صفحة 1 من 1

نشأة الجغرافيا السياسية

مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 5:58 pm
بواسطة فارس المحارب 4
ترجع نشأة الجغرافيا السياسية لبداية القرن الماضي (ق 20) إلى أن له جذور قديمة تنقسم خلال أكثر من 2000 عام لثلاث مراحل:-
· مرحلة الحتم الجغرافي وأثره على العلاقات السياسية.
· مرحلة الدولة ككائن حي و الجيوبولتيكا
· مرحلة دراسة الوحدات (المناطق) السياسية

المرحلة الأولى : الجغرافية السياسية في ظل الحتم الجغرافي :
ومن أعلام المرحلة أرسطو وأفلاطون واسترابون في العصورالوسطى والحديثة ، فقد تناول أرسطو في كتابه عن السياسة فكرة الدولة المثالية ، حيث أوضح أن أهم عنصرين في هذه الدولة هما السكان وموارد الثروة ، وأن العلاقة بين الاثنتين هي التي تحدد قوة الدولة كما تحدث عن عاصمة الدولة وضرورة أن تجمع بين الحصانة والدفاع من ناحية ، وخدمة إقليمها من ناحية أخرى ، وعالج أرسطو قوة الدولة العسكرية ، وكافة وظائف الدولة ، كما اهتم بالحدود السياسية.
وقد سيطر الحتم الجغرافي على أفكار الجغرافية السياسية خلال تلك المرحلة، حيث كان يتم تفسير الظاهرات الجغرافية السياسية بظاهرات طبيعية ، فقد كانت كتابات أرسطو حتمية ، ركز فيها على حتمية تأثير الموقع الجغرافي والفلكي وما يرتبط بهما من ظروف مناخية تؤثر في السلوك السياسي للإنسان ، وتشابهت أفكار أفلاطون مع أرسطو ، أما إسترابون فقد حدد بقاء الدولة الإمبراطورية بوجود حكومة مركزية قوية وحاكم قوي.
أما عبد الرحمن بن خلدون الذي قال عنه الأوربيون أنه أول مكتشف بطبيعة البحث الجغرافي وميدانه فلم يتسم نهجه في الجغرافيا السياسية بالحتم الصارم ، وقد أضاف الكثير إلى الفكر الجغرافي السياسي في مقدمته الشهيرة ، ويعتبر هو
واضع الإطار العام الذي عرف من بعده بدورة حياة الدولة ، وتحدث بن خلدون عن عوامل قيام الدولة وهرمها وسقوطها

وفي أعقاب عصر النهضة انتعشت الدراسات الجغرافي السياسية في أوربا ، ويمكن أن نلمح ذلك في كتابات بودين ومونتسيكيه ، وقد اتسمت كتاباتهما بالحتمية البيئية ، حيث ذكر بودين أن الظروف المناخية والطبوغرافية للدولة هي التي تحدد ملامح شخصيتها القومية ، والتي تؤثر بدورها في التركيب السياسي للدولة ، أما مونتسكيه فقد اعتقد وجود علاقة سببية وثيقة بين المناخ والحرية السياسية والعبودية ، واقترح نموذجا جغرافيا سياسيا حتميا مؤداه أن الديموقراطية و الحرية تتزايد بالبعد عن خط الاستواء كنتيجة طبيعية لانخفاض درجة الحرارة بالبعد عنه ، وعليه فإن المناخات الدفيئة هي قرينة الحكم الاستبدادي والمناخات الباردة هي قرينة الحرية والعدل ، ولم يختلف رايتر عن سابقيه ، حيث أشار إلى العلاقة بين الحضارة وظروف البيئة الطبيعية.
المرحلة الثانية : هيمنة الفكر الجيوبولوتيكي :
لا يعتبر فردريك راتزل هو رائد هذه المرحلة فحسب ، بل إنه المؤسس الحقيقي للجغرافية السياسية الحديثة وهو أول من أطلق عليها هذا الاسم ، وقد شبه راتزل الدولة بالكائن الحي ، وأوضح أن الدولة إما أنت تنمو أو تضمحل وتموت لأنها لا تستطيع أن تبقى ساكنة ، وقد تأثر راتزل في ذلك بمبدأ دارون في الانتخاب الطبيعي والبقاء للأقوى ، وظهور مدرسة الداروينية الاجتماعية SocialDarwinism التي أكدت على التشابه بين المجتمعات البشرية والكائنات الحيوانية ، كما تأثر كذلك بالحتم الذي سيطر على المدرسة الألمانية خلال القرن 19 ، وتنو الدولة من وجهة نظر راتزل بالاستيلاء على مساحات جديدة من أراضي الغير ، وهو ما يعرف بمبدأ التوسع الإقليمي ، وعلى الدولة
أن تقوم في أعقاب الاستيلاء على المساحات المضافة من أراضي الدول المجاورة ، بدفع سكانها إلى هذه المناطق لإحكام سيطرتها عليها ودمجها في نسيج الدولة تمهيدا لبدء دورة توسعية جديدة.
وبناء على ما سبق فإن حدود الدولة قابلة للزحزحة والحركة من مكانها ، فهي كجلد الكائن الحي ، الذي يتمدد بنموه ، وينكمش باضمحلاله ، وتظل الدولة تتوسع حتى تصل إلى حدودها الطبيعية ، وأن الدولة تظل تتمدد طالما لا تواجه مقاومة خارجية.
ورأى راتزل أن توسع الدولة يأتي عن طريق التوسع الديني والنشاط التبشيري والتجاري والسياسي والعسكري ، وهو يرى أن للتوسع التجاري الأثر الأعظم في توسع الدولة ، وأنه يسبق التوسع السياسي ، أي أن العلم يرفرف سياسيا بعد التوسع التجاري ، وكل طريق تجاري يمهد لنفوذ سياسي لاحق.
ويلاحظ أن الجغرافية السياسية على يد راتزل حتمية أيضا ، فقد آمن راتزل بحتمية الصراع من ناحية ، كما جزم بأن موقع الدولة ومساحتها ومناخها والتضاريس والغطاء النباتي والتربة لها جميعا تأثيرا كبيرا على الحياة السياسية للدولة ، هذا على الرغم من أنه عاصر الثورة الصناعية التي غيرت نظرت الإنسان إلى علاقته ببيئته الطبيعية تغييرا جوهريا.
وقد أرسى راتزل المفهوم الجيوبولوتيكي الألماني المعروف باسم المجال الحيوي ، والذي عرفه بأنه المنطقة الجغرافية التي تنمو فيها بوصفها كائنا حيا.
المرحلة الثالثة : دراسة الوحدات السياسية :
ظلت الجغرافية السياسية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن 20 تعرف على أنها علم يدرس العلاقة بين الأنشطة السياسية للإنسان وتنظيماته من ناحية والبيئة الطبيعية من ناحية أخرى ، تلك العلاقة التي تتمتع فيها البيئة الطبيعية بالغلبة والسيادة في ظل الحتم الجغرافي السائد بين المفكرين آنذاك.
المرحلة الرابعة ( المعاصرة ):
فقد ركزت على دراسة الوحدات السياسية وفي مقدمتها الدولة ، ومن أعلام هذه المرحلة وتلي وهارتشهورن وجوتمان ، فقد أسهم وتلي في وضع إطار نظري للجغرافيا السياسية ، حيث رأى أنها تهتم بدراسة اختلاف الظاهرات السياسية من مكان إلى آخر على سطح الأرض ، وتأتي الدولة في مقدمة هذه الظاهرات.
ورأى هارتشهورن في كتاباته الأولى أن الجغرافية السياسية هي دراسة الوحدات السياسية ويتضمن هذا المنهج وصفا تحليليا لعناصر الدولة ، وبدأ بعد ذلك يركز على وظائف الدولة حيث ذكر أن كل دولة تحتوي على عوامل الوحدة وعوامل التنافر معا.
أما جوتمان فقد أضاف فكرتين هما الحركة والاكنوجرافيا ، فالحركة تتضمن وسائل النقل والمواصلات وانتقال الأشخاص والسلع والأفكار ، أما الاكنوجرافيا " الثبات " فهي القوة المضادة للحركة وتشمل قيم الماضي ووجهات النظر الاجتماعية.
وكانت الجغرافية السياسية في بادئ الأمر تدرس أثر البيئة الطبيعية ( الموقع – المساحة – الشكل – التضاريس – المناخ – الغطاء الحيوي ) على السلوك السياسي ( الأقوال – القرارات – الأفعال ) للدول ، وبذلك اتسمت هذه النظرة بالحتم الجغرافي .
وكرد فعل لهذا الاتجاه ظهرت مدرسة مناوئة للحتمية ، رأت أن الجغرافية السياسية هي عبارة عن دراسة تأثير السلوك السياسي على اللاندسكيب الطبيعي والبشري ، ثم سرعان ما تغلب الاتجاه الاحتمالي ، الذي يرى أن الجغرافيا السياسية هي دراسة التأثير المتبادل بين الظواهر الجغرافية من ناحية والظاهرة السياسية من ناحية أخرى.

ويرى فريق آخر أن الجغرافية السياسية هي التحليل المكاني للظاهرة السياسية ، أو بعبارة أخرى دراسة الأبعاد المكانية للسياسة ، بحيث تصبح أي ظاهرة في المكان موضوعا من موضوعات الجغرافيا السياسية طالما كان لها بعدا مكانيًا .