- الجمعة ديسمبر 16, 2011 3:20 pm
#42424
النظام السياسي الإسلامي
جاءت آيات صريحة في كتاب الله تأمر بوجوب طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المسلمين.
قال تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ النساء:59.
وقد روى أبو هريرة أن رسول الله ³ وسلم قال:
(من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله ³ قال:
(من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ³
(ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وعشرة قلبه فليطعه ما استطاع ) رواه مسلم.
وحين توفي رسول الله ³ سارع المسلمون لاختيار خليفة له، قبل تجهيزه ودفنه، وقد أجمعت الأمة على وجود حاكم يتولى أمور الأمة.
ووضح الخليفة أبو بكر حدود الطاعة في أول خطبة له حين قال: ¸أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق·.
وقد وضح الخليفة الراشد عمر بن الخطاب علاقة الإسلام بالحكم فقال ¸لا إسلام من غير جماعة، ولا جماعة من غير أمير، ولا أمير من غير طاعة·.
وفي الحديث عن رسول الله ³ (لَتُنْقَضَنَّ عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم وآخرهن الصلاة ) رواه أحمد وابن حبان.
طبيعة الدولة الإسلامية
من المعروف أن النصارى أقاموا حكمًا ثيوقراطيًا، أي دينيًا، يكون فيه الحاكم مسؤولاً أمام الله، وليس أمام الناس، وأطلقوا عليه ظل الله في الأرض. أما الحاكم في الإسلام فهو يخلف رسول الله ³ في رعاية الدين والدنيا، وقد قال رجل لأبي بكر الصديق ياخليفة الله، فرد عليه أنا خليفة رسول الله. ولما تولى الخلافة عمر بن الخطاب صار يُلقب: خليفة خليفة رسول الله، فاستثقل ذلك وقال أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فُلقب بأمير المؤمنين.
فليس للحاكم في الدولة المسلمة عصمة ولا قداسة، وهو حارس الشريعة، ومسير أمور الأمة. وقد ذهب الشيعة إلى أن الإمام لا يكون باختيار الأمة وهو معصوم من الخطأ والكبائر. وأما سائر المسلمين، فيسندون الاختيار للأمة وبالتالي فهو بشر يُخطئ ويصيب، وطاعته واجبة إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته.
وهكذا تكون الدولة الإسلامية حكومة مدنية، على رأسها رجل يحكم وفق شريعة الإسلام، وطاعته واجبة ما بقي كذلك، وهكذا تختلف الدولة الإسلامية عن الدولة الثيوقراطية، كما تختلف عن الحكومات الوضعية باستنادها إلى تشريع رباني؛ أما في أمر التنظيم، فلها صلاحية كاملة كأي دولة أخرى.
أُسُسُ الدَّولة الإسلامية
هناك خلاف في وجهات النظر بين العلماء المسلمين حول أسس الدولة، إلا أن الكل يتفق حول الأركان التالية:
1- الحكم بما أنزل الله.
2- الشعب.
3- الإقليم.
4- أولو الأمر.
الحكم بما أنزل الله.
تتبنى الدول الإسلامية الإسلام نظامًا لها عقيدة وشريعة، ولا تكون مسلمة حتى تحكم بما أنزل الله،
قال تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ المائدة: 44.
فمن استعار نظامًا أو تشريعًا وضعيًا يخالف شريعة الإسلام وعقيدته، وهو يعتقد أن ذلك أفضل مما جاء عن الله، فهو كافر، ويشاركه المحكوم إن اعتقد ذلك. فإن استعار أنظمةً وتشريعات وضعية طبقها، ومع اعتقاده أن الإسلام وتشريعاته هي الواجبة الأخذ والتطبيق فهو خاطئ أو فاسق، بنص القرآن.
وقد جاء الأمر صريحًَا في قوله تعالى:
﴿ فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾ النساء: 65.
وقد ورد أكثر من حديث عن رسول الله ³ يأمر بالتزام الإسلام عقيدة وشريعة؛ لذا لا يسع الحاكم المسلم والمحكوم أن يتجاهل الإسلام، ويطبق سواه؛ فالحكم بما أنزل الله ركن أساسي من أركان الدولة المسلمة، وبه تتميز عن باقي الدول العلمانية والوضعية.
الشعب.
الشعب في الدولة المسلمة يمكن أن يكون خليطًا من مسلمين وذميين ومستأمنين. والمستأمنون هم غير المسلمين ممن يقيمون في الدولة الإسلامية إقامة مؤقتة، وتنتهي علاقتهم بالمغادرة، وكل ما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم منصوص عليه في كتب الفقه.
الإقليم.
حين تحدث علماء الإسلام عن الإقليم قسمه بعضهم إلى دار إسلام ودار كفر، وبعضهم جعل القسمة ثلاثية، فقسم الإقليم إلى دار إسلام ودار كفر ودار عهد، وزاد بعضهم قسمًا رابعًا هو دار البغي.
دار الإسلام.
هناك أكثر من تعريف لدار الإسلام، من ذلك:
1- دار الإسلام كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة.
2- دار الإسلام كل إقليم يتوفر فيه للمسلم الأمن على نفسه وعرضه وماله، ويتمكن من ممارسة شعائره الدينية، وهذا رأي أبي حنيفة والزيدية.
3- دار الإسلام كل إقليم تظهر فيه أحكام الإسلام، ويكون مسكونًا من قبل المسلمين وهذا مذهب الشافعية.
4 - دار الإسلام هي الإقليم الذي تطبق فيه شرائع الإسلام، فإذا ظهرت أحكام الكفر فهي دار كفر وهذا مذهب الحنابلة ويؤيده بعض الأحناف.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيرى: إن الأرض للمسلمين ثم استولى عليها غيرهم، لكن بقيت للمسلمين حرية العبادة، فهي ليست بدار إسلام ولا دار كفر، ولكنها صنف جديد.
دار الكفر
كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة وواضحة. وهي كل مكان يسكنه غير المسلمين، ولم يسبق فيه حكم إسلامي. وقد درس العلماء أحكام الهجرة والإقامة في دار الكفر، كما درسوا العقود والجنايات فيها وغير ذلك.
دار العهد
الإقليم الذي بينه وبين المسلمين عهد (معاهدة) ينظم العلاقة بين الطرفين. ويمكن القول بأن دول العالم كلها تقريبًا من هذا النوع بالنسبة للمسلمين.
أولو الأمر.
قال تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ النساء:59.
وهناك اتجاهان لتحديد من هم أولو الأمر:
1- هم أهل القرآن والفقه والعلم، وهذا رأي ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك؛ فهؤلاء حراس شريعة الله، منهم الأمر وإليهم الحكم.
2 - هم الأمراء والولاة إذا كانوا مسلمين، فيما فيه لله طاعة وللمسلمين مصلحة. فكل مسلم له ولاية عامة تجب طاعته، بشرط ألا تكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد روي أكثر من حديث عن رسول الله ³ في وجوب طاعة الأمراء، فطاعة رسول الله ³ من طاعة الله، وطاعة أمراء رسول الله من طاعته.
وكتب الفقه مليئة بشروط ولي الأمر وحقوقه وواجباته وعلاقة الحاكم بالمحكوم والعكس.
والحاكم في الإسلام ليس من حقه إنشاء حقوق جديدة، أو التنصل من واجبات ثابتة، فإن فعل فقد تجاوز ما شرعه الله له. وعلى رأس حقوق الحاكم الطاعة له بالمعروف، ومناصرته بالحق دون الباطل.
يقول الخليفة عمر ابن الخطاب: (لا إسلام دون جماعة ولا جماعة دون أمير ولا أمير دون طاعة).
مبدأ الفصل بين السُّلطات
يوجد اليوم في كل دولة ثلاث سلطات: تنفيذية وتشريعية وقضائية. وقد ظلت كلها مجتمعة في يد الحاكم حتى القرن (الثالث عشر الميلادي). ونظرًا لما لاقته أمم الغرب من تعسف حكامها، فقد تبنت الفصل بين هذه السلطات، وأول من أخذ بذلك الفرنسيون عام 1791م ثم تبعتهم الشعوب الأخرى. لكن، مازال هناك جدل حول السلطة القضائية هل هي سلطة مستقلة؟ أم جزء من السلطة التنفيذية؟ أما أهداف الفصل، فتتمثل في عدم جمع السلطات كلها في جهة واحدة، لذا جرى الاتجاه نحو فصلها، لتراقب كل سلطة الأخرى، فتمنعها من التجاوز والانحراف.
كان رسول الله ³ يجمع في شخصه كافة السلطات؛ فهو الحاكم والقاضي ومتلقي الوحي عن الله ومبلغه وشارحه، كما كان قائد الجيوش وموقع المعاهدات والمنفذ للأحكام، وهذا حكم النبوة القائم على وحي الله وعلى عصمة سيد الأنبياء من الاستبداد والانحراف أو نحو ذلك، لأنه ³ ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إليه من الله تعالى.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام صار التشريع رهين القرآن والسنة والإجماع، أما التنفيذ فصار إلى الخلفاء، وإلى جانبهم القضاة. وكان القاضي يعينه الخليفة ويتبع له، وليس للولاة المحليين، وهكذا استقل القضاء. يقول ابن خلدون: ¸...
وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة، لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات، حسمًا للتداعي وقطعًا للتنازع، إلا أنه بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة، فكان لذلك من وظائف الخلافة، ومندرجًا في عمومها·.
وقد حضر أكثر من خليفة مجلس القضاء وأولهم الإمام علي، لكن لم تعرف الدولة الإسلامية سلطة تشريعية بالمعنى المعروف، لأن التشريع قام به فقهاء مستندين إلى أصول الشريعة.
القيم السياسية الإسلامية
الشورى.
يقوم النظام السياسي في الإسلام على الشورى، وقد جاء ذكرها في القرآن مرتين.
قال تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ آل عمران: 159.
وقال تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ الشورى 38.
وقد جاءت أخبار كثيرة تفيد أن رسول الله ³ كان يشاور أصحابه حتى قال أبو هريرة ما رأيت أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله.
واختلف في أمر الشورى هل هي واجبة أم مندوبة؟ وأساس الاختلاف في صيغة الأمر في اللغة العربية هل تفيد الوجوب بنفسها، دون حاجة إلى قرينة، أم لا تفيد الوجوب إلا بقرينة؟ فمن يرى أن الأمر يفيد الوجوب بنفسه، قال: الشورى واجبة نظرًا لوجود أمر بها. وأن الآية الثانية خبر ولكن بمعنى الطلب. لذا، فالشورى واجبة،
يقول ابن عطية (والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، ومن لا يستشر أهل العلم والدين، فعزله واجب، وهذا مما لا اختلاف فيه)؛
ويقول الفخر الرازي: (ظاهر الأمر الوجوب فقوله: وشاورهم، يقتضي الوجوب. لكن هناك من العلماء من يرى أن الأمر لا يفيد الوجوب بنفسه، بل لا بد من قرينة، وهؤلاء يقولون الأمر للندب وليس للوجوب،
كما قالوا بأنه جاء في آخر الآية:
﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ آل عمران: 159،
والعزم يمكن أن يكون على الشورى أو على ترك الأخذ بها كما يستدلون بأدلة أخرى.
ويبدو أن الشورى واجبة بنص الآية، لكن الخلاف حول الالتزام بها أوعدمه. والاتجاه لدى المتأخرين من المسلمين وجود الشورى ووجوب الالتزام بها، بشرط ألا تناقض نصًا صريحًا، وكافة الاستشارات التي نُقلت عن رسول الله من هذا النوع. ويذهب الفقهاء إلى أنه يندب للقاضي أن يشاور في الوقائع التي تعرض عليه، وخصوصًا فيما جرى فيه اختلاف الفقهاء، ومن آراء المالكية أن القاضي ينبغي ألا يقضي إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد. لكن جمهور الفقهاء يعدون ذلك من الندب فقط.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تحفل آيات القرآن والسنة بالدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛
قال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ آل عمران 104.
والهدف قيام رقابة على الحاكم والحكومة والفرد، كي لا ينحرفوا، وقد حدد رسول الله ³ ثلاث درجات لذلك،
فقال: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وذلك في حدود آداب الشريعة، وفيما هو في إطار المسؤولية، وبما لا يثير فتنة، ولا يفرق مجتمعًا، ولا ينشأ عنه ضرر أشد. وذهبت السنة لأبعد من ذلك، وهو أن لا يكون المسلم متفرجًا على الظلم، لا يبالي به.
روى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله ³ قال:
(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره ).
وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نقل ذلك ابن حزم والجصاص، وأفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بوجوب قتال من امتنع عن ذلك.
وقد وضع العلماء شروطًا للفعل وأخرى للفاعل، وهي باختصار:
1- أن يكون الفعل مما اتفق على أنه منكر.
2- أن يكون ظاهرًا للحواس.
3- أن يكون على وشك الوقوع.
وأما الفاعل الناهي فيشترط فيه:
1- أن يكون مسلمًا مكلفًا.
2- أن يكون عدلاً أي مستقيمًا.
3- أن يحصل على إذن الحاكم إن كان محتسبًا دون التطوع .
4- أن يكون صاحب علم ومعرفة.
وهكذا يُخْضِع الإسلام الحكومة والأفراد إلى سلطة اجتماعية تراقب وتنصح وتنتقد وفق مباديء واضحة معلومة، مع رفض كل أعراف، وجعل المجتمع هو الرقيب.
العدل.
مطلب أساسي من مطالب الحياة، وقد جاءت به الديانات والنظم الوضعية.
قال تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾ النحل 90.
وهو مطلوب للصديق والعدو على حد سواء،
يقول تعالى: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة : 8.
والشنآن البغض والكره، فكره الإنسان للإنسان ووجود العداوة بينهما ينبغي أن لا يكون سببًا في ترك العدل والبعد عنه.
وهو مطلوب في كل الأحوال في الأقوال والأفعال والأحكام، للفرد والدولة والمجتمع. وهو يتمثل في المجتمع بوجود أنظمة مرنة تسهل أن يصل الإنسان إلى حقه بيسر وسهولة، ودون صرف أموال، كما يقتضي العدل أن يتقدم كل إنسان بحسب قدراته. وقد دعا الإسلام الحكام إلى تبني العدل والحرص عليه والبعد عن الظلم واعدًا الحاكم العادل بأفضل جزاء، كما حرم على الظالم الجنة.
وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ) .
وإذا كان العدل مطلبًا إلهيًا، فالظلم مرفوض بكل صوره وأشكاله.
العدل في تقرير الحقوق والواجبات.
يعد الإسلام أصل البشر واحدًا، ولذا فليس لأحد حق خاص يكتسبه بحسب الولادة، وينبغي أن تكون الفرص متكافئة، فلا يتقدم إنسان إلا لكفاءته، كما يجب على الحكومة أن توفر الأمن والأمان للأنفس والأموال والأعراض، فلا يُقتل إنسان إلا بنص وتجريم ولا تصادر حريته إلا بنص، ومن حقه أن يصان عرضه من كل اعتداء بالفعل أو القول.
العدل في القضاء.
القضاء مؤسسة يعتمد عليها الناس للوصول إلى حقهم والانتصاف من المعتدي، ودفع الظلم والعدوان؛ لذا فالعدل أساس القضاء، فإذا مال أو انحاز أو جار فقد الناس ثقتهم، وتولوا أخذ حقوقهم بأيديهم، ومتى فعلوا ذلك ذهب الأمن وعمت الفوضى وسقط الحكم. وقد نبه رسول الله ³ إلى ظاهرة خطيرة وهي أن يقتصر العقاب والجزاء على فقراء الناس، على حين يفلت الكبار والأغنياء من ذلك.
يقول رسول الله ³ (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
متفق عليه. العدالة في الإسلام ترتبط بالسلطة بشكل عام، وليس بالقضاء فقط؛ فكل عمل تتناوله السلطة يجب تحري العدل فيه، والقضاء مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة وبذا تختلف العدالة في الإسلام عنها في المفهوم الغربي، كما كانت العدالة من الشروط الأساسية في اختيار الحاكم.
المساواة.
قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات 13.
وقد نُقل عن رسول الله ³ قوله: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ) رواه أحمد.
فالبشر بحسب الأصل والمولد لا فرق بينهم، ولذا فهم سواء وهم أمام القضاء سواء، فالإسلام يجمع دومًا بين العدالة والمساواة لترابطهما، فاختلال المساواة يخل بالعدالة ويفسدها.
والإسلام يقرر أن الناس سواسية كأسنان المشط، والتفاضل الوحيد هو في تقوى الله، فلا امتياز ولا تفاضل. وقد مثل أكثر من خليفة أمام القضاء مع خصومهم.
جاءت آيات صريحة في كتاب الله تأمر بوجوب طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المسلمين.
قال تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ النساء:59.
وقد روى أبو هريرة أن رسول الله ³ وسلم قال:
(من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله ³ قال:
(من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ³
(ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وعشرة قلبه فليطعه ما استطاع ) رواه مسلم.
وحين توفي رسول الله ³ سارع المسلمون لاختيار خليفة له، قبل تجهيزه ودفنه، وقد أجمعت الأمة على وجود حاكم يتولى أمور الأمة.
ووضح الخليفة أبو بكر حدود الطاعة في أول خطبة له حين قال: ¸أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق·.
وقد وضح الخليفة الراشد عمر بن الخطاب علاقة الإسلام بالحكم فقال ¸لا إسلام من غير جماعة، ولا جماعة من غير أمير، ولا أمير من غير طاعة·.
وفي الحديث عن رسول الله ³ (لَتُنْقَضَنَّ عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبَّث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم وآخرهن الصلاة ) رواه أحمد وابن حبان.
طبيعة الدولة الإسلامية
من المعروف أن النصارى أقاموا حكمًا ثيوقراطيًا، أي دينيًا، يكون فيه الحاكم مسؤولاً أمام الله، وليس أمام الناس، وأطلقوا عليه ظل الله في الأرض. أما الحاكم في الإسلام فهو يخلف رسول الله ³ في رعاية الدين والدنيا، وقد قال رجل لأبي بكر الصديق ياخليفة الله، فرد عليه أنا خليفة رسول الله. ولما تولى الخلافة عمر بن الخطاب صار يُلقب: خليفة خليفة رسول الله، فاستثقل ذلك وقال أنتم المؤمنون وأنا أميركم، فُلقب بأمير المؤمنين.
فليس للحاكم في الدولة المسلمة عصمة ولا قداسة، وهو حارس الشريعة، ومسير أمور الأمة. وقد ذهب الشيعة إلى أن الإمام لا يكون باختيار الأمة وهو معصوم من الخطأ والكبائر. وأما سائر المسلمين، فيسندون الاختيار للأمة وبالتالي فهو بشر يُخطئ ويصيب، وطاعته واجبة إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا تجوز طاعته.
وهكذا تكون الدولة الإسلامية حكومة مدنية، على رأسها رجل يحكم وفق شريعة الإسلام، وطاعته واجبة ما بقي كذلك، وهكذا تختلف الدولة الإسلامية عن الدولة الثيوقراطية، كما تختلف عن الحكومات الوضعية باستنادها إلى تشريع رباني؛ أما في أمر التنظيم، فلها صلاحية كاملة كأي دولة أخرى.
أُسُسُ الدَّولة الإسلامية
هناك خلاف في وجهات النظر بين العلماء المسلمين حول أسس الدولة، إلا أن الكل يتفق حول الأركان التالية:
1- الحكم بما أنزل الله.
2- الشعب.
3- الإقليم.
4- أولو الأمر.
الحكم بما أنزل الله.
تتبنى الدول الإسلامية الإسلام نظامًا لها عقيدة وشريعة، ولا تكون مسلمة حتى تحكم بما أنزل الله،
قال تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ المائدة: 44.
فمن استعار نظامًا أو تشريعًا وضعيًا يخالف شريعة الإسلام وعقيدته، وهو يعتقد أن ذلك أفضل مما جاء عن الله، فهو كافر، ويشاركه المحكوم إن اعتقد ذلك. فإن استعار أنظمةً وتشريعات وضعية طبقها، ومع اعتقاده أن الإسلام وتشريعاته هي الواجبة الأخذ والتطبيق فهو خاطئ أو فاسق، بنص القرآن.
وقد جاء الأمر صريحًَا في قوله تعالى:
﴿ فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾ النساء: 65.
وقد ورد أكثر من حديث عن رسول الله ³ يأمر بالتزام الإسلام عقيدة وشريعة؛ لذا لا يسع الحاكم المسلم والمحكوم أن يتجاهل الإسلام، ويطبق سواه؛ فالحكم بما أنزل الله ركن أساسي من أركان الدولة المسلمة، وبه تتميز عن باقي الدول العلمانية والوضعية.
الشعب.
الشعب في الدولة المسلمة يمكن أن يكون خليطًا من مسلمين وذميين ومستأمنين. والمستأمنون هم غير المسلمين ممن يقيمون في الدولة الإسلامية إقامة مؤقتة، وتنتهي علاقتهم بالمغادرة، وكل ما يتعلق بحقوقهم وواجباتهم منصوص عليه في كتب الفقه.
الإقليم.
حين تحدث علماء الإسلام عن الإقليم قسمه بعضهم إلى دار إسلام ودار كفر، وبعضهم جعل القسمة ثلاثية، فقسم الإقليم إلى دار إسلام ودار كفر ودار عهد، وزاد بعضهم قسمًا رابعًا هو دار البغي.
دار الإسلام.
هناك أكثر من تعريف لدار الإسلام، من ذلك:
1- دار الإسلام كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة.
2- دار الإسلام كل إقليم يتوفر فيه للمسلم الأمن على نفسه وعرضه وماله، ويتمكن من ممارسة شعائره الدينية، وهذا رأي أبي حنيفة والزيدية.
3- دار الإسلام كل إقليم تظهر فيه أحكام الإسلام، ويكون مسكونًا من قبل المسلمين وهذا مذهب الشافعية.
4 - دار الإسلام هي الإقليم الذي تطبق فيه شرائع الإسلام، فإذا ظهرت أحكام الكفر فهي دار كفر وهذا مذهب الحنابلة ويؤيده بعض الأحناف.
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيرى: إن الأرض للمسلمين ثم استولى عليها غيرهم، لكن بقيت للمسلمين حرية العبادة، فهي ليست بدار إسلام ولا دار كفر، ولكنها صنف جديد.
دار الكفر
كل بقعة تكون فيها أحكام الكفر ظاهرة وواضحة. وهي كل مكان يسكنه غير المسلمين، ولم يسبق فيه حكم إسلامي. وقد درس العلماء أحكام الهجرة والإقامة في دار الكفر، كما درسوا العقود والجنايات فيها وغير ذلك.
دار العهد
الإقليم الذي بينه وبين المسلمين عهد (معاهدة) ينظم العلاقة بين الطرفين. ويمكن القول بأن دول العالم كلها تقريبًا من هذا النوع بالنسبة للمسلمين.
أولو الأمر.
قال تعالى:﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ النساء:59.
وهناك اتجاهان لتحديد من هم أولو الأمر:
1- هم أهل القرآن والفقه والعلم، وهذا رأي ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك؛ فهؤلاء حراس شريعة الله، منهم الأمر وإليهم الحكم.
2 - هم الأمراء والولاة إذا كانوا مسلمين، فيما فيه لله طاعة وللمسلمين مصلحة. فكل مسلم له ولاية عامة تجب طاعته، بشرط ألا تكون في معصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد روي أكثر من حديث عن رسول الله ³ في وجوب طاعة الأمراء، فطاعة رسول الله ³ من طاعة الله، وطاعة أمراء رسول الله من طاعته.
وكتب الفقه مليئة بشروط ولي الأمر وحقوقه وواجباته وعلاقة الحاكم بالمحكوم والعكس.
والحاكم في الإسلام ليس من حقه إنشاء حقوق جديدة، أو التنصل من واجبات ثابتة، فإن فعل فقد تجاوز ما شرعه الله له. وعلى رأس حقوق الحاكم الطاعة له بالمعروف، ومناصرته بالحق دون الباطل.
يقول الخليفة عمر ابن الخطاب: (لا إسلام دون جماعة ولا جماعة دون أمير ولا أمير دون طاعة).
مبدأ الفصل بين السُّلطات
يوجد اليوم في كل دولة ثلاث سلطات: تنفيذية وتشريعية وقضائية. وقد ظلت كلها مجتمعة في يد الحاكم حتى القرن (الثالث عشر الميلادي). ونظرًا لما لاقته أمم الغرب من تعسف حكامها، فقد تبنت الفصل بين هذه السلطات، وأول من أخذ بذلك الفرنسيون عام 1791م ثم تبعتهم الشعوب الأخرى. لكن، مازال هناك جدل حول السلطة القضائية هل هي سلطة مستقلة؟ أم جزء من السلطة التنفيذية؟ أما أهداف الفصل، فتتمثل في عدم جمع السلطات كلها في جهة واحدة، لذا جرى الاتجاه نحو فصلها، لتراقب كل سلطة الأخرى، فتمنعها من التجاوز والانحراف.
كان رسول الله ³ يجمع في شخصه كافة السلطات؛ فهو الحاكم والقاضي ومتلقي الوحي عن الله ومبلغه وشارحه، كما كان قائد الجيوش وموقع المعاهدات والمنفذ للأحكام، وهذا حكم النبوة القائم على وحي الله وعلى عصمة سيد الأنبياء من الاستبداد والانحراف أو نحو ذلك، لأنه ³ ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى إليه من الله تعالى.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام صار التشريع رهين القرآن والسنة والإجماع، أما التنفيذ فصار إلى الخلفاء، وإلى جانبهم القضاة. وكان القاضي يعينه الخليفة ويتبع له، وليس للولاة المحليين، وهكذا استقل القضاء. يقول ابن خلدون: ¸...
وأما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تحت الخلافة، لأنه منصب الفصل بين الناس في الخصومات، حسمًا للتداعي وقطعًا للتنازع، إلا أنه بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة، فكان لذلك من وظائف الخلافة، ومندرجًا في عمومها·.
وقد حضر أكثر من خليفة مجلس القضاء وأولهم الإمام علي، لكن لم تعرف الدولة الإسلامية سلطة تشريعية بالمعنى المعروف، لأن التشريع قام به فقهاء مستندين إلى أصول الشريعة.
القيم السياسية الإسلامية
الشورى.
يقوم النظام السياسي في الإسلام على الشورى، وقد جاء ذكرها في القرآن مرتين.
قال تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ آل عمران: 159.
وقال تعالى: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾ الشورى 38.
وقد جاءت أخبار كثيرة تفيد أن رسول الله ³ كان يشاور أصحابه حتى قال أبو هريرة ما رأيت أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله.
واختلف في أمر الشورى هل هي واجبة أم مندوبة؟ وأساس الاختلاف في صيغة الأمر في اللغة العربية هل تفيد الوجوب بنفسها، دون حاجة إلى قرينة، أم لا تفيد الوجوب إلا بقرينة؟ فمن يرى أن الأمر يفيد الوجوب بنفسه، قال: الشورى واجبة نظرًا لوجود أمر بها. وأن الآية الثانية خبر ولكن بمعنى الطلب. لذا، فالشورى واجبة،
يقول ابن عطية (والشورى من قواعد الشريعة، وعزائم الأحكام، ومن لا يستشر أهل العلم والدين، فعزله واجب، وهذا مما لا اختلاف فيه)؛
ويقول الفخر الرازي: (ظاهر الأمر الوجوب فقوله: وشاورهم، يقتضي الوجوب. لكن هناك من العلماء من يرى أن الأمر لا يفيد الوجوب بنفسه، بل لا بد من قرينة، وهؤلاء يقولون الأمر للندب وليس للوجوب،
كما قالوا بأنه جاء في آخر الآية:
﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ آل عمران: 159،
والعزم يمكن أن يكون على الشورى أو على ترك الأخذ بها كما يستدلون بأدلة أخرى.
ويبدو أن الشورى واجبة بنص الآية، لكن الخلاف حول الالتزام بها أوعدمه. والاتجاه لدى المتأخرين من المسلمين وجود الشورى ووجوب الالتزام بها، بشرط ألا تناقض نصًا صريحًا، وكافة الاستشارات التي نُقلت عن رسول الله من هذا النوع. ويذهب الفقهاء إلى أنه يندب للقاضي أن يشاور في الوقائع التي تعرض عليه، وخصوصًا فيما جرى فيه اختلاف الفقهاء، ومن آراء المالكية أن القاضي ينبغي ألا يقضي إلا بعد مشورة من يسوغ له الاجتهاد. لكن جمهور الفقهاء يعدون ذلك من الندب فقط.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تحفل آيات القرآن والسنة بالدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛
قال تعالى: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ آل عمران 104.
والهدف قيام رقابة على الحاكم والحكومة والفرد، كي لا ينحرفوا، وقد حدد رسول الله ³ ثلاث درجات لذلك،
فقال: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وذلك في حدود آداب الشريعة، وفيما هو في إطار المسؤولية، وبما لا يثير فتنة، ولا يفرق مجتمعًا، ولا ينشأ عنه ضرر أشد. وذهبت السنة لأبعد من ذلك، وهو أن لا يكون المسلم متفرجًا على الظلم، لا يبالي به.
روى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله ³ قال:
(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، قيل كيف أنصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم؛ فإن ذلك نصره ).
وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نقل ذلك ابن حزم والجصاص، وأفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بوجوب قتال من امتنع عن ذلك.
وقد وضع العلماء شروطًا للفعل وأخرى للفاعل، وهي باختصار:
1- أن يكون الفعل مما اتفق على أنه منكر.
2- أن يكون ظاهرًا للحواس.
3- أن يكون على وشك الوقوع.
وأما الفاعل الناهي فيشترط فيه:
1- أن يكون مسلمًا مكلفًا.
2- أن يكون عدلاً أي مستقيمًا.
3- أن يحصل على إذن الحاكم إن كان محتسبًا دون التطوع .
4- أن يكون صاحب علم ومعرفة.
وهكذا يُخْضِع الإسلام الحكومة والأفراد إلى سلطة اجتماعية تراقب وتنصح وتنتقد وفق مباديء واضحة معلومة، مع رفض كل أعراف، وجعل المجتمع هو الرقيب.
العدل.
مطلب أساسي من مطالب الحياة، وقد جاءت به الديانات والنظم الوضعية.
قال تعالى: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾ النحل 90.
وهو مطلوب للصديق والعدو على حد سواء،
يقول تعالى: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ المائدة : 8.
والشنآن البغض والكره، فكره الإنسان للإنسان ووجود العداوة بينهما ينبغي أن لا يكون سببًا في ترك العدل والبعد عنه.
وهو مطلوب في كل الأحوال في الأقوال والأفعال والأحكام، للفرد والدولة والمجتمع. وهو يتمثل في المجتمع بوجود أنظمة مرنة تسهل أن يصل الإنسان إلى حقه بيسر وسهولة، ودون صرف أموال، كما يقتضي العدل أن يتقدم كل إنسان بحسب قدراته. وقد دعا الإسلام الحكام إلى تبني العدل والحرص عليه والبعد عن الظلم واعدًا الحاكم العادل بأفضل جزاء، كما حرم على الظالم الجنة.
وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا ) .
وإذا كان العدل مطلبًا إلهيًا، فالظلم مرفوض بكل صوره وأشكاله.
العدل في تقرير الحقوق والواجبات.
يعد الإسلام أصل البشر واحدًا، ولذا فليس لأحد حق خاص يكتسبه بحسب الولادة، وينبغي أن تكون الفرص متكافئة، فلا يتقدم إنسان إلا لكفاءته، كما يجب على الحكومة أن توفر الأمن والأمان للأنفس والأموال والأعراض، فلا يُقتل إنسان إلا بنص وتجريم ولا تصادر حريته إلا بنص، ومن حقه أن يصان عرضه من كل اعتداء بالفعل أو القول.
العدل في القضاء.
القضاء مؤسسة يعتمد عليها الناس للوصول إلى حقهم والانتصاف من المعتدي، ودفع الظلم والعدوان؛ لذا فالعدل أساس القضاء، فإذا مال أو انحاز أو جار فقد الناس ثقتهم، وتولوا أخذ حقوقهم بأيديهم، ومتى فعلوا ذلك ذهب الأمن وعمت الفوضى وسقط الحكم. وقد نبه رسول الله ³ إلى ظاهرة خطيرة وهي أن يقتصر العقاب والجزاء على فقراء الناس، على حين يفلت الكبار والأغنياء من ذلك.
يقول رسول الله ³ (إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )
متفق عليه. العدالة في الإسلام ترتبط بالسلطة بشكل عام، وليس بالقضاء فقط؛ فكل عمل تتناوله السلطة يجب تحري العدل فيه، والقضاء مؤسسة واحدة من مؤسسات الدولة وبذا تختلف العدالة في الإسلام عنها في المفهوم الغربي، كما كانت العدالة من الشروط الأساسية في اختيار الحاكم.
المساواة.
قال تعالى: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات 13.
وقد نُقل عن رسول الله ³ قوله: (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ) رواه أحمد.
فالبشر بحسب الأصل والمولد لا فرق بينهم، ولذا فهم سواء وهم أمام القضاء سواء، فالإسلام يجمع دومًا بين العدالة والمساواة لترابطهما، فاختلال المساواة يخل بالعدالة ويفسدها.
والإسلام يقرر أن الناس سواسية كأسنان المشط، والتفاضل الوحيد هو في تقوى الله، فلا امتياز ولا تفاضل. وقد مثل أكثر من خليفة أمام القضاء مع خصومهم.