منتديات الحوار الجامعية السياسية

على مقهى الحياة

المشرفون: عبدالله العجلان،عبد العزيز ناصر الصويغ

#43322
بقلم محمد فلاح الزعبي
"النوايا الحسنة تصنع ثورة ولا تصنع دولة"، حكمة بتَ أؤمن بها تماما، وخاصة بعدما طبقها العرب مرتين، فنية الشريف الحسين بن علي، الذي قاد الثورة العربية الكبرى الأولى كانت توحيد العرب وبناء دولتهم الحرة المستقلة القوية.
ولكن نيته الحسنة صنعت ثورته، ولم يستطع أن يصنع بها دولته وحلمه بإنشاء دولة عربية موحدة وكبرى، فقد خُدع من قبل (مكماهون) ولم يكن يعلم باتفاقية (سايكس بيكو) لتتقاسم الدول الغربية التي دعمته الأراضي العربية وتنهب خيراتها وتمزقها.
وهاهي ثورة العرب الكبرى الثانية تأتي بعد قرن على ثورتهم الأولى، ولا يشك أحد أن الشباب الذين قاموا بالثورة نواياهم حسنة، لأنهم ثاروا على الديكتاتورية والظلم والاستبداد، فهل سيستطيعون بناء دولتهم التي يحلمون بها كما استطاعوا بناء ثورتهم وبشكل صدم كل المراقبين المتابعين للشأن السياسي في العالم؟
وهل التدخل الغربي السافر في هذه الثورات، وخاصة في ليبيا وسوريا، سيقود الثورات العربية لخديعة أخرى كبرى يتسلم فيها العسكر مقاليد الحكم في البلاد العربية ويعود الاحتلال الغربي الجديد، ولكن هذه المرة مغلف بورق "سولوفان" فاخر؟
نعود لقصة الثورة العربية الكبرى الأولى، فعندما بدأ الشريف الحسين بن علي مراسلاته مع هنري مكماهون، كانت على أساس مطالب ثلاثة، هي تحرير البلاد العربية من الأتراك وقيام الدولة العربية الكبرى والاعتراف الدولي بالاستقلال والسيادة العربية.
أما من جانب الغرب، فكان الهدف الأساس هو السيطرة على خيرات الوطن العربي وإنشاء وطن قومي لليهود، وكانت هناك عقبتان أمام تنفيذ هذا المشروع العقبة الأولى هي الخلافة العثمانية والثانية هي وحدة العالم الإسلامي وقوة الإيمان في قلوب أبنائه.
وهكذا فقد التقت نوايا الشريف الهاشمي غاية في الطهر والنقاء، وهي إنهاء قرن من الظلم والاستبداد من قبل الأتراك وإنشاء وطن للعرب يحكمه أشراف من نسل النبي بنوايا الغرب السيئة، والتي تهدف لتمزيق الأمة الإسلامية والسيطرة على خيراتها.
وكان الدعم متفاوتا، حيث كانت الدول الغربية لا تساعد العرب بما فيه الكفاية، فكانت تسندهم بالسلاح لفترة آنية فقط، بما يسمح بإضعاف الدولة العثماني ويقضي الطرفين على بعضهم البعض، فيخرج كلاهما من الحرب ضعيفا.
وهكذا، فقد انخدع العرب بالوعود العرقوبية المكماهونية وتحطمت آمال الحرية والخلافة على صخرة المؤامرات الإنجليزية والفرنسية والروسية من خلال اتفاقية "سايكس بيكو" 1916م.
وفي نهاية الحرب ذات النوايا الطاهرة وبسبب الخديعة الغربية الكبرى بدل العرب الظلم التركي الذي استمر أربعة عقود (1517- 1917) بالاستعمار الأوروبي الغاشم.
وبدا واضحا الفرق بين أماني العرب القومية ونوايا الاستعمار الخبيثة المبيتة على نسف نسيج الأمة العربية وتبخر أحلامها وزرع الشقاق بين الأشقاء العرب، واقتطاع فلسطين من خاصرة الأمة العربية ووضعها قلادة في عنق الحركة الصهيونية.
وبعد نهاية الحرب، تقاسم الأوروبيون الدولة العثمانية، وضربوا بعرض الحائط الوعود التي قدموها للشريف حسين والثوار العرب، فبدل أن ينالوا الحرية التي يسعون لها وجدوا الاستعمار الأوروبي بديلا لسلطة العثمانيين فأعطوا فلسطين للصهاينة.
وها قد قامت الآن الثورات العربية بجيل جديد ثار على الظلم والاستبداد وقهر أنظمة بقيت جاثمة على كراسي الحكم عشرات السنوات، ونواياهم حسنة جدا ولا نشك في تضحياتهم في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.
ولكن يحق لنا أن نتساءل: هل سيخدع العرب بثورتهم الكبرى الثانية من قبل الغرب؟ وهل تتكرر مأساة العرب ويعود الغرب إلى تمزيق دولهم ونهب خيراتهم وينقلهم من استعمار داخلي إلى استعمار خارجي؟
الغرب في كل الأحوال يبحث عن مصالحه، ولا يمكن أن يعطي أي شيء مجاني، فالدعم الذي يقدمه الغرب للثوار في ليبيا ليس بريئا والتحول الكبير في سياساته تجاه الأنظمة القائمة لا يوجد عاقل يصدق أنه بهدف نشر الديمقراطية وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه ويحدد مصيره؟ لأن جميع هذه الأنظمة صنعت على أيديهم وبقيت تحت رعايتهم طوال عقود خلت.
وفي مقاربة بسيطة نبين ثورتي العرب نجد أن هناك خطوط تقاطع بينهما تتمثل في الظلم والاستبداد الذي استشرى في النخب الحاكمة في هذه الدول وكذلك في الأهداف الفوضوية وعدم وجود رؤية شاملة لما بعد الثورة، أما الأهم الاعتماد الكبير على الغرب وتجلى ذلك في الدعم السافر المسلح لثوار ليبيا.
أما النقطة الأهم في أن دعمهم الثورة العربية الكبرى الأولى بالسلاح كان لفترة آنية فقط، بحيث يسمح بإضعاف الدولة العثمانية ولا يقوي العرب، بل كان الدعم لكي يقضي الطرفين على بعضهم البعض فيخرج كلاهما من الحرب ضعيفا.
وجاء هذا الدعم للثورة العربية الكبرى الثانية بالطريقة نفسها، فالغرب دعم الثورات ضد الأنظمة التي المخلوعة، ولكنه لم يدعم أي تحرك في سبيل الانتقال الفعلي نحو الديمقراطية الجيش حكم في تونس ومصر ولكن لم يتغير أسلوب الحكم، وكذلك الدعم العسكري لثوار ليبيا يأتي بشكل مقنن لدرجة لا تعطيهم ثقلا وقدرة عسكرية لفترة ما بعد حربهم مع القذافي.
يحق لنا الآن، وبعدما تكشفت أمور كثيرة بعد انتهاء الثورة في مصر وتونس واشتعالها في ليبيا واستمرارها في اليمن وسوريا، أن نتساءل وبشكل عقلاني حول الأهداف البعيدة للثورات العربية ودور الغرب فيها، وما الحال الذي ستؤول إليه الشعوب العربية بعد انقشاع غبار الثورات، بعيدا عن العواطف والنوايا، فللحكم والدول حسابات أخرى.
ولا نريد أن نستبدل ظلما وقمعا بظلم أشد وأعتى، وها أنا أكررها للشباب العربي: "النوايا الحسنة تصنع ثورة ولا تصنع دولة".