أبناء الخليج.. هل هم الأكثر ترفاً في العالم؟
مرسل: الجمعة ديسمبر 16, 2011 5:47 pm
كثيرا ما يُردد والدي والكثير من الحكماء من كبار السن أن هذا الجيل لا يعرف مقدار النعمة التي يعيشها! يردد هذا دائما عندما يرى بعض مظاهر الترف والبذخ التي لا داعيَ لها
يقول لي أحدهم: إنه كلما سافر للخارج يكاد يميز الخليجي من غيره حتى ولو لم ير وجهه! وهو يشير في ذلك إلى التكلّف والبذخ في اللباس والمظهر، وإلى عدم التقيّد بالنظام والتهرّب منه!
لا أزال أذكر ذلك الشاب الذي طالما احتَقَرَه وعيَّرَه زملاؤُه الآخرون بنسبته إلى أحد البلدان الغربية لأجل أنّ قَدَرَه أنْ وُلد من أمٍّ من ذلك البلد! المفارقة هي أن بلدها من أعظم البلدان حضارةً وتقدماً وقوة! ولكن الجاهل لا يعرف إلا نفسه!
التاريخ الطويل لجزيرة العرب عموما ولمنطقة الخليج خصوصا يقول: إنها كانت من أكثر المناطق في العالم تخلّفا وفقرا، ومن الأفقر من حيث الموارد الطبيعية وتوفّر وسائل الحياة، إلا أن التاريخ بدأ يتغير لصالح هذه المنطقة منذ اكتشاف النفظ والموارد الطبيعية فيها. لم يحصل هذا التغيّر في بدايته جرَّاء تميّزِ وتفوّقِ أهلها؛ وإنما من نعم الله تعالى التي ليس للإنسان فيها دور بشكل عام. وفي تأريخ مراحل اكتشاف النفظ في المملكة مثلا؛ وجد الملك عبدالعزيز رحمه الله نفسه مضطرا للاستعانة بخبراء عرب أجانب، نظرا لندرة الكوادر المتعلمة التي يمكن الاعتماد عليها آنذاك! فلم يكن وراء ثراء وتغير الخليج التفوقُ العلمي أو التقني، ولا يوجد فيها إنتاج صناعي أو معرفي، وإنما هي الموارد الطبيعية. ومن المعلوم في دورة التاريخ؛ أن التطور والحضارات لا يمكن أن تنهض إلا أن تكون تاليةً لثورة، سواء كانت تلك الثورةُ معرفيةً/ثقافية أو اقتصادية أو عسكرية، وكل هذا لم يحصل! هذا التغير الإيجابي أدى وبلا شك إلى تغير المنطقة وتطورها، سواء على الصعيد الإنساني أو المادي؛ إلا أن سلبيات كثيرة طفت على السطح مع مجيء الثراء بشكل مفاجئ، ولم تُعالج هذه السلبيات بشكل فعال في نظري.
كثيرا ما يُردد والدي - متعني الله بعافيته- والكثير من الحكماء من كبار السن أن هذا الجيل لا يعرف مقدار النعمة التي يعيشها! يردد هذا دائما عندما يرى بعض مظاهر الترف والبذخ التي لا داعيَ لها. نحن وللأسف عندما نقيم الولائم، فإننا نُقدم مقدارا من الطعام زائدا عن الحاجة، عندما نلبس فإن الكثير ينفق بلا حساب، خاصة في جانب النساء هداهن الله، فبعضهن لا يلبسن الثوب إلا في مناسبة واحدة! وقد أنفقت فيه ربما ما يُطعم أسْرةً شهراً، عندما نستخدم الماء فإننا نُسرف فيه بشكل لا يُصدق، فلا تكاد تمر بشارع إلا وفيه تجمعات مياه وكأن المطر لا ينقطع! تعاملنا مع البيئة والحياة الفطرية يكاد يكون الأسوأ في العالم، فتأخذ متاعك وتركب سيارتك لتخرج عن البلد سفراً كي تجد مكانا نظيفا في البرية فتجده لا يكاد يخلو من آثار مخلفاتِ من سبَقَك!
بقي أن أشير إلى أحد أهم مظاهر اللاحضارة -إن صح التعبير- ؛ وهو عدم الاكتراث بالأنظمة والقوانين العامة! فعندما تقود السيارة لا تكاد تُخطئ الخليجي من غيره خصوصا الشباب -إلا أن يكون من البلدان الأكثر تخلفا وفقرا- في التهور والأنانية في القيادة! وكذلك الغرور واحتقار البعض للآخرين وخاصة العمالة الأجانب في البلد، في ظل غياب نظام ضد العنصرية والتمييز. كما أن العديد من أبنائنا لا يكاد يستطيع القيام بعمل لنفسه دون الاعتماد على الآخرين من سائق وعامل وغيرهما.
كل هذه الظواهر إنما نتجت بسبب عدم تجذّر الحضارة والتمدّن في شعوب المنطقة، ومثل هذه الظواهر هي نتيجة طبيعية لتغيّر طارئ ومفاجئ، ولا بد أن تأخذ تلك الشعوبُ وقتاً لأجل أن تتكيف وتتواءم مع هذه التغيرات السريعة. كما أن من أسباب هذه الظواهر التي لا بد من الإشارة إليها؛ هو اعتماد الكثير من المواطنين على وظائف الدولة، التي غالبا ما تُراعي وتتغاضى عنهم، بشكل يُفقدهم الإحساس بالتنافسية والمسؤولية والحاجة إلى الإبداع وتطوير الذات.
عندما أتحدث عن هذه العادات غير الحميدة فإني لا أعني كل الشعب أو أغلبه بلا شك، ولكنها أصبحت ظاهرة خاصة لدى الشباب، ولا بد من علاجها ومحاربتها، كما أنها تتفاوت بين بلد وآخر، ومنطقة وأخرى، إلا أنها موجودة خاصة في المدن الكبرى. والعلاج هنا لن يكون فعّالا إلا بتدخل الدولة بحزم، بقوتها وإمكانياتها في هذا المجال، بالإضافة إلى الهيئات والجمعيات الأهلية والحكومية. فلا بد من تركيز الاهتمام في سياسات التعليم والمناهج مثلا على محاربة مثل هذه العادات، وذلك لا يكون بالتلقين، وإنما بالتربية العملية والفعلية بما يعالج مثل هذه الظواهر. بالإضافة إلى الحزم في تطبيق النظام على الجميع، وعدم التسامح في إجرائه على الجميع، خاصة مع تكرر أو انتشار ظاهرة أو تصرف. أدام الله علينا النِّعَم والرخاء، والأمن والاستقرار، اللهم آمين.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Deta ... cleId=8150
يقول لي أحدهم: إنه كلما سافر للخارج يكاد يميز الخليجي من غيره حتى ولو لم ير وجهه! وهو يشير في ذلك إلى التكلّف والبذخ في اللباس والمظهر، وإلى عدم التقيّد بالنظام والتهرّب منه!
لا أزال أذكر ذلك الشاب الذي طالما احتَقَرَه وعيَّرَه زملاؤُه الآخرون بنسبته إلى أحد البلدان الغربية لأجل أنّ قَدَرَه أنْ وُلد من أمٍّ من ذلك البلد! المفارقة هي أن بلدها من أعظم البلدان حضارةً وتقدماً وقوة! ولكن الجاهل لا يعرف إلا نفسه!
التاريخ الطويل لجزيرة العرب عموما ولمنطقة الخليج خصوصا يقول: إنها كانت من أكثر المناطق في العالم تخلّفا وفقرا، ومن الأفقر من حيث الموارد الطبيعية وتوفّر وسائل الحياة، إلا أن التاريخ بدأ يتغير لصالح هذه المنطقة منذ اكتشاف النفظ والموارد الطبيعية فيها. لم يحصل هذا التغيّر في بدايته جرَّاء تميّزِ وتفوّقِ أهلها؛ وإنما من نعم الله تعالى التي ليس للإنسان فيها دور بشكل عام. وفي تأريخ مراحل اكتشاف النفظ في المملكة مثلا؛ وجد الملك عبدالعزيز رحمه الله نفسه مضطرا للاستعانة بخبراء عرب أجانب، نظرا لندرة الكوادر المتعلمة التي يمكن الاعتماد عليها آنذاك! فلم يكن وراء ثراء وتغير الخليج التفوقُ العلمي أو التقني، ولا يوجد فيها إنتاج صناعي أو معرفي، وإنما هي الموارد الطبيعية. ومن المعلوم في دورة التاريخ؛ أن التطور والحضارات لا يمكن أن تنهض إلا أن تكون تاليةً لثورة، سواء كانت تلك الثورةُ معرفيةً/ثقافية أو اقتصادية أو عسكرية، وكل هذا لم يحصل! هذا التغير الإيجابي أدى وبلا شك إلى تغير المنطقة وتطورها، سواء على الصعيد الإنساني أو المادي؛ إلا أن سلبيات كثيرة طفت على السطح مع مجيء الثراء بشكل مفاجئ، ولم تُعالج هذه السلبيات بشكل فعال في نظري.
كثيرا ما يُردد والدي - متعني الله بعافيته- والكثير من الحكماء من كبار السن أن هذا الجيل لا يعرف مقدار النعمة التي يعيشها! يردد هذا دائما عندما يرى بعض مظاهر الترف والبذخ التي لا داعيَ لها. نحن وللأسف عندما نقيم الولائم، فإننا نُقدم مقدارا من الطعام زائدا عن الحاجة، عندما نلبس فإن الكثير ينفق بلا حساب، خاصة في جانب النساء هداهن الله، فبعضهن لا يلبسن الثوب إلا في مناسبة واحدة! وقد أنفقت فيه ربما ما يُطعم أسْرةً شهراً، عندما نستخدم الماء فإننا نُسرف فيه بشكل لا يُصدق، فلا تكاد تمر بشارع إلا وفيه تجمعات مياه وكأن المطر لا ينقطع! تعاملنا مع البيئة والحياة الفطرية يكاد يكون الأسوأ في العالم، فتأخذ متاعك وتركب سيارتك لتخرج عن البلد سفراً كي تجد مكانا نظيفا في البرية فتجده لا يكاد يخلو من آثار مخلفاتِ من سبَقَك!
بقي أن أشير إلى أحد أهم مظاهر اللاحضارة -إن صح التعبير- ؛ وهو عدم الاكتراث بالأنظمة والقوانين العامة! فعندما تقود السيارة لا تكاد تُخطئ الخليجي من غيره خصوصا الشباب -إلا أن يكون من البلدان الأكثر تخلفا وفقرا- في التهور والأنانية في القيادة! وكذلك الغرور واحتقار البعض للآخرين وخاصة العمالة الأجانب في البلد، في ظل غياب نظام ضد العنصرية والتمييز. كما أن العديد من أبنائنا لا يكاد يستطيع القيام بعمل لنفسه دون الاعتماد على الآخرين من سائق وعامل وغيرهما.
كل هذه الظواهر إنما نتجت بسبب عدم تجذّر الحضارة والتمدّن في شعوب المنطقة، ومثل هذه الظواهر هي نتيجة طبيعية لتغيّر طارئ ومفاجئ، ولا بد أن تأخذ تلك الشعوبُ وقتاً لأجل أن تتكيف وتتواءم مع هذه التغيرات السريعة. كما أن من أسباب هذه الظواهر التي لا بد من الإشارة إليها؛ هو اعتماد الكثير من المواطنين على وظائف الدولة، التي غالبا ما تُراعي وتتغاضى عنهم، بشكل يُفقدهم الإحساس بالتنافسية والمسؤولية والحاجة إلى الإبداع وتطوير الذات.
عندما أتحدث عن هذه العادات غير الحميدة فإني لا أعني كل الشعب أو أغلبه بلا شك، ولكنها أصبحت ظاهرة خاصة لدى الشباب، ولا بد من علاجها ومحاربتها، كما أنها تتفاوت بين بلد وآخر، ومنطقة وأخرى، إلا أنها موجودة خاصة في المدن الكبرى. والعلاج هنا لن يكون فعّالا إلا بتدخل الدولة بحزم، بقوتها وإمكانياتها في هذا المجال، بالإضافة إلى الهيئات والجمعيات الأهلية والحكومية. فلا بد من تركيز الاهتمام في سياسات التعليم والمناهج مثلا على محاربة مثل هذه العادات، وذلك لا يكون بالتلقين، وإنما بالتربية العملية والفعلية بما يعالج مثل هذه الظواهر. بالإضافة إلى الحزم في تطبيق النظام على الجميع، وعدم التسامح في إجرائه على الجميع، خاصة مع تكرر أو انتشار ظاهرة أو تصرف. أدام الله علينا النِّعَم والرخاء، والأمن والاستقرار، اللهم آمين.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Deta ... cleId=8150