- الجمعة ديسمبر 16, 2011 5:57 pm
#42515
مقاله لاحد المعارضين السوريين
عبد الله إسكندر
في اليوم الذي أرادته السلطات السورية بدء «عملية الإصلاح الشامل وتنفيذ القوانين والقرارات المرتبطة بها»، بحسب وزير الاعلام عدنان محمود، سقط أكثر من 20 قتيلاً مدنياً على ايدي قوات الامن. وفي هذا اليوم الذي من المفترض ان يسود الهدوء والاستقرار في كل انحاء البلاد لمناسبة الانتخابات البلدية، عاشت سورية يوماً دموياً وانقسمت فيه البلاد بين مناطق تخضع لسيطرة الحكومة وأجهزتها شاركت في الانتخاب،وبين مناطق شهدت اضراباً عاماً وامتناعاً عن التصويت.
هكذا، لخص يوم الإثنين الماضي الانفصام الواسع بين ما ترغب فيه السلطات وبين ما ترغب فيه الحركة الاحتجاجية. ويظهر أن الانفصام بات يميز سلوك السلطات في معالجة الازمة، فما ارادته بدءَ عملية الاصلاح، أدى عمليا الى زيادة الانشقاق واتساع الهوة بين السلطة والمعارضة، لكن الأخطر هو اعتبار ان الانتخاب «يؤكد تصميم القيادة على المضي قدماً في عملية الاصلاح» التي اعلنتها، اي في النهج نفسه الذي اعتمدته منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية.
كان يفترض ان تثير هذه المفارقة، في حال صدقت النيات، اسئلة كثيرة على الحكم السوري، وعن مدى فعالية هذه الاجراءات الاصلاحية التي يريد الاستمرار فيها، رغم الفشل الكبير في إقناع أحد بها، خصوصاً المعارضة السورية.
لكن الإصرار على «التصميم على المضي قدماً» في هذه الاصلاحات ومعها «التصميم على المضي قدماً» في انهاء الحركة الاحتجاجية بالوسائل الامنية، يعني المجازفة بإبقاء المواجهة مستمرة، وهي المواجهة التي فاق عدد ضحاياها 5 آلاف قتيل من المدنيين فقط.
والسؤال هو عن معنى الاصلاح الذي يفترض ان يجلب الهدوء والاستقرار ويلبي مطالب العدل والحرية، وعن معنى انتخابات تقسّم، وفق خريطة متطابقة مع امتداد الحركة الاحتجاجية وتركيبتها الاجتماعية والسكانية. ألا تزيد هذه الخطوة تمزق النسيج الاجتماعي وتضع المواطنين بعضهم في مواجهة بعض، بعدما انقسموا في اليوم الانتخابي انقساماً جذرياً، وتحفز الاقتتال في ظل هذا الوضع الامني الملتهب؟
لقد ساهم اليوم الانتخابي في زيادة التشكيك بالنيات الحكومية. ولا تستطيع السلطات ان تأمل في استعادة صدقية فقدتها على امتداد الازمة من دون اعادة تقويم لكل قراراتها، بدءاً من معنى الإصلاح المطلوب، مروراً بكيفية معالجة الحركة الاحتجاجية، وصولاً الى المبادرة العربية، لأن كل ما تفعله حتى الآن يبقى من دون تجنيب البلاد خطر الانقسام الكبير والنزاع الاهلي.
ويجدر بها أيضاً ان تعيد قراءة الاوضاع الاقليمية والدولية، فالكتلة الاقليمية الكبيرة، وبغض النظر عن الدوافع، عبرت عن مواقفها عبر قرارات الجامعة العربية، اي انها تعارض النهج الحالي الرسمي للحل في سورية. والوضع الدولي ما زال مجمداً، بفعل الموقفين الروسي والصيني، لكن استمرار القتل، كما اتضح خلال إحاطة نافي بيلاي امام مجلس الامن ليل اول من امس، فلا يمكن الدفاع عنه طويلاً، وليصبح الحل السياسي ذو الصدقية مطلباً عاماً، في موسكو وبكين ايضاً.
خشبة الخلاص ليست في انتخابات بلدية غير ذات قيمة، ولا في استمرار القتل، بل اكدت العملية الانتخابية ضرورة تغيير النهج العام في معالجة هذه الازمة. والخروج من المأزق هو المبادرة الجريئة بتوقيع المبادرة العربية في اسرع وقت ممكن، والتي في جوهرها تدعو الى سحب قوات الجيش والامن ووقف القتل واحترام حق التظاهر السلمي، في ظل مراقبة خارجية، على ان يُصار بعد التهدئة الى البحث في كيفية الوصول الى حل سياسي وعناصره.
*نقلا عن "الحياة" اللندنية
عبد الله إسكندر
في اليوم الذي أرادته السلطات السورية بدء «عملية الإصلاح الشامل وتنفيذ القوانين والقرارات المرتبطة بها»، بحسب وزير الاعلام عدنان محمود، سقط أكثر من 20 قتيلاً مدنياً على ايدي قوات الامن. وفي هذا اليوم الذي من المفترض ان يسود الهدوء والاستقرار في كل انحاء البلاد لمناسبة الانتخابات البلدية، عاشت سورية يوماً دموياً وانقسمت فيه البلاد بين مناطق تخضع لسيطرة الحكومة وأجهزتها شاركت في الانتخاب،وبين مناطق شهدت اضراباً عاماً وامتناعاً عن التصويت.
هكذا، لخص يوم الإثنين الماضي الانفصام الواسع بين ما ترغب فيه السلطات وبين ما ترغب فيه الحركة الاحتجاجية. ويظهر أن الانفصام بات يميز سلوك السلطات في معالجة الازمة، فما ارادته بدءَ عملية الاصلاح، أدى عمليا الى زيادة الانشقاق واتساع الهوة بين السلطة والمعارضة، لكن الأخطر هو اعتبار ان الانتخاب «يؤكد تصميم القيادة على المضي قدماً في عملية الاصلاح» التي اعلنتها، اي في النهج نفسه الذي اعتمدته منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية.
كان يفترض ان تثير هذه المفارقة، في حال صدقت النيات، اسئلة كثيرة على الحكم السوري، وعن مدى فعالية هذه الاجراءات الاصلاحية التي يريد الاستمرار فيها، رغم الفشل الكبير في إقناع أحد بها، خصوصاً المعارضة السورية.
لكن الإصرار على «التصميم على المضي قدماً» في هذه الاصلاحات ومعها «التصميم على المضي قدماً» في انهاء الحركة الاحتجاجية بالوسائل الامنية، يعني المجازفة بإبقاء المواجهة مستمرة، وهي المواجهة التي فاق عدد ضحاياها 5 آلاف قتيل من المدنيين فقط.
والسؤال هو عن معنى الاصلاح الذي يفترض ان يجلب الهدوء والاستقرار ويلبي مطالب العدل والحرية، وعن معنى انتخابات تقسّم، وفق خريطة متطابقة مع امتداد الحركة الاحتجاجية وتركيبتها الاجتماعية والسكانية. ألا تزيد هذه الخطوة تمزق النسيج الاجتماعي وتضع المواطنين بعضهم في مواجهة بعض، بعدما انقسموا في اليوم الانتخابي انقساماً جذرياً، وتحفز الاقتتال في ظل هذا الوضع الامني الملتهب؟
لقد ساهم اليوم الانتخابي في زيادة التشكيك بالنيات الحكومية. ولا تستطيع السلطات ان تأمل في استعادة صدقية فقدتها على امتداد الازمة من دون اعادة تقويم لكل قراراتها، بدءاً من معنى الإصلاح المطلوب، مروراً بكيفية معالجة الحركة الاحتجاجية، وصولاً الى المبادرة العربية، لأن كل ما تفعله حتى الآن يبقى من دون تجنيب البلاد خطر الانقسام الكبير والنزاع الاهلي.
ويجدر بها أيضاً ان تعيد قراءة الاوضاع الاقليمية والدولية، فالكتلة الاقليمية الكبيرة، وبغض النظر عن الدوافع، عبرت عن مواقفها عبر قرارات الجامعة العربية، اي انها تعارض النهج الحالي الرسمي للحل في سورية. والوضع الدولي ما زال مجمداً، بفعل الموقفين الروسي والصيني، لكن استمرار القتل، كما اتضح خلال إحاطة نافي بيلاي امام مجلس الامن ليل اول من امس، فلا يمكن الدفاع عنه طويلاً، وليصبح الحل السياسي ذو الصدقية مطلباً عاماً، في موسكو وبكين ايضاً.
خشبة الخلاص ليست في انتخابات بلدية غير ذات قيمة، ولا في استمرار القتل، بل اكدت العملية الانتخابية ضرورة تغيير النهج العام في معالجة هذه الازمة. والخروج من المأزق هو المبادرة الجريئة بتوقيع المبادرة العربية في اسرع وقت ممكن، والتي في جوهرها تدعو الى سحب قوات الجيش والامن ووقف القتل واحترام حق التظاهر السلمي، في ظل مراقبة خارجية، على ان يُصار بعد التهدئة الى البحث في كيفية الوصول الى حل سياسي وعناصره.
*نقلا عن "الحياة" اللندنية