- السبت ديسمبر 17, 2011 3:27 pm
#42779
محمد الرميحي
خلال أيام سوف تعقد قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لا حاجة للتذكير بأن القمة تعقد في نهاية سنة حاسمة عربيا مليئة بالمتغيرات الجذرية والاحتمالات غير المسبوقة، بعضها ظهر إلى السطح، وبعضها قابع في المهد. بُنيت فكرة مجلس التعاون في ظروف أزمة خانقة قبل نيف وثلاثين عاما، إلا أن إلحاح الظروف الحالية أكثر حرجا من أحداث سنوات بداية الثمانينات من القرن الماضي.
أمام متخذ القرار الخليجي منعطف صعب والتفكير في غير المفكر فيه، فالولايات المتحدة تغادر العراق تاركة ثقلا ضخما من عوامل التغيير يرسم لها سيناريوهات مختلفة من قبل القوى العراقية والإقليمية، ليس أقلها حربا أهلية في حال التشاؤم الحاد، أو ارتماء في حضن الجار الكبير والمؤثر (إيران) في حال تقليل التشاؤم، أو حالة من دولة الاستباحة تحتمل التفكيك.
قوة الولايات المتحدة، التي ركن إليها الأمن الإقليمي، في تراجع في منطقة حساسة، هي حوض الخليج العربي، فهي ترغب في تدفق النفط والحفاظ على السلم، إلا أن رغبتها لا تترادف مع قدرتها الدبلوماسية أو شهيتها العسكرية، في ضوء عام أميركي تجري فيه الاستعدادات لانتخابات مفصلية؛ فالسياسة الخارجية هي داخلية أولا، فأمام تراجع القوة الاقتصادية الذي يئن من آثاره العالم الغربي بشكل عام. لم يبقَ للولايات المتحدة إلا القوة الناعمة، وهي قوة لا يعرف أحد (الآن) بأي اتجاه سوف تستخدم؛ هل باتجاه الحفاظ على الوضع القائم، أم باتجاه تشجيع التغيير الذي ينساب في عواصم المنطقة، ويكاد يكون دون استثناء، من أجل التكيف معه واستباقا لعدائه؟
ما يواجه مجلس التعاون أكبر بكثير مما واجهه في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وقتها كان الحل السياسي هو إنشاء مجلس التعاون لمواجهة التغيرات الخارجية الضاغطة، اليوم يتطلب الأمر خيالا سياسيا لمواجهة؛ ليس ما يتطلبه الخارج، ولكن أيضا وفي نفس الوقت، ما يتطلبه الداخل من استجابة ذكية ومرنة ومسايرة للعصر.
لا شك أن متخذ القرار الخليجي يعلم أن اليوم غير الأمس، والليلة غير البارحة، حيث إن التحدي خارجي وداخلي في نفس الوقت، ويتعامل الوجهان مع بعضهما بطريقة تفاعلية وسريعة. أخطر ما يواجه مجلس التعاون هو «التفكيك» وأفضل ما ينجيه هو «الاندماج» الجاد.
اليوم هناك شيء اسمه «الربيع العربي»، بصرف النظر عما نتج عنه، وأيضا بصرف النظر عن تصورات النخبة له، إلا أنه عامل جذب لجماهير ترغب التغيير وتستجيب لمتطلباته. إن الربيع «معد» بشكل من الأشكال، ومواجهته فقط باليسر المالي قد تكسب الوقت، لكنها لا تربح المعركة. هناك خطوات لا تنكر في التفكير بالإصلاح، إعلان قطر عن تنظيم انتخابات عام 2013 خطوة، وتوسيع قاعدة الشورى العمانية خطوة أخرى، وقبول حكومة البحرين بتقرير شريف بسيوني، والعمل على تنفيذ مقترحاته أيضا خطوة، والإصلاحات في البناء السياسي في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خطوات أخرى في الاتجاه الصحيح، إلا أن كل ذلك يسير بوتيرة يستبطئها المواطن، وأيضا تأثيرها قد يكون محدودا بزمن سرعان ما تسابقه الأيام وسرعة التغيير.
ما سوف ينتج من «ربيع العرب» ومظاهره أصبح واضحا للعيان في المغرب وتونس ومصر، وربما ليبيا؛ سوف يؤثر تأثيرا كبيرا في الخليج، فعام 2012 ربما يكون عام الخليج بامتياز.
وحتى أبين ما أعنيه بهذا القدر من الاحتمال الممكن، أعود إلى التاريخ، وهو يعلمنا الكثير لتوقع المستقبل. في التاريخ الحديث نعرف أن «الآيديولوجيا» عندما تستند إلى دولة تصبح سريعة التأثير وواسعة الانتشار. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر انتشرت الآيديولوجيا الشيوعية في أجزاء كثيرة من أوروبا، جراء ما كانت تعانيه مجتمعاتها من تغير اقتصادي واجتماعي كبير، إلا أن «الحركة الشيوعية» كانت محصورة، لم يشتد عودها وتنتشر في بلاد كثيرة إلا بعد أن أصبح لها «دولة»، أي إنشاء الاتحاد السوفياتي بعد عام 1917، ومثال آخر هو الحركة الإسلامية الشيعية السياسية، فقد كان الشيعة العرب يناضلون مع إخوانهم في الوطن في عدد كبير من الدول العربية للحصول على الاستقلال من المستعمر والعدالة الاجتماعية في الداخل. التحول الذي حدث في إيران بإقامة دولة إسلامية شيعية، أعطى النشطاء الشيعة جرعة سياسية مختلفة، حيث أصبح هناك «دولة»، فانفك معظمهم من نضال تحت مسميات أخرى إلى التحول إلي المطالبة بشيء يشبه ما يحدث في إيران، حدث هذا في العراق، وفي لبنان، وفي بعض جماعات أخرى، مرة أخرى يثبت التاريخ أن «الدولة» تعضد الآيديولوجيا، وتدفعها إلى أماكن مختلفة في الطلب السياسي.
التوقع، وهو المهم هنا، أن شكلا من أشكال حكم «الإسلام السياسي» في بلد مثل مصر معطوفا على تونس وليبيا، سوف يؤثر بالتأكيد على بلاد الجوار المشابهة في التركيب الآيديولوجي، وهنا تأتي الموجة المؤثرة الأخرى، التي أتوقع أنها سوف تهب على الخليج.
هذه النظرية إذا سحبناها على امتدادها، تعني أن دول الخليج يجب أن تفكر في مرحلة إصلاحات ثنائية داخلية خارجية معا. ولعل القول إن «أهل مكة أدرى بشعابها» ووضع المقترح خير من تقديم النقد، فالمقترح أن يخرج اللقاء الخليجي المقبل بتصور عام لمشروع إصلاحي شامل في صلبه التفكير في ترقية المجلس القائم إلى كونفدرالية من أجل امتصاص بؤر التوتر الاقتصادي، مع الشروع في إصلاحات داخلية لها برنامج وزمن تواكب تلك المتغيرات، كل حسب طاقته وقدرته.
التوجه إلى الحلول القديمة وبقاء الحال كما هو تطمينا للنفس في هذه المرحلة التاريخية المختلفة جذريا هو توجه للنظر إلى الماضي لا إلى المستقبل.
آخر الكلام
في نقاش استراتيجي شهده بعض الخبراء الأميركان الأسبوع الماضي في الكويت نصح هؤلاء بأن لا يلتفت العرب للضجيج المقبل من المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، خاصة النوع الاستفزازي حول فلسطين، مشكلة هؤلاء عدم معرفتهم كيف تقع مثل تلك التصريحات على الجمهور العربي. إنها تستفزه، فيتجه إلى راديكالية أعمق، في وقت تنتشر فيه صناديق الانتخاب!
خلال أيام سوف تعقد قمة مجلس التعاون الخليجي في الرياض، لا حاجة للتذكير بأن القمة تعقد في نهاية سنة حاسمة عربيا مليئة بالمتغيرات الجذرية والاحتمالات غير المسبوقة، بعضها ظهر إلى السطح، وبعضها قابع في المهد. بُنيت فكرة مجلس التعاون في ظروف أزمة خانقة قبل نيف وثلاثين عاما، إلا أن إلحاح الظروف الحالية أكثر حرجا من أحداث سنوات بداية الثمانينات من القرن الماضي.
أمام متخذ القرار الخليجي منعطف صعب والتفكير في غير المفكر فيه، فالولايات المتحدة تغادر العراق تاركة ثقلا ضخما من عوامل التغيير يرسم لها سيناريوهات مختلفة من قبل القوى العراقية والإقليمية، ليس أقلها حربا أهلية في حال التشاؤم الحاد، أو ارتماء في حضن الجار الكبير والمؤثر (إيران) في حال تقليل التشاؤم، أو حالة من دولة الاستباحة تحتمل التفكيك.
قوة الولايات المتحدة، التي ركن إليها الأمن الإقليمي، في تراجع في منطقة حساسة، هي حوض الخليج العربي، فهي ترغب في تدفق النفط والحفاظ على السلم، إلا أن رغبتها لا تترادف مع قدرتها الدبلوماسية أو شهيتها العسكرية، في ضوء عام أميركي تجري فيه الاستعدادات لانتخابات مفصلية؛ فالسياسة الخارجية هي داخلية أولا، فأمام تراجع القوة الاقتصادية الذي يئن من آثاره العالم الغربي بشكل عام. لم يبقَ للولايات المتحدة إلا القوة الناعمة، وهي قوة لا يعرف أحد (الآن) بأي اتجاه سوف تستخدم؛ هل باتجاه الحفاظ على الوضع القائم، أم باتجاه تشجيع التغيير الذي ينساب في عواصم المنطقة، ويكاد يكون دون استثناء، من أجل التكيف معه واستباقا لعدائه؟
ما يواجه مجلس التعاون أكبر بكثير مما واجهه في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وقتها كان الحل السياسي هو إنشاء مجلس التعاون لمواجهة التغيرات الخارجية الضاغطة، اليوم يتطلب الأمر خيالا سياسيا لمواجهة؛ ليس ما يتطلبه الخارج، ولكن أيضا وفي نفس الوقت، ما يتطلبه الداخل من استجابة ذكية ومرنة ومسايرة للعصر.
لا شك أن متخذ القرار الخليجي يعلم أن اليوم غير الأمس، والليلة غير البارحة، حيث إن التحدي خارجي وداخلي في نفس الوقت، ويتعامل الوجهان مع بعضهما بطريقة تفاعلية وسريعة. أخطر ما يواجه مجلس التعاون هو «التفكيك» وأفضل ما ينجيه هو «الاندماج» الجاد.
اليوم هناك شيء اسمه «الربيع العربي»، بصرف النظر عما نتج عنه، وأيضا بصرف النظر عن تصورات النخبة له، إلا أنه عامل جذب لجماهير ترغب التغيير وتستجيب لمتطلباته. إن الربيع «معد» بشكل من الأشكال، ومواجهته فقط باليسر المالي قد تكسب الوقت، لكنها لا تربح المعركة. هناك خطوات لا تنكر في التفكير بالإصلاح، إعلان قطر عن تنظيم انتخابات عام 2013 خطوة، وتوسيع قاعدة الشورى العمانية خطوة أخرى، وقبول حكومة البحرين بتقرير شريف بسيوني، والعمل على تنفيذ مقترحاته أيضا خطوة، والإصلاحات في البناء السياسي في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خطوات أخرى في الاتجاه الصحيح، إلا أن كل ذلك يسير بوتيرة يستبطئها المواطن، وأيضا تأثيرها قد يكون محدودا بزمن سرعان ما تسابقه الأيام وسرعة التغيير.
ما سوف ينتج من «ربيع العرب» ومظاهره أصبح واضحا للعيان في المغرب وتونس ومصر، وربما ليبيا؛ سوف يؤثر تأثيرا كبيرا في الخليج، فعام 2012 ربما يكون عام الخليج بامتياز.
وحتى أبين ما أعنيه بهذا القدر من الاحتمال الممكن، أعود إلى التاريخ، وهو يعلمنا الكثير لتوقع المستقبل. في التاريخ الحديث نعرف أن «الآيديولوجيا» عندما تستند إلى دولة تصبح سريعة التأثير وواسعة الانتشار. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر انتشرت الآيديولوجيا الشيوعية في أجزاء كثيرة من أوروبا، جراء ما كانت تعانيه مجتمعاتها من تغير اقتصادي واجتماعي كبير، إلا أن «الحركة الشيوعية» كانت محصورة، لم يشتد عودها وتنتشر في بلاد كثيرة إلا بعد أن أصبح لها «دولة»، أي إنشاء الاتحاد السوفياتي بعد عام 1917، ومثال آخر هو الحركة الإسلامية الشيعية السياسية، فقد كان الشيعة العرب يناضلون مع إخوانهم في الوطن في عدد كبير من الدول العربية للحصول على الاستقلال من المستعمر والعدالة الاجتماعية في الداخل. التحول الذي حدث في إيران بإقامة دولة إسلامية شيعية، أعطى النشطاء الشيعة جرعة سياسية مختلفة، حيث أصبح هناك «دولة»، فانفك معظمهم من نضال تحت مسميات أخرى إلى التحول إلي المطالبة بشيء يشبه ما يحدث في إيران، حدث هذا في العراق، وفي لبنان، وفي بعض جماعات أخرى، مرة أخرى يثبت التاريخ أن «الدولة» تعضد الآيديولوجيا، وتدفعها إلى أماكن مختلفة في الطلب السياسي.
التوقع، وهو المهم هنا، أن شكلا من أشكال حكم «الإسلام السياسي» في بلد مثل مصر معطوفا على تونس وليبيا، سوف يؤثر بالتأكيد على بلاد الجوار المشابهة في التركيب الآيديولوجي، وهنا تأتي الموجة المؤثرة الأخرى، التي أتوقع أنها سوف تهب على الخليج.
هذه النظرية إذا سحبناها على امتدادها، تعني أن دول الخليج يجب أن تفكر في مرحلة إصلاحات ثنائية داخلية خارجية معا. ولعل القول إن «أهل مكة أدرى بشعابها» ووضع المقترح خير من تقديم النقد، فالمقترح أن يخرج اللقاء الخليجي المقبل بتصور عام لمشروع إصلاحي شامل في صلبه التفكير في ترقية المجلس القائم إلى كونفدرالية من أجل امتصاص بؤر التوتر الاقتصادي، مع الشروع في إصلاحات داخلية لها برنامج وزمن تواكب تلك المتغيرات، كل حسب طاقته وقدرته.
التوجه إلى الحلول القديمة وبقاء الحال كما هو تطمينا للنفس في هذه المرحلة التاريخية المختلفة جذريا هو توجه للنظر إلى الماضي لا إلى المستقبل.
آخر الكلام
في نقاش استراتيجي شهده بعض الخبراء الأميركان الأسبوع الماضي في الكويت نصح هؤلاء بأن لا يلتفت العرب للضجيج المقبل من المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، خاصة النوع الاستفزازي حول فلسطين، مشكلة هؤلاء عدم معرفتهم كيف تقع مثل تلك التصريحات على الجمهور العربي. إنها تستفزه، فيتجه إلى راديكالية أعمق، في وقت تنتشر فيه صناديق الانتخاب!