- الخميس ديسمبر 15, 2011 12:57 am
#42268
فهيد البصيري / دروس سياسية من المملكة العربية السعودية
يقول أحد الرحالة الأجانب: عندما زرت المملكة العربية السعودية في بدايات القرن العشرين، شاهدت الملك عبد العزيز بن سعود يجلس بكل رضى وسرور بين أعدائه بالأمس وكأنهم صفوة أصدقائه، أو نخبة قادته.
وكان للملك عبدالعزيز رحمه الله سياسة يعرفها أعداؤه قبل أصدقائه، وهي العفو عند المقدرة وفي بداية الحرب العالمية الثانية وحوالي العام 1941 أصبح رشيد عالي الكيلاني رئيساً لمجلس الوزراء العراقي بعد صراع مرير مع نوري سعيد الذي كان يدعم الانكليز في حربهم ضد الألمان، بينما راح رشيد عالي الكيلان يراهن على الألمان، ويدعو الشعوب العربية للإطاحة بالملوك، وطرد المستعمرين الانكليز، والفرنسيين، وقد طال الملك عبد العزيز ما طاله من هجمات رشيد الكيلاني وتصريحاته المحرضة، ولكن الانكليز دخلوا العراق وأسقطوا حكومة رشيد الكيلاني، فلما ضاقت به الأرض بما رحبت، لم يجد أمامه إلا الملك عبدالعزيز رحمه الله فلجأ إليه، وأجاره الملك عبد العزيز وعاش في كنف المملكة معززاً مكرماً إلى أن غادرها في 1958، وقد سار ملوك المملكة العربية السعودية على هذا النهج الذي يقلب مفاهيم وفلسفة السياسة الغربية التي لا تعترف بالأخلاق ولا تفرق بين صديق وعدو في سبيل مصالحها، وصارت المملكة أرض كل صديق، وأم كل مستجير، وقد استقطبت منذ نشوئها عددا كبيرا من المهاجرين الباحثين عن العمل، وضمتهم السعودية دون تمييز أو تشهير، ولعل أشهرهم رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وغيره من رجال الأعمال والعلماء والأدباء والشعراء، وكل من لديه استعداد للعمل في المملكة وخدمتها، ومن مختلف الجنسيات العربية دون استثناء، وقد شملت هذه المكرمة عدداً كبيراً من (بدون) الكويت، وفي «مهرجان الجنادرية» الماضي لم تتردد المملكة في منح الجنسية السعودية لأحد الفنانين العراقيين جزاء له على مشاركته الفعالة في المهرجان.
وعلى الجانب الاخر، قامت في المملكة العربية السعودية نهضة عمرانية وعلمية لم تقم في الجمهوريات العربية وغير العربية، حتى باتت المملكة من الدول العشرين ذات الاقتصاديات المؤثرة في السياسة الاقتصادية على مستوى العالم، فأخرست النهضة التي حققتها المملكة أعداءها وأدهشت أصدقاءها.
والحقيقة أنه ليس في المملكة ديموقراطية ولكنها حققت ما لم يحققه الكثير من الديموقراطيات العربية، وليس فيها حرية مطلقة كما يشتهي الكثيرون ولكنك ستعيش محترماً لا يعتدي على حريتك الآخرون.
والكمال لله، وسياسة المملكة ليست مثالية كما نتمنى، ولكنها سياسة جديرة بالدراسة خصوصاً على مستوى السياسة الخارجية، فهي سياسة بنكهة عربية أصيلة تختلف عما حفظناه في أمهات الكتب السياسية، تنتصر فيها أخلاق الفارس النبيل على مكر السياسة، وفي الأعوام الأخيرة قادت سلسلة من المبادرات التي لا تبغي منها جزاء ولا شكوراً في سبيل رأب الخلافات التي خلقتها الأحزاب العربية التقدمية في دولها! فمرة دعوة للعراقيين، ومرة مؤتمر طائف للبنانيين، وأخرى مؤتمر طائف ومكة للفلسطينيين، وقبلها طائف للكويتيين وأتمنى ألا يعود، والحقيقة أن المملكة لا تطمع في قيادة العالم العربي كما يتوهم المحللون السياسيون الفضائيون (نسبة للقنوات الفضائية)، فقيادة جيوش مهلهلة من المتخاصمين لا تجلب سوى المتاعب والمصائب لقائدها.
ولذا يجب ألا يستغرب السادة المحترمون الساسة المخضرمون سماح الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) للرئيس التونسي زين العابدين بن علي باللجوء الموقت للمملكة، فهذه عادة عربية أصيلة لا تؤمن بها السياسة الغربية التي خلقت زين العابدين وتخلت عنه عندما قامت قيامته، وسياسة لا تعرف قيمتها الجماهير العربية التي نسيت أخلاقياتها الأصيلة وراحت تتبع شعارات مصطنعة، فالسعودية اليوم وللمرة الألف تثبت أنها تمثل السياسة بوجهها العربي الأصيل، وبأنها سيدة قراراتها ولا تعترف إلا بما تمليه عليها مكارم الأخلاق وسماحة ديننا الإسلامي الحنيف .
فهيد البصيري
كاتب كويتي
فهيد البصيري / دروس سياسية من المملكة العربية السعودية
يقول أحد الرحالة الأجانب: عندما زرت المملكة العربية السعودية في بدايات القرن العشرين، شاهدت الملك عبد العزيز بن سعود يجلس بكل رضى وسرور بين أعدائه بالأمس وكأنهم صفوة أصدقائه، أو نخبة قادته.
وكان للملك عبدالعزيز رحمه الله سياسة يعرفها أعداؤه قبل أصدقائه، وهي العفو عند المقدرة وفي بداية الحرب العالمية الثانية وحوالي العام 1941 أصبح رشيد عالي الكيلاني رئيساً لمجلس الوزراء العراقي بعد صراع مرير مع نوري سعيد الذي كان يدعم الانكليز في حربهم ضد الألمان، بينما راح رشيد عالي الكيلان يراهن على الألمان، ويدعو الشعوب العربية للإطاحة بالملوك، وطرد المستعمرين الانكليز، والفرنسيين، وقد طال الملك عبد العزيز ما طاله من هجمات رشيد الكيلاني وتصريحاته المحرضة، ولكن الانكليز دخلوا العراق وأسقطوا حكومة رشيد الكيلاني، فلما ضاقت به الأرض بما رحبت، لم يجد أمامه إلا الملك عبدالعزيز رحمه الله فلجأ إليه، وأجاره الملك عبد العزيز وعاش في كنف المملكة معززاً مكرماً إلى أن غادرها في 1958، وقد سار ملوك المملكة العربية السعودية على هذا النهج الذي يقلب مفاهيم وفلسفة السياسة الغربية التي لا تعترف بالأخلاق ولا تفرق بين صديق وعدو في سبيل مصالحها، وصارت المملكة أرض كل صديق، وأم كل مستجير، وقد استقطبت منذ نشوئها عددا كبيرا من المهاجرين الباحثين عن العمل، وضمتهم السعودية دون تمييز أو تشهير، ولعل أشهرهم رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وغيره من رجال الأعمال والعلماء والأدباء والشعراء، وكل من لديه استعداد للعمل في المملكة وخدمتها، ومن مختلف الجنسيات العربية دون استثناء، وقد شملت هذه المكرمة عدداً كبيراً من (بدون) الكويت، وفي «مهرجان الجنادرية» الماضي لم تتردد المملكة في منح الجنسية السعودية لأحد الفنانين العراقيين جزاء له على مشاركته الفعالة في المهرجان.
وعلى الجانب الاخر، قامت في المملكة العربية السعودية نهضة عمرانية وعلمية لم تقم في الجمهوريات العربية وغير العربية، حتى باتت المملكة من الدول العشرين ذات الاقتصاديات المؤثرة في السياسة الاقتصادية على مستوى العالم، فأخرست النهضة التي حققتها المملكة أعداءها وأدهشت أصدقاءها.
والحقيقة أنه ليس في المملكة ديموقراطية ولكنها حققت ما لم يحققه الكثير من الديموقراطيات العربية، وليس فيها حرية مطلقة كما يشتهي الكثيرون ولكنك ستعيش محترماً لا يعتدي على حريتك الآخرون.
والكمال لله، وسياسة المملكة ليست مثالية كما نتمنى، ولكنها سياسة جديرة بالدراسة خصوصاً على مستوى السياسة الخارجية، فهي سياسة بنكهة عربية أصيلة تختلف عما حفظناه في أمهات الكتب السياسية، تنتصر فيها أخلاق الفارس النبيل على مكر السياسة، وفي الأعوام الأخيرة قادت سلسلة من المبادرات التي لا تبغي منها جزاء ولا شكوراً في سبيل رأب الخلافات التي خلقتها الأحزاب العربية التقدمية في دولها! فمرة دعوة للعراقيين، ومرة مؤتمر طائف للبنانيين، وأخرى مؤتمر طائف ومكة للفلسطينيين، وقبلها طائف للكويتيين وأتمنى ألا يعود، والحقيقة أن المملكة لا تطمع في قيادة العالم العربي كما يتوهم المحللون السياسيون الفضائيون (نسبة للقنوات الفضائية)، فقيادة جيوش مهلهلة من المتخاصمين لا تجلب سوى المتاعب والمصائب لقائدها.
ولذا يجب ألا يستغرب السادة المحترمون الساسة المخضرمون سماح الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حفظه الله) للرئيس التونسي زين العابدين بن علي باللجوء الموقت للمملكة، فهذه عادة عربية أصيلة لا تؤمن بها السياسة الغربية التي خلقت زين العابدين وتخلت عنه عندما قامت قيامته، وسياسة لا تعرف قيمتها الجماهير العربية التي نسيت أخلاقياتها الأصيلة وراحت تتبع شعارات مصطنعة، فالسعودية اليوم وللمرة الألف تثبت أنها تمثل السياسة بوجهها العربي الأصيل، وبأنها سيدة قراراتها ولا تعترف إلا بما تمليه عليها مكارم الأخلاق وسماحة ديننا الإسلامي الحنيف .
فهيد البصيري
كاتب كويتي