منتديات الحوار الجامعية السياسية

فليقل كل كلمته
By محيسن المحيسن 1 3 4
#43033
يقصد بصنع السياسة الخارجية تحويل الهدف العام للدولة إلى قرار محدد. و السياسة الخارجية للدولة هي من صنع أفراد وجماعات يمثلون الدولة ويعرفون بصناع القرارات. لذا فصناعة قرارات السياسة الخارجية يمكن أن تدرس في ضوء التفاعل بين متخذي أو صناع القرارات وبيئتهم الداخلية.

إن ما يميز قرارات السياسة الخارجية عن بقية القرارات هي أنها تخضع لتفاعل فريد من نوعه ألا وهو التفاعل بين البيئة الداخلية والخارجية وما يحتويه ذلك التفاعل من ضغوط مختلفة ومتعارضة.

وأن عملية صناعة القرار الخارجي تختلف من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي للدولة. إلا أنه رغم هذا الاختلاف في النظم السياسية للدول فإن هناك أصولاً مشتركة في صنع السياسة الخارجية. فبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي يشارك في صناعة القرار الخارجي عدد من الأجهزة الحكومية والتي عادة ما يكون لها مفاهيم ومواقف مختلفة. . . إلا انه خلال عملية صناعة القرار تقلل التناقضات بين الأجهزة المختلفة وتقرب وجهات النظر بقدر الإمكان. . .

عموماً يمكن أن نميز بين مجموعتين تساهمان في صنع السياسة الخارجية. المؤسسات الحكومية والمؤسسات غير الحكومية. المؤسسات الحكومية تتمثل بالسلطة التنفيذية وما يتبعها من أجهزة فرعية مثل الوزارات والمؤسسات العامة، وكذلك السلطة التشريعية وما تشمله من لجان مختلفة. أما المؤسسات غير الحكومية فهي تشمل الأحزاب السياسية، وجماعات المصالح، والإعلام، والرأي العام.


المؤسسات الحكومية: Governmental Institutions
رغم أن حديثنا عن المؤسسات الحكومية ودورها في صنع السياسة الخارجية سوف يكون حديثاً عاماً إلا أننا سنوظف الهيكل الأمريكي لمحاولة توضيح عملية صنع السياسة الخارجية من خلال المؤسسات الحكومية. في هذا الإطار فان المؤسسات الحكومية المعنية بصنع السياسة الخارجية تشمل كلا من: رئيس الحكومة، وزير الخارجية، الاستخبارات، مجلس الأمن القومي، والسلطة التشريعية.

رئيس الحكومة: Head of Government
إن أول خطوة يبدأ بها صنع القرار هي "مشروع القرار" حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية (الكونجرس). وفي الحكومة تبدأ فكرة المشروع أما بمبادرة من رئيس الحكومة أو من أحد وزرائه أو مستشاريه سواء نتيجة لمبادراتهم الذاتية أو نتيجة لطلب تقدمت به حكومة أجنبية.

وعادة ما يكون لرئيس الدولة دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي مثل أمريكا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.

وفي الدول ذات النظام البرلماني مثل بريطانيا والهند والتي لها رئيس دولة بالإضافة إلى رئيس الحكومة يكون دور رئيس الدولة (سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية) دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات الخارجية فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه.

إن أهمية دور رئيس الحكومة في صنع السياسة الخارجية تستمد عادة من السلطات الواسعة التي يمنحها له دستور الدولة، ومن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية.

ففي أمريكا مثلاً ينص دستور الدولة على أن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو القناة الرسمية الوحيدة للاتصال بالحكومات الأجنبية. وفي عام 1936م، أكدت المحكمة الفيدرالية العليا في أمريكا ما نص عليه الدستور الأمريكي حيث قضت بأن للرئيس وحده سلطة تمثيل الحكومة الأمريكية في مجال العلاقات الدولية. فلا الكونجرس الأمريكي ولا أي جماعة أو إدارة أخرى يمكنها التفاوض مع الحكومات الأخرى باسم الحكومة الأمريكية.

وبالإضافة إلى هذه الصلاحيات الدستورية الواسعة فإن طبيعة العمل في مجال السياسة الخارجية يعطي الحكومة ممثلة برئيسها سلطة خاصة. فالمعروف إن إدارة الشؤون الخارجية في أي دولة تتطلب معلومات ومثل هذه المعلومات تتاح لعدد محدود من المسؤولين في مقدمتهم رئيس الحكومة. وبذلك فعدم توفر هذه المعلومات السرية لدى الكونجرس وغيره من الأجهزة الأخرى يجعلها غير قادرة على اتخاذ أي قرار في مجال العلاقات الدولية.

وعندما نتحدث عن دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيراً ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية.

وفي أمريكا وغيرها من دول العالم يقوم مستشاروا رئيس الحكومة في الشؤون الدولية بدور لا يقل عن دور وزير الخارجية إن لم يكن أكثر. فالمستشارون نظراً لاتصالهم شبه اليومي برئيس الحكومة وتوفر المعلومات لهم يكونوا الأقرب إلى معرفة النظرة العامة لرئيس الحكومة وما يفضله من خيارات. لذا تكون توصياتهم الأكثر قبولاً لرئيس الحكومة وكثيراً ما يفضلها على اقتراحات وتوصيات رؤساء الإدارات الأخرى بمن فيهم وزير الخارجية.

أما دور بقية أعضاء الحكومة (الوزراء) في صنع السياسة الخارجية فهو عادة ما يكون دوراً محدوداً نظراً لنقص المعلومات المتاحة لهم وانشغالهم باختصاصاتهم. وكثيراً ما تحظى توصيات رئيس الحكومة ووزير خارجيته بموافقة أعضاء الحكومة.

وزير الخارجية: Minister of Foreign Affairs
ويلي رئيس الحكومة في الأهمية وزير الخارجية والذي يسمى في بريطانيا بسكرتير الدولة للشؤون الخارجية وفي أمريكا بسكرتير الدولة. ويعتمد دور وزير الخارجية في صناعة السياسة الخارجية على علاقاته برئيس الحكومة وعلى اهتمام رئيس الحكومية بالسياسة الخارجية.

فمن حيث العلاقة من المعروف أنه إذا كان وزير الخارجية من اختيار رئيس الحكومة فهو عادة يحظى بثقته ويمنحه صلاحيات واسعة ويكون له دور كبير في صناعة القرار السياسي الخارجي. أما إذا كان وزير الخارجية مفروضاً على رئيس الحكومة وتولي منصبه نتيجة لائتلاف حكومي أو مطالب حزبية ففي مثل هذا الوضع تكون علاقاته مع رئيس الحكومة فيها نوع من التردد وعدم الثقة. وهذا يجعل رئيس الحكومة حذراً في منح الصلاحيات الواسعة لوزير خارجيته.

أما من حيث الاهتمام فإن اهتمام رئيس الحكومة في السياسة الخارجية له أثر على دور وزير الخارجية. فخلال رئاسة الرئيس الأمريكي "ايزنهاور" للولايات المتحدة كان لوزير خارجيته "جون فوستر دلس" دور كبير في صنع السياسة الخارجية الأمريكية لأن الرئيس "ايزنهاور" كان غير مهتم في تفاصيل القرارات بصفة عامة والخارجية منها بصفة خاصة.

وعلى خلاف "ايزنهاور" كان الرئيس الأمريكي "كيندي" مهتماً إلى أبعد الحدود بتفاصيل القرارات التي يتخذها وبالذات الخارجية. وفي الأشهر الأولى من رئاسته للولايات المتحدة لوحظ أن سكرتير الدولة (وزير الخارجية) يتلقى باستمرار استفسارات من الرئيس "كيندي" عن بعض التفاصيل الدقيقة في بعض الأمور الخارجية.

وعموماً يمكن القول أنه مهما كانت الثقة بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية ومهما قل اهتمام رئيس الحكومة في المسائل الخارجية فإن وزير الخارجية "لا يضع سياسات بدون موافقة رئيس الحكومة".

ويستمد وزير الخارجية أهميته من رئاسته لأهم جهاز ذي صلة بالشؤون الدولية وهو وزارة الخارجية. وتعتبر وزارة الخارجية من المصادر الرئيسية للمعلومات الخارجية ومن الأدوات الأساسية لتنفيذ السياسة الخارجية.

فمن حيث المعلومات تقوم السفارات بإرسال تقارير مفصلة ومستمرة عن أوضاع الدول المختلفة التي توجد بها. وبعد وصول هذه التقارير يتم تحليلها عن طريق خبراء مختصين موزعين على أقسام رئيسية في وزارة الخارجية. ويقدم ملخص لهذه التقارير بعد تحليلها إلى وزير الخارجية مع نصيحة حول ما يجب أن تكون عليه السياسة الخارجية.

وبالإضافة إلى كون وزارة الخارجية مصدراً أساسياً للمعلومات فهي إدارة هامة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية. وتقوم وزارة الخارجية بتنفيذ السياسة الخارجية عن طريق بعثاتها الدبلوماسية وتعتبر مهمة تنفيذ السياسة الخارجية من أبرز مهام السلك الدبلوماسي.

وبالإضافة إلى مهمة جمع المعلومات وتحليلها وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية تقوم وزارة الخارجية عن طريق السفارات التابعة لها بمهام جانبية أخرى مثل رعاية مصالح الدولة ومواطنيها في الخارج وتمثيل الحكومة والتفاوض باسمها.

الاستخبارات: Intelligence Organizations
ولها دور في صناعة السياسة الخارجية شبيهة بدور وزارة الخارجية، إلا أنها تتميز عن وزارة الخارجية بسرية نشاطاتها نظراً لعدم قانونية وشرعية ممارساتها.

كذلك تختلف عن وزارة الخارجية بأنها لا تستخدمها كل الدول كأداة للسياسة الخارجية وإنما تستخدمها دول محدودة عادة تكون دولاً قوية وغنية ونشطة في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

والاستخبارات كأداة للسياسة الخارجية برزت بشكل ملحوظ بعد الحرب العالمية الثانية ولعبت دوراً بارزاً في توجيه السياسة الدولية في المجتمع الدولي والسياسات الخارجية للعديد من الدول. وهي بصفة عامة مثل وزارة الخارجية تقوم بجمع المعلومات وتحليلها وكذلك تعمل كأداة لتنفيذ سياسة الحكومة الخارجية.

إلا أن ما يميزها عن وزارة الخارجية هو أنها تختص بجمع المعلومات السرية ذات الصلة بالأمن القومي وتعمل لتنفيذ سياسات الحكومة التي لا تتفق مع القواعد الدبلوماسية المألوفة. ومن أبرز أجهزة الاستخبارات في العالم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تعرف بـ "سي. آي . أيه" C.I.A Central Intelligence Agency

تأسست وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي. آي . أيه" عام 1947م. . . [حيث] وجدت لتؤدي ثلاث وظائف رئيسية كلها ذات صلة بالأمن القومي الأمريكي. وهذه الوظائف هي:
1- جمع المعلومات السرية عن الدول الأخرى وتقييمها.
2- التدخل السياسي السري وعمليات الحرب النفسية في المناطق الأجنبية.
3- عمليات الاستخبارات المضادة فيما وراء البحار.

الأجهزة الحكومية الأخرى
وبالإضافة إلى وزارة الخارجية والاستخبارات العامة هناك أجهزة حكومية أخرى لها دور . . . في صنع القرارات الخارجية. ويعتمد هذا الدور على طبيعة القرار الخارجي ومدى علاقة هذا القرار بوظيفة وعمل الجهاز الحكومي.

وفي المملكة العربية السعودية . . . فإن أكثر الوزارات . . . فيها لها علاقات مستمرة مع دول أخرى ومع مؤسسات دولية وإقليمية. ومن أبرز الوزارات . . . السعودية التي لها علاقات دولية مستمرة . . . الإعلام، الدفاع، البترول، التجارة، و التعليم العالي . . . هذه الوزارات . . . لها اتصال شبه يومي مع الخارج.

مجلس الأمن القومي: National Security Council
وهذا المجلس يوجد في بعض الدول ويأخذ أحياناً صفة لجنة خاصة في الحكومة وهو يقوم بدور استشاري يتمثل بتقديم النصيحة لرئيس الدولة فيما يتعلق بتنسيق السياسات الرئيسية ذات الصلة بالأمن القومي وهي: الخارجية ، والعسكرية، وبعض السياسات الداخلية ذات الصلة بالأمن القومي.

وفي أمريكا يتكون مجلس الأمن القومي من الرئيس والذي يعمل كرئيس للمجلس، نائب الرئيس، وسكرتير الدولة (وزير الخارجية)، وسكرتير الدفاع (وزير الدفاع). أما مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي فهو يعمل كمدير تنفيذي للمجلس.

وفي بعض الحالات يدعو رئيس المجلس (رئيس الحكومة) بعض الأشخاص لحضور المجلس مثل مندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومدير الاستخبارات العام ("سي. آي . أيه" وبعض موظفي البيت الأبيض.

إن الوظيفة الرئيسية لمجلس الأمن القومي هي جمع المسؤولين الكبار في الحكومة وتزويدهم بمعلومات متكاملة وشاملة تؤهلهم لاستعراض تحليلي لسياسات الأمن القومي. وعادة ما يكون للمجلس مجموعة خاصة من الباحثين الذين يقومون بتقديم الدراسات ذات الصلة بوظيفة المجلس.

وباختصار يمكن القول أن مجلس الأمن القومي يقوم بدور المخطط والمنسق للسياسة الخارجية للدولة وبالذات السياسة الأمنية. فهو يحدد الإطار العام للقرار الخارجي ويساهم بذلك في صنع السياسة الخارجية.

السلطة التشريعية: Parliament
تختلف تسمية السلطة التشريعية من دولة إلى أخرى. ففي أمريكا تعرف الكونجرس والذي يضم مجلس الشيوخ ومجلس النواب. وفي بريطانيا تعرف بالبرلمان والذي يضم مجلس العموم ومجلس اللوردات. أما في الكويت فتعرف بمجلس الأمة والذي يتكون من مجلس واحد فقط.

ومثلما تختلف السلطات التشريعية في تسميتها فهي تختلف أيضاً في أدوارها في صنع السياسة الخارجية. إلا أن هناك أصول مشتركة للسلطات التشريعية في كل الدول فصلاحياتها في الشؤون الخارجية أقل من صلاحياتها في الشؤون الداخلية ويرجع ذلك إلى السرية التي تتسم بها الشؤون الخارجية. كما أن السلطات التشريعية لا تأخذ المبادرة في قرارات السياسة الخارجية وإنما يقتصر دورها على الموافقة أو الاعتراض على السياسة الخارجية التي تقترحها الحكومة.

إن قوة السلطة التشريعية في كل دولة تعتمد على الصلاحيات التي يمنحها لها الدستور ففي أمريكا تعتبر السلطة التشريعية والمتمثلة بالكونجرس من أقوى السلطات التشريعية في العالم، وذلك راجع إلى الصلاحيات الواسعة التي يمنحها لها الدستور الأمريكي. فالدستور الأمريكي يمنح الكونجرس خمس صلاحيات هامة هي:
1- موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين على المعاهدات الخارجية التي يقترحها الرئيس.
2- موافقة مجلس الشيوخ على تعيينات الرئيس من السفراء و المسؤولين في الشؤون الخارجية.
3- رغم أن الدستور يجعل الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة فإن الكونجرس هو الذي يملك حق إعلان الحرب.
4- للكونجرس صلاحية تأسيس الإدارات الحكومية، فهو الذي أنشأ وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي وجميع فروع القوات المسلحة، والوكالات الأخرى ذات الصلة بالسياسة الخارجية.
5- للكونجرس أيضاً صلاحية الموافقة على الميزانية العامة المقترحة من الحكومة بما في ذلك ميزانية الدفاع والمساعدات الخارجية. هذه الصلاحيات أعطت الكونجرس دوراً هاماً ولكن غير مباشر في صنع السياسة الخارجية. فعن طريق هذه الصلاحيات يستطيع الكونجرس أن يمارس ضغوطاً على الحكومة لتعديل سياستها المقترحة بما يتفق مع وجهة نظر غالبية أعضائه.
إلا أن. . . السلطة التي يتمتع بها الكونجرس الأمريكي ودوره البارز في صنع السياسة الخارجية نادراً ما تحظى به السلطات التشريعية الأخرى في دول العالم. ففي بريطانيا حيث نشأت وتطورت القيم الديمقراطية وقنوات المشاركة السياسية، دور السلطة التشريعية والمتمثلة في البرلمان محدود جداً خصوصاً في المجال الخارجي.

المؤسسات غير الحكومية: Non-Governmental Institutions
وهي المؤسسات التي تعمل خارج الحكومة ويكون لها تأثير في صنع السياسة الداخلية والخارجية. وتعتبر الأحزاب السياسية. وجماعات المصالح (الضغط)، ووسائل الإعلام، والرأي العام من أهم المؤسسات غير الحكومية ذات التأثير على السياسة الخارجية.

الأحزاب السياسية: Political Parties
يعتبر الحزب السياسي من أبرز المؤسسات السياسية التي تساهم في صنع السياسة الخارجية. ويتوقف دور الحزب في صنع السياسة الخارجية على تعدد الأحزاب وانضباطها.

فإذا كان في الدولة أكثر من حزب كما هو الحال في الدول الديمقراطية فإن الآراء حول السياسة الخارجية تتقاسمها الأحزاب الموجودة ويكون الحزب الأقوى هو الأكثر تأثيراً في توجيه السياسة الخارجية.

أما إذا كان يوجد في الدولة حزب سياسي واحد وهو الحزب الحاكم كما هو الحال في الدول الاشتراكية وبعض الدول النامية فإن تأثيره في السياسة الخارجية يصبح قوياً جداً بل أن الأحزاب السياسية في الدول ذات الحزب الواحد هي التي تلعب الدور البارز في صنع السياسة الخارجية وفقاً لعقيدة الحزب السياسية.

كذلك يعتمد دور الحرب في صنع السياسة الخارجية على الانضباط داخل الحزب ووضوح عقيدته السياسية، وهنا نجد أن كلاً من بريطانيا وأمريكا تعتبر دولاً ديمقراطية وتأخذ بنظام تعدد الأحزاب. إلا أن دور الأحزاب فيها في صنع السياسة الخارجية يختلف اختلافاً جذرياً.

ففي أمريكا تتميز الأحزاب السياسية الكبيرة (الجمهوري والديمقراطي) بعدم الاهتمام بالجانب العقائدي وبقلة الانضباط السياسي. . . ونتيجة لهذا. . . فإن مواقفها تجاه القضايا الخارجية عادة ما تكون غامضة وعامة وتتسم بالتردد والحذر. . . ونتيجة لفقدان الانضباط الحزبي أصبح تحديد مواقف سياسية عامة للحزب يخلص لها الأعضاء أمراً غير ممكن.

وعلى خلاف الأحزاب الأمريكية تتميز الأحزاب البريطانية بوضوح الخط العقائدي الفاصل بينها، وبالانضباط الحزبي. فمن حيث العقيدة السياسية هناك وضوح تام في الاختلافات بين سياسات حزب العمال وحزب المحافظين. كما أن أعضاء الأحزاب سواء في البرلمان أو خارجه مخلصون لقادة الحزب وملتزمون في برنامجه. مثل هذه الأحزاب يكون لها [نسبياً] دور ملموس في توجيه السياسة الخارجية.

جماعات المصالح السياسية: Political Interest Groups
وتعرف . . . [كذلك] بجماعات الضغط لأنها تستخدم الضغط كوسيلة لحمل رجال السياسة على اتخاذ قرارات لصالحها. ولقد برزت جماعات المصالح . . . كعامل هام ومؤثر في كل من السياسة الداخلية والخارجية للدولة.

وفي أمريكا أوجدت هجرة الجنسيات المختلفة إليها وتطورها الاقتصادي العديد من الجماعات التي لها مصالح خارجية مختلفة وأحياناً تكون متعارضة مما عقد عملية اختيار القرار في السياسة الخارجية الأمريكية وحد من القدرة على حشد الرأي العام الأمريكي لدعم القرار بعد اتخاذه.

فيوجد في أمريكا جماعات مصالح دينية وأبرزها جماعات المصالح اليهودية والتي لها مصالح سياسية خارجية مختلفة عن بقية الجماعات. وتتمثل مصلحة اليهود بدعم أمريكا المستمر وغير المحدود لإسرائيل وتقليل الدعم الأمريكي للعرب مهما كان تواضعه وقلة مفعولة.

واليهود رغم قلة عددهم مقارنة بإجمالي سكان الولايات المتحدة حيث لا يتجاوز نسبة 3% من إجمالي السكان إلا أنهم مجموعة منظمة لها نفوذ على الوسائل ذات التأثير الفعال في المجتمع الأمريكي مثل الصحافة، والتعليم العالي، والسياسة مما اتاح لها قدرة التحرك لتعبئة الرأي العام لأمريكي لصالحها خصوصاً أيام الانتخابات وبالذات رئاسة الجمهورية.

ونتيجة لهذه القدرة لليهود أصبح ليس بإمكان صناع القرارات الأمريكية تجاهل رغبات جماعات المصالح اليهودية في أي سياسة أمريكية تجاه الشرق الأوسط.

وبالإضافة إلى جماعات المصالح الدينية توجد جماعات المصالح الاقتصادية والمالية وأهمها الشركات عبر القومية (العالمية) والتي تتمثل بشركات البترول العالمية مثل "شركة شل" وبالبنوك العالمية مثل "بنك أمريكا" و "سيتي بنك".

فهذه الشركات والمؤسسات العالمية لها مصالح منتشرة في مختلف دول العالم وسياسة أمريكا تجاه الدول التي توجد فيها مصالح لتلك الشركات تؤثر إما سلباً أو إيجاباً على مستقبل هذه الشركات ومصالحها الاقتصادية.

فلا شك أن علاقة الشركات الأمريكية مع دول الخليج تتأثر بمواقف أمريكا تجاه القضايا العربية بصفة عامة وتجاه قضايا الخليج بصفة خاصة. لذا نجد أن الشركات الأمريكية ذات المصالح الاقتصادية في الخليج تعمل من أجل التقارب بين العرب وأمريكا وتحاول أن تؤثر على قرارات الحكومة الأمريكية تجاه دول الخليج لتكون أكثر إنصافاً واحتراماً لتلك الدول.

إن هدف الشركات الأمريكية العالمية في مساعيها لإنصاف العرب هو إيجاد مناخ سياسي ملائم يسمح ببقاء مصالحها . . . التجارية في دول الخليج.

وسائل الإعلام: Press
ترجع أهمية وسائل الإعلام كأداة مساهمة في صنع السياسة الخارجية إلى تأثيرها على كل من صناع القرار والرأي العام. إن آراء المواطنين سواء كانوا رسميين أو غير رسميين تشكل نتيجة لملاحظة الأحداث وتفسيرها.

ووسائل الإعلام هي الملاحظ الأول للأحداث الدولية وهي مصدر أساسي لتفسيرها. فبالنسبة لصناع القرار الرسميين تقوم الوسائل الإعلامية من صحافة، وإذاعة، وتلفزيون بدور بارز في توجيههم وإمدادهم بجزء هام من المعلومات التي على أساسها يتخذون القرارات.

وبالإضافة إلى كون الوسائل الإعلامية مصدراً هاماً للمعلومات الداخلية والخارجية فإنه يمكن الاستفادة منها كمؤشر للرأي العام ودليل لمواقف المواطنين تجاه السياسة الخارجية للدولة.

فقد يكتب أحد المسؤولين في الحكومة وباسم مستعار مقالاً صحفياً يدعو فيه لنهج جديد في السياسة الخارجية. والهدف من هذه المقالة هو معرفة ردود فعل المواطنين تجاه هذه السياسة الجديدة قبل الأخذ بها. وردود فعل المواطنين وتعليقاتهم تتولى الصحافة تنظيمها أن لم يكن إعدادها. وبهذا يكون للصحافة دور في صنع القرار الخارجي وتحديد وجهته. ومثل هذا الدور تقوم به الصحافة في الدول الديمقراطية التي تسمح للصحافة بالنقد وإبداء الرأي.

كما أن الصحافة قد تلعب دور الموجه للرأي العام. فمواقف الوسائل الإعلامية من القضايا الدولية كثيراً ما يتقبلها المواطن العادي ويجعلها الأساس لتفسيره للأحداث الدولية. وهذا الدور تقوم به الوسائل الإعلامية في أغلب الدول النامية وفي الدول ذات الإعلام الموجه حيث يكون دور الإعلام إيجاد دعم المواطنين لسياسة الحكومة الخارجية والعمل على رفع الروح المعنوية.

الرأي العام: Public Opinion
يقصد بالرأي العام رأي المواطنين . . . العاديين والذي ترى الحكومة أنه من الحكمة احترامه و أخذه بعين الاعتبار.

والرأي العام كقوة مؤثرة في السياسة الخارجية لم يكن له دور يذكر قبل الحرب العالمية الأولى. إلا أنه مع نهاية الحرب ومع نمو الوعي السياسي للشعوب بدأ الرأي العام ممثلاً برأي القوى العمالية يظهر ويؤثر في مجرى السياسة الداخلية والخارجية للدول.

ويعبر الرأي العام عن نفسه إما من خلال قنوات منظمة مثل الأحزاب، وجماعات المصالح، والوسائل الإعلامية كما هو الحال في الدول الديمقراطية أو يفرض نفسه في شكل مزاج عام ومظاهرات سياسية كما هو الحال في . . . معظم دول العالم الثالث.

وفي السياسة الخارجية، كما هو الحال في السياسة الداخلية، يمارس الرأي العام دوره في عملية صنع القرار بقيامة بدور الداعم لسياسة الحكومة الخارجية أو المناهض لها.