منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

By رشيد باكرمان 1 5
#43127
الإلحاد وصف لأي موقف فكري يرفض التصديق بوجود صانع (خالق وفق الفهم الديني) واعي للوجود، أو بوجود "كائنات" مطلقة القدرة (الالهة)، والإلحاد بالمعنى الواسع هو عدم التصديق بوجود هذه الكائنات (الالهة) خارج المخيلة البشرية. لأن شرط العلم (بحسب افلاطون) هو أن يكون المعلوم قضية منطقية صحيحة، مثبتة، ويمكن الاعتقاد بها، ولما كان ادعاء وجود إله، بحسب الملحد، غير مثبت (ادعاء كاذب) فإن التصديق بوجود إله ليس علماً وإنما هو نمط من "الايمان" الشخصي الغير قائم على أدلة وما يـُقدم بلا دليل يمكن رفضه بلا دليل. ومن هذا فإن الإلحاد الصرف هو موقف افتراضي بمعنى أنه ليس ادعاءاً وإنما هو جواب على ادعاء بالرفض. ويعرف الإلحاد من وجهة نظر كثير من الأديان بأنه إنكار للأدلة العلمية والعقلية ونحوهما على وجود صانع واعي للكون والحياة ومستحق للعبادة (الله).
ليست هناك مدرسة فلسفية واحدة تجمع كل الملحدين، فمن الملحدين من ينطوي تحت لواء المدرسة المادية أو الطبيعية والكثير من الملحدين يميلون باتجاه العلمانية والتشكيك خصوصاً فيما يتصل بعالم ما وراء الطبيعة. ويقول بعض الملحدين بأنه ليس هناك عناد بين الإلحاد ودين البوذية لأن البوذيين أو بعضهم يعتنقون البوذية ولكنهم لا يعتقدون بوجود إله.
الإلحاد في اللغة العربیة
يقول معجم لسان العرب: لحَد القبر يلحَدهُ لَحْدًا عمل لهُ لحْدًا. واللحد حفرهُ. والميت دفنهُ. وإلى فلانٍ مال ولحَد في دِين اللَّه لغة في الحد. واللحد حفرهُ. وعن دِين الله وغيرهِ مال وحاد وعدل (عنه) وطعن فيه. والرجل مارَى وجادَلَ. وفي الحَرَم ترك القصد. (نهایة الاقتباس).
اللاربوبية
تم استخدام كلمة (اللاربوبية) كترجمة عربية لكلمة (atheism) في الحملة العلنية لظهور اللاربوبيين (الملحدين) والتي دعا إليها العالم ريتشارد دوكنز إلى جانب كلمة (إلحاد) بين قوسين كمحاولة لإشهار كلمة ثانية لا تحمل معنى سلبيا من حيث اللغة وتعطي المعنى المطلوب المتمثل بعدم الاعتقاد بإله أو آلهة، لكن بالرغم من ذلك فكلمة "إلحاد" هي المستخدمة بصورة شائعة حتى من قبل الملحدين العرب.
تاريخ الإلحاد
في التاريخ العربي هناك أدلة على وجود ملحدين قبل الإسلام باسم آخر وهو الدهريين الذين كانوا يعتقدون بقدم العالم وأن العالم لا أول له ويذكرهم القران بقوله "وقالوا ما هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا الا الدهر وما لهم بذلك من علم ان هم الا يظنون(24)". الجاثية، لذا فقد ألف جمال الدين الأفغاني كتاباً للرد على الملحدين المعاصرين وأسماه "الرد على الدهريين". أما كلمة الإلحاد فكانت تستعمل فقط للأناس الذین كانوا لا یتبعون الدین وأوامره باعتبار الدین منزلاً أو مرسلاً من لدن الإله. وفي الكتب المقدسة نجد ذكراً لأشخاص أو جماعات لا یؤمنون بدین معین أو لا یؤمنون بفكرة یوم الحساب أو كانوا یؤمنون بآلهة على شكل تماثیل (أصنام) كانت غالبا تصنع من الحجارة. وقد وردت كلمة الإلحاد ومشتقاتها في القرآن في المواضع التالیة:
سورة الأعراف: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(180)
سورة النحل: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (103)
سورة فصلت: إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير (40)
الكلمات الآنفة الذكر في القرآن لا تأتي بمعنى الإلحاد بالمفهوم الحالي المتعارف علیه. فهنا تأتي بمعان مختلفة وأهمها الشك في شيء والميل عنه. وكذلك الشخصیات المذکورة في القرآن من الذین كانوا لا یؤمنون برسالة محمد كانوا شخصیات غیر ملحدة (بالمفهوم الحالي) بل کانوا یؤمنون بتعدد الآلهة "مشركون" فبالرغم من اعتقادهم بوجود الإله الأوحد فإنهم كانوا في نفس الوقت یؤمنون بأن التماثیل التي كانوا یعبدونها باستطاعتها الشفاعة لهم عند الإله الأعظم. سورة العنكبوت: ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون (61) ويبدو أن فكرة إنكار وجود الخالق من الأساس كانت فكرة مستبعدة تماماً ولم تلق قبولاً شعبياً في كل العصور، إذ يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك: "لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدا مدن بلا معابد".
اللادينية وعلاقتها بالإلحاد
اللادينية تيار غني بالرؤى حول وجود الإله أو عدمه وهو بذلك أعم من الإلحاد الذي ينفي وجود الإله، ولكل لاديني فهمه الخاص للدين والإنسان والإله ولكن هذا لا يعني غموض مفهوم اللادينية، إذ مهما تعددت الرؤى والتصورات يبقى للادينية مفهوم فكري عام يميزها عن باقي الاتجاهات الفكرية وهذا المفهوم الفكري العام یتمركز في أنهم جمیعا یعتقدون أن الأدیان الحالیة هي من صنع البشر ولیس من الخالق المفترض. يُقسم البعض اللادينية لثلاثة فروع 1) الملحدون (أي أن الإلحاد فرع للادينية) : وهم الذين ينكرون وجود الإله جملة وتفصيلاً 2) اللاأدريه : وهم الذين لايعلمون هل يوجد إله أم لا 3) الربوبيون : وهم الذين يعتقدون بوجود الإله الخالق، في الوقت الذي لايرون أهمية للأديان
أسباب الإلحاد
يعلل الملحدون رؤاهم إلى أسباب فلسفية نابعة من التحليل المنطقي والاستنتاج العلمي، حيث يشير كثير من الملحدين إلى النقاط أدناه
• عدم وجود أي أدلة أو براهين موضوعية على وجود إله ويرون أن وجود إله متصف بصفات الكمال منذ الأزل هو أكثر صعوبة وأقل احتمالا من نشوء الكون والحياة لأنهما لا يتصفان بصفات الكمال، بمعنى أن افتراض وجود إله حسب رأي الملحدين يستبدل معضلة وجود الكون بمعضلة أكبر وهي كيفية وجود الإله الكامل منذ الأزل، وبالتالي لا بد أن التعقيد قد نشأ من حالة بسيطة، كتفسير تنوع وتعقيد الكائنات الحية كما تشرحه نظرية التطور عن طريق الانتخاب الطبيعي.
• فكرة الشر أو الشيطان في النصوص الدينية: يرى بعض الملحدين (أبيقور مثلا) أن الجمع بين صفتي القدرة المطلقة والعلم المطلق يتعارض مع صفة العدل المطلق للإله وذلك لوجود الشر في العالم.[11] ولا ترى المذاهب الإسلامية السائدة تعارضا بين وجود الشر ووجود إله عليم وقدير وعادل بينما تذهب المعتزلة إلى نفي خلق الله لأفعال العباد لأجل تنزيه الإله عن فعل الشر لكن ذلك لا يرد على الشر الناتج عن الحوادث الطبيعية التي لا دخل للإنسان فيها كالزلازل مثلا.
• عدم وجود دليل علمي على فرضية الخلق من العدم، حيث تقول إحدى النظريات حسب قانون بقاء المادة أن المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم بل يمكن فقط أن تتحول إلى طاقة بعلاقة تعبر عنها معادلة تكافؤ المادة والطاقة، والطاقة بدورها محفوظة بقانون بقاء الطاقة، بمعنى أن المادة هي صورة من صور الطاقة وهما لا يفنيان ولا يستحدثان من العدم.
• وجود ما يعتبرونه أخطاءً في تصميم الطبيعة مثل أخطاء في تصميم العين والزائدة الدودية والأجنحة التي لا تنفع للطيران وامور أخرى عديدة
• وتدخل أسباب اللادينية ضمن أسباب الإلحاد لأن كل الملحدين لادينيون نسبة إلى الأديان الإبراهيمية (لكن العكس غير صحيح فالربوبي يؤمن بإله دون دين).
أنواع الإلحاد
بسبب التعريف الغير واضح المعالم لمصطلح الإلحاد ووجود تيارات عديدة تحمل فكرة الإلحاد، نشأت محاولات لرسم حدود واضحة عن معنى الإلحاد الحقيقي وأدت هذه المحاولات بدورها إلى تفريعات وتقسيمات ثانوية لمصطلح الإلحاد، وتبرز المشكلة إن كلمة الإلحاد هي ترجمة لكلمة إغريقية وهي atheos وكانت هذه الكلمة مستعملة من قبل اليونانيون القدماء بمعنى ضيق وهو "عدم الإيمان بإله" وفي القرن الخامس قبل الميلاد تم إضافة معنى آخر لكلمة إلحاد وهو "إنكار فكرة الإله الأعظم الخالق" كل هذه التعقيدات أدت إلى محاولات لتوضيح الصورة ونتجت بعض التصنيفات للإلحاد ومن أبرزها:
• إلحاد قوي أو إلحاد موجب وهو نفي وجود إله
• إلحاد ضعيف أو إلحاد سالب وهو عدم الاعتقاد بوجود إله
الفرق بين الملحد الموجب والسالب هو ان الملحد الموجب ينفي وجود الله وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك, بينما الملحد السالب يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظرا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون
هذأن التعريفين كانا نتاج سنين طويلة من الجدل بين الملحدين أنفسهم، ففي عام 1965 كتب الفيلسوف الأمريكي من أصل تشيكي أيرنست نيجل (1901 - 1985) "إن عدم الإيمان ليس إلحادا فالطفل الحديث الولادة لايؤمن لأنه ليس قادرا على الإدراك وعليه يجب توفر شرط عدم الاعتقاد بوجود فكرة الإله". في عام 1979 قام الكاتب جورج سمث بإضافة شرط آخر إلى الملحد القوي ألا وهو الإلحاد نتيجة التحليل والبحث الموضوعي فحسب سمث الملحد القوي هو شخص يعتبر فكرة الإله فكرة غير منطقية وغير موضوعية وهو إما مستعد للحوار أو وصل إلى قناعة في اختياره ويعتبر النقاش في هذا الموضوع نقاشا غير ذكي، ولكن البحث والتقصي يكشف لنا أن معظم المفكرين والعلماء الذين أعلنوا الإلحاد لم يتمتعوا بهذه الصفة، إذ يقول موريس بلوندل: "ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة".
وأوضح سمث إن هناك فرقا بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية والملحد الحقيقي الذي واستنادا إلى سمث يجب أن يكون غرضه الرئيسي هو الموضوعية والبحث العلمي وليس التشكيك أو مهاجمة أو إظهار عدم الاحترام للدين
ولكن وبالرغم من هذه التوضيحات بقيت مسألة عالقة في غاية الأهمية لم تحسم لحد هذا اليوم وهو التطبيق العملي على أرض الواقع والحياة العملية لفكرة الإلحاد، فالأديان تشجع الإنسان على إتباعها لما يجده فيها من التزام أخلاقي مريح، بل إنها أيضا تقدم له حلولا عقلية مريحة أيضا للقضايا الفلسفية الكبرى حول الوجود والغاية من الحياة، وقد يلتقي الملحد الحقيقي مع المؤمن بدين معين في فكرة احترام وجهة نظر المقابل وعدم استصغار أو تحقير أية فكرة إذا كانت الفكرة مبعث طمأنينة لشخص ما وتجعله شخصا بناءا في المجتمع. فبعض الملحدين لديهم فکر حضاري قائم على مباديء حقوق الإنسان، بالرغم من أن بعضهم أيضاً يبدي سلوكاً متطرفاً تجاه المؤمنين.[من صاحب هذا الرأي؟]

بدايات الإلحاد
استنادا إلى كارين أرمسترونغ في كتابها "تاريخ الخالق الأعظم"[20] فإنه ومنذ نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن التاسع عشر ومع التطور العلمي والتكنلوجي الذي شهده الغرب بدأت بوادر تيارات أعلنت أستقلالها عن فكرة وجود الخالق الأعظم. هذا العصر كان عصر كارل ماركس وتشارلز داروين وفريدريك نيتشه وسيغموند فرويد الذين بدؤوا بتحليل الظواهر العلمية والنفسية والأقتصادية والاجتماعية بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم أي دور فيها. ساهم في هذه الحركة الموقف الهش للديانة المسيحية في القرون الوسطى وماتلاها نتيجة للحروب والجرائم والانتهاكات التي تمت في أوروبا بإسم الدين نتيجة تعامل الكنيسة الكاثوليكية بما اعتبرته هرطقة أو خروجا عن مبادئ الكنيسة حيث قامت الكنيسة بتشكيل لجنة خاصة لمحاربة الهرطقة في عام 1184 م وكانت هذه اللجنة نشيطة في العديد من الدول الأوروبية[21]، وقامت هذه اللجنة بشن الحرب على أتباع المعتقد الوثنى في غرب أوروبا، والوثنية هي اعتقاد بأن هناك قوتين أو خالقين يسيطران على الكون يمثل أحدهما الخير والآخر الشر. استمرت هذه الحملة من 1209 إلى 1229 وشملت أساليبهم حرق المهرطقين وهم أحياء وكانت الأساليب الأخرى المستعملة متطرفة وشديدة حتى بالنسبة لمقاييس القرون الوسطى. وكانت بناءا على مرسوم من الناطق بإسم البابا قيصر هيسترباخ Caesar of Heisterbach الذي قال «اذبحوهم كلهم» واستمرت هذه الحملة لسنوات وشملت أكثر من 10 مدن في فرنسا. وتلت هذه الحادثة خسائر بشرية كبيرة و التي وقعت أثناء الحملات الصليبية. ولم يقف الأمر عند العلماء فحتى الأدباء أعلنوا وفاة فكرة الدين والخالق، ومن أبرز الشعراء في هذه الفترة هو وليم بليك (1757 - 1827) William Blake حيث قال في قصائده أن الدين أبعد الأنسان من إنسانيته بفرضه قوانين تعارض طبيعة البشر من ناحية الحرية والسعادة ، وأن الدين جعل الأنسان يفقد حريته واعتماده على نفسه في تغير واقعه
وبدأت تدريجيا وخاصة على يد الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1788 - 1860) بروز فكرة أن "الدين هو من صنيعة البشر ابتكروها لتفسير ماهو مجهول لديهم من ظواهر طبيعية أو نفسية أو اجتماعية وكان الغرض منه تنظيم حياة مجموعة من الناس حسب مايراه مؤسس الدين مناسبا وليس حسب الحاجات الحقيقية للناس الذين عن جهل قرروا بالالتزام بمجموعة من القيم البالية وأنه من المستحيل أن تكون كل هذه الديانات من مصدر واحد فالإله الذي أنزل 12 مصيبة على المصريين القدماء وقتل كل مولود أول ليخرج اليهود من أرض مصر هو ليس نفس الإله الذي ينصحك بأن تعطي خدك الآخر ليتعرض للصفع دون أن تعمل شيئا". وتزامنت هذه الأفكار مع أبحاث تشارلز داروين الذي كان مناقضا تماما لنظرية نشوء الكون في الكتاب المقدس وأعلن فريدريك نيتشه من جانبه موت الخالق الأعظم وقال أن الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة إذ أنه لم يفهم فكرة التكليف التي يقول بها الدين وهي أن يعطيك الخالق مجموعة من الغرائز والتطلعات وفي نفس الوقت يصدر تعاليم بحرمانك منها في الحياة ليعطيك إياها مرة أخرى بعد الموت خصوصا وأن رجال الدين في أوروبا آنذاك كانوا يميلون إلى الرهبانية والانقطاع عن الدنيا وهكذا أخذت أفكار الملحدين في هذه المرحلة منحنى النفور من الدين لتناقض العقل مع تصرفات وتعاليم الكنيسة.
اعتبر كارل ماركس الدين أفيون الشعوب يجعل الشعب كسولا وغير مؤمنا بقدراته في تغيير الواقع وأن الدين تم استغلاله من قبل الطبقة البورجوازية لسحق طبقة البسطاء[27]، أما سيغموند فرويد فقد قال أن الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة إليه في بداياتها وأن فكرة وجود الإله هو محاولة من اللاوعي لوصول إلى الكمال في شخص مثل أعلى بديل لشخصية الأب، إذ أن الأنسان في طفولته حسب اعتقاد فرويد ينظر إلى والده كشخص متكامل وخارق ولكن بعد فترة يدرك أنه لا وجود للكمال فيحاول اللاوعي إيجاد حل لهذه الأزمة بخلق صورة وهمية لشيئ إسمه الكمال.
كل هذه الأفكار وبصورة تدريجية ومع التغيرات السياسية التي شهدتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية وبريطانيا بعد عزل الملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688 وتنصيب الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية من إنكلترا على العرش كان الاتجاه السائد في أوروبا هو نحو فصل السياسة عن الدين وإلغاء العديد من القيود على التعامل والتعبير التي كانت مفروضة من السلطات السابقة التي كانت تأخذ شرعيتها من رجالات الكنيسة. وعندما بدأ الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي حيث تحولت الجزائر إلى مستعمرة فرنسية عام 1830 وتحولت اليمن في عام 1882 إلى مستعمرة بريطانية وبين بريطانيا وفرنسا تحولت هذه الدول إلى مستعمرات مصر، تونس، سودان، ليبيا، مغرب، وهنا بدأ احتكاك جديد لأول مرة بين قوى متطورة من الناحية العلمية والتكنلوجية ولا تعترف بأي دور للدين في السياسة وبين مسلمين أدركوا أن ركب التقدم قد فاتهم ولكنهم في قرارة أنفسهم كانوا لايزالون يؤمنون بأنهم "خير أمة أخرجت للناس" وان "الدين عند الله الإسلام" فظهر في الطريق خياران لا ثالث لهما أما اللحاق بالتقدم الغربي من خلال التقليد والمحاكاة والعلاقات الجيدة، أو القناعة بأن ما آل إليه حال المسلمين من خضوع يكمن سببه في الابتعاد عن أصول الدين الإسلامي. فاختار البعض طريق التأثر بالغرب والعلمانية، واختار البعض الآخر التمسك بالإسلام سواءا بالتعلق بالمذهب السلفي أو التجديد ولايزال هذا الأنقسام موجودا إلى يومنا هذا.[من صاحب هذا الرأي؟]

الإلحاد في العالم الإسلامي
واجهت فكرة الإلحاد جدارا صعب الاختراق في بداية انتشار الفكرة أثناء الإستعمار الأوروبي لعدد من الدول الإسلامية. ويعتقد معظم المستشرقين والمؤرخين إن الأسباب التالية لعبت دورا مهما في صعوبة انتشار فكرة الإلحاد الحقيقي في العالم الإسلامي حتى يومنا هذا
• قلة أعداد العلماء وضعف المستوى التعليمي في العالم العربي والإسلامي بشكل عام, حيث أشارت دراسة نُشرت في مجلة Nature أن الغالبية العظمى من العلماء والعباقرة ملحدون, وأن نسبة التدين انخفضت بين العلماء من 27% عام 1914 إلى 7% عام 1998.
• طبيعة المجتمع الشرقي الذي هو عبارة عن مجتمع جماعي بعكس المجتمع الأوروبي الذي يتغلب عليه صفة الإنفرادية فالإنسان الشرقي ينتمي لمجتمعه وأي قرار يتخذه يجب أن يراعي فيه مصلحة مجموعة أخرى محيطة به قبل مصلحته أو قناعته الشخصية فالإنسان الغربي لديه القدرة على إعلان الإلحاد كقرار فردي بعكس الإنسان الشرقي الذي سيصبح معزولا عن أقرب المقربين إليه إذا أعلن الإلحاد.
بعد إسقاط الإمبراطورية العثمانية حاول مصطفى كمال أتاتورك (1881 - 1938) بناء دولة علمانية وإلحاق تركيا بالمجتمع الأوروبي فقام بإغلاق جميع المدارس الإسلامية وشملت المحاولة منع ارتداء العمامة أو رموز أخرى فيها إشارة إلى الدين. في إيران تأثر الشاه رضا خان الذي حكم من 1925 إلى 1941 بمبادرة أتاتورك فقام بمنع الحجاب وأجبر رجال الدين على حلق لحاهم وقام بمنع مواكب العزاء أثناء عاشوراء ولكن هذه المحاولات لكونها مفاجئة وقهرية ومعارضة للإسلام الذي ظل منتشراً لأكثر من ألف عام كانت لها نتائج عكسية، أما فكرة الإلحاد التي انتشرت في أوروبا فقد كانت موجهة ضد تدخل الكنيسة الكاثوليكية في السياسة والعلم، ولم تكن لها نظرة شمولية عن الأديان الأخرى.
أدى استعمال القوة في فرض الأفكار العلمانية في إيران وتركيا إلى نتائج عكسية وتولد نواة حركات معادية لهذه المحاولات واستقطبت مدينة قم في إيران كل الحركات المعادية لحكومة طهران ومن الجدير بالذكر أن قم كانت لا تزال تمتلك نفوذا كبيرا على صنع القرار السياسي ومن الأمثلة المشهورة على ذلك كانت الفتوى التي صدرت في إيران عام 1891 وفيها أفتى محمد حسن شيرازي الإيرانيين بمقاطعة تدخين التبغ وحدثت بالفعل مقاطعة واسعة النطاق لمدة شهرين حيث اضطر الشاه على أثرها لإلغاء عقود تجارية ضخمة مع عدد من الدول الأوروبية حيث كان الشاه في ذلك الوقت يحاول الانفتاح على الغرب
من أحد أسباب عدم نجاح الفكر الإلحادي والعلماني في اختراق المجتمع الإسلامي ظهور الحركات الإسلامية التجديدية والتي حاول أصحابها إعادة إحياء الروح الإسلامية بين المسلمين بعد قرون من الانحطاط، فمن أفغانستان ظهر جمال الدين الأفغاني (1838 - 1887) ومن مصر ظهر محمد عبده (1849 - 1905) وفي الهند ظهر محمد إقبال (1877 - 1938) وشهد القرن العشرين صراعا فكريا بين الفكر الإسلامي وأفكار أخرى مثل الشيوعية والقومية العربية وعانى فيه الإسلاميون من القمع السياسي الشديد، ومن الملاحظ أنه حتى الشيوعيين والقوميين لم يجعلوا من الإلحاد مرتكزا فكانت هناك ظاهرة غريبة بين بعض الشيوعيين حيث كان البعض منهم يتشبث بالإسلام كعقيدة دينية إلى جانب اقتناعه بالشيوعية كمذهب اقتصادي.[من صاحب هذا الرأي؟]