سيئة أو أقل من ذلك أو غير ذلك. وجاء نص السؤال التالي: «هل تريد من الحكومة أن تحسن من هذه الخدمات؟». وكان السؤال الثالث: «إذا لم تستجب الحكومة في خلال ستة أشهر، فهل تخرج في مظاهرات سلمية دون تخريب الممتلكات العامة؟».
بالنسبة لشخص يسيطر على كتلة برلمانية مكونة من 40 مقعدا من إجمالي 325 مقعدا في البرلمان، ومن بين رجاله نائب الرئيس، ونائب رئيس المجلس، وعدد من الوزراء، يظهر الاستطلاع الذي يحمل توقيعه مستوى من عدم الكفاءة يثير القلق. جمع السؤال الأول جميع خدمات الدولة في مجموعة واحدة. بينما أبطل السؤال الثاني السؤال الأول لأنه يعتمد على افتراض بأن الغالبية ستصف الخدمات بـ«السيئة»، وبذلك سيطلبون من حكومتهم أن «تحسنها». يضع السؤال الثالث موعدا نهائيا تخيليا بستة أشهر، قبل أن يحتج العراقيون بالصورة التي يحاول الاستبيان توضيحها.
استطلاع الصدر مجرد نموذج يظهر أن معظم السياسيين العراقيين، بل وأصحاب الثقل منهم، لديهم فكرة بسيطة، أو ليست لديهم فكرة، عن إجراء استطلاع للرأي، ناهيك عن إدارة دولة. لعله يجب على الصدر أن يلجأ لـ«التفكير العقلاني» قبل أن يرسل فريقه لاستطلاع آراء العراقيين.
يقول الطائي: «الإصلاح هو ما لن يستطيع أن ينفذه السياسيون العراقيون، الذين يسعون إلى النفوذ الخارجي. يبدو أن الإصلاح يحتاج إلى مطرقة الشعب الذي أصابه السأم من الانتظار».
ربما تكون مشكلة العراق أن سياسييه لا يعرفون كيف يتخلصون من أوجه القصور ومحاربة الفساد، مما يعني أنه حتى إذا انتخب العراقيون مسؤولين جددا لديهم نيات طيبة يخططون من أجل تحسين الأوضاع، ربما تستمر البلاد في المعاناة من حكومة غير مؤهلة.
كتب سرمد الطائي، رئيس تحرير إحدى الصحف اليومية السياسية العلمانية في العراق، في افتتاحيته في جريدة «العالم»: «يبدو أن بلادنا تغلبت على مشكلة العنف. ويبدو أيضا أننا نعيش في رخاء بعد أن انتشر فائض الميزانية في كل مكان. لقد تجاوزنا الخلافات الطائفية حيث انضمت جميع الكتل إلى مجلس الوزراء، ولكن تظل مشكلة واحدة (بسيطة) فقط وهي تداخل الصلاحيات. هذا ما يعرقل عملية البناء والتقدم».
صرح الطائي لـ«المجلة» أن الساسة العراقيين وصلوا إلى طريق مسدود بشأن كيفية دفع البلاد إلى التقدم. وقال: «تسأل نفسك، كيف تفعل الدول الأخرى ذلك؟ كيف يبنون ويتطورون؟».
يبدو تقييم الطائي لانحسار العنف وزيادة الرخاء صحيحا. تظهر الأرقام أنه على الرغم من ارتفاع عدد التفجيرات التي استهدفت مدنيين في شهر يناير (كانون الثاني)، فإن عدد الضحايا ظل نحو 250، مساويا لعدد الضحايا الذين سقطوا في أكتوبر (تشرين الأول) وأعلى قليلا من أعداد الضحايا في نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، اللذين شهدا أقل عدد لسقوط ضحايا منذ اندلاع الحرب في مارس (آذار) عام 2003.
تؤيد الأدلة أيضا ما قاله الطائي من أن موارد البلاد تشهد تحسنا. لقد حققت واشنطن معجزة بإقناعها دول نادي باريس بإسقاط أجزاء كبيرة من الدين العراقي. ووفقا للبنك المركزي العراقي، وصلت الديون الحالية على العراق إلى 60 مليار دولار، أو 72 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ويبدو أنه من الممكن التعامل معها، نظرا لأن العراق يملك ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم. والأفضل من ذلك هو أن 45 مليار دولار فقط من هذا الدين خارجي، وأهم الدول التي يدين لها العراق هي روسيا والسعودية والكويت. وقد تعهدت جميعا بالتفاوض من أجل تخفيض دفعات السداد.
في الشهر الماضي، أقر البرلمان العراقي ميزانية عام 2011 بمبلغ 82.6 مليار دولار، بناء على حسابات بأن العراق سينتج 2.2 مليون برميل من النفط يوميا، بمتوسط سعر 72 دولارا للبرميل. ولكن نظرا للاضطرابات الإقليمية، ارتفعت صادرات النفط، مما يشير إلى أن ميزانية العراق لعام 2011 ستشهد فائضا جيدا.
ومع انحسار العنف بصورة كبيرة وارتفاع الفائض وتوجه الشعب نحو صناديق الاقتراع لانتخاب مسؤوليه ست مرات منذ عام 2003، يبدو أن الاحتجاجات الشعبية في العراق لا تتماشى مع المكان.
يقدم الطائي عددا من الإجابات. قال إن صحيفته حاورت مسؤولين، هما عمدة بغداد صرح عبد الرازق، والقائم بأعمال عمدة البصرة نزار رابح، الذي حل محل شلتاغ عبود بعد استقالة الأخير تحت ضغط من احتجاجات الشارع. يعتبر الرجلان من أتباع رئيس الوزراء نوري المالكي. وقالا إن عقد انتخابات العمودية (التي أجريت آخر مرة نهاية عام 2008) لن تنهي غضب الشارع، لأن من يأتون بعدهم لن يتمكنوا من فعل المزيد عما يتم عمله الآن. كانت المشكلة، كما صرح المحافظون لصحيفة الطائي، هي «تداخل الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية ومجالس المحافظات».
علق الطائي: «إنها مفارقة أن يتذمر هذان الرجلان، وهما من تلاميذ المالكي». وأضاف قائلا: «على النقيض يجب أن يكونا قادرين على القيام بمهامهما نظرا لأن الحكومة الفيدرالية تحت سيطرة رئيسهما. تخيل الوضع لو كان أحد من خصوم المالكي هو الذي يحكم، لم يكونا سيجدان فعليا أي فرصة لدى الاتصال ببغداد».
إن قصة «تداخل الصلاحيات» كلاسيكية في الأنظمة البيروقراطية. أحيانا ما تسعى العديد من الهيئات في أي دولة إلى السيطرة في الوقت الذي يسعى فيه البيروقراطيون إلى الدفاع عن مضمارهم وتوسعة نفوذهم ليتجاوزوا الآخرين. ولكن من جانبهم نفد صبر العراقيين أمام أداء مسؤوليهم المنتخبين، بغض النظر عن التداخل أو عدمه، لا سيما بعد عجزهم عن توزيع فائض الميزانية نظرا لثغرات إدارية وقصور. أجبر نفاد صبر الشعب العراقي، مع حالة الثورة التي تنتشر في جميع أنحاء المنطقة ضد المؤسسات، الحكومة الفيدرالية العراقية والعمد والسياسيين على إظهار الاهتمام بتحسين آداء الدولة.
ولكن ربما تكمن مشكلة العراق في أن سياسييه لا يعرفون كيفية التخلص من أوجه القصور في الدولة أو محاربة الفساد. أجرى مقتدى الصدر، رجل الدين الشاب الذي تحول من قائد ميليشيا إلى زعيم سياسي من العيار الثقيل، استطلاعا للرأي، جاء في السطر الأول فيه: «إيمانا منا برأي الشعب العراقي الحبيب، وأهمية استشارته في القضايا المهمة، نطرح الأسئلة التالية التي نأمل أن تجيب عليها بدقة ودون تأثير أجنبي أو وفقا للمشاعر، ولكن بالتفكير العقلاني فقط».
كان السؤال الأول عن حالة «الخدمات» مثل الكهرباء والمياه و«غيرها»، وكانت الإجابات المتاحة أربع: جيدة أو سيئة أو أقل من ذلك أو غير ذلك. وجاء نص السؤال التالي: «هل تريد من الحكومة أن تحسن من هذه الخدمات؟». وكان السؤال الثالث: «إذا لم تستجب الحكومة في خلال ستة أشهر، فهل تخرج في مظاهرات سلمية دون تخريب الممتلكات العامة؟».
بالنسبة لشخص يسيطر على كتلة برلمانية مكونة من 40 مقعدا من إجمالي 325 مقعدا في البرلمان، ومن بين رجاله نائب الرئيس، ونائب رئيس المجلس، وعدد من الوزراء، يظهر الاستطلاع الذي يحمل توقيعه مستوى من عدم الكفاءة يثير القلق. جمع السؤال الأول جميع خدمات الدولة في مجموعة واحدة. بينما أبطل السؤال الثاني السؤال الأول لأنه يعتمد على افتراض بأن الغالبية ستصف الخدمات بـ«السيئة»، وبذلك سيطلبون من حكومتهم أن «تحسنها». يضع السؤال الثالث موعدا نهائيا تخيليا بستة أشهر، قبل أن يحتج العراقيون بالصورة التي يحاول الاستبيان توضيحها.
استطلاع الصدر مجرد نموذج يظهر أن معظم السياسيين العراقيين، بل وأصحاب الثقل منهم، لديهم فكرة بسيطة، أو ليست لديهم فكرة، عن إجراء استطلاع للرأي، ناهيك عن إدارة دولة. لعله يجب على الصدر أن يلجأ لـ«التفكير العقلاني» قبل أن يرسل فريقه لاستطلاع آراء العراقيين.
يقول الطائي: «الإصلاح هو ما لن يستطيع أن ينفذه السياسيون العراقيون، الذين يسعون إلى النفوذ الخارجي. يبدو أن الإصلاح يحتاج إلى مطرقة الشعب الذي أصابه السأم من الانتظار».