رسائل من ميدان التحرير
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 10:56 am
رسائل من ميدان التحرير
علاء شعبان
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
تعيش مصر هذه الأيام وضعًا حرجًا، تكالبت عليها الظروف من كل جانب، فشكت عقوق بعض أبناءها، وقسوة بعض قادتها، وظلم أعدائها. وفي خِضم هذا الوضع المأساوي تحاول النهوض من كبوتها لأداء رسالتها في قيادة المنطقة فيقعدها الضعف، وتُفككها العقبات، تطرق الأبواب وتبحث عن المخارج.
إننا نحتاج أن نتعامل مع الحدث، فالنزول للميدان أصبح الآن الوسيلة الممكنة في أيدي الناس لمقاومة الباطل وإضعاف قوى الشر والضلال، فباب جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب واسع فيه من الخير الشيء العظيم، ولاتصاف الأمة الإسلامية بتلك الصفة حازت على تلك الخيرية التي تقود بها الأمم، قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
فينبغي أن تدرك الأمة المسلمة، أنها أُخرجت لتكون الطليعة، وتكون لها القيادة، فتصون الحياة من الشر والفساد، بكل ما وراء هذ من المتاعب.
الرسالة الأولى: يا خير أمة:
الفساق والظلمة فئات وأفراد، حاكمون ومحكومون داخل المجتمع الإسلامي يتم جهادهم عن طريق الوعظ والنصح لهم، وبيان الحق مهما كان موقفهم منه، ... إلى غير ذلك من الوسائل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"([1])، ففي ذالكم دلالة على وجوب بيان الحق مهما كانت العاقبة ([2]).
فإذا نظرنا إلى الواقع الآن ودماء إخواننا تسيل، فلابد من نصرتهم بكل وسيلة نستطيعها تجاههم، مثل: المشاركة بالنفس في الميدان لتكثير السواد وتفويت فرصة الانقضاض عليهم عند قلة العدد، التبرع بالدم للجرحى، التبرع بالمستحضرات الطبية الازمة لعلاج الجرحى .. إلخ.
المهم الإيجابية لا أن نقف نتفرج عليهم، ونسأل ماذا نفعل؟ ثم لا نفعل شيء مجرد أسئلة لإطفاء حرائق النفس المشتعلة.
عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ"([3]).
يا الله! يغرسها؟! وما هي؟ فسيلة النخل التي لا تثمر إلا بعد سنين؟ والقيامة في طريقها إلى أن تقوم؟ وعن يقين؟!
وقفة: ما أحوجنا إلى هذه العبرة في ظل ما تمر به بلادنا من محنة، فلا ينبغي أن نتوقَّف عند حدثٍ مهما عظم، ونترك ما بأيدينا ونقول: ماذا نعمل؟
نحن على هذا لن نعمل أبدًا، ولن نُفلِح أبدًا، وعلى هذا فعِنْدَ كلِّ حدثٍ نقول: كلُّ قائمٍ على ثغرةٍ فليعلم أنَّه في عُمق المعركة، فاللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلام من ثغرته.
الأبُ في بيته على ثغرة، والأم كذلك، الخطيبُ والإمام في مسجِدِه على ثغرة، العالِم والمُربِّي في حلقتِه ومدرستِه وجامعته على ثغرة، التاجر بِماله على ثغرة، صاحبُ الرأي برأيه على ثغرة، العالمُ على ثغرة، المُرابِطُ على ثغرة، كلُّ مسؤولٍ على ثغره.
الرسالة الثانية: لا تنس النية:
*عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَقُولاَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ أَحَدٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِى مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِى مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِى مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِى مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ »([4]).
*عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ». أَوْ « أَمِيرٍ جَائِرٍ »([5]).
الرسالة الثالثة: توزيع الأدوار:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].
عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُونَ، فَوَدِدْتُ أَنْ أُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلَ "([6]).
لأن في النفير العام تركًا لعمارة الأرض، والسعي في طلب الرزق، وضياعًا للأولاد ومن هم في حاجة إلى الرعاية، قال السرخسي: "... إذا اشتغل الكل بالجهاد، لم يتفرغوا للقيام بمصالح دنياهم"([7])اهـ.
وقال الزيلعي: "... لأن في اشتغال الكل قطع لمادة الجهاد من الكراع والسلاح فينقطع الجهاد بسبب ذلك، فينبغي أن يتولى البعض الجهاد، والبعض التجارة والحرث والحِرف التي تقوم بها المصالح"([8]) اهـ.
وهذا هو الرأي الراجح عند إمعان النظر في أقوال الفقهاء وأدلتهم المبسوطة في كتب الفقه الأمهات. وأما حد الكفاية، فقد بينه العلماء بما لا يدع مجالاً للإجتهاد، وملخصه تطبيقًا على واقع مصر الآن:
"سد الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الجيش والشرطة، وينبغي أن يحتاط بحكام الحصون، وغيرها قدر الطاقة"[9]، وعليه فمن كان عائلا لأسرة لا عائل لها سواه ويخشى من نزوله تعرضه لما يكره فلا ينزل، ولكن لا ينسى دوره في نصره إخوانه بما يستطيع من الدعاء والتبرع بالدم، أو الدواء ونحوه.
الرسالة الرابعة: أحيٌّ والداك:
عدم إذن الوالدين المسلمين، أو أحدهما، عذر شرعي يُجيز التأخر عن الجهاد([10]) ومنه النزول لميدان التحرير، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ, فَقَالَ: " أَحَيٌّ أَبَوَاكَ ؟ قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "([11]).
عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَإِنَّ أَبَوِيَّ يَمْنَعَانِي؟ قَالَ: أَطِعْ أَبَوَيْك وَاجْلِسْ، فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرُك([12]).
ولا يخفى -إن شاء الله- أن كل الأعذار الشخصية مقيدة بكون الجهاد فرض كفاية، يقول الكاساني -رحمه الله-: " فإذا عم النفير، لا يتحقق القيام إلا بالكل، فبقي فرضًا على الكل عينًا بمنزلة الصوم والصلاة، فيخرج العبد بغير إذن مولاه، والمرأة بغير إذن زوجها ... وكذا للولد أن يخرج بغير إذن والديه"[13] اهـ.
فمن كان له أبوان أو أحدهما على قيد الحياة فعليه استئذانهما فإن رفض أحدهما فعليه أن يحاول إقناع من رفض فلو أصر على رفضه وأبى الإذن له فما عليه إلا طاعته والامتثال لرأيه إلا أن يتعين الخروج عليه ففي حالة التعين تسقط طاعته ولا أظن الآن أن الحالة وصلت حد التعين.
الرسالة الخامسة: إلى القادة أو رموز الدعوة:
ما كان لمثلي أن يوجه إرشادًا للعلماء والدعاة وإنما هي النصحية لا غير، فكم تكون العواقب وخيمة حين ينسى العلماء دورهم وينصرفون إلى حلقات العلم والدرس ظانين أنهم بذلك العمل قد أدوا كل ما عليهم من مهمة، وأخلوا أنفسهم من المسؤولية.
وكم يكون التقصير عظيمًا حين ينزوي العلماء بعيدًا عن الأحداث، بل حين يرى بعضهم أو كثير منهم أن النزول في الساحة والمشاركة في الأحداث ليس من شأن العلماء ولا مهماتهم.
لقد كان علماء الدين دائمًا في تاريخ هذه الأمة -إلا ما ندر- هم قادتها وموجهيها، وهم ملجأها كذلك إذا حزبهم أمر.
فأين العلماء؟ وأين دورهم الفعال؟ ولا يعني هذا بخس من تفاعل منهم حقه وإنما هو التناصح الذي تعلمناه على أيديهم.
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يولي على المسلمين خيارهم، ويدفع عنهم شرارهم، وأن يوحد صفوفهم، ويجمع كلمتهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
علاء شعبان
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
تعيش مصر هذه الأيام وضعًا حرجًا، تكالبت عليها الظروف من كل جانب، فشكت عقوق بعض أبناءها، وقسوة بعض قادتها، وظلم أعدائها. وفي خِضم هذا الوضع المأساوي تحاول النهوض من كبوتها لأداء رسالتها في قيادة المنطقة فيقعدها الضعف، وتُفككها العقبات، تطرق الأبواب وتبحث عن المخارج.
إننا نحتاج أن نتعامل مع الحدث، فالنزول للميدان أصبح الآن الوسيلة الممكنة في أيدي الناس لمقاومة الباطل وإضعاف قوى الشر والضلال، فباب جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب واسع فيه من الخير الشيء العظيم، ولاتصاف الأمة الإسلامية بتلك الصفة حازت على تلك الخيرية التي تقود بها الأمم، قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110].
فينبغي أن تدرك الأمة المسلمة، أنها أُخرجت لتكون الطليعة، وتكون لها القيادة، فتصون الحياة من الشر والفساد، بكل ما وراء هذ من المتاعب.
الرسالة الأولى: يا خير أمة:
الفساق والظلمة فئات وأفراد، حاكمون ومحكومون داخل المجتمع الإسلامي يتم جهادهم عن طريق الوعظ والنصح لهم، وبيان الحق مهما كان موقفهم منه، ... إلى غير ذلك من الوسائل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ"([1])، ففي ذالكم دلالة على وجوب بيان الحق مهما كانت العاقبة ([2]).
فإذا نظرنا إلى الواقع الآن ودماء إخواننا تسيل، فلابد من نصرتهم بكل وسيلة نستطيعها تجاههم، مثل: المشاركة بالنفس في الميدان لتكثير السواد وتفويت فرصة الانقضاض عليهم عند قلة العدد، التبرع بالدم للجرحى، التبرع بالمستحضرات الطبية الازمة لعلاج الجرحى .. إلخ.
المهم الإيجابية لا أن نقف نتفرج عليهم، ونسأل ماذا نفعل؟ ثم لا نفعل شيء مجرد أسئلة لإطفاء حرائق النفس المشتعلة.
عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ"([3]).
يا الله! يغرسها؟! وما هي؟ فسيلة النخل التي لا تثمر إلا بعد سنين؟ والقيامة في طريقها إلى أن تقوم؟ وعن يقين؟!
وقفة: ما أحوجنا إلى هذه العبرة في ظل ما تمر به بلادنا من محنة، فلا ينبغي أن نتوقَّف عند حدثٍ مهما عظم، ونترك ما بأيدينا ونقول: ماذا نعمل؟
نحن على هذا لن نعمل أبدًا، ولن نُفلِح أبدًا، وعلى هذا فعِنْدَ كلِّ حدثٍ نقول: كلُّ قائمٍ على ثغرةٍ فليعلم أنَّه في عُمق المعركة، فاللهَ اللهَ أن يُؤتَى الإسلام من ثغرته.
الأبُ في بيته على ثغرة، والأم كذلك، الخطيبُ والإمام في مسجِدِه على ثغرة، العالِم والمُربِّي في حلقتِه ومدرستِه وجامعته على ثغرة، التاجر بِماله على ثغرة، صاحبُ الرأي برأيه على ثغرة، العالمُ على ثغرة، المُرابِطُ على ثغرة، كلُّ مسؤولٍ على ثغره.
الرسالة الثانية: لا تنس النية:
*عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَقُولاَنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ أَحَدٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِى مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ فِى مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِى مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلاَّ نَصَرَهُ اللَّهُ فِى مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ »([4]).
*عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ». أَوْ « أَمِيرٍ جَائِرٍ »([5]).
الرسالة الثالثة: توزيع الأدوار:
قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].
عن أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَكِنْ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُونَ، فَوَدِدْتُ أَنْ أُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلَ، ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلَ "([6]).
لأن في النفير العام تركًا لعمارة الأرض، والسعي في طلب الرزق، وضياعًا للأولاد ومن هم في حاجة إلى الرعاية، قال السرخسي: "... إذا اشتغل الكل بالجهاد، لم يتفرغوا للقيام بمصالح دنياهم"([7])اهـ.
وقال الزيلعي: "... لأن في اشتغال الكل قطع لمادة الجهاد من الكراع والسلاح فينقطع الجهاد بسبب ذلك، فينبغي أن يتولى البعض الجهاد، والبعض التجارة والحرث والحِرف التي تقوم بها المصالح"([8]) اهـ.
وهذا هو الرأي الراجح عند إمعان النظر في أقوال الفقهاء وأدلتهم المبسوطة في كتب الفقه الأمهات. وأما حد الكفاية، فقد بينه العلماء بما لا يدع مجالاً للإجتهاد، وملخصه تطبيقًا على واقع مصر الآن:
"سد الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الجيش والشرطة، وينبغي أن يحتاط بحكام الحصون، وغيرها قدر الطاقة"[9]، وعليه فمن كان عائلا لأسرة لا عائل لها سواه ويخشى من نزوله تعرضه لما يكره فلا ينزل، ولكن لا ينسى دوره في نصره إخوانه بما يستطيع من الدعاء والتبرع بالدم، أو الدواء ونحوه.
الرسالة الرابعة: أحيٌّ والداك:
عدم إذن الوالدين المسلمين، أو أحدهما، عذر شرعي يُجيز التأخر عن الجهاد([10]) ومنه النزول لميدان التحرير، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ, فَقَالَ: " أَحَيٌّ أَبَوَاكَ ؟ قَالَ: نَعَمْ , قَالَ: " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ "([11]).
عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ، وَإِنَّ أَبَوِيَّ يَمْنَعَانِي؟ قَالَ: أَطِعْ أَبَوَيْك وَاجْلِسْ، فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرُك([12]).
ولا يخفى -إن شاء الله- أن كل الأعذار الشخصية مقيدة بكون الجهاد فرض كفاية، يقول الكاساني -رحمه الله-: " فإذا عم النفير، لا يتحقق القيام إلا بالكل، فبقي فرضًا على الكل عينًا بمنزلة الصوم والصلاة، فيخرج العبد بغير إذن مولاه، والمرأة بغير إذن زوجها ... وكذا للولد أن يخرج بغير إذن والديه"[13] اهـ.
فمن كان له أبوان أو أحدهما على قيد الحياة فعليه استئذانهما فإن رفض أحدهما فعليه أن يحاول إقناع من رفض فلو أصر على رفضه وأبى الإذن له فما عليه إلا طاعته والامتثال لرأيه إلا أن يتعين الخروج عليه ففي حالة التعين تسقط طاعته ولا أظن الآن أن الحالة وصلت حد التعين.
الرسالة الخامسة: إلى القادة أو رموز الدعوة:
ما كان لمثلي أن يوجه إرشادًا للعلماء والدعاة وإنما هي النصحية لا غير، فكم تكون العواقب وخيمة حين ينسى العلماء دورهم وينصرفون إلى حلقات العلم والدرس ظانين أنهم بذلك العمل قد أدوا كل ما عليهم من مهمة، وأخلوا أنفسهم من المسؤولية.
وكم يكون التقصير عظيمًا حين ينزوي العلماء بعيدًا عن الأحداث، بل حين يرى بعضهم أو كثير منهم أن النزول في الساحة والمشاركة في الأحداث ليس من شأن العلماء ولا مهماتهم.
لقد كان علماء الدين دائمًا في تاريخ هذه الأمة -إلا ما ندر- هم قادتها وموجهيها، وهم ملجأها كذلك إذا حزبهم أمر.
فأين العلماء؟ وأين دورهم الفعال؟ ولا يعني هذا بخس من تفاعل منهم حقه وإنما هو التناصح الذي تعلمناه على أيديهم.
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعصمنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يولي على المسلمين خيارهم، ويدفع عنهم شرارهم، وأن يوحد صفوفهم، ويجمع كلمتهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين