صفحة 1 من 1

الدوله في الفلسفه السياسيه

مرسل: الأحد ديسمبر 18, 2011 6:49 pm
بواسطة عبدالله السماري 1
مفهوم الدولة من المفاهيم التي تحول معناها بين الماضي والحاضر ، وتطور مع حركة التاريخ ؛ ذلك أن هذا المفهوم يوحي بظلال تاريخية استقرت في وعي الإنسان العربي والمسلم على خلاف ما استقر ذلك في وعي الإنسان الغربي ، وهذا الاختلاف يؤدي أحيانًا إلى إطلاق أحكام خاطئة ، تصل حد المفارقة حين نسمي الكيانات العربية دولاً ، هنا وجه للمقارنة ، ويظهر لنا هذا الاختلاف جلياً حين نقوم بدراسة مفهوم الدولة وتطوره في التاريخ العربي ونقارنه بتطوره المقابل في التاريخ الأوروبي ، وما نتج عن كل منهما من تطبيقات عملية وسلوكيات فكرية .
(1)تربع مفهوم الدولة عرش الفلسفة السياسية ، لما يحمله من أهمية قصوى سواء اعتبرناه كيانا بشريا ذو خصائص تاريخية ، جغرافية ، لغوية ، أو ثقافية مشتركة ؛أو مجموعة من الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. فان دل الاعتبار الثاني على شيء فإنما يدل على كون الدولة سيف على رقاب المواطنين وعلى هؤلاء الآخرين الامتثال والانصياع.فلقد اتفق فلاسفة السياسة على أن الدولة هي الذروة التي تتوج البنيان الاجتماعي الحديث وتكمن طبيعتها التي تنفرد بها في سيادتها على جميع أشكال التجمعات الأخرى. فالدولة وسيلة لتنظيم السلوك البشري وفرض المبادئ السلوكية التي ينبغي أن ينظم الأفراد حياتهم على أساسها. فهي التي تصدر القوانين وتعاقب من يخرج عليها كما أنها تملك فرض النظام لضمان طاعتها من قبل الأفراد والجماعات المندرجة تحت ظلها .أولا : أصل كلمة دولةإن كلمة دولة قديمًا كانت تدل على وجود مجتمع فيه طائفة تحكم وأخرى تطيع . والدولة جاءت أو تشكلت عبر الزمان من خلال وجود مساحة من الأرض هذه الأرض يتوفر بها أسباب العيش ، من ماء وغذاء ومرعى وطقس جيد ، فتقوم هذه الأرض المتوفر بها أسباب العيش بجذب السكان إليها ، والسكان عندما يحضروا إليها يكون عددهم قليل جدا فيتزاوجوا وينجبوا جيلا جديدا وعددا جديدا في هذا الحال ينتقل هذا العدد القليل من أسره قليلة العدد يحكمها الأب إلى عشيرة يوجد بها عدد من الأفراد لا بأس به يحكمها شيخ العشيرة ، فتستمر عملية زيادة عدد الأفراد بأشكال مختلفة وينتج عن ذلك قرية ثم تتحول هذه القرية إلى قرى ثم تتحول هذه القرى إلى مدينة ثم إلى مدن ومن ثم ومع زيادة عدد المدن تتشكل الدولة التي يحكمها سلطة معينة وهي عبارة عن عدد من أبناء الشعب .
(1)ثانيًا : تعريف الدولة :· التعريف اللغوي :الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها ، العاقبة في المال والحـرب ، وقـيل : بالضم في المال ، وبالفتح بالحـرب ، وقـيل : بالضم للآخـرة وبالفتح للدنيا ، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو ، ودول بكسر الدال وفتح الواو ، والإدالة الغلبة ، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم ، وكانت الدولة لنا. ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها ، وإلا لما كانت دولة .· التعريف الاصطلاحي :تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها ، وهي الشعب ، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف ، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.· تعريف الدولة في المعجم الفلسفي : Stateمجتمع منظم له حكومة مستقلة وشخصية معنوية متميزة عن المجتمعات الأخرى المماثلة التي تربطه بها بعض العلاقات . وتختلف الدول فيما بينها ، من حيث تكوينها ونظام الحكم فيها ، فمنها كبيرة وصغيرة ، ومنها ملكية وجمهورية .(2)·
تعريف الدولة في موسوعة لالاند الفلسفية : ETAT " "أ – مجتمع منظم ، ذو حكومة مستقلة ، ويضطلع بدور شخص معنوي ، اعتباري ، مميز تجاه المجتمعات المماثلة الأخرى التي يقيم معها علاقات .ب – مجموعة الخدمات العامة لأمة من الأمم . بهذا المعنى ، تقابل المقاطعة ، المحافظة ، الولاية ، الخ .
(3)ثالثًا : أصل نشأة الدولةإن البحث عن أصل نشأة الدولة يعد من الأمور العسيرة ذلك أن الدولة ظاهرة اجتماعية يرجع أصلها إلى الحضارات القديمة و هي في تطورها تتفاعل مع الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية السائدة .1) النظريات الغير عقدية :أ- نظرية القوة و الغلبة :إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة أو القبيلة أو المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها . ومن أهم مفكري هذه النظرية ابن خلدون في كتابه المقدمة و Walter Bagehot و Jencks و Oppenheim ... و من أولى نتائج هذه النظرية التأكيد على سيادة الدولة المطلقة التي لا يحدها أي قانون أو معاهدة ، فللدولة مطلق الحرية في عقد المعاهدات و إلغائها و إعلان الحرب . و يقول فقهاء هذه النظرية أن الحرب هي التي تدفع بالعقل البشري تحت ضغط الحاجة إلى الإبداع . قد تأكد صحة هذه النظرية في العديد من المرات حيث قامت العديد من الدول على أساس القوة المادية و الانتصار في الحروب .ب- نظرية التطور التاريخي :يرى دعاة هذه النظرية أن الشكل الأول للاجتماع كان العائلة التي تطورت إلى قبيلة فعشيرة فمدينة فإمارة و أخيرا إمبراطورية . فمع التطور التاريخي اكتشف الإنسان أولا الحاجة إلى الاستقرار الاجتماعي فكانت العائلة ، ثم تبين له أهمية توسيع هذا الكيان الاجتماعي نظرا لما يوفر ذلك من إمكانيات ، فبالعيش المشترك بين مجموعة من الأفراد يربطهم ولاء تتحقق القدرة على تأمين الحاجات الأساسية و خاصة مواجهة أعدائهم الخارجيين.ج- النظرية الماركسية :يرى ماركس أن ظهور الدولة أو السلطة السياسية بمعناها الواسع ارتبط باكتشاف الإنسان للآلة الزراعية البدائية أي لأدوات الإنتاج ، فقبلها كان الناس يعيشون على ما يلتقطونه من ثمار و أعشاب و ما يصطادونه فلا وجود للملكية الخاصة ، إما بعد اكتشاف الآلة الزراعية نتج عنه ظهور مفهوم الغلة التي هي قابلة للتخزين و التملك ، من هنا بدا الصراع بين الأفراد حول ملكية أدوات الإنتاج و ملكية الغلة الزراعية ، وكانت الغلبة للأقوى ليست فقط بالمعنى المادي بل وأيضا بالمعنى الفكري . و يمكن أن نقول ، إن النظرية الماركسية تقترب من نظرية القوة من حيث أن الدولة هي أداة إكراه و أن استمرارها متوقف على تملكها لقوة عسكرية كافية للدفاع عن نفسها .2) النظريات العقدية ( نظرية العقد الاجتماعي ) :تنطلق هذه النظرية على أساس أن الدولة ظاهرة إرادية قامت نتيجة اتفاق حر و اختياري بين مجموعة من الناس فضلوا الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع المدني و السياسية مع ما نتج عن ذلك من قيام سلطة سياسية و تنازل المواطنين عن كل أو بعض حقوقهم الطبيعية . و نجد جذور هذه النظرية في الفكر الكنسي الوسيط و في الفكر الإسلامي . و هناك ثلاث مفكرين اختلفوا في تقييم العقد الاجتماعي و هم :أ- توماس هوبز Thomas Hobbes 1588-1679 :يرى هوبز أن الإنسان ليس اجتماعيًا بطبعه بل هو أناني محب لنفسه لا يعمل إلا بالقدر الذي تتحقق معه مصالحه الشخصية ، و كانت القوة هي السائدة في العلاقات بين الأفراد إلا أن الإنسان أدرك وجوب الانتقال من حالة الفوضى إلى حالة الاجتماع المدني ، فتولدت ضرورة التعاقد لدى الجميع على أن يعيشوا معا تحت رئاسة واحد يتنازلون له عن كافة حقوقهم الطبيعية و يكلون له أمر السهر على مصالحهم و أرواحهم ، ونجد أن هذا العقد لا يلزم إلا أطرافه و بالتالي فالملك لا يلتزم بشيء لأنه ليس كرفا في العقد .
(*)ب- "جون لوك " john Locke 1632- 1704 :يقول لوك أن حياة الفطرة لم تكن فوضى و اضطراب بل كانت حياة سعادة في ظل قانون طبيعي مستوحى من العقل البشري و الإلهام الإلهي ، لكنها مشوبة بمشاكل و أخطار و لذلك شعر الفرد بضرورة الدخول مع الآخرين في عقد يقم المجتمع لحماية حقوقه ، لذلك كان العقد الاجتماعي بين الشعب من جانب و الحاكم من جانب آخر و لم يتنازل فيه الأفراد عن كل حقوقهم بل فقط القدر اللازم لإقامة السلطة ، و بالتالي أصبحت سلطة الحاكم مقيدة و أن الشعب ملزم بواجب الطاعة تجاه الحاكم طالما انه يعمل في الحدود التي رسمها العقد فإذا جاوزها إلى غيرها كان للشعب حق مقاومته بل و عزله من منصبه .
(*)ج- جان جاك روسو jean jack Rousseau 1712-1778:لقد غالى روسو في وصف حالة الإنسان البدائية حيث اعتبرها مليئة بالسعادة و الخير و الحب و الانتقال إلى حالة الاجتماع المدني كان بهدف الارتقاء و تجنب بعض العقبات التي اعترضت وجوده في سبيل المحافظ على حياته . الحل عند روسو هو في تنازل كل فرد عن حقوقه للمجتمع كله التي هي الإرادة العامة ، فالإرادة العامة هي صاحبة السيادة و هي عبارة عن مجموعة الأفراد و انطلاقا من ذلك يطرح روسو مفهومه للحكم الديمقراطي المباشر القائم على سيادة الشعب الممثل بالإرادة العامة . و لذلك رفض روسو وجود سلطات تشريعية و تنفيذية مستقلة عن سلطة الشعب ، فالشعب هو الذي يشرع و الحكومة هي مجرد جهاز تنفيذي ينفذ إرادة الشعب . و بالتالي فهنا تحدث عملية التعاقد بين الأفراد فقط و لكن على أساس أن لديهم صفتين كأفراد طبيعيين ثم كأعضاء في الجماعة السياسية ، وان الأفراد تنازلوا عن كل حقوقهم دون تحفظ ، وان الأفراد يكتسبون حقوق جديدة كبديل عما تنازلوا عنه من حقوق .(*)