الإسلاميون في ليبيا الجديدة!
مرسل: الخميس ديسمبر 15, 2011 2:10 pm
وحيد عبد المجيد
خلال شهر واحد تقريباً صعد الإسلاميون إلى صدارة المشهد السياسي في تونس عبر انتخابات 23 أكتوبر، والمغرب في انتخابات 25 نوفمبر، ثم مصر التي بدأت انتخاباتها في 28 نوفمبر. ولذلك أصبح حزبا "النهضة" و"العدالة والتنمية" في قيادة ائتلاف حكومي للمرة الأولي بعد أن أُقصي أولهما عن المشهد السياسي في تونس تماماً، وظل الثاني في المعارضة منذ تأسيسه في المغرب.
والأرجح أن يتكرر مثل ذلك في مصر حيث حصل حزب "الحرية والعدالة" الذي أسسه "الإخوان المسلمون" وحزب "النور" السلفي، على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد في المرحلة الأولى التي شملت ثلث المحافظات المصرية. وتثير "أسلمة" الشمال الأفريقي والجناح الغربي للعالم العربي على هذا النحو السؤال حول مستقبل ليبيا بصفة خاصة كونها في بداية مرحلة انتقال تكثر أسئلتها التي تدور في مجملها حول إمكان بناء دولة جديدة حرة وإقامة مؤسسات تحترم القانون وتوفر العدالة وتحقق التقدم وتعوّض الشعب عن عذاب عاشه على مدى أربعة عقود.
وإذا كان أول نجاح مؤسسي تحقق عبر انتخاب عبد الرحيم الكيب رئيساً لحكومة مؤقتة، خلق أملاً في تحقيق ذلك، فقد ضاعف أهمية السؤال عن دور الإسلاميين وموقعهم في ليبيا الجديدة التي تبدو أزمة الانتقال فيها أكثر عمقاً، رغم أنها تملك موارد نفطية كبيرة تؤهلها للتعافي اقتصادياً بسرعة. وتنطوي هذه الأزمة على جوانب شتى يثير كل جانب منها أسئلة عدة. ومع ذلك يحظى السؤال المتعلق بدور الإسلاميين في ليبيا الجديدة بأهمية خاصة، سواء لصعوبة تقدير حجمهم ووزنهم النسبي في هذا البلد بخلاف الحال في تونس ومصر، أو لأن قضية أسلمة "الربيع العربي" تمثل هاجساً منتشراً في أنحاء المنطقة وفي المجتمع الدولي. ولعل أكثر ما يثير القلق، هنا، هو دور القوى والمليشيات الإسلامية المسلحة التي شاركت في إسقاط نظام القذافي، وتفيد الشواهد أن أكثرها يميل إلى التشدد. وتخطف هذه الجماعات الضوء من الإسلاميين المعتدلين، سواء "الإخوان المسلمين" الذين أعادوا بناء تنظيمهم أكثر من مرة بعد ضربات قاصمة تعرضوا لها، أو الطرق الصوفية التي كان لإحداها (السنوسية) دور تاريخي بارز منذ تأسيسها عام 1973 على يد محمد بن علي السنوسي.
وبغض النظر عما بقي من هذه الطريقة وغيرها، فالأرجح أن دور الطرق الصوفية سيتنامى تدريجياً في ظل حاجة المجتمع إلى جسور بين القبائل. وكان لبعض هذه الطرق، وخصوصاً السنوسية، إسهامات تاريخية ملموسة في التقريب بين القبائل وضبط المنازعات بينها.
غير أن حدود دور الإسلاميين المعتدلين ستتوقف على معالجة قضية نظرائهم الأكثر تشدداً، وبصفة خاصة المنخرطين في صفوف جماعات وميليشيات مسلحة. فالسؤال عن دور الإسلاميين في ليبيا الجديدة يختلف عنه في تونس ومصر، لأن بعضهم يحمل السلاح الآن بعد أن شارك في العمليات العسكرية ضد نظام القذافي.
وإذا كان بعض الإسلاميين الليبيين انتهج سبيل العنف ثم عدل عنه عبر مراجعات فكرية، مثلما فعل فريق من الإسلاميين المصريين، تظل هناك ثلاثة فروق أساسية. أولها أن هذا الفريق في مصر أثبت على مدى أكثر من عقد كامل صدق مراجعاته، ثم اتجه إلى تأسيس أحزاب سياسية بعد الثورة. وتم إشهار أحد هذه الأحزاب رسمياً، وهو حزب "البناء والتنمية" المرتبط بـ"الجماعة الإسلامية"، فيما يسعى آخرون من هذه الجماعة وتنظيم "الجهاد" إلى البحث عن مكان لهم على الخريطة السياسية عبر محاولة تأسيس أحزاب جديدة.
والفرق الثاني هو أن مراجعات "الجماعة الإسلامية المقاتلة" في ليبيا حديثة للغاية، إذ حدثت عام 2010، في حين أن "الجماعة الإسلامية" في مصر راجعت فكرها في تسعينيات القرن الماضي وأصبح توجهها الجديد -الأقرب إلى السلفية التقليدية مزودة بشيء من التجربة السياسية- راسخاً إلى حد كبير.
أما الفرق الثالث فهو أن "الجماعة الإسلامية المقاتلة" ظلت مستعدة لحمل السلاح وقامت بدور مهم لم يتضح حجمه بعد في العمليات العسكرية ضد كتائب القذافي، وكان أحد قادتها(عبد الحكم بلحاج) هو قائد قوات الثوار التي دخلت طرابلس.
ورغم أن خطاب بلحاج السياسي يبدو معتدلاً ومطمئناً إلى حد معقول، ودالاً على صدقية المراجعات التي شارك فيها مع خمسة من قادة الجماعة التي غيرت اسمها إلى "الجماعة الإسلامية من أجل التغيير"، يظل السؤال مطروحاً عن إمكان تعميم ذلك على قواعدها وشبابها ومدى تأثرهم بالوثيقة الأساسية التي راجعت أفكارهم العنفية وهي "دراسة تصحيحية في فهم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" التي أُعلنت العام الماضي فقط.
ويثير ذلك تحدياً لا يقتصر على عناصر هذه الجماعة، بل يشمل الكثير من الجماعات المسلحة غير المعروفة في أنحاء ليبيا، وهو تحدي دمج المسلحين عموماً في الأجهزة الأمنية لدولة لا يمكن أن تكون كذلك إذا ظلت هناك ميليشيات مسلحة في داخلها. وينطوي هذا التحدي على معضلتين قد تكون أولاهما مقصورة على أعضاء "الجماعة الإسلامية" وربما جماعات إسلامية مسلحة أخرى، وهي إمكان دمج هؤلاء المسلحين في أجهزة أمنية جديدة قد يأتي الكثير من قادتها من المراتب الوسيطة في بعض أجهزة النظام السابق. وعندئذ سيكون على هؤلاء، الذين تعاملوا مع أعضاء "الجماعة الإسلامية" من قبل باعتبارهم إرهابيين، أن يتعاطوا معهم بوصفهم زملاء.
كما يصعب تقدير مدى إمكان تطبيق تجربة "الجماعة الإسلامية" في مصر حين قامت بتفكيك جناحها العسكري، لأن هذه التجربة حدثت في ظروف مغايرة تماماً بعد هزيمتها أمام سلطة أمنية كانت متجبرة.
أما التحدي الثاني الذي يشمل مختلف الجماعات أو الميليشيات المسلحة التي تعج بها ليبيا الآن، فهو إمكان استيعاب من كانوا مدنيين فيها وحملوا السلاح خلال أشهر الثورة في مؤسسات دولة لا تزال غير موجودة فعلياً.
ومما يثير القلق على مستقبل ليبيا من هذه الزاوية، وجود شواهد تفيد بأن حل مشكلة الجماعات المسلحة عموماً، والإسلامية بينها، لن يكون سهلاً. فبعد أيام على سقوط طرابلس، عقد بعض قادة المجالس العسكرية للثوار فيها وفي بنغازي ومصراتة، اجتماعاً أعلنوا فيه تأسيس "اتحاد سرايا ثوار ليبيا". ولوحظ أن معظم هؤلاء من أصحاب التوجهات الدينية المتشددة، الأمر الذي يجعل إصرارهم على وجود قوة مسلحة خارج الإطار الرسمي مثيراً لقلق مزدوج، خصوصاً أنهم لم يرهنوا استمرار ذلك "الاتحاد" بإنهاء عملية تحرير ليبيا بل بأهداف عامة غير محددة من بينها منع الاقتتال بين الثوار.
ولأن هذه إحدى المهمات الحصرية للدولة، أية دولة، سيكون مستقبل هذه الدولة في ليبيا مرتبطاً بإمكان حل معضلة الميليشيات المسلحة عموماً، والإسلامية منها خصوصاً، قبل أن تصبح مانعاً أو حاجزاً أمام بناء ليبيا الجديدة.
خلال شهر واحد تقريباً صعد الإسلاميون إلى صدارة المشهد السياسي في تونس عبر انتخابات 23 أكتوبر، والمغرب في انتخابات 25 نوفمبر، ثم مصر التي بدأت انتخاباتها في 28 نوفمبر. ولذلك أصبح حزبا "النهضة" و"العدالة والتنمية" في قيادة ائتلاف حكومي للمرة الأولي بعد أن أُقصي أولهما عن المشهد السياسي في تونس تماماً، وظل الثاني في المعارضة منذ تأسيسه في المغرب.
والأرجح أن يتكرر مثل ذلك في مصر حيث حصل حزب "الحرية والعدالة" الذي أسسه "الإخوان المسلمون" وحزب "النور" السلفي، على أكبر عدد من الأصوات والمقاعد في المرحلة الأولى التي شملت ثلث المحافظات المصرية. وتثير "أسلمة" الشمال الأفريقي والجناح الغربي للعالم العربي على هذا النحو السؤال حول مستقبل ليبيا بصفة خاصة كونها في بداية مرحلة انتقال تكثر أسئلتها التي تدور في مجملها حول إمكان بناء دولة جديدة حرة وإقامة مؤسسات تحترم القانون وتوفر العدالة وتحقق التقدم وتعوّض الشعب عن عذاب عاشه على مدى أربعة عقود.
وإذا كان أول نجاح مؤسسي تحقق عبر انتخاب عبد الرحيم الكيب رئيساً لحكومة مؤقتة، خلق أملاً في تحقيق ذلك، فقد ضاعف أهمية السؤال عن دور الإسلاميين وموقعهم في ليبيا الجديدة التي تبدو أزمة الانتقال فيها أكثر عمقاً، رغم أنها تملك موارد نفطية كبيرة تؤهلها للتعافي اقتصادياً بسرعة. وتنطوي هذه الأزمة على جوانب شتى يثير كل جانب منها أسئلة عدة. ومع ذلك يحظى السؤال المتعلق بدور الإسلاميين في ليبيا الجديدة بأهمية خاصة، سواء لصعوبة تقدير حجمهم ووزنهم النسبي في هذا البلد بخلاف الحال في تونس ومصر، أو لأن قضية أسلمة "الربيع العربي" تمثل هاجساً منتشراً في أنحاء المنطقة وفي المجتمع الدولي. ولعل أكثر ما يثير القلق، هنا، هو دور القوى والمليشيات الإسلامية المسلحة التي شاركت في إسقاط نظام القذافي، وتفيد الشواهد أن أكثرها يميل إلى التشدد. وتخطف هذه الجماعات الضوء من الإسلاميين المعتدلين، سواء "الإخوان المسلمين" الذين أعادوا بناء تنظيمهم أكثر من مرة بعد ضربات قاصمة تعرضوا لها، أو الطرق الصوفية التي كان لإحداها (السنوسية) دور تاريخي بارز منذ تأسيسها عام 1973 على يد محمد بن علي السنوسي.
وبغض النظر عما بقي من هذه الطريقة وغيرها، فالأرجح أن دور الطرق الصوفية سيتنامى تدريجياً في ظل حاجة المجتمع إلى جسور بين القبائل. وكان لبعض هذه الطرق، وخصوصاً السنوسية، إسهامات تاريخية ملموسة في التقريب بين القبائل وضبط المنازعات بينها.
غير أن حدود دور الإسلاميين المعتدلين ستتوقف على معالجة قضية نظرائهم الأكثر تشدداً، وبصفة خاصة المنخرطين في صفوف جماعات وميليشيات مسلحة. فالسؤال عن دور الإسلاميين في ليبيا الجديدة يختلف عنه في تونس ومصر، لأن بعضهم يحمل السلاح الآن بعد أن شارك في العمليات العسكرية ضد نظام القذافي.
وإذا كان بعض الإسلاميين الليبيين انتهج سبيل العنف ثم عدل عنه عبر مراجعات فكرية، مثلما فعل فريق من الإسلاميين المصريين، تظل هناك ثلاثة فروق أساسية. أولها أن هذا الفريق في مصر أثبت على مدى أكثر من عقد كامل صدق مراجعاته، ثم اتجه إلى تأسيس أحزاب سياسية بعد الثورة. وتم إشهار أحد هذه الأحزاب رسمياً، وهو حزب "البناء والتنمية" المرتبط بـ"الجماعة الإسلامية"، فيما يسعى آخرون من هذه الجماعة وتنظيم "الجهاد" إلى البحث عن مكان لهم على الخريطة السياسية عبر محاولة تأسيس أحزاب جديدة.
والفرق الثاني هو أن مراجعات "الجماعة الإسلامية المقاتلة" في ليبيا حديثة للغاية، إذ حدثت عام 2010، في حين أن "الجماعة الإسلامية" في مصر راجعت فكرها في تسعينيات القرن الماضي وأصبح توجهها الجديد -الأقرب إلى السلفية التقليدية مزودة بشيء من التجربة السياسية- راسخاً إلى حد كبير.
أما الفرق الثالث فهو أن "الجماعة الإسلامية المقاتلة" ظلت مستعدة لحمل السلاح وقامت بدور مهم لم يتضح حجمه بعد في العمليات العسكرية ضد كتائب القذافي، وكان أحد قادتها(عبد الحكم بلحاج) هو قائد قوات الثوار التي دخلت طرابلس.
ورغم أن خطاب بلحاج السياسي يبدو معتدلاً ومطمئناً إلى حد معقول، ودالاً على صدقية المراجعات التي شارك فيها مع خمسة من قادة الجماعة التي غيرت اسمها إلى "الجماعة الإسلامية من أجل التغيير"، يظل السؤال مطروحاً عن إمكان تعميم ذلك على قواعدها وشبابها ومدى تأثرهم بالوثيقة الأساسية التي راجعت أفكارهم العنفية وهي "دراسة تصحيحية في فهم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" التي أُعلنت العام الماضي فقط.
ويثير ذلك تحدياً لا يقتصر على عناصر هذه الجماعة، بل يشمل الكثير من الجماعات المسلحة غير المعروفة في أنحاء ليبيا، وهو تحدي دمج المسلحين عموماً في الأجهزة الأمنية لدولة لا يمكن أن تكون كذلك إذا ظلت هناك ميليشيات مسلحة في داخلها. وينطوي هذا التحدي على معضلتين قد تكون أولاهما مقصورة على أعضاء "الجماعة الإسلامية" وربما جماعات إسلامية مسلحة أخرى، وهي إمكان دمج هؤلاء المسلحين في أجهزة أمنية جديدة قد يأتي الكثير من قادتها من المراتب الوسيطة في بعض أجهزة النظام السابق. وعندئذ سيكون على هؤلاء، الذين تعاملوا مع أعضاء "الجماعة الإسلامية" من قبل باعتبارهم إرهابيين، أن يتعاطوا معهم بوصفهم زملاء.
كما يصعب تقدير مدى إمكان تطبيق تجربة "الجماعة الإسلامية" في مصر حين قامت بتفكيك جناحها العسكري، لأن هذه التجربة حدثت في ظروف مغايرة تماماً بعد هزيمتها أمام سلطة أمنية كانت متجبرة.
أما التحدي الثاني الذي يشمل مختلف الجماعات أو الميليشيات المسلحة التي تعج بها ليبيا الآن، فهو إمكان استيعاب من كانوا مدنيين فيها وحملوا السلاح خلال أشهر الثورة في مؤسسات دولة لا تزال غير موجودة فعلياً.
ومما يثير القلق على مستقبل ليبيا من هذه الزاوية، وجود شواهد تفيد بأن حل مشكلة الجماعات المسلحة عموماً، والإسلامية بينها، لن يكون سهلاً. فبعد أيام على سقوط طرابلس، عقد بعض قادة المجالس العسكرية للثوار فيها وفي بنغازي ومصراتة، اجتماعاً أعلنوا فيه تأسيس "اتحاد سرايا ثوار ليبيا". ولوحظ أن معظم هؤلاء من أصحاب التوجهات الدينية المتشددة، الأمر الذي يجعل إصرارهم على وجود قوة مسلحة خارج الإطار الرسمي مثيراً لقلق مزدوج، خصوصاً أنهم لم يرهنوا استمرار ذلك "الاتحاد" بإنهاء عملية تحرير ليبيا بل بأهداف عامة غير محددة من بينها منع الاقتتال بين الثوار.
ولأن هذه إحدى المهمات الحصرية للدولة، أية دولة، سيكون مستقبل هذه الدولة في ليبيا مرتبطاً بإمكان حل معضلة الميليشيات المسلحة عموماً، والإسلامية منها خصوصاً، قبل أن تصبح مانعاً أو حاجزاً أمام بناء ليبيا الجديدة.