ألكساندرا كولونتاي
مرسل: الجمعة ديسمبر 16, 2011 2:54 pm
ألكسندرا كولونتاي من أبرز نساء الحركة الشيوعية الروسية. حتى أن مكسيم غوركي يروي على لسان مارتوف قوله: « يوجد في روسيا شيوعيان اثنان فقط: لينين ومدام كولونتاي » !
كانت أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير. ولعبت دورا هاما في الحزب والدولة خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر. ثم واصلت خدمتها للدولة السوفيتية في السلك الدبلوماسي خلال ربع قرن. لكن مساهمتها الكبرى هي نضالها الذي كرست له كل حياتها، ككاتبة ومناضلة شيوعية، من أجل تحرر المرأة، وتحرر النساء العاملات بشكل خاص.
ولدت ألكسندرا دومونتوفتش في أسرة عقيد بالجيش الروسي في سان بطرسبرغ عام 1872، لمئة سنة خلت، وتزوجت أحد أقاربها، المهندس فلاديمير كولونتاي. تأثرت باكرا بالأفكار الثورية عبر نظرية داروين التطورية واهتمامها بالتربية وعلم نفس الأطفال. ومع أفول القرن التاسع عشر، كانت كولونتاي في عداد ذاك الرعيل من النساء الأرستقراطيات والبرجوازيات اللواتي سعين إلى التحرر الشخصي عبر التدريس، عبر « التوجه إلى الشعب ». وكانت تلك الفترة تشهد نهايات « الحركة الشعبوية » التي تعتبر الفلاحين عماد الثورة ضد القيصرية، والجماعية البدائية في الريف قاعدة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية. وقد انشق عنها جناح إرهابي سرعان ما اتضحت حدوده، بعد سلسلة من الإغتيالات الفردية الجريئة ضد القياصرة وكبار موظفي الدولة.
وفي تلك الأثناء، كانت روسيا عند منعطف تاريخي. فقد أدى النمو المتسارع للصناعة، وتمركزها الشديد، وانتقال مئات الألوف من الأقنان السابقين للانخراط بقسوة في العمل المأجور، وتغلغل الرأسمالية في الزراعة وتدميرها السريع للإنتاج البطريركي – إلى ولادة الطبقة التي ستتمكن من الانتصار أخيرا على القيصرية وبناء الاشتراكية: الطبقة العاملة. ومن العلامات الفارقة لهذا الانعطاف الإضرابات العمالية الضخمة في سان بطرسبرغ عام 1896، حيث أسهمت العاملة إلى جانب العامل في تحطيم الآلات (وهو أحد الأشكال البدائية للصراع الطبقي) ومقاومة الشرطة.
مع البروز السريع للطبقة العاملة الروسية، برزت الحلقات الماركسية التي اتحدت في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، عام 1898. انضمت كولونتاي إلى الحركة العمالية منذ سنيها الأولى. وقد أثرت فيها زيارة قامت بها لأحد مصانع النسيج الضخمة الذي يضم 12000 عاملة وعامل. فقررت بعد ذاك ربط مصيرها بالطبقة الثورية الصاعدة. فأدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها. وتروي في مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
« لا زلت أنتمي إلى جيل من النساء نشأ عند منعطف التاريخ. وكان الحب، بكل ما يجره من خيبات أمل متكررة ومآس وسعي دائم وراء السعادة الكاملة، لا يزال يلعب دورا كبيرا في حياتي، دورا أكبر مما يجب أن يكونه ! ولقد هدرت فيه الوقت الثمين والكثير من الطاقة، ويمكن القول أنه كان عديم الجدوى، في التحليل الأخير. فنحن، نساء الجيل الماضي، لم نكتشف السبيل إلى التحرر الفعلي. فبذلنا طاقاتنا بدون حساب، وهدرنا طاقاتنا العملية في تجارب عاطفية عقيمة. وتأكيدا، فإني وغيري من المناضلات والكادحات، أدركنا أن الحب ليس الهدف الأساسي للحياة، وتمكنا من أن نجعل العمل محورا لحياتنا. ولولا أننا لم نهدر طاقاتنا في الصراع الدائم مع عواطفنا تجاه الآخرين، لكنا استطعنا بذل المزيد من الجهد الخلاق. والواقع أن هذا النزاع كان حربا دائمة ضد تدخل الرجل في شؤوننا وتعديه على ذاتيتنا، نزاع يدور حول مشكلة معقدة: العمل أو الحب والزواج ؟ نحن نساء الجيل القديم، لم ندرك، كما يدرك الشباب والشابات اليوم، أنه يمكن التوفيق بين العمل والسعي وراء الحب، بحيث يبقى العمل محورا للوجود. فقد منحنا كل ذاتنا للمحبوب على أمل بلوغ التناغم الروحي الكامل.
غير أن الرجل كان يسعى باستمرار إلى فرض ذاتيته علينا وتكييفنا حسب مبتغاه. فاضطرمت الثورة في داخلنا، رغم كل شيء، وتحول الحب تكرارا إلى قيد يقيدنا، وشعرنا بأننا مستعبدات وحاولنا التحرر من قيد الحب. وبعد نضالات متواصلة مع المحبوب، انعتقنا أخيرا، وتدافعنا نحو الحرية. وسقطنا مجددا في الوحدة والتعاسة والوحشة. لكننا كنا ننعم بحرية السعي وراء فارس أحلامنا – العمل.
من حسن حظ الجيل الحالي أنه ليس مضطرا إلى خوض غمار هذا النضال العديم الجدوى بالنسبة للمجتمع البشري، فيوفر كامل جهوده للنشاط الخلاق ».
بعد أن استعادت كولونتاي « حريتها » غادرت روسيا إلى ألمانيا، ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ، وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية، وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها، وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية، فقد وقفت كولونتاي إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى.
عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها، في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوانية البرجوازية، المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال، بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها، وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب، الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية. في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء، اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوانية من جهة، ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات، عام 1906، لدراسة قضايا المرأة العاملة، والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات. وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء، انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت، وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها. وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا، المنعقد عام 1908، أمكن للمرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة، معظمهن من الأميات.
مع اشتداد موجة القمع والإرهاب، وصدور الأمر بإلقاء القبض عليها، اضطرت كولونتاي إلى سلوك طريق أعنف عام 1907. في ألمانيا، واصلت عملها النسائي، وحضرت مؤتمر شتوتغارت للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني(1). كذلك كانت كولونتاي في عداد المحاضرين في مدرسة الكادر الحزبية للعمال الروس في ايطاليا، ووضعت مشاريع القوانين حول رعاية الأمومة والطفولة ليقدمها النواب الاشتراكيون-الديمقراطيون في مجلس الدوما. وفي المنفى صدر كتابها « الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة » وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسواني ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية. شاركت، عام 1911، في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة، الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من آذار (مارس) من كل عام. وزارت فرنسا حيث ساهمت في تنظيم إضرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة، وانكلترا، حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الانكليزية.
غادرت كولونتاي ألمانيا بعد اندلاع الحرب العالمية، وقد صعقها موقف أغلبية الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية الأوربية المؤيدة لحرب اقتسام المغانم بين الدول الاستعمارية. فقطعت صلاتها نهائيا بالاتجاه المنشفي وانضمت أخيرا إلى البلاشفة في حزيران (يونيو) 1915. ولعبت طوال ذلك العام دورا هام، إلى جانب الكسندر شليابنيكوف، في الدعاية ضد الحرب والاتجاه الاشتراكي-الإمبريالي في الحركة العمالية، وكانت صلة الوصل بين لينين – في سويسرا – واللجنة المركزية للحزب البلشفي داخل روسيا. ثم سافرت إلى الولايات المتحدة، بتشجيع من لينين، حيث قامت بجولة واسعة ألقت خلالها عشرات المحاضرات ضد الحرب الاستعمارية ومن أجل تحويلها إلى حرب أهلية ضد الرأسمالية.
وعادت كولونتاي إلى روسيا بعد انهيار الحكم القيصري. وكانت الحرب قد رفعت أكلاف المعيشة، وهذا ما شجع البلاشفة على إيلاء العمل بين النساء العاملات أهمية خاصة. فأسهمت في إصدار صحيفة نسائية – « النساء العاملات » – وفي تنظيم تحركات العاملات ضد غلاء المعيشة ومن أجل التخفيف من أعباء العمل المنزلي. إلا أن مساهمتها الرئيسية خلال تلك الفترة كانت في الحزب نفسه. فكتبت في « البرافدا » وكانت من البلاشفة الأوائل الذين وقفوا إلى جانب لينين في نيسان (أبريل) 1917 عندما قدم أطروحاته الشهيرة الداعية إلى إسقاط الحكومة البرجوازية المؤقتة بواسطة السوفييت، وتسلم الطبقة العاملة للسلطة وبناء الاشتراكية. فاعتقلت خلال الردة الرجعية حزيران-تموز (يونيو-يوليو) 1917، وأودعت أحد سجون بتروغراد، ثم أفرج عنها لتوضع قيد الإقامة الجبرية. وكانت كولونتاي عضوا في اللجنة المركزية التي اتخذت قرار إعلان الثورة وقادت عملية تنفيذها.
عينت كولونتاي مفوضة الشعب (وزيرة) للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب، وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية، وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية، ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس، وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا، وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918، وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل، وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات...
وفي غضون سنة من تسلم البلاشفة الحكم، كانوا قد ألغوا سيطرة الكنيسة على الزواج وحققوا المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء، وبات الزواج اتفاقا حرا بين شريكين متساويين، يحق لأي منهما طلب حله.
وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918، أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات، على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء، في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.
خلال الحرب الأهلية، استدعيت كولونتاي للنضال على جبهة القتال، إذ عينت مفوضة للشعب لشؤون التوعية والإعلام في الحكومة الأوكرانية، فأسهمت في تجنيد المئات من النساء لصد الهجمة الرجعية المدعومة من الاستعمار الانكلو-فرنسي. وعند عودتها إلى موسكو، تولت مكتب التنسيق للعمل بين النساء في الحزب، الذي أشرف على إصدار صحيفة شيوعية نسائية، ونظم العمل بين النساء المسلمات، وعقد مؤتمرين عالميين للنساء في موسكو. وتكلل نشاط كولونتاي بالنجاح عندما دعم لينين شخصيا مشروعها القاضي بجعل الإجهاض شرعيا يتم تحت رعاية الدولة وعلى حسابها.
في تلك الأثناء، كان يدور في صفوف الحزب البلشفي سجال عاصف حول دور النقابات في ظل دكتاتورية البروليتاريا. فوقفت كولونتاي موقفا معارضا لأغلبية الحزب، يدعو إلى تسيير الصناعة من قبل مؤتمر للمنتجين في عموم روسيا. وشكلت كتلة حزبية معارضة مع الكسندر شليابنيكوف وبعض القادة النقابيين عرفت بـ « المعارضة العمالية »(2). وكانت « المعارضة العمالية » ترد بالدرجة الأولى على تروتسكي الذي رفع شعار « عسكرة العمل » بفرض الإنضباط العسكري الصارم على الطبقة العاملة، وتسخير النقابات لتنفيذ هذه السياسة، واعتماد التعيين بدل الانتخاب في اختيار القيادات النقابية. وقد التفت غالبية الحزب حول لينين الذي أدان بشدة النزعة البيروقراطية الإدارية عند تروتسكي. ورد على « المعارضة العمالية » معتبرا أن الدعوة إلى تسيير النقابات للإنتاج والصناعة يلغي الدور القيادي للحزب، ودور النقابات كحلقة وصل بين الطليعة الشيوعية والجماهير، فتبقى الطبقة العاملة نهبا لشتى الأضاليل والانحرافات التي ترشح إليها من الوسط الفلاحي والبرجوازي الصغير المحيط بها. ودعا لينين في المقابل: 1- إلى منح النقابات حدا من الاستقلالية للاستمرار في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة تجاه الدولة السوفييتية، التي لم تصبح بعد دولة اشتراكية وإنما هي دولة عمالية « ذات انحراف بيروقراطي » ترتكز إلى تحالف العمال مع الفلاحين الذين يشكلون أكثرية الشعب الساحقة. 2- إلى اعتبار النقابات مدرسة للشيوعية ومدرسة للإدارة العمالية. وقد هزم الجناحان المعارضان في مؤتمر الحزب عام 1922 وصدرت عنه توصية باعتبار « المعارضة العمالية » تكتلا ممنوعا.
بعد هذا التاريخ، تقلص دور كولونتاي في السياسة الداخلية. فانضمت إلى السلك الخارجي عام 1923 وشغلت عدة مناصب دبلوماسية في النروج والمكسيك وفنلندا والسويد، إلى أن رقيت إلى رتبة سفيرة متجولة عام 1943. وقد انتدبتها الحكومة السوفييتية لتوقيع اتفاقية الهدنة السوفييتية-الفنلندية عام 1945.
وما من شك في أن انسحاب كولونتاي المبكر من الحياة السياسية الداخلية قد أنقذها من المصير المظلم الذي لاقاه رفاقها في « المعارضة العمالية » والعديد غيرهم من قادة وكوادر الحزب البلشفي من مختلف الاتجاهات على يد ستالين في منتصف الثلاثينيات. وقد توفيت كولونتاي في موسكو عام 1952 ولها من العمر ثمانون عاما. وتركت عددا كبيرا من الكتابات حول قضايا التربية، والمسألة القومية والاشتراكية في فنلندا، والحرب العالمية، والطبقة العاملة الأوربية، وقضايا السلطة العمالية في روسيا السوفييتية، ننشر منها ثلاثة نصوص « الشيوعية والأسرة » وهو كراس دعاوي كتب بعد قيام السلطة السوفييتية و « تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوروبا » و « التقرير أمام المؤتمر الثالث للكومنترن » ننشره هنا مع المقررات المرتبطة به (ترجم النصين الأول والثاني فواز طرابلسي وترجم النص الثالث طلال الحسيني). لقد لخصت كولونتاي نفسها فهمها لقضية تحرر المرأة التي نذرت حياتها لها بهذه العبارات المقتطفة من مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
« إذا كنتُ قد حققت شيئا في هذا العالم، فليس مرد ذلك لصفاتي الشخصية. فإنجازاتي ما هي إلا الدليل على أن المرأة باتت تسير باتجاه كسب الاعتراف العام بها، على الرغم من كافة الصعاب. فانخراط ملايين النساء في العمل الإنتاجي، الذي تم بوتيرة متسارعة خلال الحرب، هو الذي أفسح المجال أمام المرأة لكي تحتل أعلى المراكز السياسية والدبلوماسية. غير أنه من المؤكد أن بلدا مستقبليا، كالاتحاد السوفييتي، هو وحده القادر على معالجة قضية المرأة دون أفكار مسبقة، وعلى تقييم أعمالها فقط من منظار مهارتها ومواهبه، وبالتالي فهو وحده القادر على أن يوكل إليها مراكز المسؤولية. وحدها العواصف الثورية الجديدة امتلكت القوة الكافية لتكنيس كافة العقد والترسبات ضد النساء. ووحده الشعب الكادح المنتج هو القادر على تحقيق المساواة الكاملة والتحرر الناجز للمرأة ببنائه المجتمع الجديد ».
كانت أول امرأة في العالم تشغل منصب وزير. ولعبت دورا هاما في الحزب والدولة خلال السنوات الأولى لثورة أكتوبر. ثم واصلت خدمتها للدولة السوفيتية في السلك الدبلوماسي خلال ربع قرن. لكن مساهمتها الكبرى هي نضالها الذي كرست له كل حياتها، ككاتبة ومناضلة شيوعية، من أجل تحرر المرأة، وتحرر النساء العاملات بشكل خاص.
ولدت ألكسندرا دومونتوفتش في أسرة عقيد بالجيش الروسي في سان بطرسبرغ عام 1872، لمئة سنة خلت، وتزوجت أحد أقاربها، المهندس فلاديمير كولونتاي. تأثرت باكرا بالأفكار الثورية عبر نظرية داروين التطورية واهتمامها بالتربية وعلم نفس الأطفال. ومع أفول القرن التاسع عشر، كانت كولونتاي في عداد ذاك الرعيل من النساء الأرستقراطيات والبرجوازيات اللواتي سعين إلى التحرر الشخصي عبر التدريس، عبر « التوجه إلى الشعب ». وكانت تلك الفترة تشهد نهايات « الحركة الشعبوية » التي تعتبر الفلاحين عماد الثورة ضد القيصرية، والجماعية البدائية في الريف قاعدة الانتقال المباشر إلى الاشتراكية. وقد انشق عنها جناح إرهابي سرعان ما اتضحت حدوده، بعد سلسلة من الإغتيالات الفردية الجريئة ضد القياصرة وكبار موظفي الدولة.
وفي تلك الأثناء، كانت روسيا عند منعطف تاريخي. فقد أدى النمو المتسارع للصناعة، وتمركزها الشديد، وانتقال مئات الألوف من الأقنان السابقين للانخراط بقسوة في العمل المأجور، وتغلغل الرأسمالية في الزراعة وتدميرها السريع للإنتاج البطريركي – إلى ولادة الطبقة التي ستتمكن من الانتصار أخيرا على القيصرية وبناء الاشتراكية: الطبقة العاملة. ومن العلامات الفارقة لهذا الانعطاف الإضرابات العمالية الضخمة في سان بطرسبرغ عام 1896، حيث أسهمت العاملة إلى جانب العامل في تحطيم الآلات (وهو أحد الأشكال البدائية للصراع الطبقي) ومقاومة الشرطة.
مع البروز السريع للطبقة العاملة الروسية، برزت الحلقات الماركسية التي اتحدت في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي، عام 1898. انضمت كولونتاي إلى الحركة العمالية منذ سنيها الأولى. وقد أثرت فيها زيارة قامت بها لأحد مصانع النسيج الضخمة الذي يضم 12000 عاملة وعامل. فقررت بعد ذاك ربط مصيرها بالطبقة الثورية الصاعدة. فأدى التزامها السياسي إلى تأزم علاقاتها بزوجها الذي اعتبر نشاطها السياسي بمثابة تحد شخصي له. فانفصلت عنه ومعها طفلها الوحيد رغم ما كانت تكن له من حب واحترام. واختارت حياة النضال والعمل الخلاق على حياة الحب والأسرة. ولم يكن مثل هذا الاختيار أمرا يسيرا بالنسبة لها ولبنات جيلها. وتروي في مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
« لا زلت أنتمي إلى جيل من النساء نشأ عند منعطف التاريخ. وكان الحب، بكل ما يجره من خيبات أمل متكررة ومآس وسعي دائم وراء السعادة الكاملة، لا يزال يلعب دورا كبيرا في حياتي، دورا أكبر مما يجب أن يكونه ! ولقد هدرت فيه الوقت الثمين والكثير من الطاقة، ويمكن القول أنه كان عديم الجدوى، في التحليل الأخير. فنحن، نساء الجيل الماضي، لم نكتشف السبيل إلى التحرر الفعلي. فبذلنا طاقاتنا بدون حساب، وهدرنا طاقاتنا العملية في تجارب عاطفية عقيمة. وتأكيدا، فإني وغيري من المناضلات والكادحات، أدركنا أن الحب ليس الهدف الأساسي للحياة، وتمكنا من أن نجعل العمل محورا لحياتنا. ولولا أننا لم نهدر طاقاتنا في الصراع الدائم مع عواطفنا تجاه الآخرين، لكنا استطعنا بذل المزيد من الجهد الخلاق. والواقع أن هذا النزاع كان حربا دائمة ضد تدخل الرجل في شؤوننا وتعديه على ذاتيتنا، نزاع يدور حول مشكلة معقدة: العمل أو الحب والزواج ؟ نحن نساء الجيل القديم، لم ندرك، كما يدرك الشباب والشابات اليوم، أنه يمكن التوفيق بين العمل والسعي وراء الحب، بحيث يبقى العمل محورا للوجود. فقد منحنا كل ذاتنا للمحبوب على أمل بلوغ التناغم الروحي الكامل.
غير أن الرجل كان يسعى باستمرار إلى فرض ذاتيته علينا وتكييفنا حسب مبتغاه. فاضطرمت الثورة في داخلنا، رغم كل شيء، وتحول الحب تكرارا إلى قيد يقيدنا، وشعرنا بأننا مستعبدات وحاولنا التحرر من قيد الحب. وبعد نضالات متواصلة مع المحبوب، انعتقنا أخيرا، وتدافعنا نحو الحرية. وسقطنا مجددا في الوحدة والتعاسة والوحشة. لكننا كنا ننعم بحرية السعي وراء فارس أحلامنا – العمل.
من حسن حظ الجيل الحالي أنه ليس مضطرا إلى خوض غمار هذا النضال العديم الجدوى بالنسبة للمجتمع البشري، فيوفر كامل جهوده للنشاط الخلاق ».
بعد أن استعادت كولونتاي « حريتها » غادرت روسيا إلى ألمانيا، ودرست الاقتصاد السياسي في زيوريخ، وأسهمت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الالمانية، وتوثقت صلاتها بأبرز قادتها، وبخاصة روزا لوكسمبرغ وكلارا زتكن. أما على صعيد السياسة الثورية الروسية، فقد وقفت كولونتاي إلى جانب المناشفة خلال انشقاق الحزب عام 1903. ولم تنضم إلى البلاشفة إلا خلال الحرب العالمية الأولى.
عادت كولونتاي إلى روسيا مع اندلاع الثورة الأولى عام 1905. وكرست معظم وقتها، في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، للعمل بين النساء. تأسست الحركة النسائية في روسيا عقب الثورة الأولى. وكانت بقيادة الحركة النسوانية البرجوازية، المطالبة بالمساواة الكاملة بين النساء والرجال، بغض النظر عن التحولات الاجتماعية والسياسية المطلوبة لتحقيقها، وسعيها لتنظيم كافة النساء حول هذا المطلب، الأمر الذي يميّع وعي العاملات للاستغلال الذي يتعرضن له ويضعهن تحت القيادة البرجوازية. في سعيها لتأسيس عمل اشتراكي بين النساء، اضطرت كولونتاي إلى النضال على جبهتين: ضد الحركة النسوانية من جهة، ومن أجل إقناع رفاقها ورفيقاتها في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بضرورة الاهتمام بتنظيم العاملات. فأسست مع رفيقات لها نادي النساء العاملات، عام 1906، لدراسة قضايا المرأة العاملة، والتدريب على مختلف أشكال الدعاية والتحريض في صفوف العاملات. وأخذت تطالب بإنشاء أجهزة حزبية متخصصة للعمل بين النساء، انطلاقا من خصوصية وضع المرأة كأم وربة بيت، وبالتالي خصوصية أشكال القهر والاستغلال الإضافية التي تتعرض لها. وقد أسهم هذا النادي في تكوين أول نواة للحركة الاشتراكية النسائية في روسيا. وفي المؤتمر النسائي الأول لعموم روسيا، المنعقد عام 1908، أمكن للمرأة العاملة أن تتمثل وتطرح مطالبها المتميزة بوفد من النساء الاشتراكيات ضم 30 عاملة، معظمهن من الأميات.
مع اشتداد موجة القمع والإرهاب، وصدور الأمر بإلقاء القبض عليها، اضطرت كولونتاي إلى سلوك طريق أعنف عام 1907. في ألمانيا، واصلت عملها النسائي، وحضرت مؤتمر شتوتغارت للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني(1). كذلك كانت كولونتاي في عداد المحاضرين في مدرسة الكادر الحزبية للعمال الروس في ايطاليا، ووضعت مشاريع القوانين حول رعاية الأمومة والطفولة ليقدمها النواب الاشتراكيون-الديمقراطيون في مجلس الدوما. وفي المنفى صدر كتابها « الأسس الاجتماعية لمسألة المرأة » وهو بمثابة سجال ضد الاتجاه النسواني ودعوة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي أن يبني حركة عمالية نسائية. شاركت، عام 1911، في تنظيم أول عيد عالمي للمرأة، الذي ما زلنا نحتفل به في الثامن من آذار (مارس) من كل عام. وزارت فرنسا حيث ساهمت في تنظيم إضرابات ربات البيوت ضد غلاء المعيشة، وانكلترا، حيث اطلعت على الدور الذي تلعبه النساء في النقابات العمالية الانكليزية.
غادرت كولونتاي ألمانيا بعد اندلاع الحرب العالمية، وقد صعقها موقف أغلبية الأحزاب الاشتراكية-الديمقراطية الأوربية المؤيدة لحرب اقتسام المغانم بين الدول الاستعمارية. فقطعت صلاتها نهائيا بالاتجاه المنشفي وانضمت أخيرا إلى البلاشفة في حزيران (يونيو) 1915. ولعبت طوال ذلك العام دورا هام، إلى جانب الكسندر شليابنيكوف، في الدعاية ضد الحرب والاتجاه الاشتراكي-الإمبريالي في الحركة العمالية، وكانت صلة الوصل بين لينين – في سويسرا – واللجنة المركزية للحزب البلشفي داخل روسيا. ثم سافرت إلى الولايات المتحدة، بتشجيع من لينين، حيث قامت بجولة واسعة ألقت خلالها عشرات المحاضرات ضد الحرب الاستعمارية ومن أجل تحويلها إلى حرب أهلية ضد الرأسمالية.
وعادت كولونتاي إلى روسيا بعد انهيار الحكم القيصري. وكانت الحرب قد رفعت أكلاف المعيشة، وهذا ما شجع البلاشفة على إيلاء العمل بين النساء العاملات أهمية خاصة. فأسهمت في إصدار صحيفة نسائية – « النساء العاملات » – وفي تنظيم تحركات العاملات ضد غلاء المعيشة ومن أجل التخفيف من أعباء العمل المنزلي. إلا أن مساهمتها الرئيسية خلال تلك الفترة كانت في الحزب نفسه. فكتبت في « البرافدا » وكانت من البلاشفة الأوائل الذين وقفوا إلى جانب لينين في نيسان (أبريل) 1917 عندما قدم أطروحاته الشهيرة الداعية إلى إسقاط الحكومة البرجوازية المؤقتة بواسطة السوفييت، وتسلم الطبقة العاملة للسلطة وبناء الاشتراكية. فاعتقلت خلال الردة الرجعية حزيران-تموز (يونيو-يوليو) 1917، وأودعت أحد سجون بتروغراد، ثم أفرج عنها لتوضع قيد الإقامة الجبرية. وكانت كولونتاي عضوا في اللجنة المركزية التي اتخذت قرار إعلان الثورة وقادت عملية تنفيذها.
عينت كولونتاي مفوضة الشعب (وزيرة) للشؤون الاجتماعية في أول حكومة بلشفية برئاسة لينين. وشغلت هذا المنصب حتى آذار (مارس) 1918. فأرست الأسس لعدد واسع من التحولات الجذرية بالنسبة لوضع المرأة والخدمات الاجتماعية عامة. وكان من أول إجراءاتها تحسين أحوال مشوهي الحرب، وإلغاء التعليم الديني للفتيات في المدارس الرسمية، وإحالة الراهبات والرهبان إلى الإدارة المدنية، ومنح الطالبات حق الإدارة الذاتية للمدارس، وإيواء الأيتام واللقطاء في مؤسسات خاصة بالمشردين. وشكلت اللجنة التي وضعت قانون الضمان الصحي المجاني الشامل لجميع سكان روسيا، وأنشأت المكتب المركزي لرعاية الأمومة والطفولة في مطلع 1918، وحولت مستشفيات التوليد إلى بيوت مجانية لرعاية الأمومة والطفولة تتولى إرشاد الحوامل وتوفير وسائل منع الحمل، وأنشأت الحضانات النهارية لإيواء أطفال العاملات...
وفي غضون سنة من تسلم البلاشفة الحكم، كانوا قد ألغوا سيطرة الكنيسة على الزواج وحققوا المساواة الكاملة في الحقوق بين الرجال والنساء، وبات الزواج اتفاقا حرا بين شريكين متساويين، يحق لأي منهما طلب حله.
وعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1918، أول مؤتمر للفلاحات والعاملات ضم 1147 مندوبة. وانبثقت عنه لجنة لتوعية النساء الكادحات، على حقوقهن الجديدة ومحاربة كافة أشكال التمييز ضد النساء، في الحزب والمجتمع. وكان الهم الرئيسي لهذه اللجنة تعبئة النساء للمساهمة في النضال السياسي وفي بناء الاشتراكية.
خلال الحرب الأهلية، استدعيت كولونتاي للنضال على جبهة القتال، إذ عينت مفوضة للشعب لشؤون التوعية والإعلام في الحكومة الأوكرانية، فأسهمت في تجنيد المئات من النساء لصد الهجمة الرجعية المدعومة من الاستعمار الانكلو-فرنسي. وعند عودتها إلى موسكو، تولت مكتب التنسيق للعمل بين النساء في الحزب، الذي أشرف على إصدار صحيفة شيوعية نسائية، ونظم العمل بين النساء المسلمات، وعقد مؤتمرين عالميين للنساء في موسكو. وتكلل نشاط كولونتاي بالنجاح عندما دعم لينين شخصيا مشروعها القاضي بجعل الإجهاض شرعيا يتم تحت رعاية الدولة وعلى حسابها.
في تلك الأثناء، كان يدور في صفوف الحزب البلشفي سجال عاصف حول دور النقابات في ظل دكتاتورية البروليتاريا. فوقفت كولونتاي موقفا معارضا لأغلبية الحزب، يدعو إلى تسيير الصناعة من قبل مؤتمر للمنتجين في عموم روسيا. وشكلت كتلة حزبية معارضة مع الكسندر شليابنيكوف وبعض القادة النقابيين عرفت بـ « المعارضة العمالية »(2). وكانت « المعارضة العمالية » ترد بالدرجة الأولى على تروتسكي الذي رفع شعار « عسكرة العمل » بفرض الإنضباط العسكري الصارم على الطبقة العاملة، وتسخير النقابات لتنفيذ هذه السياسة، واعتماد التعيين بدل الانتخاب في اختيار القيادات النقابية. وقد التفت غالبية الحزب حول لينين الذي أدان بشدة النزعة البيروقراطية الإدارية عند تروتسكي. ورد على « المعارضة العمالية » معتبرا أن الدعوة إلى تسيير النقابات للإنتاج والصناعة يلغي الدور القيادي للحزب، ودور النقابات كحلقة وصل بين الطليعة الشيوعية والجماهير، فتبقى الطبقة العاملة نهبا لشتى الأضاليل والانحرافات التي ترشح إليها من الوسط الفلاحي والبرجوازي الصغير المحيط بها. ودعا لينين في المقابل: 1- إلى منح النقابات حدا من الاستقلالية للاستمرار في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة تجاه الدولة السوفييتية، التي لم تصبح بعد دولة اشتراكية وإنما هي دولة عمالية « ذات انحراف بيروقراطي » ترتكز إلى تحالف العمال مع الفلاحين الذين يشكلون أكثرية الشعب الساحقة. 2- إلى اعتبار النقابات مدرسة للشيوعية ومدرسة للإدارة العمالية. وقد هزم الجناحان المعارضان في مؤتمر الحزب عام 1922 وصدرت عنه توصية باعتبار « المعارضة العمالية » تكتلا ممنوعا.
بعد هذا التاريخ، تقلص دور كولونتاي في السياسة الداخلية. فانضمت إلى السلك الخارجي عام 1923 وشغلت عدة مناصب دبلوماسية في النروج والمكسيك وفنلندا والسويد، إلى أن رقيت إلى رتبة سفيرة متجولة عام 1943. وقد انتدبتها الحكومة السوفييتية لتوقيع اتفاقية الهدنة السوفييتية-الفنلندية عام 1945.
وما من شك في أن انسحاب كولونتاي المبكر من الحياة السياسية الداخلية قد أنقذها من المصير المظلم الذي لاقاه رفاقها في « المعارضة العمالية » والعديد غيرهم من قادة وكوادر الحزب البلشفي من مختلف الاتجاهات على يد ستالين في منتصف الثلاثينيات. وقد توفيت كولونتاي في موسكو عام 1952 ولها من العمر ثمانون عاما. وتركت عددا كبيرا من الكتابات حول قضايا التربية، والمسألة القومية والاشتراكية في فنلندا، والحرب العالمية، والطبقة العاملة الأوربية، وقضايا السلطة العمالية في روسيا السوفييتية، ننشر منها ثلاثة نصوص « الشيوعية والأسرة » وهو كراس دعاوي كتب بعد قيام السلطة السوفييتية و « تاريخ حركة العاملات الاشتراكية في أوروبا » و « التقرير أمام المؤتمر الثالث للكومنترن » ننشره هنا مع المقررات المرتبطة به (ترجم النصين الأول والثاني فواز طرابلسي وترجم النص الثالث طلال الحسيني). لقد لخصت كولونتاي نفسها فهمها لقضية تحرر المرأة التي نذرت حياتها لها بهذه العبارات المقتطفة من مذكراتها (المكتوبة عام 1926):
« إذا كنتُ قد حققت شيئا في هذا العالم، فليس مرد ذلك لصفاتي الشخصية. فإنجازاتي ما هي إلا الدليل على أن المرأة باتت تسير باتجاه كسب الاعتراف العام بها، على الرغم من كافة الصعاب. فانخراط ملايين النساء في العمل الإنتاجي، الذي تم بوتيرة متسارعة خلال الحرب، هو الذي أفسح المجال أمام المرأة لكي تحتل أعلى المراكز السياسية والدبلوماسية. غير أنه من المؤكد أن بلدا مستقبليا، كالاتحاد السوفييتي، هو وحده القادر على معالجة قضية المرأة دون أفكار مسبقة، وعلى تقييم أعمالها فقط من منظار مهارتها ومواهبه، وبالتالي فهو وحده القادر على أن يوكل إليها مراكز المسؤولية. وحدها العواصف الثورية الجديدة امتلكت القوة الكافية لتكنيس كافة العقد والترسبات ضد النساء. ووحده الشعب الكادح المنتج هو القادر على تحقيق المساواة الكاملة والتحرر الناجز للمرأة ببنائه المجتمع الجديد ».