جامعاتنا السعودية وغياب دورها التنموي
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 1:20 pm
فاضل احمد العماني
لم يعد التعليم في الدول المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية محل جدل أو خلاف أو تشكيك، فقد أثبتت التجارب والمبادرات المعاصرة التي تبنتها الكثير من دول العالم الأول بأن الخطوة الأولى والاهم للتقدم والتطور والتنمية هي التعليم
بدايةً، أعترف بأنني ترددتُ قليلاً قبل وأثناء كتابة هذا المقال، لأنني وبكل صراحة سئمت من تناول وطرح كل ما هو محبط ومحزن، تماماً كما لو كان الواقع الذي نعيشه في هذا المجتمع "المحافظ" يكاد يخلو من كل مصادر الفرح والأمل.
الجامعة ودورها في تنمية المجتمع، قضية مهمة جداً، ولكنها للأسف الشديد غائبة أو مغيبة عن خطط التنمية الوطنية الحقيقية، سواء الرسمية أو المجتمعية، فالجامعة في فكر وقناعة غالبية المجتمع السعودي ليست سوى مؤسسة تعليمية كبرى، وظيفتها الأساسية والوحيدة التي أنشئت من اجلها هي إكساب طلبتها بعض العلوم والمعارف والآداب والخبرات والتخصصات التي قد تؤهلهم لخوض غمار الحياة العملية، هذا إذا وجِدت فرص وظيفية أصلاً، متأبطين ورقة من السولفان الفخم، هي شهادة ميلاد عملية، قبل أن تكون شهادة جامعية معترفاً بها.
للأسف الشديد، تلك هي النظرة المحدودة التي تحملها الذاكرة والقناعة الجمعية لدور الجامعة، خاصة الجامعة السعودية التي لم تعد تحظى بذلك الوهج والتقدير والإلهام كما كانت سابقاً. لم تستطع الجامعة السعودية، وبعد سنوات طويلة من ظهور التعليم الجامعي أن تُقنع النخب والمثقفين والتنفيذيين بأهميتها كأحد روافد التنمية المجتمعية التي تتطّلع بها الجامعات الغربية، بل والكثير من الجامعات العربية أيضاً. الجامعة السعودية، بكل أسف، لم تستطع ذلك.
والكتابة عن الدور الحقيقي الذي يجب أن تمارسه الجامعة في تنمية مجتمع المعرفة، والذي يُسهم بعد ذلك في صنع وخلق وتوليد صناعة تنموية شاملة ومستدامة تطال كل المجالات والقطاعات والقناعات، سواء التربوية أو التعليمية أو الاجتماعية أو السياسية، أو الاقتصادية أو الثقافية أو التقنية والمعلوماتية، الكتابة عن ذلك الدور المهم والضروري تتطلب مناقشة هادئة وصريحة وشفافة لأهمية التعليم في المجتمعات العالمثالثية، وتحديداً في مجتمعنا السعودي. هل يؤمن المجتمع السعودي، نخباً وأفراداً بأهمية التعليم كركيزة أساسية في تنمية الوطن؟. هل يُدرك المجتمع السعودي بأن جوهر الصراع العالمي الآن، بل منذ عقود، هو صراع في مجال التعليم، لأن الدول تتقدم وتتطور، وتمتلك أسباب القوة عن طريق التعليم، هل يُدرك مجتمعنا ذلك؟
لم يعد التعليم في الدول المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية محل جدل أو خلاف أو تشكيك، فقد أثبتت التجارب والمبادرات المعاصرة التي تبنتها الكثير من دول العالم الأول بأن الخطوة الأولى والاهم للتقدم والتطور والتنمية هي التعليم، وكل تلك التطورات والتحولات والتغيرات الكبيرة التي حدثت في القطاعات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لتلك الدول الكبرى، ما هي إلا نتيجة منطقية لإيمانها الحقيقي بأهمية التعليم بمختلف مراحله ومستوياته، خاصة المرحلة الجامعية التي يُعول عليها الكثير لقطف ثمار مسيرة تربوية وتعليمية تمتد لأكثر من عقد ونصف من عمر الإنسان.
الجامعة في الثقافة الغربية، هي الكيان الأهم الذي يقع عليه الدور الأكبر والمباشر في صناعة العلم والمعرفة والتقنية، لأنها المعقل الحقيقي للفكر الإنساني والحضاري، بل هي بيت الخبرة والتجربة في مختلف العلوم والآداب والفنون، وهي مصدر الإلهام والرمزية والفخر الذي يوكل إليه تطبيق النظريات والتجارب العلمية والمعرفية. الجامعة في الثقافة الغربية هي مصدر التطور والإبداع والنماء، وعلى كافة الصعد، خاصة الإنسان الذي يُعتبر مصدر التنمية الأهم في المجتمع.
تقوم الجامعة الحديثة بالكثير من الأدوار والوظائف باعتبارها المؤسسة العلمية والتربوية الأكثر تطوراً وتأثيراً في حياة المجتمعات، بل أصبحت الجامعة الحديثة من الضروريات الأساسية التي يتطلبها العصر الحديث، بحيث لم تعد مجرد مدرسة كبيرة لتخريج المتخصصين في بعض العلوم والمعارف والآداب، ولكنها تجاوزت ذلك الدور بكثير، فالجامعات العصرية كمصدر للإشعاع الحضاري، وكمنارة للعلم والمعرفة، تمارس دورها الحقيقي في تنمية المجتمع، وتُشارك بفاعلية في إحداث التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية والسياسية، لأنها ليست مجرد مبان وفصول ومناهج دراسية، ولكنها مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع للمساهمة في التطوير والتنمية. وتقوم الجامعة العصرية بعدة وظائف ضرورية، ولكنها تتمحور في مجملها في ثلاث وظائف رئيسية، وهي نقل المعرفة من خلال التعليم، وإنتاج المعرفة من خلال البحث العلمي، وتنمية المجتمع من خلال الشراكة المجتمعية. وهنا، لابد من سؤال غاية في الأهمية: هل تقوم جامعاتنا السعودية بتلك الوظائف الأساسية؟
خلال العقد الماضي فقط، حدث الكثير من القفزات والتطورات في مجال التعليم العالي السعودي، خاصة في قطاع الجامعات، فبعد أن كانت جامعاتنا لا تزيد على ٧ جامعات، أصبحت الآن أكثر من ٣٠ جامعة، هذا إضافة إلى العشرات من الكليات والمعاهد العلمية والتقنية المختلفة. أيضاً، العديد من التغيرات والتطورات طالت الكثير من التفاصيل المتعلقة بالتعليم الجامعي كالمباني والمناهج والرواتب، هذا طبعاً غير الحدث الأهم في مسيرة التعليم الجامعي السعودي، وهو برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي وصل عدد المستفيدين منه لأكثر من ١٤٠ ألف مبتعث ومبتعثة. نعم، حدثت حركة تصحيحية لا بأس بها في جامعاتنا السعودية، ولكنها للأسف الشديد محدودة وشكلية في كثير من جوانبها، ولم تستطع تلك الحركة البسيطة أن تؤثر في جوهر المشكلة الحقيقية المتمثل في غياب جامعاتنا السعودية عن ممارسة دورها الحقيقي للقيام بتلك الوظائف الثلاث الرئيسية التي ذكرتها قبل قليل.
في هذه الأيام، لا حديث في كل وسائل الإعلام المحلية، بل وفي بعض وسائل الإعلام الخارجي، إلا عن التقرير الخطير الذي نشرته مجلة “ Science ” الأمريكية متهمة فيه جامعتين سعوديتين وهما جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز، بدفع مبالغ مالية كبيرة لباحثين عالميين مقابل أن يُضاف اسمي الجامعتين في سجلهم الأكاديمي والبحثي دون انتسابهم الفعلي بالجامعتين، كل ذلك من اجل تقدمهما في التصنيف العالمي للجامعات. وكم كانت هذه العبارة المخجلة التي تصدرت الصفحة الرئيسية لتلك المجلة الأمريكية " Saudi Universities Offer Cash in Exchange for Academic Prestige “ والتي يمكن ترجمتها هكذا، جامعات سعودية تشتري هيبتها الأكاديمية نقداً. لا أعرف إذا كانت تلك الفضيحة المدوية ستُشكل صدمة كبرى بالنسبة لنا أم لا، ولكنها حتماً ستُعيدنا للمربع الأول، مربع التشكيك والارتياب والدهشة وعدم التصديق لكل ما حدث من تطور وتقدم مذهل لجامعاتنا السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية، هذه الجامعات التي كانت تتذيل كل التصنيفات والقوائم العالمية لمستوى التعليم الجامعي، نجدها بقدرة قادر في مراتب متقدمة جداً في اشهر التصنيفات العالمية، كتصنيف "Webometrics” الاسباني، وتصنيف “Shanghai “ الصيني. فهل يُعقل، أن ما بين ٣٠٠٠ آلاف جامعة في تصنيف Webometrics عام ٢٠٠٦م، حلت جامعة الملك سعود في المرتبة "٢٩١٠"، وجامعة الملك عبدالعزيز "٢٧٨٥"، وجامعة الملك فهد "١٦٨١"، أي أن الجامعات الثلاث لم تكن ضمن أفضل ١٥٠٠ جامعة عالمية، ولكنها وبعد خمس سنوات فقط أصبحت في مراكز متقدمة جداً، سواء على المستوى العالمي أو العربي، ففي عام ٢٠٠٩م حققت جامعة الملك سعود المركز الأول عربياً، والمرتبة "١٩٧" عالمياً. السؤال الكبير الذي لا يبحث عن إجابة هنا، لأنها - أي الإجابة - معروفة للقاصي والداني، كيف حدث هذا؟
بغض النظر عن حقيقة هذا التقرير الخطير السيئ الذكر، ألا نتفق جميعاً بأن جامعاتنا السعودية ليست بالمستوى الذي يتناسب مع إمكاناتنا وقدراتنا وطاقاتنا المادية والبشرية. ثم، لماذا هذا الهوس المحموم للحصول على مركز متقدم في تصنيف هنا أو قائمة هناك؟ لماذا كل هذا الاستعراض المفضوح بإنجازات جامعاتنا الوهمية؟ ألا يكفي مسح بسيط وشفاف لغالبية خريجي تلك الجامعات لنكتشف حقيقة كل تلك الادعاءات والتصنيفات؟
كم هو محبط ومحزن المستوى المتدني الذي وصلت إليه جامعاتنا السعودية، رغم كل ذلك الصرف السخي الذي تقدمه الدولة، ورغم كل تلك الميزانيات الضخمة التي تُعتبر الأكبر من بين كل القطاعات، فجامعاتنا للأسف الشديد لا تقوم بدورها الحقيقي، سواء في التعليم أو البحث العلمي أو التنمية، وإنما هي أشبه ب "مكائن" لتفريخ حملة شهادات علمية في مختلف التخصصات، لكنهم في حقيقة الأمر لا يملكون من تلك العلوم والمعارف والآداب إلا ما يسمح لهم بمزاولة وظائف تقليدية روتينية تتكدس فيها أجسادهم المترهلة, بل طموحاتهم وأحلامهم التي أنهكتها البيروقراطية المقيتة، وهم على كل حال من المحظوظين، لان الكثير من زملائهم مازالوا ينتظمون في طابور طويل من العاطلين والباحثين عن وظيفة، أية وظيفة في وطن هو الأكثر ثراء على وجه الأرض ويعمل به أكثر من ٨ ملايين أجنبي.
لم يعد التعليم في الدول المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية محل جدل أو خلاف أو تشكيك، فقد أثبتت التجارب والمبادرات المعاصرة التي تبنتها الكثير من دول العالم الأول بأن الخطوة الأولى والاهم للتقدم والتطور والتنمية هي التعليم
بدايةً، أعترف بأنني ترددتُ قليلاً قبل وأثناء كتابة هذا المقال، لأنني وبكل صراحة سئمت من تناول وطرح كل ما هو محبط ومحزن، تماماً كما لو كان الواقع الذي نعيشه في هذا المجتمع "المحافظ" يكاد يخلو من كل مصادر الفرح والأمل.
الجامعة ودورها في تنمية المجتمع، قضية مهمة جداً، ولكنها للأسف الشديد غائبة أو مغيبة عن خطط التنمية الوطنية الحقيقية، سواء الرسمية أو المجتمعية، فالجامعة في فكر وقناعة غالبية المجتمع السعودي ليست سوى مؤسسة تعليمية كبرى، وظيفتها الأساسية والوحيدة التي أنشئت من اجلها هي إكساب طلبتها بعض العلوم والمعارف والآداب والخبرات والتخصصات التي قد تؤهلهم لخوض غمار الحياة العملية، هذا إذا وجِدت فرص وظيفية أصلاً، متأبطين ورقة من السولفان الفخم، هي شهادة ميلاد عملية، قبل أن تكون شهادة جامعية معترفاً بها.
للأسف الشديد، تلك هي النظرة المحدودة التي تحملها الذاكرة والقناعة الجمعية لدور الجامعة، خاصة الجامعة السعودية التي لم تعد تحظى بذلك الوهج والتقدير والإلهام كما كانت سابقاً. لم تستطع الجامعة السعودية، وبعد سنوات طويلة من ظهور التعليم الجامعي أن تُقنع النخب والمثقفين والتنفيذيين بأهميتها كأحد روافد التنمية المجتمعية التي تتطّلع بها الجامعات الغربية، بل والكثير من الجامعات العربية أيضاً. الجامعة السعودية، بكل أسف، لم تستطع ذلك.
والكتابة عن الدور الحقيقي الذي يجب أن تمارسه الجامعة في تنمية مجتمع المعرفة، والذي يُسهم بعد ذلك في صنع وخلق وتوليد صناعة تنموية شاملة ومستدامة تطال كل المجالات والقطاعات والقناعات، سواء التربوية أو التعليمية أو الاجتماعية أو السياسية، أو الاقتصادية أو الثقافية أو التقنية والمعلوماتية، الكتابة عن ذلك الدور المهم والضروري تتطلب مناقشة هادئة وصريحة وشفافة لأهمية التعليم في المجتمعات العالمثالثية، وتحديداً في مجتمعنا السعودي. هل يؤمن المجتمع السعودي، نخباً وأفراداً بأهمية التعليم كركيزة أساسية في تنمية الوطن؟. هل يُدرك المجتمع السعودي بأن جوهر الصراع العالمي الآن، بل منذ عقود، هو صراع في مجال التعليم، لأن الدول تتقدم وتتطور، وتمتلك أسباب القوة عن طريق التعليم، هل يُدرك مجتمعنا ذلك؟
لم يعد التعليم في الدول المتقدمة، بل وفي بعض الدول النامية محل جدل أو خلاف أو تشكيك، فقد أثبتت التجارب والمبادرات المعاصرة التي تبنتها الكثير من دول العالم الأول بأن الخطوة الأولى والاهم للتقدم والتطور والتنمية هي التعليم، وكل تلك التطورات والتحولات والتغيرات الكبيرة التي حدثت في القطاعات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لتلك الدول الكبرى، ما هي إلا نتيجة منطقية لإيمانها الحقيقي بأهمية التعليم بمختلف مراحله ومستوياته، خاصة المرحلة الجامعية التي يُعول عليها الكثير لقطف ثمار مسيرة تربوية وتعليمية تمتد لأكثر من عقد ونصف من عمر الإنسان.
الجامعة في الثقافة الغربية، هي الكيان الأهم الذي يقع عليه الدور الأكبر والمباشر في صناعة العلم والمعرفة والتقنية، لأنها المعقل الحقيقي للفكر الإنساني والحضاري، بل هي بيت الخبرة والتجربة في مختلف العلوم والآداب والفنون، وهي مصدر الإلهام والرمزية والفخر الذي يوكل إليه تطبيق النظريات والتجارب العلمية والمعرفية. الجامعة في الثقافة الغربية هي مصدر التطور والإبداع والنماء، وعلى كافة الصعد، خاصة الإنسان الذي يُعتبر مصدر التنمية الأهم في المجتمع.
تقوم الجامعة الحديثة بالكثير من الأدوار والوظائف باعتبارها المؤسسة العلمية والتربوية الأكثر تطوراً وتأثيراً في حياة المجتمعات، بل أصبحت الجامعة الحديثة من الضروريات الأساسية التي يتطلبها العصر الحديث، بحيث لم تعد مجرد مدرسة كبيرة لتخريج المتخصصين في بعض العلوم والمعارف والآداب، ولكنها تجاوزت ذلك الدور بكثير، فالجامعات العصرية كمصدر للإشعاع الحضاري، وكمنارة للعلم والمعرفة، تمارس دورها الحقيقي في تنمية المجتمع، وتُشارك بفاعلية في إحداث التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية والسياسية، لأنها ليست مجرد مبان وفصول ومناهج دراسية، ولكنها مؤسسة اجتماعية أنشأها المجتمع للمساهمة في التطوير والتنمية. وتقوم الجامعة العصرية بعدة وظائف ضرورية، ولكنها تتمحور في مجملها في ثلاث وظائف رئيسية، وهي نقل المعرفة من خلال التعليم، وإنتاج المعرفة من خلال البحث العلمي، وتنمية المجتمع من خلال الشراكة المجتمعية. وهنا، لابد من سؤال غاية في الأهمية: هل تقوم جامعاتنا السعودية بتلك الوظائف الأساسية؟
خلال العقد الماضي فقط، حدث الكثير من القفزات والتطورات في مجال التعليم العالي السعودي، خاصة في قطاع الجامعات، فبعد أن كانت جامعاتنا لا تزيد على ٧ جامعات، أصبحت الآن أكثر من ٣٠ جامعة، هذا إضافة إلى العشرات من الكليات والمعاهد العلمية والتقنية المختلفة. أيضاً، العديد من التغيرات والتطورات طالت الكثير من التفاصيل المتعلقة بالتعليم الجامعي كالمباني والمناهج والرواتب، هذا طبعاً غير الحدث الأهم في مسيرة التعليم الجامعي السعودي، وهو برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي وصل عدد المستفيدين منه لأكثر من ١٤٠ ألف مبتعث ومبتعثة. نعم، حدثت حركة تصحيحية لا بأس بها في جامعاتنا السعودية، ولكنها للأسف الشديد محدودة وشكلية في كثير من جوانبها، ولم تستطع تلك الحركة البسيطة أن تؤثر في جوهر المشكلة الحقيقية المتمثل في غياب جامعاتنا السعودية عن ممارسة دورها الحقيقي للقيام بتلك الوظائف الثلاث الرئيسية التي ذكرتها قبل قليل.
في هذه الأيام، لا حديث في كل وسائل الإعلام المحلية، بل وفي بعض وسائل الإعلام الخارجي، إلا عن التقرير الخطير الذي نشرته مجلة “ Science ” الأمريكية متهمة فيه جامعتين سعوديتين وهما جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبدالعزيز، بدفع مبالغ مالية كبيرة لباحثين عالميين مقابل أن يُضاف اسمي الجامعتين في سجلهم الأكاديمي والبحثي دون انتسابهم الفعلي بالجامعتين، كل ذلك من اجل تقدمهما في التصنيف العالمي للجامعات. وكم كانت هذه العبارة المخجلة التي تصدرت الصفحة الرئيسية لتلك المجلة الأمريكية " Saudi Universities Offer Cash in Exchange for Academic Prestige “ والتي يمكن ترجمتها هكذا، جامعات سعودية تشتري هيبتها الأكاديمية نقداً. لا أعرف إذا كانت تلك الفضيحة المدوية ستُشكل صدمة كبرى بالنسبة لنا أم لا، ولكنها حتماً ستُعيدنا للمربع الأول، مربع التشكيك والارتياب والدهشة وعدم التصديق لكل ما حدث من تطور وتقدم مذهل لجامعاتنا السعودية خلال الأعوام القليلة الماضية، هذه الجامعات التي كانت تتذيل كل التصنيفات والقوائم العالمية لمستوى التعليم الجامعي، نجدها بقدرة قادر في مراتب متقدمة جداً في اشهر التصنيفات العالمية، كتصنيف "Webometrics” الاسباني، وتصنيف “Shanghai “ الصيني. فهل يُعقل، أن ما بين ٣٠٠٠ آلاف جامعة في تصنيف Webometrics عام ٢٠٠٦م، حلت جامعة الملك سعود في المرتبة "٢٩١٠"، وجامعة الملك عبدالعزيز "٢٧٨٥"، وجامعة الملك فهد "١٦٨١"، أي أن الجامعات الثلاث لم تكن ضمن أفضل ١٥٠٠ جامعة عالمية، ولكنها وبعد خمس سنوات فقط أصبحت في مراكز متقدمة جداً، سواء على المستوى العالمي أو العربي، ففي عام ٢٠٠٩م حققت جامعة الملك سعود المركز الأول عربياً، والمرتبة "١٩٧" عالمياً. السؤال الكبير الذي لا يبحث عن إجابة هنا، لأنها - أي الإجابة - معروفة للقاصي والداني، كيف حدث هذا؟
بغض النظر عن حقيقة هذا التقرير الخطير السيئ الذكر، ألا نتفق جميعاً بأن جامعاتنا السعودية ليست بالمستوى الذي يتناسب مع إمكاناتنا وقدراتنا وطاقاتنا المادية والبشرية. ثم، لماذا هذا الهوس المحموم للحصول على مركز متقدم في تصنيف هنا أو قائمة هناك؟ لماذا كل هذا الاستعراض المفضوح بإنجازات جامعاتنا الوهمية؟ ألا يكفي مسح بسيط وشفاف لغالبية خريجي تلك الجامعات لنكتشف حقيقة كل تلك الادعاءات والتصنيفات؟
كم هو محبط ومحزن المستوى المتدني الذي وصلت إليه جامعاتنا السعودية، رغم كل ذلك الصرف السخي الذي تقدمه الدولة، ورغم كل تلك الميزانيات الضخمة التي تُعتبر الأكبر من بين كل القطاعات، فجامعاتنا للأسف الشديد لا تقوم بدورها الحقيقي، سواء في التعليم أو البحث العلمي أو التنمية، وإنما هي أشبه ب "مكائن" لتفريخ حملة شهادات علمية في مختلف التخصصات، لكنهم في حقيقة الأمر لا يملكون من تلك العلوم والمعارف والآداب إلا ما يسمح لهم بمزاولة وظائف تقليدية روتينية تتكدس فيها أجسادهم المترهلة, بل طموحاتهم وأحلامهم التي أنهكتها البيروقراطية المقيتة، وهم على كل حال من المحظوظين، لان الكثير من زملائهم مازالوا ينتظمون في طابور طويل من العاطلين والباحثين عن وظيفة، أية وظيفة في وطن هو الأكثر ثراء على وجه الأرض ويعمل به أكثر من ٨ ملايين أجنبي.