- الأحد ديسمبر 18, 2011 6:24 pm
#43254
زاغ بصره ووجم في زحمة غرفة الأخبار في لندن.. ونذر الشتاء تقبل في خيوط شمس متقطعة.. تبسط الوجوم في المكان في عام الف وتسعمئة وثمانيةٍ وتسعين. بعد نحو سبع دقائق التفت ورائي.. فلايزال المذيع الذي يعمل في لندن حالياً.. يده في جيبه.. والحيرة تسكنه.
استغربت حاله.. فعاجلني:.. سأقول لهم إنني رميت "بالونة اختبار" لأعرف من يعارض الحكومة.. نعم سأقول لهم ذلك.. هذا ردي. انصرف كالمغشي عليه.. وتركني في ذهول.
الرجل كان يرد على تساؤل برئ.. عندما قلت له: لماذا توافق "فلان" في نقده للحكم في سوريا، فهو لبناني معارض معروف.. لماذا انسقت وراءه.. وأنت تزور بلدك كل عام وأهلك هناك.. وغرفة الأخبار مليئة بـ"الناس".
قبيل ذهابه رددت عليه مطمئناً: يا رجل لا تخش شيئاً كنت أمازحك.. لكنه لم يسمع إلا فحيحاً.. كأنما يترقبُ ضربة الموت.. فمن من رجال ونساء سوريا.. لم يشتم أنفاس الدكتاتورية الكريهة ويحسها؟ فمن لم يمت فقد زار المقابر.
ذل يتراءى للبعيد.. بيد أنه مدنية منسوجة ببصيرة.. فإذا كانت سوريا هي بوابة للتاريخ، فكل شبرٍ فيها، سكنه أفذاذ في المعرفة والتفرد في مسالك الخير، مسلموهم ومسيحيهم.. فقدم إليها الأخيار والأشرار من الحكام لينالوا العز والقوة.. من أناس تشربوا التجويد فيما يصنعون وخبروه.. وفي زماننا الحديث هذا.. ومنذ العام ألف وتسعمائة وثمانية عشر.
عندما تركها الأتراك.. تقلب فيها الانجليز والفرنسيون.. قهراً وحيفاً.. ثم تركوها للوطنيين الذين لم تتغير نظرتهم.. خصوصاً بعد أن دلف حزب البعث للسلطة.. السلطة التي لم تبق صاحباً لصاحبه.. حتى صلاح جديد القائد ألبعثي الذي أعاد حافظ الأسد إلى المؤسسة العسكرية وسانده.. أختلف مع الأسد وصارعه.. حتى حسم الخلاف لصالح الأسد منذ نوفمبر ألف وتسعمائة وسبعين.
وفي أتون الشنآن والحرب والخلافات التي لبدت المنطقة والعالم.. دقت الأغلال في كل ركن, ونصبت المشانق للمخالفين وسنت السيوف لمن يغردون بغير ما يطرب له الحكم. وبقي الشعبُ حضارياً في فسحة الأمل المظلم.. يرى بعضه خيراً في الحكم.. فلم يكن في مجموعه شر مستطير وفي بيئته لعنة.. هكذا توافقوا وتعايشوا معه قدم الأسد الأصغر بشار.. مبتسماً طبيباً.. والزمن غير الزمن في العام ألفين.
ورث البلاد.. فاستلف لسان الحاضر وآنس راحة الماضي المتكبر المتجبر.. بيد أن ذلك الصابر أيقن أن الوقت أزف ليشرئب إلى ما يستحق من حقوق كرامةٍ وعيش سوي، يشرئب اليها في ما يعرف بالإجماع الواعي.. ورأينا ما رأينا من دماء قابلتها الشجاعة الكبرى.. ورأينا العنه والاستكبار يطابقها الصبر والإباء.. رأينا الانحسار والانكسار.. يلاطمه الشموخ والتقدم.
خسرت التأوهات والبكائيات أمام توحد قيم الحرية والمساواة والكرامة، هذا التوحد لا يجدي معه نفعاً سوى التواؤم والتوافق والتغير والتطبع
استغربت حاله.. فعاجلني:.. سأقول لهم إنني رميت "بالونة اختبار" لأعرف من يعارض الحكومة.. نعم سأقول لهم ذلك.. هذا ردي. انصرف كالمغشي عليه.. وتركني في ذهول.
الرجل كان يرد على تساؤل برئ.. عندما قلت له: لماذا توافق "فلان" في نقده للحكم في سوريا، فهو لبناني معارض معروف.. لماذا انسقت وراءه.. وأنت تزور بلدك كل عام وأهلك هناك.. وغرفة الأخبار مليئة بـ"الناس".
قبيل ذهابه رددت عليه مطمئناً: يا رجل لا تخش شيئاً كنت أمازحك.. لكنه لم يسمع إلا فحيحاً.. كأنما يترقبُ ضربة الموت.. فمن من رجال ونساء سوريا.. لم يشتم أنفاس الدكتاتورية الكريهة ويحسها؟ فمن لم يمت فقد زار المقابر.
ذل يتراءى للبعيد.. بيد أنه مدنية منسوجة ببصيرة.. فإذا كانت سوريا هي بوابة للتاريخ، فكل شبرٍ فيها، سكنه أفذاذ في المعرفة والتفرد في مسالك الخير، مسلموهم ومسيحيهم.. فقدم إليها الأخيار والأشرار من الحكام لينالوا العز والقوة.. من أناس تشربوا التجويد فيما يصنعون وخبروه.. وفي زماننا الحديث هذا.. ومنذ العام ألف وتسعمائة وثمانية عشر.
عندما تركها الأتراك.. تقلب فيها الانجليز والفرنسيون.. قهراً وحيفاً.. ثم تركوها للوطنيين الذين لم تتغير نظرتهم.. خصوصاً بعد أن دلف حزب البعث للسلطة.. السلطة التي لم تبق صاحباً لصاحبه.. حتى صلاح جديد القائد ألبعثي الذي أعاد حافظ الأسد إلى المؤسسة العسكرية وسانده.. أختلف مع الأسد وصارعه.. حتى حسم الخلاف لصالح الأسد منذ نوفمبر ألف وتسعمائة وسبعين.
وفي أتون الشنآن والحرب والخلافات التي لبدت المنطقة والعالم.. دقت الأغلال في كل ركن, ونصبت المشانق للمخالفين وسنت السيوف لمن يغردون بغير ما يطرب له الحكم. وبقي الشعبُ حضارياً في فسحة الأمل المظلم.. يرى بعضه خيراً في الحكم.. فلم يكن في مجموعه شر مستطير وفي بيئته لعنة.. هكذا توافقوا وتعايشوا معه قدم الأسد الأصغر بشار.. مبتسماً طبيباً.. والزمن غير الزمن في العام ألفين.
ورث البلاد.. فاستلف لسان الحاضر وآنس راحة الماضي المتكبر المتجبر.. بيد أن ذلك الصابر أيقن أن الوقت أزف ليشرئب إلى ما يستحق من حقوق كرامةٍ وعيش سوي، يشرئب اليها في ما يعرف بالإجماع الواعي.. ورأينا ما رأينا من دماء قابلتها الشجاعة الكبرى.. ورأينا العنه والاستكبار يطابقها الصبر والإباء.. رأينا الانحسار والانكسار.. يلاطمه الشموخ والتقدم.
خسرت التأوهات والبكائيات أمام توحد قيم الحرية والمساواة والكرامة، هذا التوحد لا يجدي معه نفعاً سوى التواؤم والتوافق والتغير والتطبع