- الجمعة ديسمبر 16, 2011 1:50 pm
#42388
محمد أبوعبيد
بعد أن بدأ المواطن العربي يستعيد عافية الشهيق بحرية، ولو بتباطؤ دون تواطؤ، يبدو أن ضحية جديدة ستحل مكانه أيام قمعه وهي الفن.
يا للمفارقة العجيبة التي قد ترهق "أليس" في بلاد العجائب أكثر! فالمواطن تحت الحكم الديكتاتوري مقموع مكبوت مكتوم صوته، بينما الفن له فمٌ لا ماء فيه، وبعد انقشاع هذا الحكم، يعود المواطن ليشعر بأن له فماً بات بمقدوره استخدامه، بينما يصبح الفن مكبلاً مقيداً. علاقة شائكة لا يعرف ضراوة شوكها إلا المشرقيون.
بعض الذين طالما شكوا سلب حرياتهم، يصبحون على خطى من سلبوهم إياها، ولو بذرائع مختلفة، فالديكتاتور، أصلاً، كانت له حججه في سيماء حكمه، ومُضحِكُها أنه لم يكن يرى في نفسه الحاكم المستبد، وكان يرى حُكمه يوطوبياً يُسْعَد به المحكومون. وهكذا بدأ يتصرف بعض من اعتلوا صهوة الثورات، وأتيحت لهم الفرصة، أخيراً، أن يسعوا للحكم، وأولى ضحاياهم الفن.
كأنهم على عداء مع سائر الفنون، وكأن الفن كان السبب في الردح الزمني السوداوي إبان الحكم الشمولي، فيحسبهم المرء أنهم بصدد الثأر من المسرح والسينما والغناء والرسم والنحت. والأمثلة على هذه الفوضى الرؤيوية كثيرة، خبطت أكثر من مكان مشرقي، فما عَلِموا أن الفن بريء من تلك الحقب السوداوية براءة الذئب من دم يوسف.
إن معاناتنا كانت، وما انفكت في بعض منها، مع أنظمة حكم مستبدة، ولم تكن يوماً، ولن تكون، مع الفنون، لأن الفن ببساطة متناهية غير مستبد، ولا يفرض على أحد أن يحبه بالإكراه والقوة، وإنْ كان يأسرنا بجمالياته وخيالاته.
عندما انتهى عصر صدام حسين، ارتكبت بعض الجهات العراقية إفكاً وخطايا في حق الفنون، عندما حاربت المسرح والنحت والموسيقى، وكأنها السبب في ما آلت إليه أحوال العراقيين طيلة عقود. والأمر عينه يتكرر، بكل أسف، في "مشرقيات" أخرى، هي على شفا الوقوع تحت سلطة من يرون في الفنون طاغية مستبداً، كمصر وتونس وغيرهما، وكأن العالم العربي في نظرهم لم يكن يعاني إلا من فنانة مسرح، أو أغنية، أو متحف، او مقطوعة موسيقية، فخلا من كل مشاكل الفقر والبطالة والتعليم والاغتصاب والعنف الأسري، فأنموذجهم في "مثالية" الحكم هو قندهار.
إن الفن ليس صندوق "باندورا" الذي انبعثت منه الشرور والرزايا في حقب الاستبداد، وليس من الإنصاف تحميله وزر الديكتاتوريات، فمن الأوْلى طمـأنة المواطن العربي حول مستقبله المعيشي ومستقبل أولاده، بدلاً من بث الرعب في الفنانين وتابعيهم، وتصوير الفن على أنه تماثيل "باميان" يجب تحطيمها بطريقة طالبان.
في الماضي، مواطن مكبَّل وفنٌ شبه حر، اليوم مواطن شبه حر وفنٌّ مكبل، لذلك لن ننعم بالحرية إلا برتقها: الإنسان والفن, دون فتقهما.
بعد أن بدأ المواطن العربي يستعيد عافية الشهيق بحرية، ولو بتباطؤ دون تواطؤ، يبدو أن ضحية جديدة ستحل مكانه أيام قمعه وهي الفن.
يا للمفارقة العجيبة التي قد ترهق "أليس" في بلاد العجائب أكثر! فالمواطن تحت الحكم الديكتاتوري مقموع مكبوت مكتوم صوته، بينما الفن له فمٌ لا ماء فيه، وبعد انقشاع هذا الحكم، يعود المواطن ليشعر بأن له فماً بات بمقدوره استخدامه، بينما يصبح الفن مكبلاً مقيداً. علاقة شائكة لا يعرف ضراوة شوكها إلا المشرقيون.
بعض الذين طالما شكوا سلب حرياتهم، يصبحون على خطى من سلبوهم إياها، ولو بذرائع مختلفة، فالديكتاتور، أصلاً، كانت له حججه في سيماء حكمه، ومُضحِكُها أنه لم يكن يرى في نفسه الحاكم المستبد، وكان يرى حُكمه يوطوبياً يُسْعَد به المحكومون. وهكذا بدأ يتصرف بعض من اعتلوا صهوة الثورات، وأتيحت لهم الفرصة، أخيراً، أن يسعوا للحكم، وأولى ضحاياهم الفن.
كأنهم على عداء مع سائر الفنون، وكأن الفن كان السبب في الردح الزمني السوداوي إبان الحكم الشمولي، فيحسبهم المرء أنهم بصدد الثأر من المسرح والسينما والغناء والرسم والنحت. والأمثلة على هذه الفوضى الرؤيوية كثيرة، خبطت أكثر من مكان مشرقي، فما عَلِموا أن الفن بريء من تلك الحقب السوداوية براءة الذئب من دم يوسف.
إن معاناتنا كانت، وما انفكت في بعض منها، مع أنظمة حكم مستبدة، ولم تكن يوماً، ولن تكون، مع الفنون، لأن الفن ببساطة متناهية غير مستبد، ولا يفرض على أحد أن يحبه بالإكراه والقوة، وإنْ كان يأسرنا بجمالياته وخيالاته.
عندما انتهى عصر صدام حسين، ارتكبت بعض الجهات العراقية إفكاً وخطايا في حق الفنون، عندما حاربت المسرح والنحت والموسيقى، وكأنها السبب في ما آلت إليه أحوال العراقيين طيلة عقود. والأمر عينه يتكرر، بكل أسف، في "مشرقيات" أخرى، هي على شفا الوقوع تحت سلطة من يرون في الفنون طاغية مستبداً، كمصر وتونس وغيرهما، وكأن العالم العربي في نظرهم لم يكن يعاني إلا من فنانة مسرح، أو أغنية، أو متحف، او مقطوعة موسيقية، فخلا من كل مشاكل الفقر والبطالة والتعليم والاغتصاب والعنف الأسري، فأنموذجهم في "مثالية" الحكم هو قندهار.
إن الفن ليس صندوق "باندورا" الذي انبعثت منه الشرور والرزايا في حقب الاستبداد، وليس من الإنصاف تحميله وزر الديكتاتوريات، فمن الأوْلى طمـأنة المواطن العربي حول مستقبله المعيشي ومستقبل أولاده، بدلاً من بث الرعب في الفنانين وتابعيهم، وتصوير الفن على أنه تماثيل "باميان" يجب تحطيمها بطريقة طالبان.
في الماضي، مواطن مكبَّل وفنٌ شبه حر، اليوم مواطن شبه حر وفنٌّ مكبل، لذلك لن ننعم بالحرية إلا برتقها: الإنسان والفن, دون فتقهما.
ماذا على الزعماء من لومٍ
إذا قالوا كذبنا ...
في الحديث عن الكرامة والكرَم ؟!
ماذا علينا لو انتحرنا كلّنا ... في البحر
ليحكموا من بعدنا هذا الفراغ ..
بلا نشيدٍ أو علَمْ .. !!
إذا قالوا كذبنا ...
في الحديث عن الكرامة والكرَم ؟!
ماذا علينا لو انتحرنا كلّنا ... في البحر
ليحكموا من بعدنا هذا الفراغ ..
بلا نشيدٍ أو علَمْ .. !!