By سارة العيسى - الثلاثاء نوفمبر 18, 2008 2:29 pm
- الثلاثاء نوفمبر 18, 2008 2:29 pm
#7695
![]() | ![]() | |
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته: التسامح كلمة محببة إلى النفس، والإسلام دين التسامح ينبذ العنف والكراهية، ويدعو إلى التعاون والسلام والتعامل بالبر مع المخالفين لنا في الدين، والبشرية في نظر الإسلام أسرة إنسانية واحدة، وقد وصف الله المسلمين بأنهم أمة تدعو إلى الخير والتسامح والمحبة. كل هذه المعاني والقيم والمبادئ الأخلاقية معروفة ومحفوظة ونعلمها لطلابنا ونتباهى بها في خطابنا الديني عبر المنابر الدينية والإعلامية. لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم، أروع الأمثلة في التسامح حتى مع أشد أعدائه الذين حاربوه واضطهدوه وعذبوا المسلمين واضطروهم للهجرة. لقد تناسى رسولنا الكريم كل ذلك وذهب إلى عدوه ليعقد معه صلح الحديبية ورضي بالشروط المجحفة إيثاراً للسلام وحقناً للدماء، حتى إذا نصره الله بفتح مكة، يأتيه الملأ من قريش مستسلماً فيقول لهم باسماً: "اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم ويغفر الله لكم". هذا هو التسامح في أسمى صوره، يكون عند المقدرة ومن موقع العدل والإنصاف والعزّة. ويحفظ التاريخ مواقف مجيدة لتسامح المسلمين مع أصحاب الأديان والأقليات المختلفة التي عاشت في رحاب حضارة الإسلام، وكلنا نعرف ونحفظ تلك العهود والمواثيق التي عقدها قادة المسلمين في العهد الراشدي مع زعماء الديانات المختلفة، وهي مواثيق تحفظ لهم كافة حقوقهم وتكفل لهم ممارسة شعائرهم الدينية وتصون لهم معابدهم ودور عباداتهم، ولم تتضمن تلك المواثيق أي تمييز أو انتقاص للحرية أو الكرامة. ولعلنا نتذكر ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حينما ذهب لعقد معاهدة السلام مع أهل إيليا (القدس) إذ رأى هيكلاً لليهود ستره التراب ولم يبق منه إلا أعلاه، فجاء بفضل ثوبه وأخذ من التراب المتراكم فاقتدى به المسلمون، فزال كل ما ستر الهيكل من تراب وبدا واضحاً ليقيم اليهود عنده شعائرهم الدينية. وحينما حضرت الصلاة وهو بجوار كنيسة بيت المقدس، صلى بجوارها وقال: "خشيت أن أصلي فيها، فيزيلها المسلمون من بعدي ويتخذونها مسجداً". ولعلنا -أيضاً- نحفظ وصية أبي بكر رضي الله عنه، لقائده: "إن موصيك بعشر: لا تقتلنّ امرأة ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعنّ شجراً مثمراً لا نخلاً، ولا تحرقها، ولا تخربَّن عامراً، ولا تعقرنّ شاة إلا لمأكلة، ولا تجبُن ولا تغلُل"، وهذا مع العدو المحارب فكيف بالمسالم؟ إننا في هذه الأيام بحاجة ماسة إلى إعادة تذكير شبابنا بهذه القيم السامية التي تجسِّد "إنسانية ديننا" بعد أن طغى وبغى دعاة الكراهية والتعصب والعنف وملأوا الدنيا إساءات وألحقوا أبلغ الضرر بصورة الإسلام والمسلمين، وجعلوا العالم كله يتوجس من المسلمين ومن أي شيء يمت إلى الإسلام. ولكن هلاّ تساءلنا: ما الذي جعل بعض أبنائنا ينقلبون وحوشاً ضارية؟ ما الذي حولهم أدوات للقتل وقنابل تنفجر ضد مجتمعاتهم والعالم أجمع؟! ما الذي حبب إليهم الهلاك والموت؟ ما الذي جعلهم يفرون من هذه الحياة ومباهجها؟! إنه الإرث التعصبي الممتد إلينا من أعماق التاريخ، نشأ وتبلور وانتشر وتكرس في البنية المجتمعية على مر التاريخ الإسلامي في ظل أنظمة تسلطية مارست قمعاً وتمييزاً وتهميشاً ضد المسلمين وغير المسلمين، وساندته -للأسف - اجتهادات فقهية -لا إنسانية- اقرأ على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في معظم الكتب الفقهية التراثية (ويؤخذ أهل الذمة بالتمييز عن المسلمين في زيهم ومراكبهم وسروجهم وقلانسهم، فلا يركبون الخيل ولا يعملون بالسلاح ولا يُبتدأون بالسلام، ويضيق عليهم الطريق، ويجب أن يربطوا خيطاً غليظاً من الصوف يشدونه على وسطهم حتى لا يعاملوا معاملة المسلمين، ويجب أن يتميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات ويجعل على بيوتهم علامات كي لا يقف عليها سائل يدعو لهم بالمغفرة، وإذا ركبوا -للضرورة - نزلوا حيث وُجد مسلمون ومشوا على أقدامهم). وإذا تساءلت: لماذا هذه المعاملة التمييزية الظالمة، أجابك الفقيه بثقة: ذلاً وصغاراً لهم، وإعزازاً وتوقيراً للمسلمين ولدينهم!! ومما يؤسف له أن تستمر تلك الممارسات الظالمة قروناً متطاولة، فالراهب سيمون في رحلته إلى مصر والشام (1608 - 1620) يصف مشاهد مؤلمة ويقول: "عند العرب، تعصب لا تعرفه تركيا ولا إيران، فركوب النصارى (البغل) أو (الفرس) ممنوع، وليس لهم إلا (الحمير) فإذا مروا أمام المحاكم أو الجوامع عليهم أن ينزلوا، وحتى مراسم الجنازة ممنوعة، وبسبب هذا التضييق أصبحت الكنائس خربة، والطقوس مهملة". هذا الإرث التعصبي التمييزي -المخالف للثوابت الإسلامية- هو الذي ارتوى منه بعض أبنائنا فضلت -لديهم- مفاهيم "الولاء والبراء" والعلاقة بالآخر. ومن أجل أن نحصِّن أولادنا ونحفظ لهم مستقبلهم، علينا –أولاً- إعلان قطيعة معرفية مع هذا الإرث اللاإنساني ومع كل موروث ثقافي يتنافى والنصوص الدينية الثابتة مما هو اجتهاد بشري عمل به الأسلاف، فلسنا بحاجة في هذا العصر ونحن أبناؤه إلى كل ما يوجد في كتب الأسلاف بل نحتاج إلى فقه يحتضن الإنسان لأنه إنسان ويحبب شبابنا في الحياة والثقافة والفنون الراقية. وعلينا -ثانياً- الكف عن ترديد مفهوم "التسامح" شعاراً نتغنى به ونتباهى به ونحن نعيش أوضاعاً غير متسامحة. علينا إذا كنا صادقين وأوفياء لمبادئنا ترجمتها إلى أرض الواقع في سلوكيات عملية، فالعالم كله يحكم على الإسلام من خلال سلوك المسلمين ولا يأبه بشعاراتهم الرنانة، وخطبهم البليغة، وكما يقول محمد جابر الأنصاري -إن عندنا أفضل المبادئ ولكننا نعيش أسوأ الأوضاع- وبخاصة فيما يتعلق بالتسامح. في تصوري أن المفتاح التربوي هو البداية الحقيقية لتعزيز قيم التسامح، من البيت، من الأسرة الصغيرة، في تسامح الأبوين مع بعضهما بعضاً ومع الجيران، في تسامح أفراد الأسرة مع بعضهم بعضاً، مع الخدم في البيت، وتمتد إلى المؤسسات التعليمية ليكون المعلم نموذجاً متسامحاً هادياً لطلابه، صعوداً إلى بقية مؤسسات المجتمع المدني والحكومي بمختلف ألوانها السياسية والثقافية والدينية، بأن تمارس النخبة الدينية والثقافة ثقافة التسامح وتقلع عن اتهامات التخوين والتكفير والعمالة. بأن يسود المجتمع تشريع عادل لجميع فئات وعناصر وطوائف المجتمع ونظام سياسي يكفل حقوق وحريات الجميع على قدم المساواة. ![]() | ||
![]() | ![]() |