بين الدولة الرأس والدولة الجسم
مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 4:57 pm
أعيد الآن قراءة كتاب بالغ الأهمية، وهو فى عنوان «توسع بلا غزو: الدولة الافتراضية فى الامتداد للخارج»، المؤلف هو ريتشارد روزكرانس، والترجمة لعدلى برسوم، والناشر مركز الأهرام للترجمة والنشر. وأنا ما إن انتهيت من قراءته حتى تملكنى الإحساس بأنه موجه فى جانب من جوانبه إلى دحض تلك الذريعة التى نرددها تبريراً لمشاكلنا الاقتصادية، أعنى الشائعة التى تقول إن تزايدنا السكانى هو العقبة الكبرى فى تدنى مستويات التنمية فى هذا الوطن. وكثرة الناس، بالطبع، ممكن أن تتحول إلى عقبة أمام التنمية، ولكن فى حال تعاملنا معهم باعتبارهم أشياء وليسوا بشراً. سواء فعلنا ذلك بوعى أو من دون وعى. يخبرنا الكتاب هذا بأن العالم الآن صار شراكة بين ما يسميه الدولة «الرأس»، والدولة «الجسم».. فما معنى هذا الكلام؟
قبل سنوات غير بعيدة، كانت قوة الدولة المادية تتمثل فى نموها القومى. الآن، أصبحت منتجات العقل تأتى فى المقدمة، وأصبح فى وسع الدول أن تنقل معظم إنتاجها المادى إلى مواقع تبعد عنها آلاف الأميال، بينما تصب اهتمامها داخل أراضيها على البحث والتطوير وتصميم المنتجات. وثمرة لذلك قامت شراكة إنتاجية جديدة بين الأمم «الرأس» التى تصمم المنتجات، والأمم «الجسم» التى تقوم بتصنيعها. وإذا تشابه ذلك مع ما كان من سيطرة إقليمية فإن الأمر مع هذه العلاقة الجديدة يختلف، حيث إن بعضاً من دول «الجسم» سرعان ما تعمل على أن تهيئ لنفسها وضعاً يمكنها من أن تصبح دولة «رأس» مثلما فعلت كوريا الجنوبية. كما تستطيع بعض دول الجسم إثارة المنافسة بين دول «الرأس» لكى تفوز بقدراتها التصنيعية، وذلك ما تفعله الصين الدولة «الجسم» الأولى فى العالم والتى تفوز بامتيازات من دول «رأس» مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة. هكذا نشأت ظاهرة «الدولة الافتراضية». أى التى تقوم بنقل إنتاجها ليستقر خارج أراضيها وتستقر هى على منتجات العقل. لأن عائد الأعمال الذهنية أكبر بكثير من عائد الصناعة التحويلية. وتبشر هذه «الدولة الافتراضية» بقيام عالم مؤسس على التعليم ورأس المال البشرى أكثر مما هو مؤسس على الآلات ورأس المال المادى. إنها تركز جهودها فى الداخل على الخدمات عالية المستوى: البحث والتطوير وتصميم المنتجات والتمويل والتسويق والنقل. وإذا كانت الجيوش شكلت صورة التدفقات سابقاً فإن التدفقات صارت اقتصادية والانخراط فى السوق العالمية صار أفضل من اكتساب الأراضى. إنه عالم صارت فيه الأرض أقل أهمية من أناس متعلمين، وأقل شأناً من التوسع الإقليمى. تتحول المنافسة إذن بين الدول إلى تدريب. فاليابان التى حققت معجزتها الاقتصادية بقليل من الفحم ومن دون حديد أو نفط وباستثناء الأرز تستورد معظم حاجاتها من الطعام. لكن اليابان بالغة الثراء برأسمالها من البشر. صحيح أن دولاً أقل شأناً تطلعت أو تتطلع إلى التوسع الإقليمى مثلما حدث فى حالة الصربى ميلوسيفتش أو العراقى صدام حسين أو التنافس بين الهند وباكستان للسيطرة على شعب كشمير (لا يذكر المؤلف إسرائيل فى سياق الحديث عن التوسع الإقليمى ولا الولايات المتحدة فى مسألة غزوها للعراق) إلا أنه يرى أن الأمثلة التى أوردها تنتمى كلها إلى الماضى. تلفت حولك إذن.
هذه دول «الرأس»، وتلك دول «الجسم»، وليس عاطلاً سوى الذيول.
وفى ظل هذه الأحوال المستجدة لا يبقى علينا إلا أن نؤمن بالناس وندرك أنهم ثروتنا الحقيقية، وأن نحسن وفادتهم فى أوطان يمتلكونها.
قبل سنوات غير بعيدة، كانت قوة الدولة المادية تتمثل فى نموها القومى. الآن، أصبحت منتجات العقل تأتى فى المقدمة، وأصبح فى وسع الدول أن تنقل معظم إنتاجها المادى إلى مواقع تبعد عنها آلاف الأميال، بينما تصب اهتمامها داخل أراضيها على البحث والتطوير وتصميم المنتجات. وثمرة لذلك قامت شراكة إنتاجية جديدة بين الأمم «الرأس» التى تصمم المنتجات، والأمم «الجسم» التى تقوم بتصنيعها. وإذا تشابه ذلك مع ما كان من سيطرة إقليمية فإن الأمر مع هذه العلاقة الجديدة يختلف، حيث إن بعضاً من دول «الجسم» سرعان ما تعمل على أن تهيئ لنفسها وضعاً يمكنها من أن تصبح دولة «رأس» مثلما فعلت كوريا الجنوبية. كما تستطيع بعض دول الجسم إثارة المنافسة بين دول «الرأس» لكى تفوز بقدراتها التصنيعية، وذلك ما تفعله الصين الدولة «الجسم» الأولى فى العالم والتى تفوز بامتيازات من دول «رأس» مثل اليابان وألمانيا والولايات المتحدة. هكذا نشأت ظاهرة «الدولة الافتراضية». أى التى تقوم بنقل إنتاجها ليستقر خارج أراضيها وتستقر هى على منتجات العقل. لأن عائد الأعمال الذهنية أكبر بكثير من عائد الصناعة التحويلية. وتبشر هذه «الدولة الافتراضية» بقيام عالم مؤسس على التعليم ورأس المال البشرى أكثر مما هو مؤسس على الآلات ورأس المال المادى. إنها تركز جهودها فى الداخل على الخدمات عالية المستوى: البحث والتطوير وتصميم المنتجات والتمويل والتسويق والنقل. وإذا كانت الجيوش شكلت صورة التدفقات سابقاً فإن التدفقات صارت اقتصادية والانخراط فى السوق العالمية صار أفضل من اكتساب الأراضى. إنه عالم صارت فيه الأرض أقل أهمية من أناس متعلمين، وأقل شأناً من التوسع الإقليمى. تتحول المنافسة إذن بين الدول إلى تدريب. فاليابان التى حققت معجزتها الاقتصادية بقليل من الفحم ومن دون حديد أو نفط وباستثناء الأرز تستورد معظم حاجاتها من الطعام. لكن اليابان بالغة الثراء برأسمالها من البشر. صحيح أن دولاً أقل شأناً تطلعت أو تتطلع إلى التوسع الإقليمى مثلما حدث فى حالة الصربى ميلوسيفتش أو العراقى صدام حسين أو التنافس بين الهند وباكستان للسيطرة على شعب كشمير (لا يذكر المؤلف إسرائيل فى سياق الحديث عن التوسع الإقليمى ولا الولايات المتحدة فى مسألة غزوها للعراق) إلا أنه يرى أن الأمثلة التى أوردها تنتمى كلها إلى الماضى. تلفت حولك إذن.
هذه دول «الرأس»، وتلك دول «الجسم»، وليس عاطلاً سوى الذيول.
وفى ظل هذه الأحوال المستجدة لا يبقى علينا إلا أن نؤمن بالناس وندرك أنهم ثروتنا الحقيقية، وأن نحسن وفادتهم فى أوطان يمتلكونها.