- الأربعاء ديسمبر 14, 2011 8:56 am
#42173
تثير كل من الحركة الديمقراطية والصراع الداخلي في جمهورية إيران الإسلامية تساؤلات حول استقرار النظام. إذا توفي آية الله علي خامنئي، أو أصبح غير قادر على ممارسة مهمات منصبه كمرشد أعلى، قان استقرار النظام سيعتمد على الانتقال السلمي للسلطة.
كان علي حسيني خامنئي (بالفارسية على حسينى خامنه اى)، الذي ولد في 16 يوليو (تموز) عام 1939، سياسيا بارزا عندما تولى منصب المرشد الأعلى في عام 1989، بعد وفاة روح الله الخميني. وفي مقارنة بينه وبين سلفه، الذي تولى السلطة عندما كان عمره 77 عاما، بالإضافة إلى مؤسسي الجمهورية الإسلامية الآخرين مثل آية الله حسين علي منتظري أو أكبر هاشمي رافسنجاني، كان خامنئي أصغر سنا بكثير.
في عام 1979، إثر إصابته بأزمة قلبية، قلص آية الله الخميني دوره الفعلي بصورة كبيرة. وعلى مدار الأعوام العشرة التالية، مع احتفاظه بلقب المرشد الأعلى، تمتعت دائرة من المستشارين المقربين، من بينهم ابنه أحمد الخميني وأكبر هاشمي رافسنجاني وعلي خامنئي بأدوار مؤثرة في إدارة البلاد.
عندما توفي الخميني، أصبح رجل الدين والسياسة الشاب خليفة له ليمنع المرجعيات الدينية الأخرى وكبار آيات الله أو أي سياسيين ثوريين بارزين من خلافته أو الاستحواذ على السلطة. ووفقا لرافسنجاني وآخرين، كانت وفاة الخميني تعني نهاية المنصب الذي يناسب فقط مؤسس الجمهورية الإسلامية، بفضل وضعه التاريخي وكاريزمته ومكانته الدينية. وبتعيين من يفتقد إلى كل من التفوق الديني والسياسي بالإضافة إلى الكاريزما، اعتبرت نخبة إيران التي تتمتع بالنفوذ أن المرشد الأعلى مجرد منصب صوري. وتمت مراجعة الدستور وتركزت السلطات التنفيذية في يد الرئيس. كان من الممكن أن يكون ذلك تحولا كبيرا نحو الديمقراطية، حيث تضاءل دور السلطة ذات الشرعية الدينية لصالح المؤسسات السياسية التي تعتمد على إرادة الشعب.
ولكن أثبتت هذه المعادلة خطأها الكامل لأسباب عديدة: الدستور يمنح الولي الفقيه منصبا دائما في حين تتولى الهيئات المنتخبة ديمقراطيا مناصب محدودة. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الولي الفقيه أن يستغل أي انتخابات دستوريا وأن يغير من نتائجها. كما يجب أن يختار مجلس صيانة الدستور - الذي يتم تعيين ستة من أعضائه الفقهاء مباشرة بواسطة المرشد الأعلى – المرشحين، وأن يصادق على نتائج الانتخابات، على الرغم من أنهم يرفضون غالبية المرشحين. والأكثر أهمية هو أن الرئيس يستحوذ بمفرده على السلطة التنفيذية، على الرغم من أن الدستور المعدل ما زال يعتبر المرشد الأعلى قائدا للقوات المسلحة، بما فيها الجيش والشرطة والحرس الثوري والباسيج. ويعين المرشد الأعلى أيضا رئيس السلطة القضائية ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية (التي تحتكر الإذاعة والتلفزيون في إيران). وأخيرا يعين المرشد الأعلى أمينا على مرقد الإمام رضا في مشهد ومؤسسة رجال الدين.
حاول خامنئي، الذي بدأ فترة ولايته وهو يعرف أن ضعفه هو السبب الرئيسي لتعيينه، أن يخالف الصورة التي رسمها آخرون له. في إطار سعيه إلى السلطة، حاول في البداية أن يعيد بناء منصب المرشد الأعلى من موقعه الإشرافي إلى قيادة فعلية ومؤثرة من خلال بيروقراطية حديثة ومعقدة للغاية. وعلى النقيض من الخميني، حاول خامنئي السيطرة على القوات المسلحة والمؤسسات الأخرى الخاضعة له. وفي حين لم يتعامل الخميني مطلقا بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة، حيث ترك السلطة إما للرئيس أو رئيس البرلمان، لم يتخل خامنئي مطلقا عن سلطته على الجيش أو الحرس الثوري الإسلامي القوي لصالح أي شخص آخر.
عندما وصل خامنئي إلى المنصب، كان أول قرار يتخذه هو تعيين مساعدين سابقين في وزارة الاستخبارات، غلام حسين محمد كلبايكاني، وأصغر حجازي، ليكونا مدير مكتبه والنائب الأمني بالترتيب. كان كلبايكاني وحجازي رجلي دين، ولكنهما أمضيا العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية في الجيش والحرس الثوري أو في وزارة الاستخبارات. بعد وصول خامنئي لمنصبه، كانت لهما الكلمة العليا في تكوين المكتب التنفيذي للمرشد الجديد. وبتعيين قادة الحرس الثوري أو ضباط الاستخبارات، أصبح مكتب المرشد الأعلى – الذي يضم حاليا أكثر من ألف موظف – مقر القيادة المركزية لكل من القوات المسلحة وجهاز الاستخبارات بدلا من كونه مجرد مكتب سياسي.
ساعد الجيش ووزارة الاستخبارات والمؤسسة القضائية المرشد الأعلى الضعيف ظاهريا على امتلاك نفوذ لا مثيل له. عندما عاد قادة الحرب إلى المدن بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران والعراق وسمحت أسباب مالية بالتنافس على عائدات الحكومة، أتيحت لخامنئي الشاب فترة كافية لترسيخ نفوذه. وتحول من قائد ضعيف إلى زعيم حازم يتحدى سلطة الرئيس بالتدخل في شؤونه وشؤون البرلمان. كانت سلطة آية الله خامنئي المتزايدة العقبة الرئيسية أمام بناء الدولة في إيران، لأنه كان يعرقل متعمدا وبصورة منظمة المؤسسات السياسية من أجل منعها من الحصول على الاستقلال المطلوب.
لقد غير أسلوب خامنئي في القيادة طبيعة الجمهورية الإسلامية. ونظرا لامتلاك الولي الفقيه السلطة المطلقة وأنه هو من يحدد مصلحة النظام، يستطيع أن يعطل أي قوانين إسلامية ودستورية يريدها. وفي ظل مثل هذا النظام، لا يمكن أن تتم الوظيفة المعتادة للمؤسسات بصورتها الطبيعية. ففي كل موقف، يستطيع أن يعارض الولي الفقيه جميع القرارات والأحكام التي يتخذها البرلمان أو الرئيس أو القضاء. وفي هذا النوع من الحياة السياسية، من الممكن أن تتحدد العناصر المختلفة وفقا لسلطة الولي الفقيه في إعلان الطوارئ في كل موقف. وبذلك تحولت الجمهورية الإسلامية من الحكم الثوري إلى الاستبداد الديني.
تختلف سيناريوهات الخلافة وفقا لكيفية انتهاء حكم المرشد الأعلى الحالي. من الممكن تخيل الإطاحة بخامنئي على يد انتفاضة شعبية كما حدث مع بن علي ومبارك. أو قد ينتهي به الحال على يد انقلاب عسكري يقوم به الحرس الثوري بعد اتساع الفجوة بين فصائل الحكومة. وفي كلتا الحالتين، ستختلف طريقة وصول خليفة المرشد إلى السلطة وطبيعة قيادته.
ولكن إذا توفي خامنئي الليلة، هل يكون الانتقال السلمي للسلطة – يشبه ما حدث منذ 22 عاما – خيارا مرجحا؟ ينص الدستور على أن مهمة تعيين المرشد الأعلى الجديد مهمة مجلس خبراء مكون من 86 مجتهدا شيعيا، يرشحهم مجلس صيانة الدستور وينتخبهم الشعب. جاء نص الدستور كالتالي: «توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخصوا فردا منه باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدا».
ويضيف الدستور: «حتى يتم إعلان القائد فإن مجلس شورى مؤلفا من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور - منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام - يتحمل جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت». ولكن لم يحدد الدستور فترة زمنية للمجلس المؤقت، مما يترك احتمالية لأن يستمر حكم مثل هذا المجلس للبلاد لفترة طويلة للغاية.
من الصعب الاعتقاد بأن تعيين خامنئي مرشدا أعلى في عام 1989 كان انتخابا طبيعيا من مجلس صيانة الدستور. ولكن من الممكن الاعتقاد بأنه اختير أولا بواسطة عدد من أفراد النخبة السياسية ذات النفوذ – قبل أن يجتمع مجلس الفقهاء ويتم اقتراحه على الآخرين من أجل التصويت. وفي ذلك الوقت، لم يكن النفوذ السياسي متركزا في يد شخص أو فصيل، مما تطلب من الفصائل القوية الوصول إلى الإجماع من أجل تعيين قائد جديد. ولكن الوضع اليوم مختلف تماما.
أولا، يتزايد ضيق دائرة السلطة في إيران، لا سيما بعد تهميش خامنئي للجيل الأول من السياسيين الثوريين مثل أكبر هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي. كما أعاد خامنئي تشكيل المجال السياسي بتصعيد جيل جديد من السياسيين الذين يتسمون بالضعف ويدينون له بأوراق اعتمادهم السياسية.
ثانيا، تغيرت طبيعة الحكم من حكم ثوري إلى الحكم العسكري، حيث لم يعد يعتمد على الدستور أو المؤسسات السياسية. واعتبر خامنئي نفسه يمثل النظام السياسي بأكمله. وفي المصطلحات السياسية في الجمهورية الإسلامية، عندما يشير المسؤولون إلى «النظام» فإنهم عادة ما يقصدون «خامنئي».
وأخيرا، نتيجة للتحول السياسي، لم يعد لرجال الدين نفوذ في إدارة البلاد، مما يقلص من قدرتهم على التأثير على عملية اختيار القائد. لقد كشف النظام عن رجال الدين حيث قسمهم إلى طيبين وأشرار، وهمّش رجال الدين الذين يملكون القدرة على تشكيل قوة دينية حقيقية. وجعل المؤسسة الدينية تعتمد اقتصاديا وبيروقراطيا على الحكومة. وبغض النظر عن ذلك، فإن رجال الدين يعتبرون منصب المرشد الأعلى منصبا عسكريا بدلا من كونه صاحب سلطة دينية مستقلة.
وأخيرا، تغير النسيج الاجتماعي السياسي للمجتمع الإيراني في الأعوام الـ22 الماضية. أصبحت النخبة المجتمعية تشكك بصورة كبيرة في مفهوم ولاية الفقيه، بل ويشير الدستور الحالي أيضا إلى هيكل سلطة مزدوج يضمن التنازع الدائم بين المناصب التي تحظى بشرعية ديمقراطية والمناصب ذات الشرعية الدينية التي لا يمكن محاسبتها أمام الشعب. علاوة على ذلك، ذكر قادة المعارضة مثل موسوي في عدة مناسبات أن الدستور ليس مثاليا وقد يحتاج إلى تغيير. ويستهدف أي حديث حول تغيير أو تعديل الدستور في الأساس منصب المرشد الأعلى وسلطته.
وعلى الرغم من أن تعيين خامنئي منذ 22 عاما كان مفاجئا للمجتمع وصادما لرجال الدين، فإن الحكومة خططت من أجل تنصيبه مرشدا أعلى، مستغلة المناخ العاطفي المشحون بعد حرب طويلة أنهكت البلاد. وفي هذه المرة، جذبت وفاة القائد ذي الكاريزما ملايين من الناس لحضور جنازته. والآن تحديدا بعد أن فقدت الحكومة مصداقيتها بصورة كبيرة في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009، سيكون من الصعب تقديم قائد جديد لا يختلف حول خلفيته وتاريخه قطاع عريض من الناس.
من أجل المضي قدما وتعيين قائد جديد، حتى قبل تشكيل مجلس مؤقت، يجب أن تتخذ الحكومة تدابير أمنية صارمة وأن توقف العمل بالقانون العادي من أجل منع الإيرانيين من انتهاز الفرصة والقيام بثورة.
يبدو أن أيا ممن يملك السلطة الآن سيحتفظ بها بعد وفاة خامنئي. وسيكون للقوات المسلحة، وتحديدا الحرس الثوري الذي يسيطر على ثلث الاقتصاد والجيش والبرنامج النووي في إيران، الكلمة العليا في تعيين المرشد الأعلى القادم. ومن غير المرجح أن اختيارهم سيكون أحد آيات الله من ذوي النفوذ.
بعد الدرس المستفاد من الأعوام الـ22 الماضية، ربما يفضلون تعيين آية الله يتسم بالضعف واعتلال الصحة في منصب المرشد الأعلى لتبرير دستورية نفوذهم. وتأتي الإطاحة برمز مثل أكبر هاشمي رافسنجاني وتعيين محمد رضا مهدوي كاني رئيسا للمجلس في مارس (آذار) الماضي نموذجا للسيناريو الأكثر ترجيحا بالنسبة للحرس الثوري في اختيار القائد الجديد. كما سيكون القائد الضعيف خليفة مناسبا لخامنئي نظرا لأن المجتمع الإيراني لن يتحمل شخصا قويا يحاكي صرامة خامنئي وميوله الاستبدادية. وسيحكم الحرس الثوري قبضته كثيرا إذا تولى الخليفة منصبا صوريا بالفعل.
يعتمد كل ذلك على كيفية حل القوات المسلحة والحرس الثوري الصراع بين مصالحهم السياسية والاقتصادية. في الوقت الحالي يملك خامنئي نفوذا كاملا عليهم ويسيطر على انقسامهم، ولكن في غياب مثل هذا القائد، سيتغير أيضا ميزان القوة بين القوات المسلحة والحرس الثوري. في مثل هذا الوضع، غالبا ما تملك الجماعات الأكثر راديكالية فرصا أكبر في الفوز. في إيجاز، ربما يسمح خليفة خامنئي بتزايد عسكرة الحكومة التي من المرجح أن تصبح أكثر راديكالية أيضا.
كان علي حسيني خامنئي (بالفارسية على حسينى خامنه اى)، الذي ولد في 16 يوليو (تموز) عام 1939، سياسيا بارزا عندما تولى منصب المرشد الأعلى في عام 1989، بعد وفاة روح الله الخميني. وفي مقارنة بينه وبين سلفه، الذي تولى السلطة عندما كان عمره 77 عاما، بالإضافة إلى مؤسسي الجمهورية الإسلامية الآخرين مثل آية الله حسين علي منتظري أو أكبر هاشمي رافسنجاني، كان خامنئي أصغر سنا بكثير.
في عام 1979، إثر إصابته بأزمة قلبية، قلص آية الله الخميني دوره الفعلي بصورة كبيرة. وعلى مدار الأعوام العشرة التالية، مع احتفاظه بلقب المرشد الأعلى، تمتعت دائرة من المستشارين المقربين، من بينهم ابنه أحمد الخميني وأكبر هاشمي رافسنجاني وعلي خامنئي بأدوار مؤثرة في إدارة البلاد.
عندما توفي الخميني، أصبح رجل الدين والسياسة الشاب خليفة له ليمنع المرجعيات الدينية الأخرى وكبار آيات الله أو أي سياسيين ثوريين بارزين من خلافته أو الاستحواذ على السلطة. ووفقا لرافسنجاني وآخرين، كانت وفاة الخميني تعني نهاية المنصب الذي يناسب فقط مؤسس الجمهورية الإسلامية، بفضل وضعه التاريخي وكاريزمته ومكانته الدينية. وبتعيين من يفتقد إلى كل من التفوق الديني والسياسي بالإضافة إلى الكاريزما، اعتبرت نخبة إيران التي تتمتع بالنفوذ أن المرشد الأعلى مجرد منصب صوري. وتمت مراجعة الدستور وتركزت السلطات التنفيذية في يد الرئيس. كان من الممكن أن يكون ذلك تحولا كبيرا نحو الديمقراطية، حيث تضاءل دور السلطة ذات الشرعية الدينية لصالح المؤسسات السياسية التي تعتمد على إرادة الشعب.
ولكن أثبتت هذه المعادلة خطأها الكامل لأسباب عديدة: الدستور يمنح الولي الفقيه منصبا دائما في حين تتولى الهيئات المنتخبة ديمقراطيا مناصب محدودة. بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الولي الفقيه أن يستغل أي انتخابات دستوريا وأن يغير من نتائجها. كما يجب أن يختار مجلس صيانة الدستور - الذي يتم تعيين ستة من أعضائه الفقهاء مباشرة بواسطة المرشد الأعلى – المرشحين، وأن يصادق على نتائج الانتخابات، على الرغم من أنهم يرفضون غالبية المرشحين. والأكثر أهمية هو أن الرئيس يستحوذ بمفرده على السلطة التنفيذية، على الرغم من أن الدستور المعدل ما زال يعتبر المرشد الأعلى قائدا للقوات المسلحة، بما فيها الجيش والشرطة والحرس الثوري والباسيج. ويعين المرشد الأعلى أيضا رئيس السلطة القضائية ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية (التي تحتكر الإذاعة والتلفزيون في إيران). وأخيرا يعين المرشد الأعلى أمينا على مرقد الإمام رضا في مشهد ومؤسسة رجال الدين.
حاول خامنئي، الذي بدأ فترة ولايته وهو يعرف أن ضعفه هو السبب الرئيسي لتعيينه، أن يخالف الصورة التي رسمها آخرون له. في إطار سعيه إلى السلطة، حاول في البداية أن يعيد بناء منصب المرشد الأعلى من موقعه الإشرافي إلى قيادة فعلية ومؤثرة من خلال بيروقراطية حديثة ومعقدة للغاية. وعلى النقيض من الخميني، حاول خامنئي السيطرة على القوات المسلحة والمؤسسات الأخرى الخاضعة له. وفي حين لم يتعامل الخميني مطلقا بصفته قائدا أعلى للقوات المسلحة، حيث ترك السلطة إما للرئيس أو رئيس البرلمان، لم يتخل خامنئي مطلقا عن سلطته على الجيش أو الحرس الثوري الإسلامي القوي لصالح أي شخص آخر.
عندما وصل خامنئي إلى المنصب، كان أول قرار يتخذه هو تعيين مساعدين سابقين في وزارة الاستخبارات، غلام حسين محمد كلبايكاني، وأصغر حجازي، ليكونا مدير مكتبه والنائب الأمني بالترتيب. كان كلبايكاني وحجازي رجلي دين، ولكنهما أمضيا العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية في الجيش والحرس الثوري أو في وزارة الاستخبارات. بعد وصول خامنئي لمنصبه، كانت لهما الكلمة العليا في تكوين المكتب التنفيذي للمرشد الجديد. وبتعيين قادة الحرس الثوري أو ضباط الاستخبارات، أصبح مكتب المرشد الأعلى – الذي يضم حاليا أكثر من ألف موظف – مقر القيادة المركزية لكل من القوات المسلحة وجهاز الاستخبارات بدلا من كونه مجرد مكتب سياسي.
ساعد الجيش ووزارة الاستخبارات والمؤسسة القضائية المرشد الأعلى الضعيف ظاهريا على امتلاك نفوذ لا مثيل له. عندما عاد قادة الحرب إلى المدن بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران والعراق وسمحت أسباب مالية بالتنافس على عائدات الحكومة، أتيحت لخامنئي الشاب فترة كافية لترسيخ نفوذه. وتحول من قائد ضعيف إلى زعيم حازم يتحدى سلطة الرئيس بالتدخل في شؤونه وشؤون البرلمان. كانت سلطة آية الله خامنئي المتزايدة العقبة الرئيسية أمام بناء الدولة في إيران، لأنه كان يعرقل متعمدا وبصورة منظمة المؤسسات السياسية من أجل منعها من الحصول على الاستقلال المطلوب.
لقد غير أسلوب خامنئي في القيادة طبيعة الجمهورية الإسلامية. ونظرا لامتلاك الولي الفقيه السلطة المطلقة وأنه هو من يحدد مصلحة النظام، يستطيع أن يعطل أي قوانين إسلامية ودستورية يريدها. وفي ظل مثل هذا النظام، لا يمكن أن تتم الوظيفة المعتادة للمؤسسات بصورتها الطبيعية. ففي كل موقف، يستطيع أن يعارض الولي الفقيه جميع القرارات والأحكام التي يتخذها البرلمان أو الرئيس أو القضاء. وفي هذا النوع من الحياة السياسية، من الممكن أن تتحدد العناصر المختلفة وفقا لسلطة الولي الفقيه في إعلان الطوارئ في كل موقف. وبذلك تحولت الجمهورية الإسلامية من الحكم الثوري إلى الاستبداد الديني.
تختلف سيناريوهات الخلافة وفقا لكيفية انتهاء حكم المرشد الأعلى الحالي. من الممكن تخيل الإطاحة بخامنئي على يد انتفاضة شعبية كما حدث مع بن علي ومبارك. أو قد ينتهي به الحال على يد انقلاب عسكري يقوم به الحرس الثوري بعد اتساع الفجوة بين فصائل الحكومة. وفي كلتا الحالتين، ستختلف طريقة وصول خليفة المرشد إلى السلطة وطبيعة قيادته.
ولكن إذا توفي خامنئي الليلة، هل يكون الانتقال السلمي للسلطة – يشبه ما حدث منذ 22 عاما – خيارا مرجحا؟ ينص الدستور على أن مهمة تعيين المرشد الأعلى الجديد مهمة مجلس خبراء مكون من 86 مجتهدا شيعيا، يرشحهم مجلس صيانة الدستور وينتخبهم الشعب. جاء نص الدستور كالتالي: «توكل مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من الجامعين للشرائط المذكورة في المادتين الخامسة والتاسعة بعد المائة، ومتى ما شخصوا فردا منه باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة في المادة التاسعة بعد المائة انتخبوه للقيادة، وإلا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدا».
ويضيف الدستور: «حتى يتم إعلان القائد فإن مجلس شورى مؤلفا من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور - منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام - يتحمل جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت». ولكن لم يحدد الدستور فترة زمنية للمجلس المؤقت، مما يترك احتمالية لأن يستمر حكم مثل هذا المجلس للبلاد لفترة طويلة للغاية.
من الصعب الاعتقاد بأن تعيين خامنئي مرشدا أعلى في عام 1989 كان انتخابا طبيعيا من مجلس صيانة الدستور. ولكن من الممكن الاعتقاد بأنه اختير أولا بواسطة عدد من أفراد النخبة السياسية ذات النفوذ – قبل أن يجتمع مجلس الفقهاء ويتم اقتراحه على الآخرين من أجل التصويت. وفي ذلك الوقت، لم يكن النفوذ السياسي متركزا في يد شخص أو فصيل، مما تطلب من الفصائل القوية الوصول إلى الإجماع من أجل تعيين قائد جديد. ولكن الوضع اليوم مختلف تماما.
أولا، يتزايد ضيق دائرة السلطة في إيران، لا سيما بعد تهميش خامنئي للجيل الأول من السياسيين الثوريين مثل أكبر هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي ومير حسين موسوي. كما أعاد خامنئي تشكيل المجال السياسي بتصعيد جيل جديد من السياسيين الذين يتسمون بالضعف ويدينون له بأوراق اعتمادهم السياسية.
ثانيا، تغيرت طبيعة الحكم من حكم ثوري إلى الحكم العسكري، حيث لم يعد يعتمد على الدستور أو المؤسسات السياسية. واعتبر خامنئي نفسه يمثل النظام السياسي بأكمله. وفي المصطلحات السياسية في الجمهورية الإسلامية، عندما يشير المسؤولون إلى «النظام» فإنهم عادة ما يقصدون «خامنئي».
وأخيرا، نتيجة للتحول السياسي، لم يعد لرجال الدين نفوذ في إدارة البلاد، مما يقلص من قدرتهم على التأثير على عملية اختيار القائد. لقد كشف النظام عن رجال الدين حيث قسمهم إلى طيبين وأشرار، وهمّش رجال الدين الذين يملكون القدرة على تشكيل قوة دينية حقيقية. وجعل المؤسسة الدينية تعتمد اقتصاديا وبيروقراطيا على الحكومة. وبغض النظر عن ذلك، فإن رجال الدين يعتبرون منصب المرشد الأعلى منصبا عسكريا بدلا من كونه صاحب سلطة دينية مستقلة.
وأخيرا، تغير النسيج الاجتماعي السياسي للمجتمع الإيراني في الأعوام الـ22 الماضية. أصبحت النخبة المجتمعية تشكك بصورة كبيرة في مفهوم ولاية الفقيه، بل ويشير الدستور الحالي أيضا إلى هيكل سلطة مزدوج يضمن التنازع الدائم بين المناصب التي تحظى بشرعية ديمقراطية والمناصب ذات الشرعية الدينية التي لا يمكن محاسبتها أمام الشعب. علاوة على ذلك، ذكر قادة المعارضة مثل موسوي في عدة مناسبات أن الدستور ليس مثاليا وقد يحتاج إلى تغيير. ويستهدف أي حديث حول تغيير أو تعديل الدستور في الأساس منصب المرشد الأعلى وسلطته.
وعلى الرغم من أن تعيين خامنئي منذ 22 عاما كان مفاجئا للمجتمع وصادما لرجال الدين، فإن الحكومة خططت من أجل تنصيبه مرشدا أعلى، مستغلة المناخ العاطفي المشحون بعد حرب طويلة أنهكت البلاد. وفي هذه المرة، جذبت وفاة القائد ذي الكاريزما ملايين من الناس لحضور جنازته. والآن تحديدا بعد أن فقدت الحكومة مصداقيتها بصورة كبيرة في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة عام 2009، سيكون من الصعب تقديم قائد جديد لا يختلف حول خلفيته وتاريخه قطاع عريض من الناس.
من أجل المضي قدما وتعيين قائد جديد، حتى قبل تشكيل مجلس مؤقت، يجب أن تتخذ الحكومة تدابير أمنية صارمة وأن توقف العمل بالقانون العادي من أجل منع الإيرانيين من انتهاز الفرصة والقيام بثورة.
يبدو أن أيا ممن يملك السلطة الآن سيحتفظ بها بعد وفاة خامنئي. وسيكون للقوات المسلحة، وتحديدا الحرس الثوري الذي يسيطر على ثلث الاقتصاد والجيش والبرنامج النووي في إيران، الكلمة العليا في تعيين المرشد الأعلى القادم. ومن غير المرجح أن اختيارهم سيكون أحد آيات الله من ذوي النفوذ.
بعد الدرس المستفاد من الأعوام الـ22 الماضية، ربما يفضلون تعيين آية الله يتسم بالضعف واعتلال الصحة في منصب المرشد الأعلى لتبرير دستورية نفوذهم. وتأتي الإطاحة برمز مثل أكبر هاشمي رافسنجاني وتعيين محمد رضا مهدوي كاني رئيسا للمجلس في مارس (آذار) الماضي نموذجا للسيناريو الأكثر ترجيحا بالنسبة للحرس الثوري في اختيار القائد الجديد. كما سيكون القائد الضعيف خليفة مناسبا لخامنئي نظرا لأن المجتمع الإيراني لن يتحمل شخصا قويا يحاكي صرامة خامنئي وميوله الاستبدادية. وسيحكم الحرس الثوري قبضته كثيرا إذا تولى الخليفة منصبا صوريا بالفعل.
يعتمد كل ذلك على كيفية حل القوات المسلحة والحرس الثوري الصراع بين مصالحهم السياسية والاقتصادية. في الوقت الحالي يملك خامنئي نفوذا كاملا عليهم ويسيطر على انقسامهم، ولكن في غياب مثل هذا القائد، سيتغير أيضا ميزان القوة بين القوات المسلحة والحرس الثوري. في مثل هذا الوضع، غالبا ما تملك الجماعات الأكثر راديكالية فرصا أكبر في الفوز. في إيجاز، ربما يسمح خليفة خامنئي بتزايد عسكرة الحكومة التي من المرجح أن تصبح أكثر راديكالية أيضا.