المنظمات الحقوقية..لا تخذلون «الغلابة»!
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 12:51 pm
طفلة تعرضت للعنف بقسوةأبها، تحقيق - حياة الغامدي
45٪ هي نسبة العنف في المملكة للعام الماضي 1432ه بحسب ما أصدرته هيئة حقوق الإنسان مؤخرا هذا النسبة التي أعتبرها مهتمون بالشأن الحقوقي عالية جدا وتشكل خطرا على المجتمع المحلي، وعلى المنظمات الحقوقية أن تتخذ إجراءات لتحد من هذه النسبة.
حالات العنف التي شهدتها الساحة في المملكة للعام المنصرم لم تتمكن تلك المنظمات في حماية بعضها والتي دفعت بحياتها ثمنا، ولعل الطفل أحمد الذي اشتهرت قضيته في مدينة الطائف ولقي حتفه على يد زوجة والده احد تلك القضايا الظاهرة على الساحة ولم يستطع التواصل مع تلك المنظمات لحمايته.
ضعف الوعي بالثقافة الحقوقية لدى المجتمع كان سبباً رئيسياً من أسباب القبول به والسكوت عنه في وقت وصفت نسبة التثقيف بالضئيلة جدا ولم تتخذ المنظمات الحقوقية أي تدابير عاجلة لرفع مستوى الوعي الاجتماعي بتلك الثقافة حتى يتسنى لكل فرد حماية نفسه ومعرفة ما يجب أن يتخذه من إجراء حتى يتصدى لها.
الدور الرقابي الذي كثيرا ما تخرج الجهات الحقوقية بمظلته للرأي العام لم يعد ليعفيها مستقبلا من مسؤولية حماية المعنف في ظل التزايد الملحوظ والذي نبه له المختصون، بل عليها أن تعيد ترتيب أوراقها وتصنع لها سلطة تقديرية تنفيذية تستطيع من خلالها توجيه مراكز الشرطة بحماية المعنف حتى تنتهي الجهات المعنية من البت في قضيته.
قضية الفتيات المعنفات اللاتي احتمين بأنفسهن داخل مستشفى عسير المركزي لمدة فاقت ال 40 يوما بدأن في التواصل مع هيئة حقوق الإنسان السعودية منذ شهر صفر الماضي ولم ينظر في قضيتهن بشكل جدي من قبل الهيئة إلا بعد خروجها للإعلام وظلت مسؤولة الهيئة بعسير تؤكد بأن دورها رقابي ولابد من قرائن لذلك العنف إما بكدمات وغيرها من الأدلة القاطعة بحسب رأيها إلا أن تدخلات الحاكم الإداري أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد جاءت لتنقذ الفتيات من عنف مورس عليهن لمدة 19 عاما بعد أن وجه بتشكيل لجنة للنظر في قضيتهن.
ارتفاع نسبة العنف إلى 45% تشكل خطراً على المجتمع
تأهيل الكوادر
وفي هذا الشأن أكد «د.فيصل العشوان» -القاضي السابق والخبير القانوني- على أنّ العمل الحقوقي يفتقد إلى التأهيل والتثقيف والتنفيذ، وفيما يخص التأهيل فهو بحاجة إلى تأهيل الكوادر كافة من أعلى مستوى في المنظمة الحقوقية إلى أقل مستوى، إلى جانب تثقيف الطلاب والطالبات بحقوقهم مع المعلم والأنظمة إضافة إلى تثقيف الطفل جميعها عبر مادة إعلانية تبث أوقات ذروة مشاهدة الناس للقنوات الفضائية وبشكل يومي وليس موسميا كل ستة أشهر، مشيراً إلى أن الوعي الإعلامي بالثقافة الحقوقية لا يزال في بداية مراحله الأولى ولابد من توقيع مذكرة تفاهم من أعلى مستوى في الدولة والشئون الاجتماعية والجهات حقوق الإنسان يشاركها وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للقضاء وديوان المظالم بحيث الكل يقوم بدوره.
الدور الرقابي
كما شرح «العشوان» الجانب التنفيذي لتلك القطاعات المعنية بحقوق الإنسان، مفيداً بأنها تفتقد لأن تحمل سلطة تنفيذية بحيث يحق لها أن تصدر أمرا للشرطة لتحافظ على طفل أو زوجة من العنف حتى تستكمل وتنتهي إجراءات قضاياهم، معتبراً دورها الرقابي الذي تشيع له الجهات الحقوقية في جميع مواقفها قصوراً متسائلا عن ماذا يصنع لنا الدور الرقابي في واقع يكشف تزايد حالات العنف، مضيفاً بأن الرقابي يعني أن تقف تلك الجهات مكتوفة الأيدي، كاشفا بأن حالات العنف الموجهة تجاه الزوجة والأبناء الأعلى نسبة ووصفها بالمخيفة جدا، بيد أن ما يمثل حرية الآراء وغيرها بنسب بسيطة جدا.
فيصل العشيوان
شخصيات متحمسة
وأكد «د.محمد شاوش» -استشاري الطب النفسي عضو جمعية الطفولة السعودية- على أن الجمعيات الحقوقية التطوعية السعودية تقوم على المتحمسين وليس المتخصصين لذلك فإن العمل التطوعي متاح «لكل من هب ودب» مما اعتبرها مشكلة في حد ذاتها، بيد أنه ليس عملا عشوائيا بل عمل منظم ويقوم عليه المتخصصون، لافتا إلى أن المتحمسين قد يسيئون أكثر من أن يصلحوا، داعيا الجمعيات الحقوقية أو غيرها أن لا يدخلوا المجال إلا متخصصين ولا تترك للمتحمسين الذين قد يدمروا الخطط ويعطوا دراسات ومعلومات غير صحيحة ويكون لديهم اتجاهات من قبيل التحمس وليس من قبيل العلم، مشددا على أن الشخصيات الميدانية متحمسة بالدرجة الأولى وهي الأكثر تعاطيا مع الحدث وحالات العنف فتواجهه بعدم معرفة الأنظمة وبقلة الخبرة في التعامل.
عمل تكاملي
وأشار إلى أنّ العمل بحاجة إلى قطاعين مهمين القطاع الحكومي والقطاع الخاص الأول مهمته سن القوانين وفرض تطبيقها ومعاقبة متجاوزيها وتقديم الرعاية فيما على غير الحكومية دراسات الظاهرة تقديم التوصيات وبرامج وقائية وأخرى توعوية ولذلك يحسب العمل عمل تكاملي وليس تنافسيا بين القطاعين، وهذا ما يحدث في المجتمع الراقي الذي يعتمد في كثير من تقديم خدماته على هذه القطاعين، مؤكداً على المنظمات الحقوقية مساعدة الجهات المختلفة والمعنية في الوصول إلى علاج للمشاكل المطروحة لكون الجمعيات هذه قد يتوفر لديها معلومات غير متوفرة لدى الجهات الحكومية وتساعد في دراسة الأسباب ووضع الحلول للظاهرة، ودعا إلى إقامة جمعيات علمية متخصصة تقوم على خبراء في المجال تتبع للجامعات المحلية أو جهات رائدة في المجتمع منوها بالدور الذي ستلعبه هذه الجمعيات العلمية في معرفة على الأقل نسبة الظاهرة ، بيد أن التطوعية يكون مجالها مقننا ومحدودا لحد كبير.
د.ماجد العيسى
الشق التشريعي
وأوضح «د.عدنان الزهراني» -المستشار الشرعي والقانوني- أن الجانب التشريعي للمنظمات الحقوقية بالسعودية لا تسمح لتلك المنظمات بأن تعطي توصيات ملزمة إنما هي توصيات استشارية لا اقل ولا أكثر وأوضح حتى يكون الوضع على محمل أفضل يفترض أن تكون آراء مثل هذه الجهات لها قدر من الاعتبار بحيث يشعر المسؤولون فيها بأن ما يوصون ويدلون به انه محل عناية واعتبار من الجهات الأخرى، كما أن الاعتماد الصادر لهذه الجهات من قبل المقام السامي جعل لهم الاعتبار الاستشاري وليس الاعتبار أو صفة اكبر من ذلك ويفترض ان تكون لهم صفة اقوى من ذلك، لافتاً إلى شق آخر وهو كيفية وصول حالات العنف إلى مثل هذه الهيئات ولابد لها أن تعقد مؤتمرات ولجان من اجل ابتكار وسائل تسهل لحالات العنف التواصل مع المنظمات الحقوقية في وقت لا يزال العنف الأسري يصعب التواصل مع أفراده بفضل الحصار الذي يفرضه رب الأسرة، وهنا لابد أن نجد حلاً للوصول للمعنف في حالة حصاره.
محمد شاوش
العمل الميداني
وطالب «د.الزهراني» الهيئات الحقوقية أن ترتقي بموقفها من مجرد الاستشارة والرأي إلى ما هو أكثر من ذلك من ناحية الاعتبار، مشددا على أهمية الهيئات الإصلاح التي من مهامها العمل الميداني بحيث تنتقل إلى الموقع وتحاول الصلح ولتكن مرتبطة بالعمد وأئمة المساجد والمستشفيات وذوي الهيئات في القرى وليس على مستوى المدن الكبرى.
وحول الجهات المنوط بها مساندة المنظمات الحقوقية أكد بأن القضاء الشرعي أفضل جهة وهي مؤهله لمثل هذا الأمر، لكن للأسف لدينا ما يسمى القضاء المستعجل وله بنود خاصة في نظام المرافعات لم يفعل، وحينما يذهب صاحب القضية إلى القاضي ويقول له طلب مستعجل يعطيك بعد خمسة شهور الجلسة تكون «خربت القضية».
الازدواجية في الأداء
وأكد «د.ماجد العيسى» -نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني- على أنّ الازدواجية في الأداء والتي تعرضت لها المنظمات الحقوقية كما هو الحال بالنسبة لمؤسسات الحكومية والأهلية الأخرى المعنية بالتصدي للعنف الأسري بين تقديم الخدمات مباشرة للضحايا وأداء دور الحماية الاجتماعية وممارسة التوعية المجتمعية بهدف الوقاية أضعف من قدرتها على أداء دورها الرقابي الذي لا يضطلع به سواها كما هو مؤمل منها.
العشيوان: ماذا يصنع لنا الدور الرقابي في واقع يكشف عن تزايد حالات العنف؟
وحول أفضل الحلول لتجاوز الازدواجية أفاد بأنه لا يعتقد أنه من السهل تجاوز هذه المشكلة، لأن ذلك يستلزم بناء إستراتيجية وطنية للتصدي للعنف في المملكة تتوزع بناء عليها الأدوار بين المؤسسات القائمة حالياً بحسب طبيعة عملها وصلاحياتها وإمكانياتها المادية والبشرية والفنية، مع السعي لتفعيل دور منظمات المجتمع المدني بالرغم من قلتها وضعف مواردها لما تملكه من مرونة في أدائها لا تتوفر في المؤسسات الحكومية.
نهاية مؤلمة للعنف
خلط في الأوراق
وشدد «د.العيسى» على أنّ دور المنظمات الحقوقية ينبغي أن يكون رقابياً ووقائياً فقط، وأن تقتصر الحماية على المؤسسات الحكومية المعنية مباشرة كالصحة والتعليم والأمن والعدل تحت مظلة الشئون الاجتماعية، أما هذا الخلط في الأوراق لا يعود بالنفع على الضحايا ويلقى من خلاله اللوم على المؤسسات والعاملين بها، مضيفاً وربما كان هذا مقبولاً في البداية لحداثة المؤسسات وضبابية دورها والحاجة الماسة من فئة محدودة من أفراد المجتمع لمساعدتهم في حل قضاياهم التي تاهت في أروقة المؤسسات الحكومية ولكن مع نضج التجربة فلابد لكل مؤسسة أن تضطلع بدور محدد وأن يوكل العمل في المجالات الأخرى لجهات مختلفة.
شاوش: من يتولى شؤون المنظمات الحقوقية متحمسون وليسوا متخصصين
إحصاءات دقيقة
وفي شأن الإحصاءات الأخيرة عن حالات العنف أوضح «د.العيسى» بأنه لا يمكن أن توجد إحصاءات دقيقة حول ممارسات العنف الأسري في المجتمع، فالمؤسسات المعنية وإن كانت شرعت في رصد ما يرد إليها من قضايا إلا أنها لا تصدر إحصاءات دورية لهذه القضايا إلا بشكل محدود كما هو الحال في تقارير المنظمات الحقوقية أو السجل الوطني لحالات إيذاء الأطفال المسجلة في القطاع الصحي، وحتى إن وجدت مثل هذه الإحصاءات فهي ليست إحصاءات موحدة بل تتكرر نفس القضايا في عدة جهات وبالتالي فإن الأرقام المطروحة ليست دقيقة بما يكفي ولابد من قراءتها في سياقها حتى تتم الإفادة منها.
آثار ضرب مبرح على جسد طفل
التواصل مع المجتمع
وأشار الى أن منظمات المجتمع المدني هي المؤسسات المجتمعية التي لابد من وجودها لمساندة دور المنظمات الحقوقية، فمنظمات المجتمع المدني لديها تواصل أكبر مع المجتمع ومعرفة باحتياجات أفراده أفضل من المؤسسات الحكومية ويشكل وجودها ومطالباتها ضغطاً ايجابياً ومطلوباً على أي مؤسسة حكومية أو أهلية أسند لها دور ما، حيث إن هذا الضغط يحد من التراخي أو التهاون في الأداء ويرفع مستويات الشفافية ويدعو لتحسين الخدمات المقدمة كماً ونوعاً، وبالتالي فإن المنظمات الحقوقية حول العالم تطالب وبفعالية بتفعيل المجتمع المدني ومؤسساته وهو ما يحدث في المملكة كذلك إلا أن هناك ربما عقبات تحد من تنمية هذه القطاع كما يجب لم يتم تجاوزها حتى الآن، مشيراً إلى أنه يجب أن تكون تدريجية حتى لا تحدث مثل هذه الفجوة خاصة مع الطلب المرتفع على مثل هذه الخدمات وعدم قدرة إدارات الحماية الاجتماعية على سد هذه الفجوة في الوقت الحاضر بسبب حداثة نشأتها وتطلبها موارد بشرية وفنية ومنشآت في مختلف المناطق لأداء مهامها كما ينبغي.
العيسى: حالات العنف التي تصل للوفاة ستستمر في الحدوث من حين لآخر مهما فعلنا
توعية المجتمع
وأوضح «د.العيسى» أنّ العنف الأسري موجود في المجتمعات باختلاف دياناتها وعاداتها وموروثاتها الثقافية ولا يدعي مجتمع قدرته على القضاء عليها تماما، كل ما نفعله هو محاولة الحد منها بفعالية وأداء دورنا في مساندة من تعرضوا لها لضمان عدم تكرار التجربة المؤلمة والعمل على تجاوزها، وبالتالي فإن قضايا العنف الشديدة والتي قد تصل لحد الوفاة ستستمر في الحدوث من حين لآخر مهما فعلنا، ولا يلام في ذلك أحد سوى من يقصر في أداء مهامه في توعية المجتمع بهذه بممارسات العنف الأسري والوقاية منها والعمل على الكشف عنها مبكراً والإبلاغ عنها الاستجابة بفعالية للبلاغ وتوفير الحماية المطلوبة للضحية - قبل أن تصل لمرحلة الإصابة المميتة - سواء كان المقصر فرداً أم مؤسسة من المؤسسات المعنية.
الثقافة الحقوقية
الثقافة الحقوقية لدى أفراد المجتمع السعودي ضعيفة بشكل عام نظراً لحداثة الكثير من الأنظمة المحلية وضعف الاطلاع على المواثيق الدولية بما في ذلك المرتبطة بحقوق الإنسان، وبرأيي أن المنظمات الحقوقية لابد أن تستثمر مصداقيتها وثقة المجتمع فيها لبناء علاقة وثيقة مع الأفراد كما نجحت في ذلك مع المؤسسات ومحاولة تكثيف التوعية بحقوق الإنسان باختيار رسائل توعية ذات أثر عميق يتناسب مع مختلف المكونات الثقافية لمجتمعنا وتساهم كذلك في تعزيز فهم المجتمع لدور هذه المؤسسات.
نشأة المنظمات الحقوقية في المملكة
المنظمات الحقوقية بدأت نشاطاتها داخل السعودية بإنشاء أول جمعية لحقوق الإنسان في التاسع من مارس عام 2004م مرتكزة على عناصر بارزة ولها دورها في مجال حقوق الإنسان على صعيد دولي ولعل الدكتور حمد الماجد ابرز تلك الشخصيات التي ظهرت للإعلام المحلي فيما يقابله من العنصر النسائي الدكتورة سهيلة بن زين العابدين وشكل الحقوقي معتوق الشريف أبرز الشخصيات الظاهرة للإعلام في الأواني الأخيرة جميعهم أدلوا بتصريحات وصفت بالمهمة والمطلوبة.
كما لحقت بها في الثاني عشر من شهر سبتمبر عام 2005 إنشاء أول هيئة لحقوق الإنسان وظلت عناصرها البارزة للإعلام محدودة جدا، بيد أن العمل الحقوقي بدأته كل من الهيئة والجمعية بجولات رقابية داخل السجون والتوقيف داخل مراكز الشرط، وظل عملها في التصدي للعنف وحماية المعنف ضئيلة جدا معولة على دورها الرقابي فقط الذي قوبل بالرفض من قبل مهتمين.
العمل الحقوقي للتصدي للعنف بات أمام تحديات صعبة في ظل العنف الذي شكل ما نسبته 45 % للحد من تلك الحالات التي قد تصل بها في نهاية المطاف الى الوفاة ، ويرى النقاد أهمية إعادة صياغة تلك المنظمات ودورها للمحافظة على وجودها.
45٪ هي نسبة العنف في المملكة للعام الماضي 1432ه بحسب ما أصدرته هيئة حقوق الإنسان مؤخرا هذا النسبة التي أعتبرها مهتمون بالشأن الحقوقي عالية جدا وتشكل خطرا على المجتمع المحلي، وعلى المنظمات الحقوقية أن تتخذ إجراءات لتحد من هذه النسبة.
حالات العنف التي شهدتها الساحة في المملكة للعام المنصرم لم تتمكن تلك المنظمات في حماية بعضها والتي دفعت بحياتها ثمنا، ولعل الطفل أحمد الذي اشتهرت قضيته في مدينة الطائف ولقي حتفه على يد زوجة والده احد تلك القضايا الظاهرة على الساحة ولم يستطع التواصل مع تلك المنظمات لحمايته.
ضعف الوعي بالثقافة الحقوقية لدى المجتمع كان سبباً رئيسياً من أسباب القبول به والسكوت عنه في وقت وصفت نسبة التثقيف بالضئيلة جدا ولم تتخذ المنظمات الحقوقية أي تدابير عاجلة لرفع مستوى الوعي الاجتماعي بتلك الثقافة حتى يتسنى لكل فرد حماية نفسه ومعرفة ما يجب أن يتخذه من إجراء حتى يتصدى لها.
الدور الرقابي الذي كثيرا ما تخرج الجهات الحقوقية بمظلته للرأي العام لم يعد ليعفيها مستقبلا من مسؤولية حماية المعنف في ظل التزايد الملحوظ والذي نبه له المختصون، بل عليها أن تعيد ترتيب أوراقها وتصنع لها سلطة تقديرية تنفيذية تستطيع من خلالها توجيه مراكز الشرطة بحماية المعنف حتى تنتهي الجهات المعنية من البت في قضيته.
قضية الفتيات المعنفات اللاتي احتمين بأنفسهن داخل مستشفى عسير المركزي لمدة فاقت ال 40 يوما بدأن في التواصل مع هيئة حقوق الإنسان السعودية منذ شهر صفر الماضي ولم ينظر في قضيتهن بشكل جدي من قبل الهيئة إلا بعد خروجها للإعلام وظلت مسؤولة الهيئة بعسير تؤكد بأن دورها رقابي ولابد من قرائن لذلك العنف إما بكدمات وغيرها من الأدلة القاطعة بحسب رأيها إلا أن تدخلات الحاكم الإداري أمير منطقة عسير صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد جاءت لتنقذ الفتيات من عنف مورس عليهن لمدة 19 عاما بعد أن وجه بتشكيل لجنة للنظر في قضيتهن.
ارتفاع نسبة العنف إلى 45% تشكل خطراً على المجتمع
تأهيل الكوادر
وفي هذا الشأن أكد «د.فيصل العشوان» -القاضي السابق والخبير القانوني- على أنّ العمل الحقوقي يفتقد إلى التأهيل والتثقيف والتنفيذ، وفيما يخص التأهيل فهو بحاجة إلى تأهيل الكوادر كافة من أعلى مستوى في المنظمة الحقوقية إلى أقل مستوى، إلى جانب تثقيف الطلاب والطالبات بحقوقهم مع المعلم والأنظمة إضافة إلى تثقيف الطفل جميعها عبر مادة إعلانية تبث أوقات ذروة مشاهدة الناس للقنوات الفضائية وبشكل يومي وليس موسميا كل ستة أشهر، مشيراً إلى أن الوعي الإعلامي بالثقافة الحقوقية لا يزال في بداية مراحله الأولى ولابد من توقيع مذكرة تفاهم من أعلى مستوى في الدولة والشئون الاجتماعية والجهات حقوق الإنسان يشاركها وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للقضاء وديوان المظالم بحيث الكل يقوم بدوره.
الدور الرقابي
كما شرح «العشوان» الجانب التنفيذي لتلك القطاعات المعنية بحقوق الإنسان، مفيداً بأنها تفتقد لأن تحمل سلطة تنفيذية بحيث يحق لها أن تصدر أمرا للشرطة لتحافظ على طفل أو زوجة من العنف حتى تستكمل وتنتهي إجراءات قضاياهم، معتبراً دورها الرقابي الذي تشيع له الجهات الحقوقية في جميع مواقفها قصوراً متسائلا عن ماذا يصنع لنا الدور الرقابي في واقع يكشف تزايد حالات العنف، مضيفاً بأن الرقابي يعني أن تقف تلك الجهات مكتوفة الأيدي، كاشفا بأن حالات العنف الموجهة تجاه الزوجة والأبناء الأعلى نسبة ووصفها بالمخيفة جدا، بيد أن ما يمثل حرية الآراء وغيرها بنسب بسيطة جدا.
فيصل العشيوان
شخصيات متحمسة
وأكد «د.محمد شاوش» -استشاري الطب النفسي عضو جمعية الطفولة السعودية- على أن الجمعيات الحقوقية التطوعية السعودية تقوم على المتحمسين وليس المتخصصين لذلك فإن العمل التطوعي متاح «لكل من هب ودب» مما اعتبرها مشكلة في حد ذاتها، بيد أنه ليس عملا عشوائيا بل عمل منظم ويقوم عليه المتخصصون، لافتا إلى أن المتحمسين قد يسيئون أكثر من أن يصلحوا، داعيا الجمعيات الحقوقية أو غيرها أن لا يدخلوا المجال إلا متخصصين ولا تترك للمتحمسين الذين قد يدمروا الخطط ويعطوا دراسات ومعلومات غير صحيحة ويكون لديهم اتجاهات من قبيل التحمس وليس من قبيل العلم، مشددا على أن الشخصيات الميدانية متحمسة بالدرجة الأولى وهي الأكثر تعاطيا مع الحدث وحالات العنف فتواجهه بعدم معرفة الأنظمة وبقلة الخبرة في التعامل.
عمل تكاملي
وأشار إلى أنّ العمل بحاجة إلى قطاعين مهمين القطاع الحكومي والقطاع الخاص الأول مهمته سن القوانين وفرض تطبيقها ومعاقبة متجاوزيها وتقديم الرعاية فيما على غير الحكومية دراسات الظاهرة تقديم التوصيات وبرامج وقائية وأخرى توعوية ولذلك يحسب العمل عمل تكاملي وليس تنافسيا بين القطاعين، وهذا ما يحدث في المجتمع الراقي الذي يعتمد في كثير من تقديم خدماته على هذه القطاعين، مؤكداً على المنظمات الحقوقية مساعدة الجهات المختلفة والمعنية في الوصول إلى علاج للمشاكل المطروحة لكون الجمعيات هذه قد يتوفر لديها معلومات غير متوفرة لدى الجهات الحكومية وتساعد في دراسة الأسباب ووضع الحلول للظاهرة، ودعا إلى إقامة جمعيات علمية متخصصة تقوم على خبراء في المجال تتبع للجامعات المحلية أو جهات رائدة في المجتمع منوها بالدور الذي ستلعبه هذه الجمعيات العلمية في معرفة على الأقل نسبة الظاهرة ، بيد أن التطوعية يكون مجالها مقننا ومحدودا لحد كبير.
د.ماجد العيسى
الشق التشريعي
وأوضح «د.عدنان الزهراني» -المستشار الشرعي والقانوني- أن الجانب التشريعي للمنظمات الحقوقية بالسعودية لا تسمح لتلك المنظمات بأن تعطي توصيات ملزمة إنما هي توصيات استشارية لا اقل ولا أكثر وأوضح حتى يكون الوضع على محمل أفضل يفترض أن تكون آراء مثل هذه الجهات لها قدر من الاعتبار بحيث يشعر المسؤولون فيها بأن ما يوصون ويدلون به انه محل عناية واعتبار من الجهات الأخرى، كما أن الاعتماد الصادر لهذه الجهات من قبل المقام السامي جعل لهم الاعتبار الاستشاري وليس الاعتبار أو صفة اكبر من ذلك ويفترض ان تكون لهم صفة اقوى من ذلك، لافتاً إلى شق آخر وهو كيفية وصول حالات العنف إلى مثل هذه الهيئات ولابد لها أن تعقد مؤتمرات ولجان من اجل ابتكار وسائل تسهل لحالات العنف التواصل مع المنظمات الحقوقية في وقت لا يزال العنف الأسري يصعب التواصل مع أفراده بفضل الحصار الذي يفرضه رب الأسرة، وهنا لابد أن نجد حلاً للوصول للمعنف في حالة حصاره.
محمد شاوش
العمل الميداني
وطالب «د.الزهراني» الهيئات الحقوقية أن ترتقي بموقفها من مجرد الاستشارة والرأي إلى ما هو أكثر من ذلك من ناحية الاعتبار، مشددا على أهمية الهيئات الإصلاح التي من مهامها العمل الميداني بحيث تنتقل إلى الموقع وتحاول الصلح ولتكن مرتبطة بالعمد وأئمة المساجد والمستشفيات وذوي الهيئات في القرى وليس على مستوى المدن الكبرى.
وحول الجهات المنوط بها مساندة المنظمات الحقوقية أكد بأن القضاء الشرعي أفضل جهة وهي مؤهله لمثل هذا الأمر، لكن للأسف لدينا ما يسمى القضاء المستعجل وله بنود خاصة في نظام المرافعات لم يفعل، وحينما يذهب صاحب القضية إلى القاضي ويقول له طلب مستعجل يعطيك بعد خمسة شهور الجلسة تكون «خربت القضية».
الازدواجية في الأداء
وأكد «د.ماجد العيسى» -نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني- على أنّ الازدواجية في الأداء والتي تعرضت لها المنظمات الحقوقية كما هو الحال بالنسبة لمؤسسات الحكومية والأهلية الأخرى المعنية بالتصدي للعنف الأسري بين تقديم الخدمات مباشرة للضحايا وأداء دور الحماية الاجتماعية وممارسة التوعية المجتمعية بهدف الوقاية أضعف من قدرتها على أداء دورها الرقابي الذي لا يضطلع به سواها كما هو مؤمل منها.
العشيوان: ماذا يصنع لنا الدور الرقابي في واقع يكشف عن تزايد حالات العنف؟
وحول أفضل الحلول لتجاوز الازدواجية أفاد بأنه لا يعتقد أنه من السهل تجاوز هذه المشكلة، لأن ذلك يستلزم بناء إستراتيجية وطنية للتصدي للعنف في المملكة تتوزع بناء عليها الأدوار بين المؤسسات القائمة حالياً بحسب طبيعة عملها وصلاحياتها وإمكانياتها المادية والبشرية والفنية، مع السعي لتفعيل دور منظمات المجتمع المدني بالرغم من قلتها وضعف مواردها لما تملكه من مرونة في أدائها لا تتوفر في المؤسسات الحكومية.
نهاية مؤلمة للعنف
خلط في الأوراق
وشدد «د.العيسى» على أنّ دور المنظمات الحقوقية ينبغي أن يكون رقابياً ووقائياً فقط، وأن تقتصر الحماية على المؤسسات الحكومية المعنية مباشرة كالصحة والتعليم والأمن والعدل تحت مظلة الشئون الاجتماعية، أما هذا الخلط في الأوراق لا يعود بالنفع على الضحايا ويلقى من خلاله اللوم على المؤسسات والعاملين بها، مضيفاً وربما كان هذا مقبولاً في البداية لحداثة المؤسسات وضبابية دورها والحاجة الماسة من فئة محدودة من أفراد المجتمع لمساعدتهم في حل قضاياهم التي تاهت في أروقة المؤسسات الحكومية ولكن مع نضج التجربة فلابد لكل مؤسسة أن تضطلع بدور محدد وأن يوكل العمل في المجالات الأخرى لجهات مختلفة.
شاوش: من يتولى شؤون المنظمات الحقوقية متحمسون وليسوا متخصصين
إحصاءات دقيقة
وفي شأن الإحصاءات الأخيرة عن حالات العنف أوضح «د.العيسى» بأنه لا يمكن أن توجد إحصاءات دقيقة حول ممارسات العنف الأسري في المجتمع، فالمؤسسات المعنية وإن كانت شرعت في رصد ما يرد إليها من قضايا إلا أنها لا تصدر إحصاءات دورية لهذه القضايا إلا بشكل محدود كما هو الحال في تقارير المنظمات الحقوقية أو السجل الوطني لحالات إيذاء الأطفال المسجلة في القطاع الصحي، وحتى إن وجدت مثل هذه الإحصاءات فهي ليست إحصاءات موحدة بل تتكرر نفس القضايا في عدة جهات وبالتالي فإن الأرقام المطروحة ليست دقيقة بما يكفي ولابد من قراءتها في سياقها حتى تتم الإفادة منها.
آثار ضرب مبرح على جسد طفل
التواصل مع المجتمع
وأشار الى أن منظمات المجتمع المدني هي المؤسسات المجتمعية التي لابد من وجودها لمساندة دور المنظمات الحقوقية، فمنظمات المجتمع المدني لديها تواصل أكبر مع المجتمع ومعرفة باحتياجات أفراده أفضل من المؤسسات الحكومية ويشكل وجودها ومطالباتها ضغطاً ايجابياً ومطلوباً على أي مؤسسة حكومية أو أهلية أسند لها دور ما، حيث إن هذا الضغط يحد من التراخي أو التهاون في الأداء ويرفع مستويات الشفافية ويدعو لتحسين الخدمات المقدمة كماً ونوعاً، وبالتالي فإن المنظمات الحقوقية حول العالم تطالب وبفعالية بتفعيل المجتمع المدني ومؤسساته وهو ما يحدث في المملكة كذلك إلا أن هناك ربما عقبات تحد من تنمية هذه القطاع كما يجب لم يتم تجاوزها حتى الآن، مشيراً إلى أنه يجب أن تكون تدريجية حتى لا تحدث مثل هذه الفجوة خاصة مع الطلب المرتفع على مثل هذه الخدمات وعدم قدرة إدارات الحماية الاجتماعية على سد هذه الفجوة في الوقت الحاضر بسبب حداثة نشأتها وتطلبها موارد بشرية وفنية ومنشآت في مختلف المناطق لأداء مهامها كما ينبغي.
العيسى: حالات العنف التي تصل للوفاة ستستمر في الحدوث من حين لآخر مهما فعلنا
توعية المجتمع
وأوضح «د.العيسى» أنّ العنف الأسري موجود في المجتمعات باختلاف دياناتها وعاداتها وموروثاتها الثقافية ولا يدعي مجتمع قدرته على القضاء عليها تماما، كل ما نفعله هو محاولة الحد منها بفعالية وأداء دورنا في مساندة من تعرضوا لها لضمان عدم تكرار التجربة المؤلمة والعمل على تجاوزها، وبالتالي فإن قضايا العنف الشديدة والتي قد تصل لحد الوفاة ستستمر في الحدوث من حين لآخر مهما فعلنا، ولا يلام في ذلك أحد سوى من يقصر في أداء مهامه في توعية المجتمع بهذه بممارسات العنف الأسري والوقاية منها والعمل على الكشف عنها مبكراً والإبلاغ عنها الاستجابة بفعالية للبلاغ وتوفير الحماية المطلوبة للضحية - قبل أن تصل لمرحلة الإصابة المميتة - سواء كان المقصر فرداً أم مؤسسة من المؤسسات المعنية.
الثقافة الحقوقية
الثقافة الحقوقية لدى أفراد المجتمع السعودي ضعيفة بشكل عام نظراً لحداثة الكثير من الأنظمة المحلية وضعف الاطلاع على المواثيق الدولية بما في ذلك المرتبطة بحقوق الإنسان، وبرأيي أن المنظمات الحقوقية لابد أن تستثمر مصداقيتها وثقة المجتمع فيها لبناء علاقة وثيقة مع الأفراد كما نجحت في ذلك مع المؤسسات ومحاولة تكثيف التوعية بحقوق الإنسان باختيار رسائل توعية ذات أثر عميق يتناسب مع مختلف المكونات الثقافية لمجتمعنا وتساهم كذلك في تعزيز فهم المجتمع لدور هذه المؤسسات.
نشأة المنظمات الحقوقية في المملكة
المنظمات الحقوقية بدأت نشاطاتها داخل السعودية بإنشاء أول جمعية لحقوق الإنسان في التاسع من مارس عام 2004م مرتكزة على عناصر بارزة ولها دورها في مجال حقوق الإنسان على صعيد دولي ولعل الدكتور حمد الماجد ابرز تلك الشخصيات التي ظهرت للإعلام المحلي فيما يقابله من العنصر النسائي الدكتورة سهيلة بن زين العابدين وشكل الحقوقي معتوق الشريف أبرز الشخصيات الظاهرة للإعلام في الأواني الأخيرة جميعهم أدلوا بتصريحات وصفت بالمهمة والمطلوبة.
كما لحقت بها في الثاني عشر من شهر سبتمبر عام 2005 إنشاء أول هيئة لحقوق الإنسان وظلت عناصرها البارزة للإعلام محدودة جدا، بيد أن العمل الحقوقي بدأته كل من الهيئة والجمعية بجولات رقابية داخل السجون والتوقيف داخل مراكز الشرط، وظل عملها في التصدي للعنف وحماية المعنف ضئيلة جدا معولة على دورها الرقابي فقط الذي قوبل بالرفض من قبل مهتمين.
العمل الحقوقي للتصدي للعنف بات أمام تحديات صعبة في ظل العنف الذي شكل ما نسبته 45 % للحد من تلك الحالات التي قد تصل بها في نهاية المطاف الى الوفاة ، ويرى النقاد أهمية إعادة صياغة تلك المنظمات ودورها للمحافظة على وجودها.