مأزق الجيش المصري
مرسل: الأربعاء ديسمبر 14, 2011 8:47 am
رغم تثمين الشارع لجهود القوات المسلحة منذ بدء الإحتجاجات، علامات استفهام عديدة حول موقف الجيش مما يحدث مازالت معلقة دون إجابة. فمنذ نزوله الشارع، كان الفاعل القوي، أو ما أسماه بعض المراقبين العملاق النائم، في المشهد السياسي هو الجيش، حيث حاول طرفا النزاع، المتظاهرون والقيادة السياسية، استمالة الجيش من أجل تحقيق الغلبة على الطرف الآخر.
الإنسحاب المفاجئ للشرطة من الشارع المصري و نزول الجيش كان فيصلاً في اعادة تشكيل خريطة القوى على الساحة في مصر. إلا أن ما مارسه الجيش من حياد، وصفه المتظاهرون بالسلبية، أثناء هجوم البلطجية على ميدان التحرير فيما عُرف "بموقعة الجمال" فتح الباب حول تساؤلات عديدة. لاحقاً، جاء الغموض السياسي حيال طول انتظار تنحي مبارك، مما أدى إلى استنزاف طاقة و قدرات الشعب الإقتصادية، حتى إعلان الرئيس تنحيه مثار تساؤلات كثيرة خاصةً أن تصريحات عمر سليمان، و التي لم تخلُ من مناورة أخيرة، التي أشار فيها إلى أن تنحي مبارك يُعد إهانة للجيش لا يقبلها جعل الصورة تزداد غموضاً، و أحياناً إلتباساً، لدى رجل الشارع.
سقوط رأس النظام المصري و توالي البيانات الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة دخل بعلاقة الجيش والشارع في مرحلة جديدة. هذه المرحلة افتتحها الجيش ببيان مؤثر و فيه "تحية عسكرية لأسر الشهداء والإعلان عن حماية الثورة و تحقيق مطالبها" بحد وصف البيان.
الفرحة الكبيرة التي غمرت الشارع المصري بسقوط مبارك لم تستمر كثيراً حتى خالجها شعور بالحذر، لدى قطاع من المتظاهرين، مما أطال من عمر الإعتصامات في الشارع المصري. فالبيانات التالية للمجلس الأعلى حملت ما اعتبره القراء للمشهد السياسي ايماءات تحتاج تفسيراً، لما يمكن أن تحتمله من تأويل سلبي. فإعلان المجلس بقاءه في السلطة مدة ستة أشهر او حتى اقامة انتخابات حرة في البلاد جعل مسألة بقاء الجيش في السلطة بصورة مؤقتة محل ارتياب لدى المتظاهرين.
إلا أن القرارات التي يجب الإعتراف بكونها كبيرة في وقت قصير نسبياً مثل حل مجالس الشعب و الشورى و حل الدستور و تشكيل لجنة لتعديل مواد محددة بالإضافة إلى تسارع وتيرة سقوط رموز النظام السابق في يد القضاء كان أمراً يتسم بإيجابية لدى المتظاهرين يجب تسجيلها.
ثم تأتي رسائل الجيش عن مطالبة "الشرفاء" بالوقوف في وجه اللامسئولية التي للمضربين، بحد وصف البيان، بالإضافة إلى تجاهل تعليق قانون الطوارئ الذي كان قبضة النظام السابق الثقيلة لمدة الثلاثين عاماً الماضية ضد معارضيه، واستمرار حكومة أحمد شفيق التي عينها مبارك قبل رحيله بكل ما فيها من بقاء لوجوه اعترض عليها الشارع المصري، باستثناء تغيير وزارة سيادية واحدة وهي وزارة الداخلية، جعل الأمر متسماً بالغموض الذي جعل المحتجين في مرحلة من المراحل يعيد النظر في القول بأن "الجيش و الشعب إيد واحدة". هكذا كان الجيش يخطو بحذر مثير للحيرة في الشارع.
ما يمكن قوله حينها هو أن هناك قوتان متناميتان، وبات على الساحة السياسية في مصر مواجهة بين المحتجين والمجلس العسكري، وهو صراع الشارع و المجلس الأعلى للقوات المسلحة. الأمر الذي تفجر لاحقاً في ما عُرف بجمعة الخلاص والتي شهدت اعتصامات متكررة احتشد فيه مئات الآلاف في ميدان التحرير لينادوا بإقالة حكومة شفيق بعد أن رأوا أن الجيش لن يقوم بذلك دون ضغط.
الرسالة وصلت بقوة لدى الجيش. فقد كثفت الآلة الإعلامية الرسمية، كما كانت قبل 25 يناير، الإعلانات و الأناشيد التي تثني على الجيش و دوره في قيادة مصر تماماً كما كانت الطريقة نفسها التي يدار بها الإعلام سابقاً. ثم تتعالى نبرة التحدي بين الجيش و ما أسماه بيان المجلس الأعلى بصراع الشرفاء ضد "العناصر الغير مسئولة."
مع حلول منتصف الليل، بدا أن زمام الأمن والهدوء قد انفلت مما أدى إلى حدوث اشتباك بين الشرطة العسكرية المدججة بالعصي المكهربة وقطاع من المحتجين الذين بقوا في المنطقة إلى ساعة متأخرة من الليل. ولأول مرة منذ نزول الجيش للشارع بات المتظاهرون يرددون شعاراً آخر وهو "بص شوف الشعب بيعمل ايه." بقاء الناس في الأرض و تهاطل التسجيلات على مواقع الإنترنت لرصد ما يحدث في الشارع أنبأ بنتائج قد تكون كارثية إذا ما استمرت وتيرة التصعيد و التي يمكن أن يتزعزع معها وجود الجيش في السلطة.
الرسالة وصلت إلى المجلس الأعلى بصورة كاملة، معركة تكسير العظام التي كانت بين الجيش و الشارع على الأرض انتهت ببقاء الشارع في يد المتظاهرين وأن نتائج استعمال العنف لن تكون في صالح الجيش. قرأ المجلس الأعلى الرسالة بشكل جيد و خرج بيان سريع يحمل اعتذاراً متشفعاً فيما قاله: "رصيدنا عندكم يكفي"، هذا الإعتذار، الذي قرأه بعض المراقبين بأنه تراجع، جاء ليعيد تشكيل صورة التعامل بين الجيش و الشعب في تلك المرحلة الدقيقة.
لم يدم الوقت كثيرة حتى سقطت حكومة شفيق قبل الجمعة التالية، و أتى الجيش برئيس حكومة، وزير النقل السابق عصام شرف، نادى به ائتلاف شباب الثورة. شرف بدوره ذهب إلى التحرير ليعلن أن شرعيته مستمدة من المعتصمين في التحرير ليكسب الجيش و الشعب معاً.
هذه الحالة من التقدم و التأخر التي تظهر في علاقة الجيش مع الشعب لن تحسمها المواجهة السابق ذكرها. فالقضية تعود في الأساس للعلاقة القديمة بين الجيش و النظام في السابق و التي يستحيل معها ان تتغير سياسات الجيش، الذي كان مصدر السلطة في مصر منذ ثورة يوليو 52، دون إعادة ترتيب داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
مبارك، الذي كان القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإضافة على رئاسته للسلطة التنفيذية في البلاد، أعطى الجيش مساحة ضخمة في التأثير على واقع البلاد من زوايا مختلفة. فالحكومة أوكلت للجيش مهام تشييد كبريات مشاريع البنية التحتية في البلاد. كما أن المحاكمات العسكرية كانت تدار من خلال ما يصلها من قضايا تخرج من جهاز أمن الدولة. القادة العسكريون مثل عمر سليمان، أحمد شفيق و غيرهم من الرموز التي تزاوجت فيها السلطة العسكرية بالسياسية بات من الصعب الفصل فيها.
ينقسم المحللون السياسيون حول طبيعة إدارة الجيش للبلاد في الفترة الحالية، فبعض المحللين بالإضافة إلى البرادعي يرون أن نقص خبرة الجيش في ادراة البلاد كان سبباً في عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ الوضع الأمني و الإقتصادي. إلا أن هذا لا ينفي إشكالية الإمتزاج بين السلطات المتعددة في عهد مبارك، و التي كان يصعب معها فهم آلية تسيير المصالح آنذاك.
بقاء قانون الطوارئ و الأداء الإعلامي الذي اتسم بنفس النمط الكلاسيكي للعهد السابق، بالإضافة إلى عدم القدرة على ضبط الأمن أو إجبار المؤسسة التنفيذية في العودة إلى الأداء المنوط بها وما تخلف عنه من مواجهات طائفية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، وتنقُّل الفلول المنظمة للبلطجية ، والتي قد تعطي مؤشراً قوياً لبقاء مراكز القوى في البلاد، التي تهاجم بعض المنشآت الدينية كالكنائس و كذلك مؤسسات كبرى كجامعة القاهرة في هجمات تعطي قراءات سياسية، كذلك عدم التعامل الحاسم مع جهاز أمن الدولة مما أعطاه مساحة زمنية كافية لإتلاف آلاف الوثائق كما تبين لاحقاً حتى تدخل الشعب لإنقاذ ما تبقى من ادلة لإدانة الجهاز جعل السؤال حول طبيعة علاقة الجيش بالنظام و الشعب تحدياً يجب الوقوف عنده في تلك المرحلة و رسم ملامحه لأنه معرض للإنفجار مرة أخرى إذا لم توجد آلية سياسية يمكنها التعامل مع مطالب الشعب و في نفس الوقت التوفيق بين عملاقيّ المشهد السياسي المصري.
هذا هو تحدي الحكومة الحالية والتي يجب أن تحافظ على قنوات التواصل المباشر بينها و بين الشعب و الجيش بشكل يسمح بإعادة بناء البلاد.
إن أداء المؤسسة العسكرية في مصر انتقل إلى مرحلة جديدة تتسم بعدم المبادرة في القيام بأي إصلاح من أي نوع في هيكلية الدولة حتى ينفجر الوضع و يضغط الشعب بشكل كافي لإجباره على التحرك، الأمر الذي تابعه الناس بتحفظ وأفرخ ردود فعل تتراوح بين التشكيك في أسلوب إدارة الأزمة للمؤسسة العسكرية، كما رأى بعض المحللين السياسيين و البرادعي، ونواياها في إعطاء مساحة زمنية كافية لا تخدم مسار العدالة في البلاد، كما قال الجناح المحافظ من المعارضة. فالمناداة بحل جهاز أمن الدولة لم يكن وليد الأسبوع الماضي و إنما كان ينادى به منذ سقوط مبارك لما كان له من دور فاعل، من وجهة نظر المتظاهرين، في عرقلة النشاط السياسي للمعارضة.
الجيش، على الجانب الآخر، يواجه تحديات ضخمة ينادي جناح من المعارضة اليوم بعد مجيء الحكومة الجديدة إلى تفهمها. فالتعقيدات السياسية التي تركها النظام الآخر والتي يتعسر معها إعادة هيكلة الجسم السياسي، بالإضافة إلى التشابك الشديد بين السلطات وما عانته فيه المؤسسات الحكومية من غياب للشفافية الكافية، يصعب معه تنفيذ مهام ملاحقة رموز الفساد بسهولة. كما أن الحكومة الإنتقالية لا يمكنها في وقت ضيق أن تقوّم ما تسلمته من نظام عمره ثلاثين عاماً. التمهيد إلى الإنتقال السلمي للسلطة والدولة المدنية يعتبر تحدياً ضخماً في وقت ضيق أمام مؤسسة العسكرية.
على الجيش في تلك المرحلة ان يعيد ترتيب البيت العسكري من أجل الوصول إلى حالة يمكنه بها التعاطي مع المرحلة القادمة التي من أهم مفرداتها التخلص من رموز الماضي قبل أن يستنزف ما تبقى من "رصيد عند الجماهير."
الإنسحاب المفاجئ للشرطة من الشارع المصري و نزول الجيش كان فيصلاً في اعادة تشكيل خريطة القوى على الساحة في مصر. إلا أن ما مارسه الجيش من حياد، وصفه المتظاهرون بالسلبية، أثناء هجوم البلطجية على ميدان التحرير فيما عُرف "بموقعة الجمال" فتح الباب حول تساؤلات عديدة. لاحقاً، جاء الغموض السياسي حيال طول انتظار تنحي مبارك، مما أدى إلى استنزاف طاقة و قدرات الشعب الإقتصادية، حتى إعلان الرئيس تنحيه مثار تساؤلات كثيرة خاصةً أن تصريحات عمر سليمان، و التي لم تخلُ من مناورة أخيرة، التي أشار فيها إلى أن تنحي مبارك يُعد إهانة للجيش لا يقبلها جعل الصورة تزداد غموضاً، و أحياناً إلتباساً، لدى رجل الشارع.
سقوط رأس النظام المصري و توالي البيانات الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة دخل بعلاقة الجيش والشارع في مرحلة جديدة. هذه المرحلة افتتحها الجيش ببيان مؤثر و فيه "تحية عسكرية لأسر الشهداء والإعلان عن حماية الثورة و تحقيق مطالبها" بحد وصف البيان.
الفرحة الكبيرة التي غمرت الشارع المصري بسقوط مبارك لم تستمر كثيراً حتى خالجها شعور بالحذر، لدى قطاع من المتظاهرين، مما أطال من عمر الإعتصامات في الشارع المصري. فالبيانات التالية للمجلس الأعلى حملت ما اعتبره القراء للمشهد السياسي ايماءات تحتاج تفسيراً، لما يمكن أن تحتمله من تأويل سلبي. فإعلان المجلس بقاءه في السلطة مدة ستة أشهر او حتى اقامة انتخابات حرة في البلاد جعل مسألة بقاء الجيش في السلطة بصورة مؤقتة محل ارتياب لدى المتظاهرين.
إلا أن القرارات التي يجب الإعتراف بكونها كبيرة في وقت قصير نسبياً مثل حل مجالس الشعب و الشورى و حل الدستور و تشكيل لجنة لتعديل مواد محددة بالإضافة إلى تسارع وتيرة سقوط رموز النظام السابق في يد القضاء كان أمراً يتسم بإيجابية لدى المتظاهرين يجب تسجيلها.
ثم تأتي رسائل الجيش عن مطالبة "الشرفاء" بالوقوف في وجه اللامسئولية التي للمضربين، بحد وصف البيان، بالإضافة إلى تجاهل تعليق قانون الطوارئ الذي كان قبضة النظام السابق الثقيلة لمدة الثلاثين عاماً الماضية ضد معارضيه، واستمرار حكومة أحمد شفيق التي عينها مبارك قبل رحيله بكل ما فيها من بقاء لوجوه اعترض عليها الشارع المصري، باستثناء تغيير وزارة سيادية واحدة وهي وزارة الداخلية، جعل الأمر متسماً بالغموض الذي جعل المحتجين في مرحلة من المراحل يعيد النظر في القول بأن "الجيش و الشعب إيد واحدة". هكذا كان الجيش يخطو بحذر مثير للحيرة في الشارع.
ما يمكن قوله حينها هو أن هناك قوتان متناميتان، وبات على الساحة السياسية في مصر مواجهة بين المحتجين والمجلس العسكري، وهو صراع الشارع و المجلس الأعلى للقوات المسلحة. الأمر الذي تفجر لاحقاً في ما عُرف بجمعة الخلاص والتي شهدت اعتصامات متكررة احتشد فيه مئات الآلاف في ميدان التحرير لينادوا بإقالة حكومة شفيق بعد أن رأوا أن الجيش لن يقوم بذلك دون ضغط.
الرسالة وصلت بقوة لدى الجيش. فقد كثفت الآلة الإعلامية الرسمية، كما كانت قبل 25 يناير، الإعلانات و الأناشيد التي تثني على الجيش و دوره في قيادة مصر تماماً كما كانت الطريقة نفسها التي يدار بها الإعلام سابقاً. ثم تتعالى نبرة التحدي بين الجيش و ما أسماه بيان المجلس الأعلى بصراع الشرفاء ضد "العناصر الغير مسئولة."
مع حلول منتصف الليل، بدا أن زمام الأمن والهدوء قد انفلت مما أدى إلى حدوث اشتباك بين الشرطة العسكرية المدججة بالعصي المكهربة وقطاع من المحتجين الذين بقوا في المنطقة إلى ساعة متأخرة من الليل. ولأول مرة منذ نزول الجيش للشارع بات المتظاهرون يرددون شعاراً آخر وهو "بص شوف الشعب بيعمل ايه." بقاء الناس في الأرض و تهاطل التسجيلات على مواقع الإنترنت لرصد ما يحدث في الشارع أنبأ بنتائج قد تكون كارثية إذا ما استمرت وتيرة التصعيد و التي يمكن أن يتزعزع معها وجود الجيش في السلطة.
الرسالة وصلت إلى المجلس الأعلى بصورة كاملة، معركة تكسير العظام التي كانت بين الجيش و الشارع على الأرض انتهت ببقاء الشارع في يد المتظاهرين وأن نتائج استعمال العنف لن تكون في صالح الجيش. قرأ المجلس الأعلى الرسالة بشكل جيد و خرج بيان سريع يحمل اعتذاراً متشفعاً فيما قاله: "رصيدنا عندكم يكفي"، هذا الإعتذار، الذي قرأه بعض المراقبين بأنه تراجع، جاء ليعيد تشكيل صورة التعامل بين الجيش و الشعب في تلك المرحلة الدقيقة.
لم يدم الوقت كثيرة حتى سقطت حكومة شفيق قبل الجمعة التالية، و أتى الجيش برئيس حكومة، وزير النقل السابق عصام شرف، نادى به ائتلاف شباب الثورة. شرف بدوره ذهب إلى التحرير ليعلن أن شرعيته مستمدة من المعتصمين في التحرير ليكسب الجيش و الشعب معاً.
هذه الحالة من التقدم و التأخر التي تظهر في علاقة الجيش مع الشعب لن تحسمها المواجهة السابق ذكرها. فالقضية تعود في الأساس للعلاقة القديمة بين الجيش و النظام في السابق و التي يستحيل معها ان تتغير سياسات الجيش، الذي كان مصدر السلطة في مصر منذ ثورة يوليو 52، دون إعادة ترتيب داخل المؤسسة العسكرية نفسها.
مبارك، الذي كان القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإضافة على رئاسته للسلطة التنفيذية في البلاد، أعطى الجيش مساحة ضخمة في التأثير على واقع البلاد من زوايا مختلفة. فالحكومة أوكلت للجيش مهام تشييد كبريات مشاريع البنية التحتية في البلاد. كما أن المحاكمات العسكرية كانت تدار من خلال ما يصلها من قضايا تخرج من جهاز أمن الدولة. القادة العسكريون مثل عمر سليمان، أحمد شفيق و غيرهم من الرموز التي تزاوجت فيها السلطة العسكرية بالسياسية بات من الصعب الفصل فيها.
ينقسم المحللون السياسيون حول طبيعة إدارة الجيش للبلاد في الفترة الحالية، فبعض المحللين بالإضافة إلى البرادعي يرون أن نقص خبرة الجيش في ادراة البلاد كان سبباً في عدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لإنقاذ الوضع الأمني و الإقتصادي. إلا أن هذا لا ينفي إشكالية الإمتزاج بين السلطات المتعددة في عهد مبارك، و التي كان يصعب معها فهم آلية تسيير المصالح آنذاك.
بقاء قانون الطوارئ و الأداء الإعلامي الذي اتسم بنفس النمط الكلاسيكي للعهد السابق، بالإضافة إلى عدم القدرة على ضبط الأمن أو إجبار المؤسسة التنفيذية في العودة إلى الأداء المنوط بها وما تخلف عنه من مواجهات طائفية سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، وتنقُّل الفلول المنظمة للبلطجية ، والتي قد تعطي مؤشراً قوياً لبقاء مراكز القوى في البلاد، التي تهاجم بعض المنشآت الدينية كالكنائس و كذلك مؤسسات كبرى كجامعة القاهرة في هجمات تعطي قراءات سياسية، كذلك عدم التعامل الحاسم مع جهاز أمن الدولة مما أعطاه مساحة زمنية كافية لإتلاف آلاف الوثائق كما تبين لاحقاً حتى تدخل الشعب لإنقاذ ما تبقى من ادلة لإدانة الجهاز جعل السؤال حول طبيعة علاقة الجيش بالنظام و الشعب تحدياً يجب الوقوف عنده في تلك المرحلة و رسم ملامحه لأنه معرض للإنفجار مرة أخرى إذا لم توجد آلية سياسية يمكنها التعامل مع مطالب الشعب و في نفس الوقت التوفيق بين عملاقيّ المشهد السياسي المصري.
هذا هو تحدي الحكومة الحالية والتي يجب أن تحافظ على قنوات التواصل المباشر بينها و بين الشعب و الجيش بشكل يسمح بإعادة بناء البلاد.
إن أداء المؤسسة العسكرية في مصر انتقل إلى مرحلة جديدة تتسم بعدم المبادرة في القيام بأي إصلاح من أي نوع في هيكلية الدولة حتى ينفجر الوضع و يضغط الشعب بشكل كافي لإجباره على التحرك، الأمر الذي تابعه الناس بتحفظ وأفرخ ردود فعل تتراوح بين التشكيك في أسلوب إدارة الأزمة للمؤسسة العسكرية، كما رأى بعض المحللين السياسيين و البرادعي، ونواياها في إعطاء مساحة زمنية كافية لا تخدم مسار العدالة في البلاد، كما قال الجناح المحافظ من المعارضة. فالمناداة بحل جهاز أمن الدولة لم يكن وليد الأسبوع الماضي و إنما كان ينادى به منذ سقوط مبارك لما كان له من دور فاعل، من وجهة نظر المتظاهرين، في عرقلة النشاط السياسي للمعارضة.
الجيش، على الجانب الآخر، يواجه تحديات ضخمة ينادي جناح من المعارضة اليوم بعد مجيء الحكومة الجديدة إلى تفهمها. فالتعقيدات السياسية التي تركها النظام الآخر والتي يتعسر معها إعادة هيكلة الجسم السياسي، بالإضافة إلى التشابك الشديد بين السلطات وما عانته فيه المؤسسات الحكومية من غياب للشفافية الكافية، يصعب معه تنفيذ مهام ملاحقة رموز الفساد بسهولة. كما أن الحكومة الإنتقالية لا يمكنها في وقت ضيق أن تقوّم ما تسلمته من نظام عمره ثلاثين عاماً. التمهيد إلى الإنتقال السلمي للسلطة والدولة المدنية يعتبر تحدياً ضخماً في وقت ضيق أمام مؤسسة العسكرية.
على الجيش في تلك المرحلة ان يعيد ترتيب البيت العسكري من أجل الوصول إلى حالة يمكنه بها التعاطي مع المرحلة القادمة التي من أهم مفرداتها التخلص من رموز الماضي قبل أن يستنزف ما تبقى من "رصيد عند الجماهير."